هذا ما توصل إليه 100 خبير في مجال التعليم عبر تجربة مختبر الأفكار

6 دقائق
shutterstock.com/Cherries

يجري اليوم نقاش على مستوى العالم حول التعليم ومدى قدرته على استيعاب النمو المتسارع لتقنيات التعليم والمعلومات، حيث تطرح أسئلة من قبيل "ما جدوى التعليم" في ظل الزحف المتسارع لتعلم الآلة والذكاء الاصطناعي؟ كما تُطرح أسئلة حول قدرة المؤسسات التعليمية على التأقلم مع مستجدات التطور المعلوماتي وأدواته، والانتقال من التعليم التقليدي إلى تعليم جديد كلياً في مناهجه وأدواته التقنية المواكبة للعصر واستمراريته وتجدده، عبر مبدأ التعلم المستمر. لكن العنصر الذي يغفله الكثيرون ضمن هذا النقاش، هو "الإنسان" والذي هو "المعلم" والمتعلم". هذا العنصر هو الذي يغيب عن الكثيرين حينما يخططون لمستقبل التعليم وإصلاحه، وهو العنصر الذي ركزنا عليه وتوصلنا إلى اتفاق حول أهميته ضمن مؤتمر "قدوة" والذي جمع معلمي العالم في أبوظبي بشهر أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

كانت التجربة الفريدة التي عملنا على تقديمها في مؤتمرنا هي "مختبر الأفكار"، وهي فعالية للعصف الذهني ومشاركة التجارب والأفكار شارك بها 100 شخصية من القيادات والخبراء في مجال التعليم ضمن دولة الإمارات وعدد من دول العالم. وقد كانت فرصة لتطبيق مبدأ "التعلم من الزملاء"، والذي تمت عبره مشاركة تجارب عالمية كان القاسم المشترك فيما بينها هو براعة الإنسان "المعلم" في قيادة عملية التعليم وتحويلها إلى تجربة مرتكزة حول "الطالب" بالكامل. وقد كان هذا التوافق على هذا المبدأ مشتركاً بدءاً من أكثر دول العالم تقدماً إلى بلدان العالم النامي.

لقد تعلم المشاركون من الكيني مايك وامايا كيف غير مسار حياته المهنية إلى التدريس، حيث قال للجميع عن تجربته: "أنت بحاجة إلى مدرس يدمج الفنون في مادتي اللغة الإنجليزية والعلوم، ويعلّم الأرقام أو الأحرف الأبجدية أو المعلومات حول المدن من خلال التصفيق". وبرأيه، "نحن بحاجة إلى إعادة ثقافتنا إلى الفصول الدراسية وإنعاش طرقنا التقليدية في التدريس"، خاصة مع وجود بلدان كثيرة لا تزال تفتقر للتطور التكنولوجي"، مثل بلده. وقال في هذا الصدد: "من قال إن الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر هي المعلم الأمثل في كل مكان من العالم؟"

وما أراد مايك قوله هو أن "المعلم" بصفته إنساناً يبقى دوماً هو الأقدر على تخصيص التعليم بما يناسب كل ثقافة وكل شخص، ولن تكون التكنولوجيا وحدها قادرة على ذلك دون تدخل البشر.

وعلى الرغم من أن نموذج التعلم من الزملاء أو الأقران كان دوماً وسيلة مهمة لتطوير النموذج الشخصي في التعليم والعمل، فإنه اليوم يبدو أكثر إلحاحاً، حيث جاء في نتائج استطلاع مجموعة "تيلز" للأبحاث (Thales Group) عام 2018 أن المعلمين الذين يتعاونون مع بعضهم على نحو منتظم يمكنهم تطبيق مجموعة أكثر تنوعاً من ممارسات التعليم مقارنة بزملائهم، ويكون أداء طلبتهم أفضل، ولديهم قدرة على التعليم بأريحية أكثر من غيرهم. وبالرغم من جميع الأبحاث التي أجريت حول فوائد التعلم من الزملاء - بما في ذلك التعليم الجماعي، والمتابعة داخل الفصول الدراسية، وتبادل الآراء والخبرات إلا أن نسبة المعلمين الذين يطبقونها عالمياً لا تتعدى 60%.

وبسبب هذه النسب المتدنية للتعاون في مجال بناء خبرات المعلمين، فإننا نجد على الدوام مبادرات فردية يقوم بها معلمون لديهم أفكار ريادية مبادرة، ومنهم من نال جوائز عالمية مثل الفائز بجائزة المعلم العالمي لعام 2019 بيتر تابيشي وهو مدرس من دولة كينيا يعمل في قرية نائية، لكنه عمل بجهد ضخم لرفع مستوى التعليم الحكومي في مدرسة قريته عبر جهود فردية فتحول إلى نجم عالمي وتحول طلاب مدرسته إلى نجوم مرشحين لجوائز عالمية في العلوم والرياضيات.

في حين كان للإمارات نصيب من التميز بفوز المعلمة ليلى عبيد سالم مطوع اليماحي، معلمة اللغة العربية في مدرسة مربح للتعليم الثانوي بإمارة الفجيرة، بجائزة "محمد بن زايد لأفضل معلم خليجي"، تكريماً للعديد من المبادرات التي أطلقتها وأبرزها، مبادرة "أصداء الموهبة"، التي أصبحت إحدى أهم المبادرات المعنية باستضافة الطلبة الموهوبين من مختلف مدارس الدولة، وتنظيم مشاركات ومسابقات ومعارض لهم، بالإضافة إلى مشروع رواق لنشر ثقافة القراءة بين أفراد المجتمع، وهي عبارة عن عربة ذكية متنقلة، تحتوي على كتب ووسائل تعليمية ومعرفية متعددة، تتنقل بين المؤسسات والمدارس للتشجيع على القراءة.

كما وجدنا أن المعلمة الإسبانية مايتي جوتيريز ألفار، طورت استراتيجية لتشارك الملاحظات بين زملائها المعلمين الآخرين على فترات متقاربة، وعلى الرغم من أن بلدها إسبانيا سجل أدنى معدلات التعلم التعاوني، أطلقت ألفار برنامجاً أسمته  "تويننج - Tweening" في مدرستها، ويقضي فيه المعلمون 10 دقائق يومياً لمتابعة الأساليب التعليمية لزملائهم وتقديم آرائهم بشأنها.

نخبة الأفكار

ودعوني في هذا المقال أشارك معكم المرتكزات الأساسية التي رأى الخبراء المائة في مختبر الأفكار، أنها أولوية لتطوير منظومة التعليم في الإمارات. إنها ثلاث نصائح مفصلة؛ أولها يخص المنظومة التعليمية، وثانيها مستوى المدارس، وثالثها تتعلق بالأفراد.

المنظومة التعليمية

فعلى صعيد المنظومة التعليمية، بات من الضروري العمل على إجراء تغييرات جوهرية، وأول هذه التغييرات، هو التحول من (دافع التلبية إلى دافع الغاية)، إذ ينبغي إفساح المجال للمبادرة وعدم حصرها ضمن الفئة العليا من الإداريين. كما يجب أن تتحلى المعايير القياسية بمقدار أكبر من المرونة؛ حيث يجدر اختيار الأعضاء ضمن جميع مستويات النظام التعليمي بالتركيز على السمات القيادية والإمكانات، وعلى هؤلاء الأعضاء أن يساهموا بفاعلية وعدم الاكتفاء بحدود الصلاحية الرسمية لخدمة المصلحة الجماعية المتمثلة في إيجاد بيئة تعلم وعمل آمنة للطلاب والمدرسين.

ولكن، هناك حاجة أخرى إلى العمل على التحول من النشاطات منخفضة القيمة المضافة إلى النشاطات المتمحورة حول الطلاب، إذ لا تقتصر مهام المدرسين على تصميم المنهاج الدراسي ودعم عملية تعلم الطلاب وتطورهم فحسب. فمع مرور الزمن، اتسع نطاق مسؤولياتهم بشكل ملحوظ، وباتت تتضمن العديد من الإجراءات الإدارية والتقريرية والبيروقراطية. ولهذا السبب ينبغي تبسيط جميع الأنشطة التي لا تضيف قيمة حقيقية أو إلغاؤها كي يتاح للمدرسين تركيز جهودهم بحق على عملية التعلم والتطور لدى طلابهم ولديهم هم أيضاً.

ولعله أيضاً من الضروري العمل على التحول من قاعات التدريس القديمة الطراز إلى مساحات تعليم ذات توجه مستقبلي، فشكل المكان وطريقة تنظيمه يشكل أثراً كبيراً على النماذج السلوكية والفكرية والإدراكية. ولدعم منهجيات التعليم والتعلم الإبداعي، ينبغي إعادة تخيل المساحات المدرسية؛ لتكون مرنة ومتعددة الوظائف، وتسهل التجريب والتفاعل، وتعزز من مستويات الإبداع والتعاون، إلى جانب إجراء تجارب باستخدام تقنيات وأدوات مختلفة، وذلك بطريقة جديدة تجعل التعلم والتطور عملية متواصلة وسريعة.

المستوى المدرسي

إن أحد اللاعبين الرئيسيين في التغييرات والتطورات التي يحتاجها قطاع التعليم يندرج تحت المستوى المدرسي، إذ هناك حاجة ملحّة للتحول من عقلية التنافس إلى روح التعاون، فالتعليم يعتبر عملية تعاونية؛ ويمكن للمعلمين اكتساب الكثير من المهارات المفيدة من المعلمين الآخرين، لذا من الضروري الابتعاد عن المنهجيات التنافسية ودعم مقاربة تعاونية وجماعية ضمن كل مدرسة.

ومن هذا المنطلق، فإنه من الضروري العمل على الانتقال من تقسيم الاختصاصات إلى تكاملها، حيث بات من الضروري إلغاء الحدود التي تفصل بين التخصصات واعتبار التعليم بمثابة سرد لقصة فريدة ومتداخلة لكنها واحدة. ويساعد الجمع بين التخصصات وتعددها المتعلمين على استكشاف منظورات عديدة وتقدير الارتباطات والعلاقات بين المواضيع المختلفة، علاوة على اكتساب فهم أعمق لها.

كما أنه من الضروري العمل على التحول من المهارات التقنية إلى القدرات الاجتماعية العاطفية، إذ لا تكفي المهارات التقنية والرقمية والأكاديمية لتطوير الكفاءة العالمية، وإعداد الطلاب لمواجهة عالم تغلب عليه حالة من عدم الاستقرار على نحو متزايد، وينبغي إكساب الطلاب بعناية مزيداً من القدرات الاجتماعية والعاطفية من أجل أن يتقنوا التفاعل والتعاون، ويفكروا بطريقة نقدية وإبداعية، ويتمكنوا من فهم وإدارة الأفكار والعواطف والسلوكيات. ولهذا السبب، من الضروري إيجاد بيئة آمنة تتم فيها موازنة النشاطات التفاعلية بعناية داخل القاعة، حيث يُنظر إلى الطلاب ويُعتنى بهم من جميع الجوانب، ويمكن للطلاب أن يشاركوا مشاعرهم وعواطفهم ويناقشون المشاكل ويبحثون في الحلول فيما بينهم ومع مدرسيهم.

وفي هذا الإطار، فإن التوصيات جابهت واقعاً أساسياً في عملية التقييم، والذي يتطلب التحول من إطلاق تجارب التعلم المتمحورة حول المدرس إلى تلك المتمحورة حول الطالب، إذ ينبغي أن يتم تصميم تجارب التعلم من أجل الطلاب، لا من أجل المدرسين، حيث يعتبر الطلاب بمثابة الجهة المتلقية ما يمنحهم صوتاً وخياراً، ويزيد تناغمهم ومسؤوليتهم.

المستوى الفردي

وعلى الرغم مما تقدم، فالعمل وفق مستويي المنظومة والمدرسة، لا يعتبران كافيان بوصفهما أسلوب مؤسسي مدروس، إذ تعتبر المهارات الفردية وتطوير الذات أساساً في إظهار الشغف بالرغبة في التطور والتغيير، وهنا يكمن التغيير المطلوب على المستوى الفردي.

ومن هذا المنطلق، هناك ثلاث نقاط رئيسية أجمع عليها الخبراء والحاضرون في "قدوة" ليتمكن المعلمون من تحقيق التطوير اللامنهجي المنشود:

  • أولها، الانتقال من مفهوم "المدرس الذي يقوم بحل المشكلات" إلى "المدرس بوصفه وسيطاً"، فقد كان المدرسون يحاولون تعليم طلابهم كل شيء فيما مضى، من المعرفة إلى المهارات والحلول. أما اليوم، فقد تغير دور المدرس من شخص يقدم الحلول الجاهزة إلى وسيط يوفر السبل الكفيلة بإيجاد هذه الحلول. فعلى المدرسين توفير الدعم والإرشاد للطلاب، وأنّ يدلوهم على الطرق والاحتمالات المختلفة أمامهم، ويحذروهم من التحديات والعقبات التي قد تصادفهم، بدلاً من أن يضعوا الحلول مباشرة بين أيديهم. وبكلمات أخرى، على مدرسي اليوم أن يكونوا شركاء في رحلة التعلم والتطور التي يخوضها طلابهم.
  • أما الممارسة الثانية في هذا السياق، فتكمن في الانتقال من التمرين الأساسي إلى التطوير الشخصي والمهني، حيث يُعدّ التطوير المهني المتواصل أمراً شديد الأهمية؛ لتمكينه المدرسين من مواجهة التحديات التعليمية الخاصة بطلابهم وإعدادهم للمستقبل. غير أن البرامج التدريبية التي تهدف إلى الارتقاء بالمعرفة والمهارات والخبرة ليست كافية؛ حيث يجب على المدرسين تعزيز الجوانب المهنية والشخصية لعملية التطوير، فهم بحاجة إلى تطوير كفاءات تقنية حديثة وقدرات قيادية جديدة، واختبار طرق جديدة في العمل والسلوك، واستكشاف العالم الخارجي إلى جانب العالم الداخلي. فالمدرسون بحاجة إلى تطوير أنفسهم أولاً في سبيل تطوير الآخرين، كما عليهم تطوير الجوانب النفسية لفهم أنفسهم والعالم المحيط بهم وفق أسلوب تفكير أكثر كفاءة وتفوق.
  • وفي السياق ذاته، يأتي التغيير بالتحول من الانخراط الفردي إلى الانخراط الجماعي، وهو ثالث تلك التوصيات، إذ يجدر بالأهل اكتساب المزيد من الوعي حول حياة أبنائهم في المدرسة، وإثراء علاقاتهم بالمعلمين والتعاون معهم لإيجاد طرق أكثر فاعلية لتطوير الطلاب على الصعيد الشخصي. ومن جهة أخرى، ينبغي على الطلاب تنمية حس عال بالمسؤولية والاهتمام وإمساك زمام رحلتهم التعليمية بأنفسهم، ويجب تشجيعهم على أن يصبحوا "متعلمين طوال الحياة" فالعملية التعليمية لا تقتصر على المدرسة فحسب. وقد عبر الفيلسوف جون ديوي عن ذلك أفضل تعبير، بالقول: "التعليم ليس إعداداً للحياة، بل هو الحياة نفسها".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي