ملخص: يتعرّض المؤثرون في كثير من الأحيان لتعليقات سلبية على شبكة الإنترنت، وقد يؤدي تعاملهم مع هذه التعليقات بطريقة معيّنة إلى تداعيات خطيرة تؤثر سلباً على علاماتهم التجارية الشخصية وفعالية دعمهم للمنتجات التي يروجون لها؛ إذ أثبتت الأبحاث الحديثة أن حظر التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي هو أحد الأساليب الشائعة التي يمكن أن تدمّر أهم أدوات المؤثر؛ أي قدرته على إقناع الآخرين ونيل قبولهم وتعزيز مصداقيته لديهم.
لجأ كثير من الشخصيات العامة، بدءاً من أوبرا وينفري وصولاً إلى سيلينا غوميز، إلى تقييد الوصول إلى التعليقات على صفحاتهم بوسائل التواصل الاجتماعي، سواء بصورة مؤقتة أو دائمة، رداً على الانتقادات التي وجهها الناس إليهم عبرها. يبدو هذا القرار منطقياً؛ لأن تصرفات الشخصيات العامة تخضع غالباً لأشد أنواع التدقيق، وقد يكون حظر التعليقات بمثابة خط دفاع أول لحماية صحتهم النفسية.
لكن أحدث أبحاثنا أثبت أن قرار حظر التعليقات قد يسفر عن عواقب لم تكن في الحسبان؛ فقد تبيَّن لنا من خلال 7 دراسات اهتزاز ثقة المتابعين في مصداقية المؤثر عبر شبكة الإنترنت، بدءاً من صانع المحتوى الرقمي وصولاً إلى الشهير الذي أصبح مؤثراً، وتراجع درجة قبولهم له وعدم اقتناعهم بما يقوله عندما يحظر التعليقات على صفحته في وسائل التواصل الاجتماعي.
قبل التوصل إلى هذا الاستنتاج، بحثنا أولاً في منصة تويتر (المعروفة الآن باسم إكس) عن التغريدات التي تشير إلى إقدام أحد المؤثرين على "حظر التعليقات". ووجدنا باستخدام تحليل النصوص أن التغريدات التي تتفاعل مع حظر التعليقات عبّرت عن مشاعر سلبية أكثر بكثير من تغريدات مجموعة الضبط.
أجرينا بعد ذلك 6 تجارب عرضنا خلالها على مستخدمي إنستغرام وتويتر العديد من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي لمؤثرين عبر شبكة الإنترنت. ووحَّدنا مختلف التفاصيل المرتبطة بهؤلاء المؤثرين، مثل ملفاتهم التعريفية والمنشورات نفسها، ولم ننوِّع إلا قسم التعليقات، إما بحظره وإما بتركه متاحاً.
لاحظنا في هذه التجارب أن المشاركين الذين شاهدوا منشورات لمؤثر حظر التعليق عليها أعربوا عن اهتزاز ثقتهم في مصداقيته وتراجع درجة قبولهم له وعدم اقتناعهم بما يقول، مقارنة بمَن شاهدوا منشورات لمؤثر أتاح التعليق عليها. علاوة على ذلك، لاحظنا أن حظر المؤثر للتعليقات أدى إلى تراجع استعداد المشاركين للتفاعل مع حملاته للتسويق بالعمولة؛ إذ أبدوا عدم اكتراثهم بمعرفة المزيد عن العلامات التجارية المعتمدة أو استخدام أكواد الترويج، وثبت أن هذه الآثار تنطبق على المؤثرين من الإناث والذكور على حدٍّ سواء.
تجدر الإشارة إلى أن قيمة التسويق عبر المؤثرين تبلغ حالياً نحو 21.1 مليار دولار، وأن اهتزاز صورة المؤثر أمام المستهلكين له عواقب وخيمة على كلٍّ من المؤثر والعلامات التجارية التي تربطه بها علاقة شراكة.
ما هي، إذاً، أفضل طريقة لإدارة التعليقات على منشورات المؤثرين الذين يستفيدون مهنياً في أغلب الأحيان من إبراز مصداقيتهم والجانب الودود من شخصياتهم عبر شبكة الإنترنت؟ حددت أبحاثنا 3 اعتبارات مهمة لمساعدة هذه الشخصيات العامة على التعامل مع التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي والحفاظ في الوقت نفسه على متانة علاقاتهم مع كلٍّ من متابعيهم وشركائهم من العلامات التجارية.
1. فهم أهمية الانفتاح على آراء الجمهور
يشعر المستهلكون في كثير من الأحيان بأن ثمة علاقة شخصية تربطهم بالمؤثرين، حتى إن البعض يعتبرهم أصدقاء. وحينما ترتكز العلاقة بين المؤثرين ومتابعيهم على شعور ملموس بالحميمية، سيكتسب المؤثرون ثقة جمهورهم وتزداد قدرتهم على الإقناع، لكن هذه الفوائد تأتي مصحوبة بارتفاع توقعات متابعيهم.
فقد وجدنا أن المستهلك يتوقع من المؤثرين الترحيب بأفكاره وآرائه وملاحظاته، وهو ما نسميه "صوت المستهلك". استوحى المحللون هذا المصطلح من الأبحاث التي تناولت أماكن العمل وتوصلت إلى أن شعور الموظفين بالقدرة على إبداء رأيهم في العمل يعزز قدرة المؤسسات على استبقاء موظفيها ورفع مستوى أدائهم. وثبت لنا أن المستهلك يتفاعل مع المؤثرين عبر شبكة الإنترنت بطريقة مماثلة استناداً إلى قدرته على التعبير عن رأيه بحرية على وسائل التواصل الاجتماعي.
على سبيل المثال، أظهرنا لمستخدمي إنستغرام في إحدى التجارب منشورات كانت التعليقات عليها محظورة وأخرى كانت التعليقات عليه متاحة، وطلبنا منهم مشاركة أفكارهم حول المؤثر بحرية في موضوع مكتوب من دون أي قيود. أشار أكثر من 50% من المشاركين الذين شاهدوا المنشور المحظور التعليق عليه إلى أن المؤثر لا يرحب بالتعرف إلى أفكارهم وآرائهم وأعربوا عن تراجع درجة قبولهم له. واتساقاً مع بيانات تويتر المذكورة أعلاه، عبّرت هذه الردود المكتوبة أيضاً عن ازدياد المشاعر السلبية تجاه المؤثرين.
وجدنا في تجربة أخرى أن حظر التعليقات قد يدمر فعالية المؤثرين في دعم المنتجات التي يروجون لها؛ إذ وافق 39% فقط من المشاركين على معرفة المزيد عن العلامة التجارية التي يروّج لها المؤثر عند حظر التعليقات، مقارنة بـ 48% عند إتاحة التعليقات. تشير هذه الدراسات إلى نتيجة واضحة مفادها أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يريدون أن يشعروا بأن أصواتهم مسموعة.
2. حظر التعليقات أسوأ من ترك التعليقات السلبية على مرأى من المتابعين
يهدف حظر التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي غالباً إلى وقف سيل الآراء السلبية، خاصة بعد التعرُّض لتجاوز شخصي أو إهانة على الملأ. للوهلة الأولى، قد تبدو هذه الحيلة استراتيجية معقولة لحفظ ماء الوجه؛ فحظر التعليقات يمنع المستخدمين الآخرين من قراءة العبارات السلبية المكتوبة عن المؤثر، ونحن نعلم من واقع أبحاث علم النفس الاجتماعي أن الناس يغالون في تضخيم المعلومات السلبية.
ربما يعتقد المؤثرون أن حظر التعليقات يحميهم من التشهير بسمعتهم، لكننا وجدنا في إحدى التجارب أن هذه الخطوة تؤدي إلى نتائج عكسية؛ إذ أعرب المشاركون الذين شاهدوا منشوراً لشخصية عامة حظرت التعليق عليه عن اهتزاز ثقتهم في مصداقيتها وتراجع درجة قبولهم لها وعدم اقتناعهم بما تقول بنسبة 7% إلى 8%، مقارنة بمَن شاهدوا المنشور نفسه مصحوباً بتعليقات سلبية من مستخدمين آخرين.
3. تحدّث بمنتهى الشفافية عن حاجتك إلى نيل قسط من الراحة
من الجدير بالذكر أن المؤثرين عبر شبكة الإنترنت لا يحظرون التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي لتجنب الآراء السلبية بعد حادثة معينة فحسب، بل لحماية صحتهم النفسية أيضاً، وقد أثبتت أبحاثنا لحسن الحظ أن المستهلكين يتعاطفون مع هذه الاحتياجات في كثير من الأحيان. في الواقع، أثبتت تجربتان أجريناهما أن ردود الفعل السلبية ضد حظر التعليقات تضعُف، بل تختفي تماماً، عند شعور المؤثر بالحزن لفقدان عزيز عليه، مثل وفاة حيوان الأسرة الأليف، أو عند اعترافه بشفافية بحاجته إلى الراحة لإنعاش صحته النفسية.
على سبيل المثال، بالإضافة إلى تنويع التعليقات ما بين مفعَّلة ومحظورة، نوّعنا في إحدى التجارب أيضاً ما بين ذكر المؤثر في التعليق التوضيحي حاجته إلى الراحة لحماية صحته النفسية من عدمه. ووجدنا أن المشاركين الذين شاهدوا التعليق التوضيحي الذي يشير إلى الرغبة في حماية الصحة النفسية أعربوا عن عدم تراجع درجة قبولهم للمؤثر واقتناعهم بما يقول، بغض النظر عما إذا كانت التعليقات متاحة أم لا.
يتعرّض المؤثرون في كثير من الأحيان لتعليقات سلبية على شبكة الإنترنت، وقد يؤدي تعاملهم مع هذه التعليقات بطريقة معيّنة إلى تداعيات خطيرة تؤثر في علامتهم التجارية الشخصية وفعالية دعمهم للمنتجات التي يروجون لها؛ إذ أثبتت أبحاثنا أن حظر التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي هو أحد الأساليب الشائعة التي يمكن أن تدمّر أهم أدوات المؤثرين؛ أي قدرتهم على إقناع الآخرين ونيل قبولهم وتعزيز مصداقيتهم.
في حين أثبتت أبحاثنا باستمرار أن ثمة أثراً سلبياً لحظر التعليقات على مختلف منصات وسائل التواصل الاجتماعي، يجدر بنا الاعتراف بأن ردود فعل المستهلكين تختلف أيضاً اعتماداً على عوامل إضافية ترتبط بالسياق العام، مثل طبيعة علاقة الجمهور بالمؤثر والظروف التي أدت إلى اتخاذ المؤثر قراراً بحظر التعليقات. ومن هنا يشدد بحثنا على أهمية ضمان التواصل بين العلامات التجارية والمؤثرين لتحسين شراكاتهم الاستراتيجية.
وبفهم أسباب نفور مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من حظر المؤثرين والشخصيات العامة للتعليقات عبر شبكة الإنترنت، نأمل أن ننجح في مساعدة هؤلاء المؤثرين على اتخاذ قرارات مستنيرة أكثر يمكن أن تؤثر إيجاباً في رفاهتهم على المستويين الشخصي والمهني.