عندما نسأل فرق العمل في شركات مختلفة ومناطق مختلفة عن وتيرة تعلمهم مهارات جديدة في أماكن عملهم، فتكون الإجابة عادة “من حين لآخر” أو “نادراً”. وعندما نسأل عن طبيعة هذا التعلم، فغالباً ما تكون الإجابة “على شكل دورة تدريبية”.

ما يزال الكثيرون ينظرون إلى التعلم على أنه مهمة رسمية منظمة وبمواعيد معينة، تقدمه لهم مؤسسات مختصة عبر خبرائها، ولكن من الخطورة بمكان أن يقتصر التعلم على دورات منفصلة عن عملنا اليومي في عالم أعمال يتسم بالتعقيد والتغير السريع والمستمر.

يؤدي العجز عن دمج التعلم في مسار العمل اليومي إلى خلق تحديات على كافة المستويات في المؤسسة، فمن الضروري للجميع في المؤسسة أن يحدث التعلم في أثناء سير العمل عبر المهام اليومية، بحيث يصبح جزءاً من يوم العمل الطبيعي. في حال كان التعلم نشاطاً يحدث خارج مسار عمل الأفراد في المؤسسة، فسيقلل قابليتهم للتوظيف ومرونتهم المهنية. فحين لا تجد فرق العمل طرقاً للتعلم في أثناء عملها، تتقلص لديها فرص تطوير الأداء. أما بالنسبة إلى المؤسسات، فإن غياب التعلم في أثناء سير العمل يقلل من قدرتها على الاستجابة للتغيير والمنافسة في السوق.

عندما يجد الأفراد والفرق والمؤسسات طرقاً للتعلم في أثناء سير العمل، يصبح التعلم جزءاً لا يتجزأ من روتين العمل وعاداته اليومية، فلا يأخذ صيغة منفصلة يطلق عليها “التعلم”، بل يصبح جزءاً طبيعياً من سير العمل. سنتحدث في هذا المقال عما يهم المدراء حول التعلم في أثناء سير العمل وكيفية تطبيقه على فرقهم.

3 مبادئ للتعلم في أثناء سير العمل

ينبغي مراعاة 3 مبادئ عند بناء ثقافة التعلم في أثناء سير العمل:

دمج التعليم

في السابق كنا نذهب إلى العمل لتعلم كيفية أداء المهام، أما اليوم فالتعلم هو المهمة. وهو ليس مجرد حصة تدريبية تمتد ساعة من الزمن كل أسبوع أو يوماً كل شهر. فالأولوية في زيادة التعلم الذي يكتسبه الأفراد عبر الاجتماعات والمشاريع والمهام التي تمثل طبيعة وظائفهم.

التعلم عملية مستمرة

انتظار أن تأتينا فرصة للتعلم هو نقيض مبدأ التعلم في أثناء سير العمل، ومن الضروري تبني العقلية ومجموعة المهارات الاستباقية لهذا النوع من التعلم. وعلى الأفراد وفرق العمل تنفيذ إجراءات التعلم على نحو مستمر ومنظم لتحقيق هدف التعلم في أثناء سير العمل.

التعلم عادة يومية

يصبح التعلم في أثناء العمل فعالاً عندما يكون جزءاً لا يتجزأ من العادات اليومية والطبيعية لعمل الموظفين. ولا تقتصر مسؤولية التعليم على فرد بعينه، بل هو مسؤولية جماعية وجزء من ثقافة الفريق، ويتجلى في طريقة تواصل الفريق وأسلوب عمله.

كيف تساعد فريقك على التعلم في أثناء سير العمل؟

فيما يلي 3 ممارسات لمساعدة فريقك على التعلم في أثناء سير العمل:

عند اقتراف الأخطاء

يرتكب الجميع الأخطاء في أثناء العمل، وما يسهم في تنمية الأداء الفردي والجماعي هو التعلم من تلك الأخطاء. فعندما تحدث الأخطاء نفوّت فرصة التعلم لأننا نركز على التوصل إلى الحلول بسرعة ونحن نلوم أنفسنا على حدوث الخطأ.

الاستفادة من الأخطاء هي طريقة سهلة للتعلم في أثناء سير العمل، إذ يعتبر هذا النهج الأخطاء حالة طبيعية، وبالتالي يتراجع خوف الموظفين من ارتكابها ويرونها فرصة للتعلم. وهنا تجب مشاركة الخطأ بسرعة، ويجب ألا نركز على “ما الخطأ الذي ارتكبناه؟” بل على “ماذا تعلمنا من هذا الخطأ؟”

في مؤسستنا أميزينغ إف (Amazing If)، حيث يعمل كافة الموظفين عن بُعد، اتفقنا على قاعدة يلتزم بها الجميع وهي التحدث عن الأخطاء في يوم حدوثها عبر برنامج التواصل تيمز (Teams). ومن الضروري وجود قدوة يحذو الموظفون حذوها، وبصفتك مدير الفريق بإمكانك أن تبدأ الاجتماع الشهري للفريق بالتحدث عن الدروس والأفكار التي تعلمتها من خطأ ارتكبته. كما يمكن تسهيل النظر إلى ارتكاب الأخطاء كحالة طبيعية عبر اقتراح عبارة يتداولها أفراد الفريق فيما بينهم دون أدنى خشية، مثل: “لقد ارتكبت خطأ، هل تستطيع تخصيص 5 دقائق من وقتك للحديث عنه؟”.

اكتشاف مكامن القوة

يُعد إبداء الملاحظات والآراء طريقة فعالة للتعلم في أثناء العمل، ولكن كثيراً ما تعوقها الإجراءات البيروقراطية وضياع الوقت. وعندما نجد طرقاً لتقديم الملاحظات والآراء عبر الاجتماعات والمحادثات التي تشكل بطبيعتها جزءاً من عملنا خلال الأسبوع، فإننا نزيد من فرص التعلم في أثناء سير العمل.

خذ على سبيل المثال اجتماعاً أو مشروعاً تديره حالياً؛ يمكن أن يؤدي تعديل بسيط في جدول أعماله إلى جعل الملاحظات جزءاً أساسياً منه بدلاً من وضعها كبند ملحق. وتتمثل إحدى الطرق السريعة لتعلم أعضاء الفريق في تقليص عدد بنود جدول الأعمال بهدف إتاحة الوقت لهم للمشاركة في الملاحظات حول المهام التي تسير على ما يرام والمهام التي يمكن أن تُنجز على نحو أفضل في ذلك الوقت عبر عروض تقديمية، أو تغيير جدول أعمال الاجتماع المحدد مسبقاً مرة واحدة شهرياً للتركيز على مناقشة التحديات وكيفية التغلب عليها، ما يتيح الفرصة أمام الفريق لإثارة مخاوفهم ومناقشة المخاطر وتقديم الأفكار للتوصل إلى الحلول، وذلك كله ضمن بيئة آمنة.

وبصفتك المدير، يمكنك إجراء تعديل بسيط آخر وهو إجراء محادثات ثنائية مع أعضاء الفريق تتناول فيها الملاحظات المستندة إلى مكامن القوة لدى عضو الفريق الذي تحاوره. إذ يشير المدراء الناجحون بشكل استباقي إلى المهارات التي يتميز بها أفراد فرقهم، ما يزيد من ثقتهم بأنفسهم ويحثهم على تعزيز إمكاناتهم. ويمكن أن تبدأ بعبارات مثل “تَبرع في كذا”، “ألاحظ أن تأثيرك إيجابي عندما تفعل كذا” أو “شكراً لأنك فعلت كذا في هذا الأسبوع، أقدّر لك ذلك”.

عرض تقديمي ثم نموذج أولي ثم مشروع تجريبي

التجربة هي فرصة طبيعية لتشجيع التعلم في أثناء سير العمل. لكن غالباً ما يعيق التجارب عدم تطبيق المدير لمفهوم التعلم على نحو عملي ومفيد. يجب على المدراء البحث عن الفرص السانحة لتشجيع أفراد الفريق على إجراء التجارب كجزء من عملهم، وقد وجدنا أن استخدام إطار العمل الذي يتضمن تسلسل “عرض تقديمي ثم نموذج أولي ثم مشروع تجريبي” طريقة جيدة للبدء بذلك.

حيث تتيح العروض التقديمية الفرصة لتبادل الأفكار الجديدة، وتركز النماذج الأولية على تطبيق الأفكار عبر الممارسة العملية، ويقيس المشروع التجريبي جدوى الأفكار على أرض الواقع. ويتمثل دور المدير هنا في توفير الدوافع والفرص لأعضاء الفريق كي يستخدموا إطار العمل هذا كجزء من عملهم اليومي، مع الحرص على ملاءمته للجميع. يمكن للمدراء الشروع في هذه العملية بمطالبة الجميع بالتفكير في 3 أسئلة:

  1. العرض التقديمي: ما فكرة التطوير التي ستعتمد عليها لتحقيق أهدافك في هذا الفصل الربع السنوي؟
  2. النموذج الأوّلي: لتحقيق هذه الفكرة، ما الذي يجب عليك البدء به أو إيقافه أو تغييره؟
  3. المشروع التجريبي: كيف يمكنك اختبار هذه الفكرة على نحو سريع؟

وبمجرد أن تصبح الفرق على دراية بإطار العمل، فإنها غالباً ما تبدأ بتطبيقه على نحو استباقي كل فرد حسب طبيعة عمله. على سبيل المثال، قد يبدأ أحد أعضاء الفريق بالقول لمديره: “هل يمكنني اغتنام اجتماعنا المقبل لتقديم عرض عن فكرتي؟” ومن ثم تبدأ الفرق بتحديد الفرص للتعاون على تصميم النماذج الأولية.

التعلم في أثناء سير العمل ضروري لتطورنا الوظيفي وللمرونة في العمل، ونحن نجازف بفقدانه في حال بقي ملحقاً إضافياً للعمل. ويتحقق التعلم في أثناء سير العمل عندما يصبح جزءاً من ثقافة عملنا ومن مناقشات العمل اليومية، فالتغييرات البسيطة في طريقة أدائنا لمهامنا يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً في مسار تطورنا المهني.