ملخص: ليس شرطاً أن تكون الخلافات هدّامة؛ فقد يكون الاختلاف في الرأي فرصة للتوصل إلى أفكار أفضل، لكن إدارة محادثة مع شخص لديه وجهة نظر تختلف عن وجهة نظرنا ليست بالأمر السهل أو الهيّن. ويمكنك الاستفادة من 3 استراتيجيات توصّل إليها كُتَّاب المقالة من خلال أبحاثهم.
لا تتوقّف فرق القيادة التنفيذية في مختلف الشركات التي نقدّم لها خدماتنا الاستشارية عن مناقشة قضايا تثير استقطابات حادة، بدايةً من اعتماد أسلوب العمل الهجين من عدمه، وصولاً إلى تخصيص حصص نسبية للنساء أو الأقليات على مختلف المستويات الإدارية في المؤسسات من عدمه. ويشهد الكثير من هذه المناقشات انخراط القادة في جدالات محتدمة غير بنّاءة لا تسفر عن شيء في أغلب الأحيان. ونتيجة لذلك، فإنهم يغادرون الاجتماعات وهم يشعرون بالألم وبشيء من السخط.
لا شك في أن الاختلاف مع الأشخاص الذين تتعارض آراؤهم أو أفكارهم مع آرائنا أو أفكارنا أمر شائع في مكان العمل. وإذا تم التعامل معه بالشكل المناسب، فإن الاختلاف في الرأي سيؤدي إلى نتائج أفضل بكل تأكيد، لكن للأسف لا يُنظر إليه عادةً من هذا المنطلق. فقد أجرينا مؤخراً استقصاءً غير منشور بمشاركة أكثر من 500 مسؤول تنفيذي من مؤسسات مختلفة، وتوصلنا من خلاله إلى أن كلمة "الصراع" هي الاسم الأكثر ارتباطاً بالاختلاف في الرأي في العمل. وكانت كلمة "مختل" هي الصفة الأكثر شيوعاً في هذا السياق. وعلى الرغم من أن الأشخاص يواجهون مسألة الاختلاف في الرأي طوال الوقت، فإنهم (وشركاءهم في المحادثة) يفشلون عادة في التواصل بشكل فعّال، ما يؤدي إلى تأجيج الصراعات ويُفسِد علاقاتهم.
لكن ليس من الضروري أن تسير الأمور على هذا النحو. ويقترح بحثنا الجديد، الذي أجريناه بمشاركة أكثر من 2,000 شخص عبر دراسات متعددة، أفكاراً محدَّدة يمكن للمسؤولين التنفيذيين الرفيعي المستوى، ويمكننا جميعاً، استخدامها لتحسين عملية الاختلاف في الرأي في العمل وخارجه. وإليك 3 استراتيجيات يُمكنك استخدامها:
1. ركّز على ما يجب أن تتعلمه
يدخل الأشخاص عادةً في المناقشات المثيرة للاختلاف في الرأي بقصد إثبات صحة وجهة نظرهم وإقناع الجانب الآخر بقبولها؛ إذ يريدون أن يثبتوا للآخر أنهم على حق وأنه مخطئ وأنهم على أتم استعداد للدفاع عن وجهة نظرهم. وعلى الرغم من شيوع هذا النهج، فإنه لا يؤدي إلى النتائج المأمولة.
وعندما يتعامل الأشخاص مع الاختلاف في الرأي من خلال إبداء استعدادهم للتعلُّم، فإن موقفهم يتحسّن كثيراً. فقد أجرينا دراسة كشفنا خلالها عن بيانات 2 من أفراد العينة البحثية المشاركين في محادثة محتملة، وكلاهما يختلف في الرأي مع باقي أفراد العينة البحثية حول موضوع حسّاس (وبالتحديد إعطاء الأولوية لتعيين النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات). وأخبرنا أشخاصاً محدّدين من أفراد العينة البحثية بأن شريكهم في المحادثة أراد إقناعهم بوجهة نظره. وأخبرنا باقي أفراد العينة البحثية بأن شريكهم في المحادثة أراد التعلُّم منهم.
أفاد الكثيرون من أفراد العينة البحثية (78% منهم) بأنهم يفضلون التفاعل مع الشريك الذي كان على استعداد للتعرُّف إلى وجهات نظرهم، على الرغم من اختلافهم معه في الرأي حول القضية المثارة بالقدر نفسه. وعلى الرغم من أن هذا قد لا يبدو مفاجئاً، فإن الكثيرين لا يتبعون هذا النهج.
2. لا تقلّل من شأن اهتمام الآخرين بالتعلُّم منك
يتباين التعامل مع الاختلاف في الرأي من شخص لآخر، وتتفاوت نتائجه في النهاية وفقاً لذلك، ويتأثر هذا التباين بشدة بتصورات كل فرد لأفكار الطرف الآخر ومشاعره. فقد تدخل في محادثة وأنت تشعر بالفضول والتواضع، ولكنك ستندفع في موجة عارمة من الغضب إذا لم تشعر بأن الطرف الآخر يعاملك بالمثل؛ لأن الحوار نقاش يجب أن يسير في اتجاهين. المشكلة أن الأشخاص يسيئون تفسير نوايا مَنْ يختلفون معهم في الرأي في أغلب الأحيان.
فقد طلبنا من 600 مشارك في إحدى الدراسات كتابة الأهداف النهائية التي يحتفظون بها في مخيلتهم عند التحدث مع شخص لديه وجهات نظر مختلفة حول قضية ما، بالإضافة إلى الأهداف التي يعتقدون أن شركاءهم في المحادثة يحتفظون بها في مخيلتهم. لم يكن لدى أفراد العينة البحثية ثقة كبيرة في رغبة نظرائهم في معرفة وجهة نظرهم وفهمها. في الواقع، أوحى 16% فقط من الأهداف التي ذكرها أفراد العينة البحثية لاختلافهم في الرأي مع الآخرين بالرغبة في التعلُّم، بينما أشار 71% منها إلى الرغبة في الإقناع. (النسبة المتبقية والبالغة 13% لم تندرج ضمن أيٍّ من الفئتين).
وعلى النقيض من ذلك، فقد كان أفراد العينة البحثية أكثر سخاءً فيما يتعلق بنواياهم الشخصية؛ إذ ذكر 42% منهم أن الرغبة كانت تحدوهم في التعرف إلى وجهات نظر الآخرين، بينما أشار 39% إلى أنهم ركزوا على إقناع الطرف الآخر بصحة وجهة نظرهم. (لم يذكر 20% أياً من الأمرين). وقد ظهر هذا الميل إلى التقليل من شأن استعداد النظراء المختلفين مع أفراد العينة البحثية في الرأي لمعرفة المزيد عن الآراء المتعارضة مع آرائهم عندما فكروا في المحادثات الدائرة حول السياسات أو فرقهم الرياضية التي يشجعونها، ما يشير إلى أن هذا النمط ينطبق على مجالات مختلفة.
وقد وجدنا في دراساتنا باستمرار أن الكثيرين يصرحون بأنهم أكثر استعداداً من شركائهم في المحادثات للتعرف إلى وجهة نظر الطرف الآخر في أثناء المحادثات الجدلية. استمر هذا التفاوت حتى بعد أن أجرى أفراد العينة البحثية محادثة لمدة 10 دقائق مع شخص يختلفون معه في الرأي حول ما جرى في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020. بعبارة أخرى، فإن تحدُّث الفرد إلى الآخرين من منظورهم الشخصي لم يقنعهم باستعداده للتعرف إلى وجهات نظرهم.
ومع ذلك، فقد رأينا بصيصاً من الأمل، وذلك أن الأشخاص الذين اعتقدوا أن الطرف الآخر ينوي التعرف إلى وجهة نظرهم في أثناء المحادثة استمتعوا بالتفاعل أكثر وقيّموا شريكهم بشكل أكثر إيجابية. وعلى الرغم من أنهم كانوا على طرفي نقيض من الأحداث المريرة التي شهدتها الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020، فإن الاعتقاد ببساطة أن الطرف الآخر يريد التعلم منهم أدى بالمشاركين إلى اعتبار نظيرهم أكثر أخلاقية وموضوعية وذكاء ورأوه شخصاً محبوباً وجديراً بالثقة. في الواقع، كانت المعتقدات المتعلقة باستعداد شريكهم للتعلم منهم هي العامل الوحيد الأكثر أهمية للتنبؤ بنتائج الاختلاف في الرأي، بما في ذلك تقييمات الشريك والاستمتاع بالتفاعل. وهكذا يمكن القول بشكل حاسم إن هذه المعتقدات كانت مؤشراً للنتائج المتحققة أقوى من الاستعداد الفعلي (المبلغ عنه ذاتياً) لدى شريك المحادثة للتعرف إلى آراء الآخرين.
3. كن صريحاً بشأن نواياك
نظراً لاحتمالية تقليل نظيرك من شأن استعدادك للتعرف إلى وجهة نظره، يجب أن تكون أكثر وضوحاً وصراحة بشأن نواياك. وقد أثبتت أبحاثنا أن الأمر لا يتطلب سوى بضع جمل للتعبير بوضوح وفاعلية عن نيتك في التعرف إلى وجهة نظر الطرف الآخر.
على سبيل المثال، قبل طرح حجتك الخاصة، يمكنك أن تقول شيئاً على غرار: "هذا موضوع مهم. ويتملكني الفضول لسماع آراء مَن يختلفون معي في الرأي حول هذه المسألة". وعندئذ يمكنك إنهاء حجتك بقول: "أُدرك أن الجميع لا يرون الأمر بالطريقة نفسها، وأود أن أفهم الأسباب التي تجعل الآخرين يتوصّلون إلى آرائهم المخالفة لرأيي".
نريد جميعاً أن يتم الاستماع إلينا وفهمنا، وبخاصة في أثناء عملية الاختلاف في الرأي التي قد تكون لها تبعات مهمة على حياتنا في العمل. وعلى الرغم من ذلك، فإننا ندخل عملية الاختلاف في الرأي متوقعين أننا سنواجه وابلاً من مناجاة النفس حول الأسباب التي تقف وراء خطأ وجهات نظرنا الراسخة في نفوسنا. تسهم هذه التوقعات السلبية بدورها في تشكيل سلوكنا، ومن ثم خبراتنا. ويقترح بحثنا أن العلاج يتمحور حول التركيز على ما يمكنك تغييره بشأن معتقدات الطرف الآخر بخصوصك من خلال إظهار السلوك الذي تأمل اتباعه.