قد تجد أن مديرك أصغر سناً منك، إما لأنك توليت وظيفة جديدة وإما لأن زميلك حصل على ترقية. كيف تتعامل مع فارق السن في مكان العمل بينك وبين مديرك وتركز على المعرفة والمهارات القيمة التي يجب تعلمها منه؟ كيف تمنع غرورك من التأثير على علاقتك به؟ وما الذي يمكنك فعله لدعم مديرك بطريقة أفضل، علماً أنك تحمل هذه المسؤولية بغضّ النظر عن سنّ مديرك؟
ما الذي يقوله الخبراء؟
قد يمثل العمل مع أشخاص من أجيال مختلفة تحدياً في مكان العمل، لكن التعامل مع مدير أصغر سناً قد يكون أصعبها. يقول أستاذ الإدارة في كلية وارتون والمؤلف المشارك لكتاب "إدارة الموظف الأكبر سناً" (Managing the Older Worker)، بيتر كابيللي: "لا يتعلق الأمر بالسنّ بقدر ما يتعلق بالخبرة. قد لا يكون لفارق السن أهمية في سياقات أخرى؛ لنفترض، على سبيل المثال، أنك تأخذ درساً في التزلج على يد مدرب أصغر منك بـ 20 عاماً ولكنه يمارس التزلج منذ 15 عاماً، هذا لن يزعجك بالتأكيد. ولكن إذا كنت تعمل في مجال الأعمال منذ 20 عاماً وكان مديرك يعمل في المجال نفسه منذ 10 أعوام فقط، فقد تقول لنفسك "لماذا يجب أن أتلقى الأوامر من هذا الشخص؟ لا تبدو صلاحياته شرعية".
وفقاً للشريكة المؤسِّسة لشركة فيوتشر وورك بليس (Future Workplace) لاستشارات الموارد البشرية والمؤلفة المشاركة لكتاب "مكان العمل عام 2020" (The 2020 Workplace)، جين مايستر، من المرجح أن يصبح المدراء الأصغر سناً، الذين نراهم بالفعل في قطاعات مثل تكنولوجيا المعلومات والخدمات المهنية والمحاسبة، أكثر شيوعاً مع ترقية الشركات لموظفيها من جيل الألفية إلى مناصب قيادية وسعي المؤسسات لاستبقاء أفضل المواهب. وتقول إنه موقف يُحتمل أن يكون محرجاً وربما مليئاً بالصراعات بين المرؤوسين الأكبر سناً والرؤساء الأصغر سناً، ولكن يمكن تجنب ذلك. إليك كيفية تعزيز علاقة عمل ناجحة مع مديرك الأصغر سناً.
فكر في وضعك ملياً
أولاً وقبل كل شيء، "لا تفترض أنه سيكون مديراً سيئاً لمجرد أنه أصغر سناً" كما يقول كابيللي. لماذا تخلق المشاكل قبل مواجهتها؟ فكر بإيجابية. وإذا كنت لا تستطيع التوقف عن التفكير في الموقف، فاسأل نفسك: ما الذي يزعجني حقاً؟ هل لأن مديري حصل على ترقية لم أحصل أنا عليها؟ إذا كان الأمر كذلك، يجب أن تسأل نفسك: هل أرغب فعلاً بوظيفة هذا الشخص؟ غالباً ما تكون الإجابة بالنفي، لا سيما إذا كنت في المراحل المتأخرة من مسيرتك المهنية وترغب في تقليص مهامك وعبء عملك". مع ذلك، تقول مايستر إنه ينبغي عدم تجاهل مشاعرك أيضاً، وتضيف: "التعامل مع مدير أصغر سناً خاصة إذا كان في سن ابنك أو ابنتك موقف قاسٍ من الناحية العاطفية، لذا عليك التعامل معه على المستوى العاطفي. لذلك من المهم الاعتراف بهذه المشاعر ومعالجتها، وإلا فإنها ستؤثر على إنتاجيتك. غالباً ما يكون من المفيد التحدث مع الأصدقاء والزملاء الذين مروا بمواقف مشابهة، ولكن تجنب النظر إلى الأمر باعتباره فرصة للانخراط في محادثة تشتكي فيها من الأفراد الأصغر سناً وتعبّر عن الإحباط تجاه سلوكهم". ابحث عن الأشخاص الذين يمكنهم تقديم اقتراحات مفيدة والدعم والنصيحة في هذا الشأن.
تجنب الصور النمطية
يعج مكان العمل بالصور النمطية المرتبطة بالأجيال، مثل ذاك النرجسي من جيل طفرة المواليد الذي يرفض التقاعد؛ ومولود الألفية المدلل الذي لا يستطيع العيش دون هاتفه الذكي؛ وذاك من جيل إكس الساخط الذي لا يهتم إلا بمصلحته. يقول كابيللي إن هذه الصور النمطية خطيرة ولها عواقب سلبية، إذ تُظهر أبحاثه أنه لا توجد فروق شخصية حقيقية بين الأجيال. ربما تكون هناك فجوة في الثقافة الشعبية بينكما -ربما كنت ممن شاهد مسلسل ذا والتونز في السبعينيات، بينما يستمتع هو بمشاهدة مسلسل ذا سيمبسونز-مع ذلك، حاول تجنب التركيز على الاختلافات بينكما. بدلاً من ذلك، ركز على القواسم المشتركة بينكما؛ يقول كابيللي: "ركز على حقيقة أنكما شخصان اتخذا قرار العمل في القطاع نفسه ولدى الشركة نفسها، وتجنب إصدار تصنيفات واسعة حول شريحة عمرية بأكملها وابتعد عن قول عبارات شاملة مثل "الناس في جيلي يفكرون بهذه الطريقة"، فلا حاجة للدفاع عن نفسك باستمرار لإثبات أن عقليتك ليست قديمة". وتضيف مايستر: "ابذل قصارى جهدك لإخراج سنك من المعادلة".
أظهر الاحترام
ضع في اعتبارك أن هذه المشكلة لا تتعلق بك فقط، فقد يشعر مديرك بعدم الارتياح وحتى بالخوف من مستوى خبرتك، لذلك انتبه لهذه المشاعر وأظهر بعض التواضع. تقول مايستر في هذا الصدد: "اعترف بأنك ومديرك تتمتعان بمواهب وقدرات مختلفة يمكنكما الإسهام بها؛ ربما تتمتع بمهارات متخصصة أعمق بينما يمتلك مديرك الأصغر سناً نطاقاً أوسع من المهارات الإدارية. وبدلاً من التركيز على بساطة الملف التعريفي لمديرك على لينكد إن، ركز على كيفية استخدام أفكارك وخبرتك ومنظورك لتحفيز نتائج الأعمال". إلى جانب ذلك، لا يختلف النهج الذي يجب اتباعه لتكوين علاقة متينة مع مديرك الشاب عن نهج إنشاء علاقة متينة مع مدير أكبر سناً. تقول: "يجب أن تتعامل مع هذا الأمر مثل أي علاقة عمل أخرى، ويجب أن تسهم في نجاحها".
اسعَ كي تكون شريكاً
هدفك هو العمل مع هذا الفرد بصفته قريناً لك، وبناء شراكة بينكما لإنجاح فريقك ومؤسستك، وفقاً لمايستر. لتعزيز هذا النوع من الشراكة، تقع على عاتقك مسؤولية بناء علاقة عمل ناجحة من خلال الحفاظ على علاقة عمل فعالة ومثمرة، ويقول كابيللي إنك إذا كنت تريد أن يراك مديرك شريكاً بالفعل، فعليك التعرف على المشاكل التي يواجهها في العمل وتقديم حلول لها؛ اقترح أفكاراً توفر وقت مديرك وتمكّنه من التركيز على أشياء أخرى أهم.
زوّده بالمعلومات
يقول كابيللي إن إحدى أفضل الطرق لدعم مديرك الأصغر سناً وربما الأقل خبرة منك هي مشاركة المعرفة أو المعلومات التي قد لا يكون على دراية بها بالفعل؛ خبرتك تمنحك المصداقية، فاستفد منها. تنقسم المعلومات التي يجب تقديمها إلى فئتين: تاريخية، مثل تقديم النصيحة بشأن التعامل مع تفاصيل عقد طويل الأمد مع أحد العملاء، أو علائقية مثل تقديم رؤى ثاقبة حول كيفية تفكير موظف ما في إدارة المبيعات. في غضون ذلك، تجنب الظهور بموقف متعالٍ أو مثل شخص يعرف كل شيء، يقول كابيللي: "شارك خبرتك بطريقة تبرز نموك الشخصي وما تعلمته ولا تبدو فيها متفاخراً. لا تلقِ عليه ملاحظات واعظة، فهذا الأسلوب ليس مقبولاً، بل قدِّم المعلومات بطريقة محددة وموجزة وواقعية". يقترح كابيللي قول شيء مثل: "لقد واجهنا موقفاً كهذا من قبل مع هذا الزبون". ثم تشرح ما حدث والطريقة التي فكرت من خلالها في الموقف في ذلك الوقت، ثم صِف النتيجة.
كن على طبيعتك
في حين أنه من الحكمة عدم الإفراط في التركيز على فارق السنّ في مكان العمل، فخبرتك وتجاربك الحياتية جزء لا يتجزأ من هويتك، إذا كنت أنت ومديرك تنتميان إلى فئتين عمريتين لهما أهداف مختلفة، فتقبَّل ذلك وتفهّمه، وانظر إلى الأمر بحكمة وانفتاح كما ينصح كابيللي، ويقول موضحاً: "ضع نفسك مكان مديرك الأصغر سناً وتخيل التحديات التي يمكن أن يواجهها من خلال التجارب التي مررت بها عندما كنت في مثل عمره. قد تكون هناك طرق يمكنك من خلالها ’توجيه حياة‘ مديرك الجديد وتوفير الكثير من الراحة والدعم له". ويقترح كابيللي قول شيء لمديرك مثل "أتذكر عندما ذهب أطفالي إلى المدرسة لأول مرة أيضاً. كنت قلقاً بشأن (مشكلة معينة) واتضح أنها ليست ذات أهمية". وتتفق مايستر مع كابيللي وتقول إن نضجك يتيح لك فهم مواقف الحياة المختلفة التي يمر بها الناس، وسيولّد الانفتاح على الحديث حول هذه الأمور مع مديرك الأصغر سناً شعوراً بالثقة ويجعل العلاقة صادقة.
مبادئ يجب تذكرها
ما ينبغي لك فعله:
- اطلب النصيحة من الزملاء والأصدقاء الذين اختبروا ديناميكية مماثلة في مكان العمل.
- افهم المشكلات التي يواجهها مديرك وقدِّم أفكاراً حول كيفية معالجتها.
- زود مديرك بالمعلومات التاريخية والعلائقية حول مؤسستك وقطاعك.
ما ينبغي لك تجنبه:
- افتراض أن العمل مع مدير أصغر سناً سيكون صعباً؛ فإذا كان مديرك شاباً فذلك لا يعني أنه لن يكون كفئاً.
- التركيز على الاختلافات بينكما؛ بل ركز على القواسم المشتركة.
- التحدث إلى مديرك بطريقة متعالية أو متعجرفة عندما تقدم معرفتك وخبرتك؛ بل كن محدداً وركز على إظهار ما تعلمته من تجاربك.
دراسة حالة رقم 1: استخدم خبرتك ومعرفتك لدعم مديرك الشاب
النائبة الأولى لرئيس التسويق والمحتوى في شركة وسائل التواصل الاجتماعي كولكتف بايس (Collective Bias) التي تركز على العلامات التجارية والتسوق، هولي بافليكا، هي أكبر الموظفين سناً في جميع مكاتب المؤسسة السبعة، وتقول إن ذلك مقلق إلى حد ما في الواقع، ولكن من الواضح أنها كانت تمزح في هذا الصدد.
عندما انضمت هولي إلى شركة كولكتف بايس قبل بضع سنوات، عملت تحت إشراف مؤسِّسة الشركة؛ إيمي كالاهان، لكنها تعمل اليوم تحت إشراف الرئيس التنفيذي بيل ساسمن. كان كل من إيمي وبيل أصغر سناً منها بكثير، لكن هذا لم يزعجها قط. تقول هولي: "لا يعني التقدم في السن أن الناس لن يقدّروا خبرتك، ولكن عليك تعلّم كيفية تقديمها بطريقة مفيدة".
على سبيل المثال، شرعت الشركة مؤخراً في عملية إعادة تنظيم هيكلية، فأصبح العديد من الوحدات والفرق تحت إشراف هولي. كانت هولي تعلم بحكم خبرتها أن التواصل الفعال حول الانتقالات سيكون أمراً بالغ الأهمية، وتوضح أنها شاركت سابقاً مع مدراء في عدد من الأماكن في عمليات الاندماج والاستحواذ ولاحظت ما هو فعال وما هو غير فعال. لذلك أعدّت هولي رسالة بريد إلكتروني للموظفين تشرح فيها أسباب التغييرات، وتقول: "أدرك أن بضع كلمات يمكن أن يكون لها تأثير كبير في شرح الموقف".
يتفق بيل مع استراتيجية التواصل التي كانت تتبعها هولي، واقترح أيضاً أن تستخدم الشركة أسلوباً مماثلاً عندما أجرت تنقلات في الإدارات لاحقاً. تقول هولي: "أنت تطبّق ما تعرفه، والمدراء الأصغر سناً يتعلمون منك نوعاً ما".
أما بالنسبة للشباب الذين يعملون معها في مكتبها في نيويورك، فتقول هولي: "لا أعتقد أنهم مختلفون عني. كلنا نريد النجاح؛ نتشارك القيم نفسها. أحياناً، أفاجئهم بما أعرفه، فقد أرسلت في أحد الأيام رسالة بالبريد الإلكتروني بعنوان معاصر لا يستخدمه سوى الجيل الشاب".
دراسة حالة رقم 2: افهم المشكلات التي يواجهها مديرك وقدِّم أفكاراً حول كيفية معالجتها
يعمل مدير العلاقات العامة في شركة لينود (Linode) لخدمات الاستضافة السحابية، كيث كريغ، تحت إشراف نائبة مدير التسويق في الشركة، كيسي سميث التي تنتمي إلى جيل إكس وتصغره بأكثر من عقد من الزمن. يتلقى كيث أيضاً، وهو في الخمسينيات من عمره، توجيهات من مدير التسويق بالشركة، وهو أصغر سناً منه إلى درجة يمكن أن يكون بمثابة ابنه.
لا يمثل فرق السن مشكلة كبيرة بالنسبة لكيث، ويقول موضحاً: "أنا لا أؤيد الفكرة الأبوية القائلة بأنني يجب أن أكون القائد أو المسؤول لأنني أكبر سناً. ليس لدي أي غرور، لقد تخليت عنه مع تقدمي في السن. لقد كان الأمر مختلفاً عندما كنت في العشرينيات من عمري، حين كنت أتطلع إلى صنع اسم لنفسي، لكنني أدرك الآن أن الأمر كله يتعلق بالشركة والفريق".
إلى جانب ذلك، يقول كيث إن علاقته مع كيسي أقرب إلى الشراكة. عندما بدأ كيث العمل في الشركة قبل 16 شهراً، كُلف بإنشاء معظم المحتوى الأساسي، صفحة لموقع الويب تحتوي على بيانات صحفية وأشياء من هذا القبيل.
بمجرد الانتهاء من هذه المشاريع، أجرى محادثة مع كيسي حول الهدف التسويقي الأوسع لشركة لينود الذي كان يتمثل في توسيع نطاق علامتها التجارية بما يتجاوز قاعدة عملائها من مطوري البرمجيات الأساسيين، وتحدث كيث خلالها عن الحلول الممكنة من منظور خبرته المهنية السابقة. يقول كيث: "كان السؤال: ما الأماكن التي لم نبحث فيها عن العملاء؟ نظراً إلى خبرتي في تدريس اللغة الإنجليزية لطلاب المرحلة الثانوية، خطرت لي فكرة أن نركز على نقطة التجمع التي يحدث فيها ابتكار تكنولوجيا المعلومات؛ الكليات والجامعات".
ابتكر كيث خطة لزيادة انخراط شركة لينود في الكليات من خلال العمل مع نوادي علوم الكمبيوتر التي يقودها الطلاب، وتقديم تدريب داخلي لطلاب الجامعات وحتى إلقاء محاضرات لهم، وعرض مقترحاته على كيسي التي أعطته بدورها الضوء الأخضر للإسراع في بدء تنفيذها. يعمل كيث الآن على تنفيذ مبادرته تحت عنوان "خبرة العمل في مجال تكنولوجيا المعلومات"،
ويعترف أنه يشعر أحياناً بتأثير فارق السن، ويقول: "أنا من جيل طفرة المواليد الذي نشأ وهو يشاهد مسلسل الأطفال، الكابتن كانغارو، أتحدث بطريقة مختلفة وأرتدي ملابس مختلفة عن معظم من أعمل معهم"، مضيفاً أنه عندما يتحدث زملاؤه عن مواضيع غير مألوفة بالنسبة له، فإنه يعود إلى مكتبه ويجري بحثاً سريعاً على الإنترنت لمعرفة المزيد عنها، ويقول إن محرك بحث جوجل وسيلة رائعة لمعرفة الكثير.