ما الذي يقوله الخبراء؟

سيكون عملك أسهل كثيراً إذا كنت تحب الجميع في فريقك طبعاً، ولكن قد لا يكون ذلك بالضرورة الأفضل لك أو للفريق أو للشركة. يقول الاختصاصي في علم النفس التنظيمي ومؤلف كتاب “لعبة إلقاء اللوم” (The Blame Game)، بن داتنر، إن حب الموظفين بعضهم لبعض ليس مكوناً ضرورياً للنجاح التنظيمي. ويتفق أستاذ العلوم الإدارية والهندسة بجامعة ستانفورد ومؤلف كتاب “المدير الجيد والمدير السيئ” (Good Boss, Bad Boss) والمؤلف المشارك مع هاغي راو في كتاب “الارتقاء بالتميّز” (Scaling Up Excellence)، روبرت ساتون، مع هذا الرأي. يقول ساتون إن هناك عوامل مختلفة تسهم في حبك للموظفين، وهناك عوامل تسهم في فعالية الفريق، وهناك اختلاف كبير بين مجموعتي العوامل هذه. في الواقع، لا يمكن، وليس حتى مثالياً، بناء فريق تحب جميع أفراده، ولكن هناك مزالق حقيقية لكراهية الموظف. فقد تسيء إدارته أو معاملته، بقصد أو دون قصد، على نحو غير منصف لتفوت بذلك الفائدة الحقيقية التي يمكن أن يجلبها لفريقك. فيما يلي كيفية تحقيق أقصى استفادة من موظف لا تحبه.

لا تفترض أن كرهك له أمر سيئ

من المؤكد أنك قد تكظم غيظك من نكاته الرديئة أو استغرابك من بعض تصرفاته، لكن الشعور بعدم الراحة تجاه مرؤوسك المباشر قد لا يكون أمراً سيئاً. يقول ساتون إن الإعجاب الشديد بموظفيك الذين تديرهم، من حيث الأداء، يمثل تحدياً أكبر من عدم الإعجاب بهم. ربما يتصرف الموظفون الذين تنجذب إليهم بلطف ولا يدلون بملاحظات سلبية أو ينقلون الأخبار السيئة ويتملقونك دائماً، ولكن من يقدم رؤى ثاقبة جديدة ويساعد في دفع الفريق إلى النجاح هو الموظف الذي يستفزك أو يتحداك في كثير من الأحيان. يقول ساتون: “تحتاج إلى موظفين لديهم وجهات نظر متنوعة ومعارضة ولا يخشون المواجهة والاحتجاج، فهم من يحولون دون اتخاذ المؤسسة قرارات سيئة”.

ركز على مشاعرك وردود أفعالك

قد يكون من الصعب إدارة موظف لا تحبه، خاصة إذا كان عليك التفاعل معه بشكل منتظم. من الضروري في هذا الصدد تعلُّم كيفية التعامل مع إحباطك؛ فبدلاً من التركيز على درجة انزعاجك من ذلك الموظف، فكر في سبب رد فعلك. يقول داتنر إن الموظف الذي لا تحبه ليس مسؤولاً عن مشاعرك، بل هو يثيرها فقط، ويقترح طرح الأسئلة التالية على نفسك:

  • هل المشكلة في ذلك الشخص نفسه أم في أنه يذكرني بشخص آخر؟ ربما يشبه موظفك الكفء عمك الفظ، فتشعر أنك تكرهه على الرغم من أنه لم يرتكب أي خطأ.
  • هل أخشى أن أكون مثل هذا الشخص؟ على سبيل المثال، إذا كان مرؤوسك المباشر يقاطع الآخرين باستمرار وتخشى أن تفعل ذلك أيضاً، فقد يكون رد فعلك أقوى.
  • هل ينتمي إلى مجموعة لدي مشكلة معها؟ ينطوي هذا السؤال على مجموعة كاملة من الأحكام المسبّقة والقضايا القانونية المحتملة، ولكن عليك أن تكون صادقاً مع نفسك بشأن أي تحيزات خفية قد تكون لديك. حاول تحديد ما يمثله هذا الشخص لك بدقة.

يقول داتنر: “ليس عليك زيارة اختصاصي نفسي لمعرفة سبب كرهك لشخص ما، يكفي أن تكون صادقاً مع نفسك بشأن أهم المواقف أو السمات التي تزعجك فيه”. بمجرد تحديد المحفزات التي قد تثير كراهيتك له، قد تكون قادراً على تخفيف رد فعلك أو حتى تغييره كلياً. تذكر أنه أسهل بكثير تغيير وجهة نظرك من مطالبة شخص ما بأن يكون شخصاً مختلفاً.

كن ودوداً ومهنياً

يتمنى الجميع أن يحبهم مدراؤهم. مهما كانت مشاعرك تجاه موظفك، فاعلم أنه سيكون متناغماً جداً مع موقفك وسيفترض أن أي رفض له أو نفور منه له علاقة بأدائه. يجب عليك التعامل مع الجميع بإنصاف وحيادية والحفاظ على تماسكك. يقول داتنر: “من المهم تطوير سلوك دبلوماسي ومتزن في دور المدير، ويجب أن تكون قادراً على إظهار المهنية والإيجابية في تعاملك مع موظفيك”.

ابحث عن الإيجابيات

ما من شخص مزعج كلياً بطبيعته. ومع ذلك، من الشائع التركيز على السمات الإيجابية لمن نفضلهم بينما نركز على الجوانب السلبية فيمن يضايقوننا. يقول داتنر إن محاولة إبداء توازن أكبر تنطوي على الاعتراف بعيوب من تحبهم بشدة والاعتراف في الوقت نفسه بمزايا من لا تحبهم أيضاً، لذلك ابحث عما يعجبك في ذلك الموظف، ويقول ساتون من جانبه إنه يجب أن تكون إيجابياً تجاهه وتركز على ما يجيده ودوره في مساعدة فريقك، ويقترح أن تسأل نفسك بانتظام: ما أفضل ما يمكن لهذا الموظف تقديمه لدفع أداء الفريق بالنظر إلى مواهبه ومواطن ضعفه؟ على سبيل المثال، هل يمكن للموظف المتميز الذي تكرهه تحمل عبء بعض المشاريع الإضافية؟ هل يمكن للتكلم ببطء مثله تحفيز الفريق بأكمله على التفكير أكثر قبل التحدث؟

تجنب أن تؤثر تحيزاتك في تقييمه

يجب أن تكون شديد الحرص على عدم السماح لتحيزك ضد الموظف الذي تكرهه بالتأثير على عملية التقييم والتعويض. يوصي داتنر بأن تسأل نفسك: هل أستخدم المعايير نفسها التي أستخدمها عند تقييم الآخرين؟ ويقترح ساتون طلب المشورة من مدير آخر على دراية بعمل ذلك الموظف إذا واجهت مشكلة في التعامل معه بإنصاف، وطلب رأيه بصدق حول إذا ما كان تقييمك لهذا الشخص يتفق مع تقييم الآخرين له، ويمكنك أيضاً أن تطلب من ذاك المدير أن يواجهك بوجهة نظر معارضة ويثبت نقاط قوة ذلك الموظف. يقول ساتون: “غالباً ما يُنظر إلى القيادة على أنها شأن فردي، ولكنها في الواقع جهد تعاوني بدرجة أكبر”.

اقضِ المزيد من الوقت معه

قد يبدو ذلك آخر شيء تريد سماعه، لكنه قد يساعدك في زيادة تفاعلك مع ذلك الموظف الذي يمثل مشكلة وبالتالي فهمه بصورة أفضل، فالدواء المر قد يكون أكثر فعالية أحياناً لعلاج المرض. يستشهد ساتون بالدراسات التي توضح كيف يمكن للعمل التعاوني في المهام الصعبة بناء الألفة ويقول: “ربما تقدره بمرور الوقت إذا عملتما معاً بصورة وثيقة”. على سبيل المثال، فكر في توظيفه في أصعب مشروع لديك، أو اطلب منه أن يكون مساعدك المباشر في مبادرة مهمة. الأهم من ذلك، تذكر أن تتحلى بعقلية منفتحة. يقول داتنر: “قد يصبح أفضل موظف بالنسبة لك في الفريق اليوم أسوأهم غداً، وقد تفقد ثقتك بالموظف الذي تحبه ويخيب ظنك به لأي سبب فجأة”.

مبادئ يجب تذكرها

ما يجب أن تفعله:

  • كن صادقاً مع نفسك؛ حدد المحفزات التي قد التي تسهم في مشاعرك السلبية.
  • ابحث عن منظور خارجي لتقييم أداء الموظف وتجنب أي تحيز تجاهه.
  • حافظ على عقلية منفتحة، فقد تتغير وجهة نظرك بمرور الوقت.

ما يجب ألا تفعله:

  • افتراض أن عدم إعجابك بموظف ما مؤشر سلبي، فلوجهات النظر المختلفة دور بالغ الأهمية في نجاح الفريق.
  • إظهار نفورك من الموظف علانية؛ فالجميع يتمنى أن يحبه مديره.
  • تجنب العمل مع الموظف الذي لا يعجبك. فقد يؤدي التعاون معه في مهمة صعبة إلى تغيير علاقتك به بصورة إيجابية.

دراسة حالة رقم 1: عيّن الشخص المناسب، لا المحبوب

أنشأت المؤسسة المشاركة لشركة كومسكورس (comScores) الرائدة في التحليلات الرقمية المحوسبة، ليندا أبراهام، مؤسستها على أساس منطقي بسيط: عيّن من تحترمه، وليس بالضرورة من يعجبك. وتعمدت تعيين موظفين لا يعجبونها منذ بدء عملها التجاري عام 1999، ولكنها كانت تعتقد أنهم سيضيفون قيمة للفريق. تقول موضحة: “إنهم أشبه بجرعات المناعة لمؤسستك”.

عيّنت ليندا موظفاً يُدعى دان* قبل بضع سنوات على الرغم من معارضة أعضاء آخرين في فريقها. كان سلوك دان مستفزاً للآخرين حتى في أثناء مقابلة التوظيف، لكن ليندا رأت أن لديه المهارات والخبرة المناسبة. جاء دان من شركة تقنية كبيرة وكان يميل إلى الحديث كثيراً عن الأساليب والاستراتيجيات المتبعة لزيادة حجم الشركة، الأمر الذي فسره الكثيرون على أنه تشجيع للبيروقراطية، وهو أمر غير مقبول في ثقافة الشركات الناشئة.

قدّم دان ملاحظات واقتراحات منتظمة خلال الأشهر الستة الأولى من بدء عمله حول أحد منتجات الشركة وكيف يمكن تحسينه، تقول ليندا إنها أُعجبت برؤى دان التي كان يحاول طرحها بعد أن درستها بعناية، وكان يتمتع ببصيرة ثاقبة على الرغم من أن تعليقاته لم تكن لبقة (غالباً ما يصف أشياء معينة بأنها “غبية”). وتضيف ليندا أن الشركة اتخذت في النهاية قراراً بإلغاء الوظيفة التي عُين فيها في الأصل وأوكلت إليه دوراً جديداً يركز فيه على تنفيذ التحسينات التي اقترحها.

ولكن دان لم يكن محبوباً حتى في دوره الجديد، إلا أن ليندا حاولت التركيز على جوهر ما كان يقوله بدلاً من التركيز على طريقته في طرحه، ودربت الآخرين على فعل الشيء نفسه. كما استثمرت ليندا بعض الوقت مع دان لمساعدته في إدراك رؤية الآخرين له وما يمكنه فعله لتغيير أسلوب تواصله معهم. تغير موقف ليندا تجاه دان في النهاية، تقول موضحة: “لقد أصبحت أحبه كثيراً. لقد أزعج البعض أحياناً، ولكنه حصل على ترقية ونجح إلى حد كبير في دوره الجديد”.

دراسة حالة رقم 2: تجنب تأثير تحيزك

ورث مدير تجاري في مستشفى كبير للأطفال، ويُدعى كيفن نيهاوس، فريقاً من الموظفين عند تسلمه هذا الدور، كان يواجه مشكلة مع أحد أعضائه، كريس*؛ إذ كان سلوكه يثير حنق نيهاوس دائماً. يقول كيفن: “كان مصدر أغلب المشاكل في وحدتنا. ووصل الأمر إلى درجة أصبحت أرفض عندها أفكاره لمجرد أنه لا يعجبني”.

جاء كريس في أحد الأيام إلى كيفن منزعجاً، يقول نيهاوس: “أراد معرفة سبب عدم ثقتي به. أدركت سريعاً أنني تركت رد فعلي العاطفي يعوق قدرتي على إدارة كريس بفعالية”. قرر كيفن تغيير نهجه؛ كان بحاجة إلى تبني منظور أكثر موضوعية. ومنذئذ، كان يأخذ بعض الوقت متعمداً بعد أن يغضب من كريس لسبب ما، ويفكر فيما إذا كان رد فعله سيبقى نفسه لو كان من أغضبه شخصاً آخر غير كريس. كانت الإجابة بالنفي غالباً، لذلك تعلم أن يتغاضى عن بعض سلوكياته. وانطلاقاً من مواجهته الأولى مع كريس، بدأ كيفن أيضاً تزويده بملاحظات صادقة حول سلوكه أدت بدورها إلى تقليل المشاكل التي كان يثيرها، وتمكن كلاهما من تطوير علاقة مبنية على الثقة بمرور الوقت، إذ تعلّم كيفن التحكم في عواطفه وشعر كريس بالتقدير.

* الأسماء مستعارة.