كيف يجب أن تتصرف مع مدير يُحب انتقاد الآخرين في غيابهم؟ لنتأمل هذا المثال المفترض: لا تُحب أمل في مديرها زيد حقيقة أنه يتحدث عن زملائها بسوء أمامها. وأعربت له عن انزعاجها من هذا التصرف بطريقة لطيفة عدة مرات، ولكنه يعتذر ثم يواصل نقده اللاذع لزملائها. منذ شهرين، أخبرها زميلها بأن هذا المدير قد انتقد مهاراتها التحليلية في غيابها، وصُدمت حين سماع ذلك. لأنها شعرت أن نقد المدير لزملائها أمامها يعني أنها محل ثقته. ومنذ ذلك الحين وهي تشعر بالاستياء منه وبعدم الثقة في نواياه. غداً ستحضر أمل مراجعة أدائها وهي في غاية الحيرة إذا ما كانت ستتحدث عن هذا السلوك أم لا.
أمل محقة في الشعور بعدم الثقة والاستياء من زيد. لكن في الحقيقة عليها أن تشعر بعدم الثقة والاستياء من نفسها بالقدر نفسه.
إذ تُظهر النميمة سلبية المتلقي تماماً كما تظهر سلبية المتحدث. فلن يكون ثمة عرض للنميمة إن لم يكن ثمة طلب عليها. إذ إننا نشجع انتشار النميمة بسبب حبّنا لـ 4 مزايا وهمية:
- المكانة. يمنح الاستماع إلى النمائم مكانة اجتماعية، إذ نشعر أننا جزء من مجموعة مميزة "على دراية".
- الألفة. تخلق النميمة وهم العلاقة المُقربة بين المتحدث والمتلقي. إذ يخلق سرنا المشترك تواطؤاً يُخيل لنا أنه رابط يجمعنا.
- الثقة. يصاحب نقل المعلومات التي لا يجوز الحديث عنها طلباً صريحاً أو ضمنياً بكتمانها. وكان طلب زميل أمل غير المعلن عدم إخبار مديرها أنه أخبرها. ما يخلق شعوراً ظنياً بالثقة بين الاثنين.
- دقة المعلومات. لدينا ما يدفعنا لتضخيم مصداقية النميمة، لأننا نتوق إلى المكانة وصحة الأخبار الوهميَتين اللتين تحملهما النميمة، ولأننا نرغب في تصديقها.
لكن الشعور بالمكانة والألفة والثقة ودقة المعلومات مشاعر زائفة دائماً.
فعلى سبيل المثال، عندما تشعر أمل أن مديرها زيداً يميّزها عن الآخرين، هو لا يمنحها تلك المكانة المميزة بل يظهر على حقيقته فحسب. وهو يكشف عن الخداع بداخله تجاه الذين ينتقدهم، وحينها يجب أن تعلم أمل أنه سيعاملها بالمثل عندما تتوافر له الظروف.
كما أن شعور الألفة الذي تشعر به عندما "يأتمنها" زيد على أسراره شعور مزيف أيضاً. فالعلاقات القائمة على التواطؤ سريعة الزوال. والشعور بالثقة بين أمل وزميلها يلفت الانتباه أيضاً، فلكي تحافظ على الثقة بينهما، عليها أن تكذب على مديرها وتتظاهر بأنها لا تعرف ما تعرفه. وعندما يتطلب الحفاظ على ثقة أحدهم فقدان ثقة آخر، فالثقة بالطرفين مهزوزة.
وأخيراً، النميمة بطبيعتها مصدر سيئ السمعة وغير موثوق للمعلومات الاجتماعية. والأحكام الأكثر دقة على دوافع الآخرين أو كفاءتهم أو أفعالهم هي الأحكام التي تخضع لفحص واسع وعلني. والحوار هو أفضل وسيلة لمعرفة الحقائق الاجتماعية، في حين تحمي النميمة رسائلها من هذا النوع من الفحص الدقيق. فلا توجد نزاهة في عملية فاقدة لتحمل المسؤولية.
إن أرادت أمل استعادة نزاهة علاقتها مع زيد، فعليها التفكير في الآتي:
- تحمل مسؤولية أفعالك. على أمل ألا تلقي اللوم على زيد وحده وتعترف بأنها تواطأت معه واستفادت من هذا السلوك. وبالطبع مديرها يغتابها أيضاً. فإن كان يغتاب الآخرين أمامها، فسيغتابها لاحقاً. ويجب أن تشعر بالمسؤولية وليس بالإساءة.
- ضع الحدود وامنع تجاوزها. ارتكبت أمل خطأين بشأن الحدود. أولاً، وضعت حداً بتعبيرها عن رغبتها بعدم سماع النميمة وتوقعت أن يكون زيد مسؤولاً عن عدم تجاوز ذلك الحد. وعندما تسمح له أمل بتجاوز ذلك الحد مجدداً، فالخطأ خطؤها وليس خطأه. ثانياً، لم تواجه زيد حين اغتابها، فهي لم تشعر بالاستياء لمدة شهرين (دون تحريك ساكن) لأنها فقدت الثقة به فحسب، بل لأنها فقدت الثقة في نفسها أيضاً. وثمة مخاطر لوضع مثل هذه الحدود، فقد تخسر وظيفتك أو تدمر حياتك المهنية أو تُنبذ من زملائك في العمل. وتلك مخاوف لا يستهان بها. فقد يختار الذين يتمتعون بأعلى درجات النزاهة قبول موقف سيئ لأن إيجابيات قبولهم تفوق سلبياته. قد تكون هذه المقايضة مقبولة، لكن عليك ألا تستاء حينها مثل أمل. فالاستياء ينتج من خيبة التوقعات. وتوقعاتك شأنك الخاص، وتقع على عاتقك مسؤولية توضيحها للآخرين وتحمل آثار خيبتها.
- تجنب التواطؤ. عندما يريد أحدهم أن يخبرك معلومات تغير نظرتك للآخرين ويقسم عليك بكتمان السر، فكأنه يقول لك: "أنا على وشك إخبارك بشيء يجعلك تشعر بالاستياء، لكنني أريدك أن تعدني بأنك لن تتصرف على نحو سليم حيال ذلك، هل أنت موافق؟" يحوّلك قبول هذه الاتفاقية الضمنية إلى مخادع ضعيف، فلا تسمح بحدوث ذلك. كان على أمل ألا تسمح بأن تضع نفسها في هذا الموقف مع زميلها الذي نقل لها انتقادات زيد. تبنيتُ موقفاً أخلاقياً منذ سنوات عدة بتحذير من يرغب باغتياب شخص آخر أمامي. فحين أشعر أن المحادثة تسير في اتجاه النميمة، أوقفه بأدب وأقول: "رجاء لا تخبرني أي شيء تتوقع مني ألا أتصرف على أساسه. فلن أتوصل لاستنتاجات عن شخص آخر دون مناقشتها معه". وذلك يبعث رسالة واضحة للواشي بوجوب تحمل مسؤولية كلامه، وأنك لا ترغب بسماعه إلا إذا تحمل تلك المسؤولية.
فإذاً ما الذي يجب أن تفعله أمل بشأن مراجعة أدائها غداً؟ إن أرادت استعادة نزاهتها فعليها القيام بالآتي:
- تنبيه زميلها. عليها أن تخبر زميلها أنها تنوي معالجة مخاوف زيد المزعومة بشأن كفاءتها. ولا تحتاج أمل إلى الكشف عن مصادرها، ولكن عليها تحذير زميلها أن المدير قد يشك به. وفي حال سألها المدير عن مصدر معلوماتها، فيمكنها تأجيل الرد وإعطاء المصدر يوماً أو يومين للتحدث مع زيد. وعليها أن تخبر زميلها بأنها كانت مخطئة في الإيحاء بالتزام ضمني بكتمان السر وأنها لن تفعل ذلك مجدداً.
- وضع حدود لمديرها والحفاظ عليها. عليها أن تخبره بأنها لا ترغب بأن تكون طرفاً في محادثات تنتقد الزملاء. وفي حال أثار مديرها هذه المواضيع فسوف تحاول التصدي لها وتخرج على الفور من المحادثة إذا استمرت على هذا النحو. على أمل أن تكون واضحة مع مديرها ومع نفسها أنها لا تفعل ذلك للسيطرة على سلوكه، ولكن ببساطة لحماية نفسها. ربما سيساعده ذلك على التغيير مع مرور الوقت، لكن من الأفضل ألا تعتمد على ذلك.
- عليها أن تنسى الموضوع بعد المواجهة. إذا استمرت في الشعور بالاستياء، فذلك يعني أنها بدأت في ارتكاب الخطأ نفسه مجدداً بتحميل مديرها مسؤولية راحة بالها. وبمجرد وفائها بالتزاماتها تجاه نفسها، ستتقبل عيوب مديرها أكثر. فأنا استطيع تقبل عيوب الآخرين عندما أكون نزيهاً مع نفسي.
- في حال تصاعدت المشكلات، على أمل إعادة النظر في قرراها. وفي حال ازدادت النميمة، أو أصبح سلوكه غير محتمل، فعليها ألا ترتكب الخطأ نفسه بلوم الآخرين. يجب أن تتوقف لبرهة وتسأل نفسها: "ماذا أريد حقاً؟" ففي حال كانت نوعية حياتها أهم من الوظيفة، فقد حان وقت الرحيل.
قد تراودك فكرة أن مديرك النمام ليس مشكلتك ولا يجب عليك حلها، أو فكرة أنك غير قادر على فعل أي شيء حيال ذلك. لكن ذلك غير صحيح. في الواقع، إن لم تتخذ خطوات للقضاء على السلوك في مهده، فستكون مثل أمل موضوع النميمة القادمة.