حين يكون دوام الموظف عن بعد بالكامل، يصبح التعامل مع المدير القليل التدخّل فرصة للتمكين ومشكلة في الوقت نفسه. قد تستمتع بدرجة من الاستقلالية، لكن لا بد من التواصل الواضح والمستمر مع مديرك لتحقيق نتائج جيدة. إن معرفة ما يتوقعه المدير مهم جداً لتحقيق أهدافك، كما أن إبراز إنجازاتك، وهذا ضروري للتفوق في أي دور، سيكون صعباً إن لم يكن مديرك على علم بجهودك. تظهر هذه المشكلات دائماً بوجود مدير يتبع نهج التدخل المحدود (Hands-off Approach)، لكن حلها يصبح أصعب عند العمل عن بعد لقلة الاحتكاك معه.
أستطيع أن أتحدث عن هذه المشكلة من واقع خبرتي الشخصية؛ إذ عملت عن بعد مدة 7 سنوات مع مجموعة من المدراء المختلفين، وقد نجحنا في إنشاء خطوط اتصال فعّالة تتوافق مع أسلوب عمل كلّ منا، لكن الأمر تطلب إجراء عدد من التجارب. في الواقع، حصلت على ترقيتين خلال تلك الفترة، وهما إنجازان يعود جزء من الفضل في تحقيقهما إلى بناء علاقات وثيقة مع المدراء على الرغم من مشكلات العمل عن بعد ومن اتباع هؤلاء المدراء نهج التدخل المحدود.
إذا وجدت نفسك في هذا الموقف، فإليك 3 دروس تعلمتها من خلال تجربتي ومن خلال تدريب أشخاص آخرين تعرضوا لمواقف مشابهة. يمكنك تطبيق هذه النصائح لتعزيز علاقتك بمدير قليل التدخل، والحصول على المعلومات التي تحتاج إليها لتحسين أدائك للحد الأقصى، وإبراز إنجازاتك دون أن تطأ قدميك المكتب.
احرص على فهم أسلوبك وأسلوب مديرك في العمل
إذا كنت تعمل عن بعد، يجب أن تحرص على تحديد وقت التفاعل مع المدير وطريقة هذا التفاعل. إذا كان المدير قليل التدخل بطبيعته، فقد تتمكن من تحديد آلية مُرضية لكما من خلال فهم أسلوب عمل كل منكما، أي طريقة إنجاز المهمات والمشروعات والتواصل وحل المشكلات.
سيعجز مديرك عن الإسهام في نجاحك إن لم يعلم الطريقة المثلى التي تنجز بها عملك، وستعجز أنت عن أداء عملك على أفضل وجه إن لم تعرف توقعات مديرك. لذلك، عليك أن تصل إلى توافق معه.
ابدأ بنفسك. يمكنك فهم أسلوب عملك أكثر من خلال طرح الأسئلة الآتية:
- هل أفضّل أن يوفّر لي المدير نظام عمل مفصلاً أكثر والمزيد من التوجيه، أم أفضّل تجربة الأمور بنفسي أولاً والتعلم من خلال التجربة والخطأ؟
- هل أفضل أن يوفر لي المدير خطة توجيهية مفصّلة في أثناء العمل على المشروعات، وأن أتواصل معه على نحو منتظم خلال مدة تنفيذها، أم أفضل تحمّل المسؤوليات بنفسي والالتزام بالمواعيد النهائية لتسليم العمل مع قدر أقل من الإشراف؟
- هل أستوعب التقييمات على نحو أفضل عندما يقدمها لي مديري وجهاً لوجه، أم أفضل مراجعتها كتابياً قبل مناقشتها؟
- هل لدي قيم محددة توجّه عملي؟ ما هي الجوانب التي أمنحها الأولوية بطبيعتي (مثل العلاقات والتوازن بين العمل والحياة والنمو)؟ ولماذا؟
تساعدك الإجابة عن هذه الأسئلة على تحديد تفضيلاتك فيما يتعلق بالتواصل وصنع القرار، وعلى توضيح القيم التي توجّه عملك. شارك هذه المعلومات مع مديرك بمجرد التوصل إليها. وأخبره سلفاً بأنك تريد مناقشة أسلوب عملك لتوضيح الاختلافات بين الأساليب التي يفضّلها كل منكما في إنجاز المهام أو المشروعات. احرص على التصريح بأنك ترغب في التعرف على أسلوبه حتى تتمكنا من تجاوز الاختلافات بتعديل أساليبكما ومواءمتها.
على سبيل المثال، قد تكتشف أن مديرك يفضّل الاستقلالية في عمله وإسناد المشروعات وتحديد موعد نهائي لتسليمها وتوكيلك باكتشاف آلية إنجازها بنفسك. لكن إذا كنت تفضل التعاون وتشعر بثقة أكبر إذا أتيحت لك الفرصة لمراجعة المسودات الأولى معه حتى تتحقق من أن توجّهك سليم، فيمكنك أن تطلب منه جدولة تواصل بينكما مرة أو مرتين للتحقق من صحة سير العمل قبل الموعد النهائي لتسليمه. ويمكن أن يكون هذا التواصل عبر رسائل إلكترونية قصيرة تتضمن أفكارك الأولية.
نصيحة احترافية
بغض النظر عن أسلوب التواصل الذي تعتمده، يمكنك إبراز عملك اليومي من خلال تتبع مهماتك والتقدم الذي تحرزه والتزامك بالمواعيد النهائية أو بتلبية معايير محددة ومشاركته عبر منصات التعاون المعتمدة، ومنها أدوات إدارة المشروعات مثل تريلو (Trello) أو أسانا (Asana) أو مستندات جوجل دوكس (Google Docs) المشتركة التي تحدّثها بانتظام. احرص على أن يتمكن مديرك من الوصول بسهولة إلى هذه المنصات، ووفّر له روابطها في التحديثات التي تقدمها له حول عملك. يمكن أيضاً استخدام هذه المستندات على أنها أدلة تثبت إنجازاتك إذا اضطررت للدفاع عن نفسك لاحقاً.
بادر باجتماعات فردية إن لم يبادر مديرك
بمجرد الاتفاق مع مديرك حول أسلوب العمل، احرص على التواصل المستمر معه. حتى لو كنت تفضل العمل على المشروعات باستقلالية أكبر، أوصي بجدولة اجتماع فردي منتظم مع مديرك، ومن المحبّذ أن يكون الاجتماع أسبوعياً أو كل أسبوعين. يجب ألا تأخذ هذه الاجتماعات شكل محادثات مطولة أو جلسات التقييم الرسمية، بل جلسات متابعة سريعة مدتها 15 إلى 30 دقيقة؛ فالهدف هو التواصل المباشر والمنتظم مع المدير وضمان التوافق المستمر معه وإبراز إنجازاتك.
يقرر العديد من المدراء الاجتماعات الفردية من تلقاء أنفسهم، ولكن قد تضطر إلى اتخاذ إجراءات استباقية إذا كان مديرك قليل التدخّل. وإذا كان لديك اجتماع مقرر فعلاً معه، فاطرح الفكرة عليه خلاله أو أرسل له رسالة إلكترونية مختصرة، ويمكنك كتابة رسالة مثل الآتية:
"أود تحديد موعد اجتماع أسبوعي فردي معك، ومن المحبّذ أن يكون محادثة مدتها نصف ساعة نناقش فيها عملي وتطوري المهني وسبل التوصل إلى توافق حول أهداف الفريق. أعتقد أن هذه الاجتماعات ستساعد على تحسين تواصلنا وأدائي العام. هل لديك استعداد؟ إذا كان الأمر كذلك، يمكنني تحديد الوقت الذي يناسبك وفق جدول مواعيدك".
اتبع أسلوباً استراتيجياً في أثناء الاجتماع. وبما أن الوقت محدود، يمكنك وضع جدول أعمال للاجتماع سلفاً وحدد فيه الموضوعات أو نقاط النقاش التي تريد تناولها. على سبيل المثال، إذا كنت بحاجة إلى موارد إضافية أو تحرّي مشكلة ما وحلّها، فالاجتماع هو الوقت المناسب لطلب المساعدة أو جمع المعلومات اللازمة لأداء عملك على النحو الأمثل.
يجب عليك أيضاً أن تخصص وقتاً لذكر نجاحاتك الجديدة والتقييمات الإيجابية التي تلقيتها. على الرغم من أنك قد تتردد في فعل ذلك في البداية، فإن ذكر الإنجازات هو من أسهل الطرق لإبراز جهدك. تذكّر أن مديرك لديه الكثير من المهام وربما لا يعلم بشأن إنجازاتك البسيطة أو حتى الكبيرة كلها، وبما أنك تعمل عن بعد، فأنت لست في المكتب حيث يمكنك التحدث عرضياً عن مشروعاتك في أثناء الاستراحات، ما يعني أنه يجب عليك أن تبادر أكثر في هذا الصدد. لا تفكر في الأمر على أنه تفاخر، بل هو الدعم الأفضل لنفسك.
شارك الأخبار السارة بطريقة تبرز إسهاماتك في الفريق بأكمله، وقل: "أريد أن أشارك خبراً أسعدني حقاً. تلقيت خلال اجتماع مع أحد العملاء مؤخراً ملاحظات إيجابية حول مهاراتي في التواصل وحل المشكلات، وجعلني ذلك أدرك مقدار ما تعلمته ومدى فعالية آليات فريقنا".
نصيحة احترافية
عند العمل عن بُعد مع مدير قليل التدخّل، سيفيدك تشغيل الكاميرا في أثناء الاجتماعات، وهذا يشمل الاجتماعات الفردية واجتماعات الفريق وجلسات تتبع المشروعات الرسمية أو جلسات التقييم. ستستفيد من أن تكون مرئياً ومشاركاً فعلياً، خاصة في الاجتماعات غير الفردية، وتشغيل الكاميرا هو طريقة بسيطة لإبراز حضورك ومشاركتك.
بناء العلاقات مع أقران مديرك
يؤدي مديرك دوراً مهماً في نجاحك، لكنه ليس صاحب الأثر الوحيد فيه. يؤدي أقران مديرك أيضاً دوراً كبيراً في إبراز إنجازاتك في غيابك، وبما أنك تعمل عن بُعد فستكون غائباً في أغلب الأحيان.
يستطيع القادة من مرتبة مديرك منحك فرصاً فريدة قد يغفل عنها المدير القليل التدخل أو لا يعدها أولوية فورية.
لكن كيف تبني هذه العلاقات؟
أولاً، احرص على عدم تجاوز أي حدود. بتعبير آخر، كن واضحاً مع مديرك بشأن رغبتك في بناء علاقة مع أقرانه. أخبره خلال لقاء فردي بأنك ترغب في التواصل مع القادة في الأقسام الأخرى لفهم كيفية عمل المؤسسة بدقة، واسأله عما إذا كان من المقبول بالنسبة له أن تتواصل مع الأشخاص المحددين الذين تود التواصل معهم في جلسات غير رسمية.
إذا حصلت على موافقته، فتواصل مع هؤلاء القادة ولكن بأسلوب هادف. حدد الأشخاص الذين يلهمك عملهم أو الذين قد يؤثرون إيجاباً في عملك، وحضّر مجموعة من الأسئلة سلفاً. واحرص على استثمار وقت الاجتماع للتعرف على دور القائد الآخر والتحديات التي يواجهها ووجهات نظره بشأن رسالة الشركة، كما يجب أن تكون مستعداً للتحدث عن تجربتك الشخصية وأهدافك المستقبلية.
هذه هي الخطوة الأولى لبناء علاقة إيجابية مع المدراء وسمعة طيبة بينهم. إذا واظبت على بناء العلاقات، فستحصل في النهاية على حلفاء يدافعون عنك في مختلف أنحاء المؤسسة، وعندما تتوافر فرص مهمة للتعاون المتبادل فستتمتع بأفضلية في المشاركة.
نصيحة احترافية
شارك بنشاط في قنوات التواصل التي تشمل الشركة بأكملها في تطبيق سلاك (Slack) مثلاً أو منصات المراسلة الأخرى، وشارك مقالات ذات صلة أو اطرح أسئلة مدروسة أو قدّم رؤى متعلقة بالمناقشات الجارية، واحرص على إضافة وسم باسم المدراء الذين تعتقد أن هذه المعلومات تهمهم. قد يمثّل ذلك خطوة أولى نحو إنشاء التواصل الهادف.
لا نحظى بفرصة اختيار المدراء غالباً، ونضطر أحياناً إلى التعامل مع أشخاص غير متوافقين معنا، ولكن لدينا جميعاً القدرة على تحسين ظروفنا باستخدام الأدوات والموارد المناسبة التي تمكننا من بناء علاقة عمل أفضل مع أي مدير، حتى قليل التدخل.