“الانسجام” عمود مخصص لتقديم نصائح تساعد في التغلب على بعض المشاكل الصعبة واسعة الانتشار بين الموظفين، تكتبه خبيرة مكان العمل إيمي غالو

عزيزتي إيمي،

بدأت عملي العام الماضي في منصب قيادي تقني عالي المستوى في وزارة الدفاع في الولايات المتحدة. قيل لي إنني أفضل مرشح لهذا المنصب لأنني سأشرف على الهيئات التي أديت فيها سابقاً عملاً مماثلاً.

ومنذ اليوم الأول وأنا أواجه بعض التحديات مع المشرفة المباشرة على عملي، ويبدو أنها خائفة من أن أستولي على منصبها لدرجة أنها اتهمتني مباشرة بـ “تقويض سُلطتها” عندما كنت أتحدث مع موظفين من هيئات أخرى. أحتاج إلى إجراء تلك المحادثات لأداء عملي بشكل جيد، وأبقيها دائماً على اطلاع بأني أُجري تلك المحادثات. كنت فيما مضى مديراً لمؤسسة أكبر بكثير ولم أكن لأحاول قط أن أكون جهة التنسيق الوحيدة مع الهيئات الخارجية كما تحاول أن تفعل.

وهي تقاطعني أيضاً عندما نجري محادثات أمام الآخرين ظانة أنها تفهم موقفي وهي ليست كذلك، ثم تغادر وهي مُحبطة مني. واجهت ما لا يقل عن 6 من هذه المواقف التي كانت خطيرة لدرجة أني وثّقتها. في حالتين منها، واجهتها على انفراد وشرحت لها أسلوبي في التواصل بهدوء وأبلغتها أنني لا أعرف ماذا فعلت حتى تظن أنها لا تستطيع الوثوق بي. وكان لتلك المواجهة فائدة على المدى القصير، لكنني أعمل بحذر كمن يمشي على قشور البيض حرصاً على عدم إثارة غضبها.

هل ثمة إجراءات معينة يجب أن أتخذها حتى لا تعتبرني تهديداً لمنصبها؟ كيف أكسب ثقتها بي كعضو مهم في الفريق على نحو مستدام؟

. . .

أتفهّم قلقك وإحباطك من هذا الموقف. فالعمل مع مدير يشكك في أدائك، أو يحجب عنك المعلومات أو العلاقات، أو حتى يعمل على تقويض مكانتك، يجعلك تشعر بأنه يهاجمك شخصياً.

كان حديثك معها عن مخاوفك خطوة ذكية، ومن المشجع أن تلك المحادثات ساعدت في إصلاح الأمور ولو مؤقتاً (التغيير السلوكي عملية صعبة، وليس من المستغرب أنها عادت إلى أسلوبها القديم بسرعة كبيرة وأعلم أن ذلك مخيب للآمال).

أقترح عليك 3 أساليب لمعالجة المشكلة. يعتمد الأسلوب الأول على الإشارة إلى أنك لست منافساً لمديرك، والثاني على بناء الثقة بينكما، ويتضمن الثالث التحدث إلى مديرك مباشرة بشأن المشكلة. ولنتعمق قليلاً في كل أسلوب منها.

1. ابحث عن طرق بسيطة للإشارة إلى أنك لا تشكل تهديداً لها

من الأمور المُربكة بشأن العمل مع مدير لا يشعر بالأمان محاولة فهم سبب شعوره بالتهديد وهو يمتلك قوة وسلطة أكثر منك، في حين من المفروض أن يقلق الذين يفتقرون إلى السلطة بشأن وظائفهم ونظرة الآخرين إليهم.

توصل الأستاذان ناثانيل فاست وسيرينا تشين عبر سلسلة من الدراسات إلى أنه عندما يشعر ذوو السلطة بعدم الكفاءة، فإنهم يميلون إلى التصرف بشكل أكثر عدوانية وحقداً تجاه الآخرين بقصد الأذى دون مبرر، على الرغم من أن عدم الكفاءة وحده لا يؤدي إلى العدوانية. في الواقع، لا يلجأ الموظفون ذوو السلطة الأدنى الذين يشعرون بعدم الأمان إلى نفس السلوكيات السيئة في العادة.

كما أن التناقض بين درجة شعور القادة الفعلي بالثقة والمقدرة من جهة، والإمكانات الكبيرة المتوقعة منهم مثل مهارات القيادة والمعرفة والقدرة على الوصول إلى المعلومات والبيانات من الجهة الأخرى، يؤدي إلى ما يُطلق عليه غالباً “الدفاع عن الذات”، حيث يقوم القادة بتصرفات لحماية صورتهم أمام أنفسهم أو لتبرير أفعالهم.

وقد لا ترغب في إرضاء غرور مديرتك، وبخاصة إذا كانت تعمل على تقويض مكانتك، لكنه ثمن ضئيل يجب أن يُدفع مقابل تخفيف التوتر والتوقف عن العمل بحذر شديد.

فهدفك أن تنظر إليك مديرتك كحليف وليس كمنافس، ومن الأفضل أن تبادر إلى ذلك في بداية علاقتك بها، ولكن لم يفت الأوان بعد لتصفية الأجواء. قل مثلاً في أحد الاجتماعات: “أنا معجب بأدائك وآمل أن أستمر في التعلم منك”. إذ أظهرت الأبحاث التي أجريت على المدراء الذين يشعرون بعدم الكفاءة فائدة المديح الصادق. ركز على كلمة “صادق”؛ إذ يكتشف معظم الناس الثناء المفتعل.

أنا أتفهم خشيتك من الظهور بمظهر المتملق، ويمكنك تجنب المجاملات والتعبير عن تقديرك لشيء فعلته من أجلك. ذكر فاست في إحدى دراساته أن قول أحد الموظفين: “شكراً جزيلاً لك، وأنا ممتن لك” قد أثر بشكل إيجابي في تقييم مدير ضعيف الثقة بالنفس لأداء ذلك الموظف. لذا فكر في توجيه الشكر لمديرتك لمنحك فرصة للعمل في مشروع مهم أو لتقديمك لزملاء في قسم آخر. لن يؤدي ذلك إلى جعلها تشعر بالراحة فحسب، بل ستساعدها على تعزيز ثقتها بنفسها عبر ذكرك لبعض مواطن قوتها.

تحذير: يمكن أن يؤدي العمل مع مدير ضعيف الثقة بالنفس إلى إثارة ميولنا التنافسية. لكن أحد أسوأ الأشياء التي أحذّرك منها هو الانتقام؛ ففي حال شعرت مديرتك أنها لا يمكنها الوثوق بك أو أنك تزدريها، فسوف يتصاعد موقفها الدفاعي تجاهك.

ومن المفيد أيضاً أن تتعاطف قليلاً مع موقفها، فمن المحتمل أنها عانت محاولات النيل منها أو تعرضت لمحاولات كثيرة لتقويض مكانتها من موظفين سابقين. أضف إلى ذلك أنك كنت في منصب مكافئ لمنصبها سابقاً وأنك تتمتع بميزات قائد الفريق الناجح، وكل ذلك سيشعرها بالقلق. وعندما تفهم الأسباب المنطقية لسلوكها ستتمكن من تليين موقفك تجاهها.

أريد أن أوضح نقطة هنا: أنا لا أبرر سلوكها بأي شكل من الأشكال أو أقترح عليك تركها تتصرف كما يحلو لها. في الظروف المثالية، ستدرك مديرتك التأثير الذي تُحدثه وتتخذ خطوات لمعالجة المشكلة، لكن لا يمكنك ضمان أنها ستتخذ هذه الخطوات، لذا سيساعدك تغيير طريقة تفكيرك على التعامل مع الموقف بطريقة مختلفة.

2. بناء الثقة عبر تأكيد درجة التوافق بينكما

حلل مستشارا القيادة جاك زنغر وجوزيف فوكمان الآلاف من تقييمات أداء القيادة بطريقة 360 درجة لتحديد ما يجعل الموظفين يثقون في قادتهم. وتوصلا إلى 3 سمات: العلاقات الإيجابية، وحسن التقدير أو الخبرة الجيدة، والاتساق.

يمكنك أن تسأل نفسك أي من هذه السمات الثلاث ظاهرة في تفاعلك مع مديرتك في العمل، وأي منها يمكنك تحسينه. وبما أننا لا نحسن تقدير سلوكنا بشكل منصف غالباً، يمكنك أن تطلب من أحد الزملاء الذين يشهدون على نحو منتظم تفاعلك مع مديرتك في العمل ملاحظات صريحة حول ما يمكنك تغييره لتحسين ديناميكية العمل بينكما.

وبناءً على ما ذكرته في رسالتك، يبدو أن ثمة فرصة لتحسين علاقتك بها. ثمة مقال نموذجي آخر في هارفارد بزنس ريفيو حول ما يلزم فعله لبناء الثقة، وفيه مقطع يبدو مناسباً لحالتك: “تكشف الأبحاث أن الذين يُعدّون أكفاء ولكن يفتقرون إلى اللطف يثيرون مشاعر الحسد لدى الآخرين غالباً، وهو شعور ينطوي على الاحترام والنقمة على حد سواء. فعندما نحترم شخصاً ما نرغب في التعاون معه أو الانضمام إليه، لكن النقمة تجاهه تجعله عرضة للانتقام القاسي”. بعبارة أدق، قد يكون مصدر نقمة مديرتك تجاهك هو شعورها بأنك لست في صفها.

إليك خطوتين مفيدتين لمعالجة ذلك:

اسألها عن أولوياتها

اسألها عبر محادثة صريحة عن الأهداف التي تحظى بتركيزها وكيف يمكنك الإسهام في تحقيق هذه الأهداف على أكمل وجه. يمكنك أن تقول: “أريد أن أتأكد أنني أفهم معايير النجاح بالنسبة إليك وأنني أفعل ما بوسعي للإسهام فيه. ما الأهداف التي تركزين عليها حالياً؟ هل يمكنك اقتراح طرق لأسهم في تحقيقها؟”.

ابحث عن فرص لتحقيق انتصارات مشتركة

بمجرد أن تتعرف على أولوياتها، احرص على تحري الفرص للتعاون معها على إنجازها. هل ثمة مشروع يمكن أن تكون خبرتك فيه مفيدة لها بدرجة كبيرة؟ هل تجيد مهارة بدرجة استثنائية ويمكنك التركيز عليها وإبرازها؟ كما يمكن أن يؤدي تأطير عملك على شكل جهد مشترك إلى تخفيف التوتر، وابدأ جملك بضمير “نحن” قدر الإمكان، وعندما تنجح احرص على التنويه بمديرتك.

3. استمر في المحادثة الثنائية

بما أن التحدث إليها مباشرة قد ساعدك سابقاً، آمل أنها قد تكون قادرة على الإصغاء وحتى التغير. فكر بإمعان في المحادثتين السابقتين معها؛ ما الذي أثمرت عنه؟ ما الذي جعلها تشعر بالراحة؟ هل تفاعلت على نحو سلبي مع شيء ما قلته؟ أشرت إلى أنك “واجهتها”، وسيكون من الأفضل أن تتخذ موقفاً تعاونياً في محادثتك القادمة. يمكنك أن تقول: “من المهم لي أن نتمكن من التعاون، ولكني أشعر أننا لا نتعاون. أريد أن أتحمّل مسؤوليتي في أدائي للمهمّات التعاونية. هل ثمة دور يمكنني تأديته على نحو أفضل لتحسين علاقة العمل بيننا؟” وفي حال ذكرت مديرتك أي ملاحظة، فاصغ باهتمام واشكرها. قد لا توافق على كل اقتراحاتها، لكن من خلال إظهارك الاستعداد للتغيير وتعديل أسلوبك في التعامل، فمن المرجح أن تفعل مديرتك الشيء نفسه.

إحدى الأدوات التي سأقدمها هنا هي إطار عمل ملاحظات الموقف والسلوك والتأثير الذي وضعه مركز القيادة المبتكرة (Center for Creative Leadership). وقد يكون مفيداً لمناقشة الحالات التي تقاطع حديثك فيها. وإليك الطريقة:

  • حدد مكان حدوث السلوك (الموقف) وزمانه: مثلاً “عندما كنا نناقش المشروع أمام زملائنا”.
  • ثم اشرح بالتفصيل ما حدث (السلوك) بأسلوب واضح ومحايد قدر الإمكان: “قاطعتني في منتصف الجملة لتوضيحها ثم أنهيت المحادثة قبل أن أتمكن من إكمال حديثي”.
  • ثم صِف تبعات السلوك (التأثير): “وهذا جعلني أشعر أنك غير مهتمة بوجهة نظري. لا أظنك تقصدين ذلك، لكن مقاطعتك لي في منتصف الجملة أمام الآخرين يحرجني”.

وأخيراً، يسعدني أنك وثّقت أفظع نماذج سلوكها المهين. فمن المفيد دائماً أن نسجل المواقف، وبخاصة في حال طلبت القيادة العليا إثباتاً أن مديرك يتسبب بأذى حقيقي. وفي المرات القادمة سجل الوقت والمكان وما قيل أو فُعل في كل مخالفة، ومن قام بها ومن كان حاضراً في ذلك الوقت.

ولا تسجل تصرفات رئيسك فحسب، بل دوِّن ما قلته وفعلته رداً عليها أيضاً. ستكون القيادة العليا أكثر استعداداً لاتخاذ إجراءات في حال لاحظت نمطاً سلوكياً وعرفت أنك (أو الآخرين) قد اتخذت سابقاً خطوات لمعالجته. لا يمكنني أن أضمن نجاح اقتراحاتي، وعليك أن تكون مستعداً لعدم نجاحها.

وثّق نجاحاتك أيضاً حتى لا يُقلل زملاؤك من شأنها بسبب التوتر بينكما، واحتفظ بقائمة دائمة للمهام التي تنفذها وأي أفكار أو عروض تقديمية تقدمها. نأمل ألا تصل إلى مرحلة تحتاج فيها إلى إحدى القائمتين، ولكن من الأفضل حماية مسيرتك المهنية بشكل استباقي.

أريد أن أكرر أن تحسين هذه العلاقة ليس مسؤوليتك وحدك، بل أقول في الواقع إن التغيير مسؤولية مديرتك. لكن في ظل غياب إرادتها للتغيير، أحببت أن أقدم لك بعض الأساليب العملية التي يمكنك استخدامها على أمل دفع العلاقة بينكما في اتجاه أكثر إيجابية.

إذا كان لديك سؤال تودني أن أجيب عنه في كتاباتي القادمة، فيرجى التواصل معي عبر هذا الرابط.

مصادر أخرى:

كيف تتعامل مع مديرك السيئ لماري أباجاي

التعامل مع المتشائم القلق الذي يدّعي معرفة كل شيء عبر المدونة الصوتية (بودكاست) “النساء في العمل” (Women at Work)

كيف تتعامل مع المدير الغيور لروتشي سينها