أتذكر أنني فقدت أعصابي مع إحدى كبيرات المراسلات الصحفيات منذ سنوات، حينما كنت أعمل محررة بمجلة مرموقة في مجال الأعمال. كنا نتقاسم سيارة أجرة في وقت متأخر من الليل، متوجهتين إلى منزلينا بعد يوم طويل وشاق أمضيناه في المكتب، وعندما سألتُها بلهجة استنكارية عن موعد تسلُّم المقالة الأخيرة التي تعمل عليها، أخبرتني بأنها ليست متأكدة من قدرتها على اللحاق بالموعد النهائي، أو أي موعد نهائي من شأنه أن يسمح بطباعة المقال في العدد التالي من المجلة. فقدتُ أعصابي تحت وقع المفاجأة، ورحتُ أصرخ في وجهها. كان ذهني مشغولاً آنذاك بالأشياء كلها التي كان عليَّ فعلها لعلاج المشكلة. بلغ غضبي حدوداً لم أصل إليها في أي وقت مضى خلال مسيرتي المهنية، حتى إنني صفعت الباب بكل ما أوتيت من قوة عندما نزلت من السيارة. وقد حرصت المراسلة الصحفية على تجنب الاحتكاك بي طوال اليوم التالي في العمل، وتفاقم التوتر بيننا لبضعة أيام حتى جادت قريحتي بمقال جديد لنشره في المجلة عوضاً عن مقالها. عندها فقط تمكنت من مناقشة مقالها معها بعقلانية، وعندما تم الانتهاء منه أخيراً، كان مقالاً رائعاً.
لم تكن تلك أفضل لحظاتي كمديرة، لكن يمكنني أن أتخيل أنها كانت أسوأ مني حالاً. فلا يريد أحد أن يكون في مرمى غضب مديره. وقد أثبتت الدراسة تلو الأخرى مدى أهمية العلاقة الوطيدة مع مديرك وأثرها في شعورك بالسعادة في العمل. وغني عن الذكر أن مديرك يتحكم في الكثير من جوانب حياتك العملية، بدايةً من المهمات والعلاوات وصولاً إلى طلبات الإجازة.
تمنيتُ لو تعاملتُ مع الأمر بشكل مختلف، لكن بعد فوات الأوان. كانت مقتضيات منصبي بصفتي مديرة توجب عليّ أن أناقش المشكلة معها بهدوء في الصباح، وهو الوقت الذي تُتاح فيه الفرصة لكلتينا للحصول على قسط من الراحة ويتوافر لديّ بعض الوقت للتفكير بعقلانية في الآثار المترتبة على تخلفها عن المواعيد النهائية. لكن المدراء ليسوا مثاليين معصومين من الخطأ، شأنهم شأن باقي البشر، وفي بعض الأحيان يكون على الموظف أن يتولى إصلاح الموقف. فمن الصعب أن تحرز تقدماً، لا سيما في ظل اختلاف موازين القوى، ولكن إذا كنت تريد التعافي من إثارة غضب مديرك، فمن المهم ألا تخجل أو تتردد وأن تأخذ زمام المبادرة في التعامل مع مديرك الغاضب. وإليك الطريقة:
لا تتراجع إلى الظلال
لا تحاول الاختباء من مديرك أو إخفاء الخلافات الدائرة بينكما بأي شكل كان. قد يتسبب ذلك في تفاقم التوتر ويؤدي إلى احتدام الغضب في المستقبل على نحو قد لا يتناسب مع الإساءة الأصلية. يقول الشريك في شركة فانتيدج بارتنرز (Vantage Partners) الاستشارية المتخصصة في المفاوضات وإدارة العلاقات، جيف وايس، إنه من الأهمية بمكان أن تهتم بعلاقة العمل عند تضررها. لا تنتظر أن يأخذ مديرك زمام المبادرة لتهدئة الأمور. عندما تشعر بأنك صرتَ أهدأ نَفْساً وأكثر قدرة على التفكير بعقلانية، توجّه إلى مديرك لتنقية الأجواء.
اطلب النصيحة
قاوم الرغبة في النميمة حول ما حدث مع زملائك؛ فقد تسهم دون قصد في تأجيج الموقف المتوتر بأسرع مما تتخيّل، إذا راح الجميع يتحدثون عنه وتناهى الكلام إلى مسامع مديرك. ولكن قد يكون من المفيد التحدث عن الموقف مع صديق أو زميل محل ثقة للتعرُّف إلى رؤاه وتصوراته وبلورة أفكارك الشخصية. يمكنك التدرب على ما تريد قوله، وعلى سبيل المثال، قد يلفت صديقك انتباهك إلى الموضع الذي تبدو فيه دفاعياً أو غير صادق.
تذكّر أن اهتمامات مديرك لا تقتصر على معركته معك فقط
يتخذ مديرك ردود فعل طبيعية تجاه التوتر وخيبة الأمل حاله كحال أي شخص آخر. وقد يتخذ رد فعل مبالغاً فيه لأسباب لا يمكنك إدراكها في الوقت الحالي. فعندما صرخت في وجه المراسلة الصحفية، كان ذلك لأنني رأيتُ أنه لا تزال أمامي أيام وليالٍ طوال من التوتر حتى تجود قريحتي بمقال آخر لنشره في هذا العدد، لكنها لم تدرك ذلك على الأرجح؛ فحاول أن ترى المشكلة من وجهة نظر مديرك.
تحمّل مسؤولية الخطأ
إذا فعلتَ شيئاً يثير حفيظة مديرك، فاحرص على أن تسلك مساراً أخلاقياً. إذا ارتكبت خطأً، "فتحمّل مسؤوليته"، وهو ما تنصح به خبيرة التواصل، هولي ويكس، مؤلفة كتاب "الفشل في التواصل: كيف تسير المحادثات في الاتجاه الخطأ وما يمكنك فعله لتصحيح مسارها" (Failure to Communicate: How Conversations Go Wrong and What You Can Do to Right Them). وحتى لو لم يكن هذا خطأك وحدك، فسيقدّر مديرك تحمُّلك للمسؤولية. وقد كانت مراسلتي الصحفية تعمل على مقال صعب للغاية. وكان من المنطقي تماماً أن تتأخر وقد ضغطت عليها للانتهاء في موعد أقرب مما كانت تريد. لكن الاعتذار الصادق، مثل قول: "أنا آسفة لأنني خذلتك"، كان سيختصر الكثير من المسافات.
اقترح حلاً
إذا كان بإمكانك الإسهام في حل المشكلة، فافعل دون تردد. قد لا يكون لديك حل جاهز في ذلك الحين، لذا يُستحسن أن توقف المحادثة لبعض الوقت ريثما تفكّر فيما حدث وكيفية علاج الموقف، ثم العودة إليه بفكر جديد، كما ينصح وايس، الذي يضيف: "يتطلب حل بعض النزاعات أن يتم التعامل معها على مراحل متعددة. وقد يأتي النجاح على شكل جرعات صغيرة".
أعِد التوافق مع مديرك
تأكد من توافقك التام مع مديرك. أخبره بأنك لا تريد خذلانه مرة أخرى، واطلب منه مناقشة أولوياته معك. وإذا كانت المواعيد النهائية تمثل له أولوية قصوى، فستعرف أن عليك التواصل معه قبلها بوقت طويل، إذا تبيّن لك أنك قد تعجز عن تلبيتها. وإذا كان أكثر ما يهمه ألا يُفاجأ بالأخبار السيئة، فإن معرفة ذلك سيسمح لك بتجنب الوقوع في مأزق، كالذي وقعت فيه مراسلة مجلتنا.
قد لا تكون أنت المقصود
إذا لم تكن لديك أي فكرة عما فعلته لإثارة غضب مديرك، وتعتقد أنك لم تكن مخطئاً، فلا يزال عليك التحقق من الأمر ومراجعته فيه. وسيقدر مديرك أنك تبذل قصارى جهدك للتوافق معه على المستويين الفكري والسلوكي. قد يتخلى مديرك في تلك المحادثة عن الحذر ويوضح الضغوط التي يتعرّض لها، ما يساعدك على فهم التحديات التي يواجهها بصورة أدق. لكن احرص على الاستماع إليه، بدلاً من الشكوى من غضبه. يتمثّل هدفك هنا في فتح الأبواب أمام محادثة صريحة. وفي كلتا الحالتين، سيحترم مديرك امتلاكك الشجاعة للتحدث معه حول كيفية تحسين الأمور. من ناحية أخرى، قد لا يكون غضب مديرك مبرراً؛ فمن المعتاد أن ينفجر المدير غاضباً في وجه آخر شخص يلتقيه بعد سلسلة من الأخبار السيئة. ولن تستطيع دائماً معرفة السبب الذي جعل مديرك يفقد أعصابه. قد لا يكون هناك سبب وجيه لفقدانه أعصابه وليس لديه ما يمكن أن يقوله لتبرير انفعاله، كل ما هنالك أن حظك العاثر وضعك أمامه في هذه اللحظة بالذات. وإذا كانت هذه هي الحال، فحاول أن تتناسى الموقف. وإذا وضعت الحادثة في نصابها الصحيح، فلن تؤثر على قوة علاقتك به.
كان من حسن حظي أنا ومراسلة مجلتنا أن العلاقة بيننا قد عادت إلى سابق عهدها، حتى إنني استطعت إقناعها بالالتحاق بالعمل في المجلة التي انتقلت إليها فيما بعد. وكنا نضحك كلما طاف الحادث بذاكرتنا. وقد يشعر مديرك بالحرج من الطريقة التي تعامل بها مع الموقف، مثلما حدث معي. وسيقدّر مديرك العمل بجد في اليوم التالي لإعادة الأمور إلى نصابها، مثلما حدث معي أيضاً. يقول وايس: "لا مفر من نشوب الخلافات، والخلافات ليست أمراً سيئاً في حد ذاته. ونحن بحاجة إلى إدارة الاختلافات كل يوم. وفي بعض الأحيان يكون أفضل ما يمكننا فعله هو بناء التفاهم".