لكنّ الوضع هذا العام يبدو أسوأ، فبالإضافة إلى الأعمال المعتادة التي أمارسها مع عملائي، هناك 3 اجتماعات خارجية لوضع الاستراتيجيات يجب عليّ تصميمها وتيسيرها، وهناك ملاحظات الناشر على كتابي التي يجب عليّ مراجعتها، وهناك كلمة تيد إكس (TEDx) التي يجب عليّ تحضيرها وإلقاؤها، كل ذلك خلال شهر واحد. وهناك بالطبع مدوّنتي الأسبوعية.

دعوني أكون واضحاً معكم. أنا هنا لا أتذمّر، بل أشعر بأنني محظوظ للغاية لأنّني مشغول جدّاً بالعمل على أشياء أحبّها. ومع ذلك فالوضع مشحونٌ بالكثير من الضغوط التي ينوء بها كاهلي.

وما أغاظني أنني قضيت اليومين الماضيين محاولاً العمل دون أن أفلح في ذلك فعلياً؛ فما إن أشرع في عمل ما حتى يتشتت انتباهي بسبب الإنترنت، أو مكالمة هاتفية، أو رسالة إلكترونية، أو حتى مقطع فيديو على الإنترنت لا قيمة له على الإطلاق. في الحقيقة، عندما أكون في قمة احتياجي إلى بلوغ أعلى مستويات كفاءتي، تقل كفاءتي أكثر من أي وقت مضى.

قد تعتقد أن العكس سيحدث، بمعنى أنه عندما يكون لدينا الكثير من المهام التي يتعين علينا إنجازها، تزداد إنتاجيتنا بمعدلات كبيرة من أجل أدائها، وأحياناً يحدث ذلك.

ولكن عندما يكون لدينا الكثير من المهام التي يتعين علينا إنجازها، يصيبنا الشلل. وهكذا فإننا نسمع ضجيجاً ولا نرى طحناً، ونهرول هنا وهناك لكن دون أن نحرز تقدماً يُذكَر في التحرر من الضغوط التي تتسبب في شعورنا بالتوتر. ولأن انتباهنا يكون مُشتتاً بين الكثير من الأمور، فلا نعلم من أين نبدأ، وبالتالي لا نبدأ على الإطلاق.

أجرت أستاذة الإدارة في كلية إدارة الأعمال بجامعة كولومبيا، شينا إينغار، دراسة رائعة أشرتُ إليها من قبل؛ إذ عرضت على مجموعة من المشاركين عيّنات من 6 أنواع مختلفة من المربى المتاحة للبيع بينما عرضت على مجموعة أخرى 24 نوعاً مختلفاً من المربى، بما في ذلك أنواع المربى الستة المعروضة على المجموعة الأولى.

وفي ظل توافر هذه الخيارات كلها، سيخطر لكم أنّ المجموعة التي عُرض عليها 24 نوعاً من المربّى ستكون أميل إلى شراء أحد هذه الأنواع، لكن حدث العكس. فمَن كانوا في المجموعة الأولى التي عُرضت عليها 6 أنواع، كانوا أميل بنسبة 10 أضعاف إلى شراء علبة مربّى.

وكلّما ازداد عدد الخيارات المتاحة أمامك، ازدادت صعوبة اختيار أحدها؛ لذا ينتهي بنا المطاف إلى الامتناع عن اختيار أيّ منها على الإطلاق. وهذا ما يحدث عندما يكون لدينا الكثير من المهام التي يتعين علينا إنجازها؛ إذ نُصاب بحالة من الذهول وتسقط من أيدينا ولا ننجز أيّاً منها.

حاولت على مدار الأيام القليلة الماضية تجربة العديد من الأساليب المختلفة لحل هذه المعضلة، وإليك ما نجح معي:

أولاً: امضِ بضع دقائق في تدوين كل ما يجب عليك فعله على ورقة. قاوم الرغبة المُلحة في استعمال التكنولوجيا لإنجاز هذه المهمّة. لماذا؟ لست واثقاً من السبب، لكن الكتابة على ورقة، ومن ثمّ شطب البنود، يقود إلى حالة من الزخم.

ثانياً: امضِ 15 دقيقة، لا أكثر، في إنجاز أكبر عدد ممكن من المهام الأسهل والأسرع. أجرِ اتصالاتك الهاتفية السريعة. أرسل رسائلك الإلكترونية القصيرة. لا تقلق كثيراً إذا لم تكن هذه المهام هي الأهم على قائمتك. فأنت تمْضي قُدماً. يتمثّل هدفك في شطب أكبر عدد ممكن من البنود خلال أقصر وقت ممكن. استعمل ساعة توقيت لتحافظ على تركيزك.

ثالثاً: عندما تنتهي فترة الـ 15 دقيقة، أغلق هاتفك واقفل النوافذ كلها على حاسوبك، واختر أصعب مهمّة على قائمتك؛ أي المهمّة التي تتسبّب في شعورك بأكبر قدر من التوتر أو تلك التي تحظى بالأولوية القصوى. ثم اعمل عليها هي فقط دون أي تردّد أو تشتّت لمدّة 35 دقيقة.

بعد انتهاء مدّة الـ 35 دقيقة، خذ استراحة لمدة 10 دقائق، ثمّ ابدأ هذه العملية الممتدّة على مدار ساعة كاملة من جديد، بادئاً بتخصيص 15 دقيقة للمهام السريعة.

ذات يوم، قالت آن لاموت في كتابها الذي يحمل عنوان “طائر تلو الآخر” (Bird by Bird): “كان أخي الأكبر الذي لم يزد عمره على 10 سنوات آنذاك يحاول كتابة موضوع عن الطيور استغرق منه 3 أشهر دون أن ينهيه. كان موعد تسليم التقرير في اليوم التالي. كنّا وقتها في الخارج في مزرعة عائلتنا في منطقة بوليناس، بينما كان هو جالساً إلى مائدة المطبخ على وشك الانفجار بالبكاء مُحاطاً بمجلّد سميك من الأوراق ومجموعة من أقلام الرصاص والكتب المغلّفة التي لم يفتحها بعد حول الطيور. كان يشعر بعجز كامل في حضرة هذه المهمّة الجسيمة الجاثمة على كاهله. وقتها جلس والدنا إلى جواره، ووضع ذراعه حول كتف أخي وقال له: “طائر تلو الآخر يا عزيزي. تناول الموضوع طائراً تلو الآخر فحسب”.

هذا هو الحل بالضبط. طائر تلو الآخر، بادئاً بمجموعة من الطيور السهلة لتساعدك على الشعور بأنك قد حققت إنجازاً ملموساً، ومن ثمّ تعامل مع واحدة صعبة لتحقق تقدماً جدياً وتقلل مستوى التوتر. وهكذا دواليك.

العمل ضمن إطار زمني محدّد ومحدود أمر مهم لأن السباق ضد الزمن يساعدنا على المحافظة على تركيزنا. فعندما يعمُّنا الشعور بالتوتر، ينتشر ويتوسّع بأسرع مما نتخيل، ما يصعّب علينا إدارته. ويؤدي استعمال إطار زمني قصير إلى زيادة الضغوط في حقيقة الأمر، لكنه يُبقي جهدنا محدداً ومقتصراً على مهمة وحيدة. ويزيد هذا من التوتّر الإيجابي المحفّز ويقلل من التوتر السلبي المزعج؛ لذا فإنّ غمامة التوتّر تنقشع وتمضي القافلة إلى الأمام.

من الناحية العملية، عندما أجبر نفسي على العمل لمدّة 35 دقيقة كاملة على الأقل، لا أتوقف دائماً عندما تنتهي مدّة الـ 35 دقيقة من العمل الشاق لأنني في منتصف المهمة، مثل كتابة هذا المقال، بل أواصل العمل. ولكن على الرغم من أنّ تجاوز الـ 15 دقيقة المخصّصة للعمل السهل والسريع أمر مغرٍ، فإنني لا أقع فريسة لهذا الإغراء. عندما تتوقف ساعة التوقيت، أتوقّف، لأنتقل فوراً إلى العمل الشاق.

ربما يكون هذا الحل قد نجح ببساطة لأنه جديد عليَّ، وعلى غرار ما يحدث في الحمية الغذائية الجديدة، فإنه يمنحني بنية تنظيمية تحفّز جهودي. لكن الأمر لا يهمني كثيراً اليوم لأنها أداة مفيدة. وسأواصل استعمالها حتى أصل إلى مرحلة لا أعود فيها بحاجة إليها أو لا تعود ناجعة بالنسبة لي.

هل ما أزال أشعر بالتوتر نتيجة ضغوط العمل الشديدة؟ بالتأكيد. لكن هل أنا غارق في بحر متلاطم من المسؤوليات والالتزامات؟ كلا. لقد تخلصت من هذا الشعور إلى حدٍّ بعيد؛ لأنني أشطب البنود عن قائمة مهامي وأشعر بأنني أحقق تقدماً ملموساً في إنجاز مهامي الصغيرة ومهامي الكبيرة، طائراً تلو الآخر.