هل صادفت يوماً شخصاً في الشارع يعظ الجميع بصوت عالٍ وبقوة حول كيفية عيش حياتهم؟ أو هل قابلت واعظاً يقف في زاوية الشارع ويستخدم مكبر الصوت لبث رسالته؟ أو هل سبق لك أن رأيت شخصاً يدعي معرفة كل شيء ويرتدي لافتات تتنبأ بنهاية العالم ويتحدث بصوت عالٍ عن مؤامرة الحكومة؟
يُطلق على هذا السلوك اسم "الارتجال على صندوق الصابون" (Soapboxing)، وهو مصطلح نشأ في حقبة كان فيها المرء يقف حرفياً على صندوق لشحن الصابون ليعلن بصوت عالٍ للناس بأنه يعرف الطريقة الصحيحة والوحيدة لفعل أي شيء. لحسن الحظ، يمكنك ببساطة السير في الشارع بجانب النسخة الحديثة من هؤلاء الأفراد والهروب من خطبهم اللاذعة.
ولكن ماذا لو لم يكن بمقدورك تجنبه؟ أو اضطررت إلى التعامل مع هذا الشخص؟ ماذا لو كنت أنت نفسك هذا الشخص؟
في مكان العمل، يميل "المتعالم" إلى الاقتناع تماماً بأن وجهة نظره هي وجهة النظر الصحيحة الوحيدة، ولا يتوانى عن التعبير عنها. قد يكون العمل من كثب مع هذا الشخص تجربة غير مريحة ومزعجة واستفزازية، ومحاولة التعاون مع أحدهم، خاصة في أثناء مهمة جماعية، يمكن أن تؤدي إلى الشعور بالعزلة وإعاقة الإنتاجية إلى حد بعيد. يمكن للمتعالم رفع التوترات إلى الحد الذي يدمر العلاقات الإيجابية وفعالية الفريق الذي يعمل في توافق وانسجام.
تجنب أن تكون في غرفة نفسها مع شخص مثل هذا، والأهم من ذلك، يجب ألا تكون ذلك الشخص. لذلك إليك بعض الطرق للتعامل مع كلتا الحالتين؛ بدءاً من كيفية تحديد إذا ما كانت لديك ميول للظهور مثل الشخص المتعالم.
انخرط في محادثة، ولا تملِ. لا ينطوي فعل "التعالم" إطلاقاً على أي عنصر من عناصر الاستماع إلى الآخرين أو فهم وجهات نظرهم. إنه شكل تصريحي من الكلام دون مراعاة آراء الآخرين. لا يتناقض هذا النهج مع الروح التعاونية التي تتسم بها عملية صنع القرار الجماعي فحسب، بل يتعارض معها مباشرة. يختلف اقتراح أفكار لمناقشتها عن إصدار التصريحات وإملاء الأوامر؛ فإذا كنت تتحدث باستمرار مع أعضاء فريقك دون منحهم فرصة للتعبير عن آرائهم، فأنت توحي لهم أساساً بأنك لا تقدّرهم أو تقدّر وجهات نظرهم. الإملاء على الآخرين ليس مثل إجراء محادثة معهم، فالمحادثة هي جوهر المناقشات الجماعية الفعالة.
احذر الإساءة إلى مشاعر الآخرين. هل سبق لك أن شعرت بالألم عندما داس شخص ما على قدمك، خاصة عندما لا يتمتع باللياقة اللازمة للاعتذار؟ يشبه هذا الألم الانزعاج الذي يحدث عندما يتحدث الأفراد بغرور عن جوانب تتجاوز مجال خبرتهم أو يسهمون بأكثر مما هو مطلوب منهم. لذلك، تجنّب التعدي على مجال الآخرين. فرض الآراء غير المرغوب فيها وغير المطلوبة بإلحاح هو طريقة مضمونة للإساءة إلى الآخرين، وقد يؤدي في النهاية إلى تهميشك داخل المجموعة.
تجنَّب الخوض في القضايا التي حُلت بالفعل أو لم تعد ذات صلة. يستمر المتعالمون في مناقشة قضية ما بإلحاح بعد فترة طويلة من حلها وانتقال الجميع إلى مناقشة مشكلات أخرى أهم. إذا اعتدت ذلك، فقد تجد نفسك معزولاً بينما يتقدم بقية أعضاء مجموعتك للأمام في مواجهة التحديات الواقعية من خلال اتخاذ القرارات اللازمة وتنفيذها. إذا كنت ترغب في الاعتراض على قرار ما أو التعبير عن مخاوفك بشأن خطأ محتمل يمكن أن ترتكبه المجموعة، ففكر في طلب اجتماع قصير مع قائد الفريق للتعبير عن أفكارك مرة أخيرة، ثم اترك الأمر جانباً.
كن وسيطاً لحل الموقف. كلما شددت على وجهة نظرك، زاد الغضب الذي ستثيره. غالباً ما يخلق الصراع الأعداء وليس الحلفاء. يمكن أن تكون مقاومة المجموعة وجهةَ نظرك فرصة للتغيير، ولكن إذا عدّلت نهجك فقط. لذلك اسأل واستمع، ولا تملِ. يمكن أن يعزز طرح الأسئلة التفاهم والإجماع، لذلك اسأل عن جوانب اقتراحك التي تمثل إشكالية للمجموعة. خذ مخاوفهم بعين الاعتبار وعدّل اقتراحك وفقاً لذلك واهدف إلى تقليل عدم ارتياحهم من المخاطر المتوقعة. ركز وجهة نظرك على جانب محدد من جوانب القرار الذي يتعين اتخاذه، وليس على القرار بأكمله. سيثبت هذا النهج أنك تتمتع بالمرونة ويظهر رغبتك في التعاون، بدلاً من ظهورك متسلطاً أو رافضاً. تتمثل فائدة هذا النهج في أن الآخرين سوف يأخذون وجهة نظرك بعين الاعتبار بينما يعدونك عضواً يتمتع بروح الجماعة.
استمع إلى احتياجات الآخرين. عندما تذهب إلى مطعم، تتوقع أن يخدمك نادل ودود مستعد تماماً لشرح قائمة الطعام ومساعدتك على اتخاذ قرار بشأن الأطباق التي يجب عليك اختيارها لتناول وجبة لذيذة. ولكن ما لا تتوقعه هو أن يأتي شخص ما إلى الطاولة ويملي عليك ما يجب أن تأكله. سيدفعك ذلك بلا شك إلى المغادرة وعدم العودة أبداً.
لذلك كن متعاوناً ومراعياً. بدلاً من طرح رأيك بقوة، الأمر الذي يمكن أن ينفر الآخرين ويثير غضبهم، يجب عليك أن تجعل عرضك التقديمي أكثر جاذبية وقبولاً. أبرِز الفروق الدقيقة التي تساعد الآخرين على رؤية السبب المقنع للحل الذي تقدمه واشرحها. ابدأ بمطالبة أعضاء المجموعة بكتابة أهدافهم الرئيسية على السبورة البيضاء، وبعد ذلك، أظهر لهم بطريقة مبتكرة كيف يعالج الحل الذي تقدمه كل هدف من أهدافهم. إذا كان الحل الذي تقدمه يدعم العديد من أهداف المجموعة، فسوف يحظى بدعم أعضاء المجموعة. ولكن إذا لم تتمكن من إيجاد طرق لدعم أهدافهم، فتقبّل حقيقة أن حلك لا يلبي أهداف المجموعة وقد لا يكون الحل الأفضل. يمكن أن تتكرر هذه العملية مع حلول الآخرين إلى أن يتفق الجميع حول النهج الأفضل.
ماذا يجب أن تفعل إذا كنت تعمل مع متعالم بصورة منتظمة؟ أولاً، يجب أن تدرك أنه ربما يفتقر إلى الوعي الذاتي لإدراك أنه يُنظر إليه بهذه الطريقة أو أنه يتعمد ادعاء المعرفة ويتعالم لتحقيق مراده. لا تتوقع منه أن يتصرف بطريقة تعاونية. بدلاً من ذلك، ضع في اعتبارك الخطوات الآتية:
- استمر في التركيز على وجهة نظرك، واحرص على بقاء المجموعة مركزة على الموضوع الرئيسي. ستقلل بذلك من فرصة إثارة عواطفك وتشتت انتباهك بسبب الخلاف. عبّر عن وجهات نظرك بوضوح للحفاظ على عقلية متوازنة وواضحة.
- قدِّم مثالاً على اللياقة ليقتدي به بقية أعضاء المجموعة.
- استمر في التركيز على هدف اتخاذ القرار.
إذا حاول المتعالم السيطرة على المحادثة مرة أخرى، فيجب عليك مواجهته برد مباشر بالقول مثلاً: "لقد ناقشنا هذه النقطة بالفعل، ونحن الآن نستكشف وجهات نظر أخرى".
قد يدّعي هذا الشخص أنه يحظى بدعم شخص غير موجود في المناقشة الحالية. لا تقبل هذا الادعاء. من المحتمل أن تكون هذه الادعاءات إما حيلة استراتيجية للحصول على الاهتمام، أو تنازلاً من شخص آخر مُضلل يفتقر إلى المعلومات التوضيحية، أو رضوخاً من شخص آخر يريد فقط إنهاء الموقف غير المريح. تصدَّ لأي ادعاءات من هذا القبيل من خلال إعادة التأكيد على استقلالية المجموعة في اتخاذ القرار، وأهمية الملاحظات المباشرة من كل فرد، وقيمة المناقشة الجماعية.
غرفة الاجتماعات ليست المكان المناسب لفرض معتقداتك على زملائك، وهي ليست مكاناً لعرقلة أهدافهم وخططهم أو تأخيرها. إذا كنت تريد أن تعلن للعالم مدى صواب وجهة نظرك، فمن الأفضل فعل ذلك في مكان عام وليس في بيئة مهنية، وإذا كنت تريد إثبات قدرتك على تقديم إسهامات قيّمة في عملية صنع القرار في فريقك، فإن المفتاح هو إظهار الاحترام المتبادل.