هل لديك زميل تتصف علاقة العمل بينكما بالتوتر؟ وإذا كانت إجابتك عن هذا السؤال هي "لا"، باعتبارك حالة نادرة في أماكن العمل، فهل يوجد، على الأقل، شخص تود أن تحظى بعلاقة أفضل معه؟
إن كانت إجابتك بنعم، فاطرح على نفسك الأسئلة التالية المتعلقة بذلك الشخص:
1- هل تنظر إليه بناءً على حقيقته في الوقت الحالي أم استناداً إلى ذكرياتك عما كان عليه في الأسبوع الماضي أو الشهر الماضي أو حتى العام الماضي؟
2- عندما تُجري مناقشة معه، هل يتمثل هدفك الوحيد في تغيير رأيه؟ أم تغيير رأيك أيضاً؟
3- عندما تشاهد اسمه على بريدك الإلكتروني الوارد، هل هناك قصة بشأنه تجول في خاطرك حتى قبل أن تقرأ رسالته؟
تُعتبر هذه المسائل من صميم اليقظة الذهنية للمسؤولين التنفيذيين. وفي حين أننا نعلم من نتائج الأبحاث أن اليقظة الذهنية مفيدة لنا، إلا أن الأمر الغائب في هذه المناقشة هو كيفية ممارسة المرء لليقظة الذهنية أثناء العمل دون ممارسة التأمل بينما نحن جلوس على مكاتبنا أو عندما نتمتع بأشعة الشمس في الصباح. فهم اليقظة الذهنية - من حيث الكيفية التي تطبق بها في الواقع في سياق أنشطة العمل اليومية - هو أمر ضروري لبناء علاقات طيبة في مكان العمل، وهي العلاقات التي تتيح لنا ولزملائنا في العمل على حد سواء التطور والتغيّر بمرور الوقت.
وبعيداً عن رطانة المصطلحات، تجعلنا اليقظة الذهنية نلاحظ ما يجري في اللحظة الماثلة دون إصدار أحكام. ويمكن أن يتخذ ذلك شكلاً من اثنين: أولهما "التماس الأمور الجديدة"، إذ نلتمس ملاحظة الأشياء الجديدة أو المختلفة في اللحظة الآنية التي نعيشها. وثانيهما "التركيز"، فنلتمس حشد كل تركيزنا على اللحظة الراهنة. ونقيض اليقظة الذهنية هو ما نطلق عليه "الاعتياد" (habituation). وهذا يعني ببساطة العمل بطريقة معتادة للغاية وترك الأمور تسير بطريقة تلقائية وفق أساليب تفكيرنا وتصرفاتنا. لذا، فإن اليقظة الذهنية هي عملية الملاحظة بطريقة غير معتادة ولا تنطوي على إصدار أحكام.
ويؤدي تحسّن الملاحظة إلى تحسّن الوعي، الذي يُسفر في المقابل عن تحسّن الخيارات المتاحة لنا، والقرارات التي نتخذها والأفعال التي نقوم بها. ويُعتبر تحسّن الخيارات والقرارات والأفعال أمراً ذا أهمية لجميع المسؤولين التنفيذيين الذين صادفتهم في حياتي.
جرّب حالاً أن تُجري بحثاً على بيئة عملك التماساً لشيء جديد، ثم توقّف وارتشف جرعة من قهوتك، واستشعِر وزن جسدك على المقعد، ولاحظ أحد الأشياء التي لم تلحظها من قبل في حيّز مكتبك. وإذا كنتَ على وشك التوجه إلى اجتماع، فاسلك طريقاً مختلفاً للوصول إلى مكان الاجتماع، وحاوِل في أثناء الاجتماع ألا تتحدث لمدة عشر دقائق (إلا إذا طرح عليك مديرك سؤالاً).
إذ تُعتبر هذه الأفعال كلها طرق بسيطة لممارسة اليقظة الذهنية. وفيما يلي أربع طرق جوهرية لاستخدام أساليب مماثلة لتحسين علاقتك مع زميلك في العمل الذي سألنا بخصوصه في بداية المقال:
1. انظر إلى زميلك وفق ما هو عليه اليوم، وليس بناءً على ما تتذكره عنه من يوم أمس. فبوسعنا وضع توقعات بشأن ما سيقوله أحد الأشخاص أو ما سوف يفعله، بعد أن نعمل معه لبضعة أشهر أو بضع سنوات، لذا، لاحظ على سبيل التجربة، زميلك في العمل دون انطباعات مسبقة، كيف سيبدو لك اليوم؟ وما نبرة الصوت التي تبدو في حديثه؟ وما التعبيرات التي تراها على وجهه؟ وهل يقول لك الأشياء نفسها التي اعتاد أن يقولها أم يوجد في حديثه أمر جديد يستحق أن تصغي له، وبوسعك ملاحظته وتقديره؟
2. لاحِظ ما إذا كانت مناقشتك مع زميلك قد غيّرت رأيك بأي شكل من الأشكال. هل غيّرتَ رأيك بعد تحدثك مع زميلك في العمل بأي حال من الأحوال، حتى ولو بقدر محدود؟ إذا لم يتغيّر رأيك بأي شكل من الأشكال، فربما يشير ذلك إلى أنك لم تكن تلتمس معرفة أمور جديدة عن زميلك، وأنك كنت تبحث فحسب عن أمور تؤكد ما تعرفه عنه مسبقاً. ضَع في اعتبارك أن هذا لا يعني أنك مخطئ بالضرورة، بل يعني أنك لم تكن مستعداً للتأثر بالمعلومات الجديدة التي سمعتها، ويكمن جزء من ممارسة اليقظة الذهنية في الانفتاح على تلقي المفاجآت.
3. اسأل نفسك: أي سيناريو يدور بذهنك عندما ترى اسم أحد الأشخاص في بريدك الإلكتروني الوارد؟ إنني قد كتبت في السابق، بالاشتراك مع صديقي وزميلي العزيز دارين جود، عن "الصور السريعة" التي تتكوّن في أذهاننا عن الأشخاص عندما نرى أسماءهم في بريدنا الإلكتروني الوارد. تتكوّن هذه الصورة السريعة، بناءً على التجارب السابقة، حتى قبل أن تقرأ محتوى رسالة البريد الإلكتروني المرسلة إليك، ومن ثمَّ فهي تؤثر في الكيفية التي ستقرأ بها الرسالة. وفي حين أن هذا جزء معتاد من عمل الدماغ، فإنه ينطوي على أثر سلبي عندما يؤدي منظورنا السلبي إلى تفسيرات سلبية، لذا، جرّب قراءة رسالة البريد الإلكتروني كما لو كان هذا الشخص المرسل صديقك.
4. التمس معلومات جديدة ومؤكدة عن الشخص. انطلاقاً من الافتراض أنك إنسان مثل أي منّا، يوجد بالتأكيد بعض الأشخاص الذين يثيرون أعصابك. وتمنحك اليقظة الذهنية الفرصة لمعالجة هذه الأفكار والملاحظات السلبية. تعمّد، على سبيل التجربة، أن تلتمس ملاحظة شيء إيجابي بشأن هذا الشخص. ما أحد الأمور التي يتصف بها هذا الشخص وتحظى بتقديرك؟ وما أحد الأمور التي يقولها هذا الشخص وتجدها مفيدة؟ وما المساهمة التي يقدمها إلى المؤسسة؟ وما أعظم نقطة قوة لديه؟ ركز على هذه الأمور وضَع انتباهك كله عليها. واستمسِك بهذا التركيز، واجعل هذا النهج موطئ قدمك على مسار تحسين علاقتك مع هذا الشخص.
وإذا كنت تتساءل: هل سوف تتغير حياتك بعد أن تقوم بهذه التجارب؟ فإن الإجابة هي: لا، على الأرجح. وهل سوف يمضي كل اجتماع تُشارك فيه على ما يرام، وسوف تزدهر علاقاتك مع جميع الأشخاص؟ بالتأكيد، لن يحدث ذلك. إلا أنك ستطور معنى لما يُمكن أن تكون عليه اليقظة الذهنية في الظروف المحيطة بك، وذلك من باب تغيير عاداتك وملاحظة الأشياء دون انطباعات مسبقة عنها ورؤيتها بقدر أكبر من التركيز. وتذكّر أنه إذا كانت اليقظة الذهنية تساعدك في تحسين نوعية ملاحظتك للأمور ووعيك بها، فإنّ من شأنها تحسين نوعية تفكيرك وقراراتك وأفعالك.
فاليقظة الذهنية توفر سبيلاً عملياً للغاية للبدء من جديد، وهي وسيلة للتخلص من طرائقنا الاعتيادية في الملاحظة وفي إقامة علاقات مع الآخرين، ووسيلة لأن نكون هادفين بشأن اكتساب عادات النجاح.