غالباً ما يقع القائد بين مطرقة الآراء المتباينة وسندان الشخصيات الحادة، مطالَباً بتوجيه المواقف المشحونة بالانفعالات نحو تحقيق نتائج بنّاءة.
انظر مثلاً إلى عميلي مازن، وهو مسؤول تنفيذي في مجال التسويق تواصل معي وهو في حالة من الضيق؛ فقد تأزَّم صراع مكتوم بين اثنين من القادة الرئيسيين في فريقه لدرجة أن كلاً منهما أصبح يرفض التحدث إلى الآخر. وسرعان ما انتقلت العدوى إلى فريقيهما، ما أدى إلى ظهور صوامع منعزلة وتراجع الكفاءة وانتشار التوتر. كان مازن يدرك أنه مُطالَب بالتدخل، لكنه كان قلقاً وغير واثق من قدرته على التعامل مع الاختلافات الحادة في وجهات النظر واحتمالية احتدام الانفعالات بعنف.
تمثل إدارة المواقف الشائكة والمشحونة بالانفعالات العاطفية جزءاً لا يتجزأ من مسؤوليات القيادة؛ فإلى جانب التعامل مع المشكلات الشخصية، قد تجد نفسك مضطراً أحياناً إلى نقل أخبار سيئة إلى فريقك المثقل بالأعباء أو مواجهة عميل غاضب أو تقديم ملاحظات نقدية قاسية على الأداء أو توضيح خطأ أو تأخير يؤثر في سير الأعمال. قد تكون هذه المواقف مشحونة بالتوتر، ومهما كان القائد مخضرماً، فقد ينتابه القلق أو التردد خوفاً من تأزُّم الموقف أو حدوث تداعيات سلبية غير مقصودة.
عندما يواجه الناس موقفاً مشحوناً بالانفعالات العاطفية، فغالباً ما يلجؤون إلى أحد خيارين؛ فبعضهم يتجنب التفكير فيه تماماً وينشغل بمهام ثانوية، مثل الرد على الرسائل الإلكترونية، بينما يفعل البعض الآخر العكس وينغمس في اجترار الأفكار والقلق دون اتخاذ خطوات بنّاءة للتعامل مع التوتر أو الاستعداد للموقف. وكلا الأسلوبين يؤدي في الغالب إلى نتائج عكسية، إذ يؤدي كل منهما إلى تفاقم مشاعرنا السلبية وإضعاف قدرتنا على التحكم في الانفعالات العاطفية عند مواجهة الحدث.
لحسن الحظ، ثمة طرق مثبتة علمياً يمكنك من خلالها الاستعداد للاجتماعات التي تتوقع أن تتصاعد فيها حدة المشاعر. ومثلما يقولون في عالم الرياضة: "الهجوم خير وسيلة للدفاع". وإليك استراتيجيات مدعومة بالأبحاث العلمية لمساعدتك على التعامل مع هذه المواقف بثقة ونجاح أكبر.
ضع تصوراً ذهنياً واضحاً
التصور الذهني، أو التخيل، هو تقنية مثبتة علمياً لتحسين الأداء يشيع استخدامها في مجال الرياضة، لكنها أثبتت فعاليتها في سياقات العمل أيضاً. وتستند هذه التقنية إلى محاكاة حدث معين ذهنياً لتعزيز الثقة والأداء.
ابدأ والنهاية في ذهنك: كيف يبدو النجاح في موقفك الحالي؟ ما هو الشعور الذي تريد أن ينتابك عند انتهاء الاجتماع؟ وما هو الشعور الذي تريد أن ينتاب الآخرين في تلك اللحظة؟ بالنسبة إلى مازن، لم يكن النجاح يعني التوصل إلى تسوية فورية بين الطرفين المتنازعين خلال الاجتماع، بل إجراء حوار مثمر يشعر فيه الجميع بأنهم قد أُتيح لهم المجال للتعبير عن آرائهم، مع وضع مسار واضح للتعامل مع أي خلاف قد ينشب في المستقبل.
الآن، حوِّل اجتماعك أو تفاعلك المقبل إلى تصور ذهني يشبه فيلماً سينمائياً. تخيل التفاصيل، الغرفة، أماكن الجلوس، لغة الجسد، وانتقل عبر المشاهد لحظة بلحظة. تدرب على المحطات الرئيسية، مثل كيفية بدء المحادثة وكيفية التعامل مع المواقف المفعمة بالتوتر وكيفية توجيه الاجتماع نحو الحل.
حدّد المشكلات المحتملة والمحفزات المتوقعة، وفكر في كيفية الاستجابة لها. اسأل نفسك: ما هو الخطأ الذي قد يحدث في هذا الاجتماع؟ على سبيل المثال، كان أكثر ما يقلق مازن هو تصاعد حدة الانفعالات، فتصوّر نفسه وهو يقول بهدوء: "دعونا نتوقف لحظة. نحن هنا لحلّ هذه المشكلة، لا لتأزيمها"، إذا بدأت الأعصاب تنفلت. كان يخشى أيضاً الوصول إلى طريق مسدود، فتصوّر نفسه يقول: "ما دمنا لم نتفق بعد، فلنركّز على نقاط الاتفاق ونواصل البناء عليها". فكّر أيضاً فيما قد يقولونه أو يفعلونه ممّا قد يستفزك، وكيف ستحافظ على هدوئك. على سبيل المثال، تخيل نفسك تأخذ 3 أنفاس عميقة أو تعدّ حتى 10 قبل الرد.
لا تكتفِ برؤية النجاح، بل حاول أن تعيشه. جرّب مثلاً أن تستحضر مشاعر الثقة ورباطة الجأش والسيطرة التي تريد التحلّي بها. وبعد أن تتمرن ذهنياً، دوّن النقاط الأساسية والدروس المستفادة. بوضع تصور مسبق للنجاح يمكنك تعزيز عقليتك وتحسين قدرتك على توجيه المحادثة نحو التوصل إلى نتيجة بنّاءة.
ركز على الإيجابيات
قبل التوجه إلى اجتماع صعب، خصّص لحظة للتفكير فيما تشعر بالامتنان حياله. قد تبدو هذه النصيحة منافية للمنطق، لكنها تعزز مرونتك العاطفية وتقوّي شعورك بالترابط مع الآخرين.
على سبيل المثال، إذا كان عليك تقديم ملاحظات نقدية قاسية لأحد أعضاء الفريق، فخصّص لحظة للتفكير في الجوانب التي تُقدّرها فعلاً في هذا الشخص. كانت إحدى عميلاتي، ليلى، تشعر بالرهبة من اجتماع وشيك مع أحد مرؤوسيها المباشرين، عدنان، الذي بدأ أداؤه يتراجع مؤخراً. كانت ليلى قد واجهت في الماضي صعوبة في تقديم ملاحظات بنّاءة لعدنان؛ إذ كان يتعامل معها بردود فعل دفاعية، ما جعلها تخشى رد فعله هذه المرة، وتشك في قدرتها على إيقاء المحادثة ضمن مسارها الصحيح. قبل الاجتماع، تعمدت ليلى تذكير نفسها بقدرة عدنان على الإبداع ورؤاه المبتكرة والطاقة الإيجابية التي يضفيها على الاجتماعات. وقد ساعدها هذا التحول في طريقة التفكير على تبنّي نبرة أكثر دعماً، ما أفضى إلى حوار بنّاء أكثر.
تسهم إعادة صياغة التحديات بصورة إيجابية أيضاً في تقليل التوتر والاستنزاف الذهني، ما يساعدك على الدخول في الاجتماع بذهن أكثر صفاءً. فكّر في النتائج الإيجابية المحتملة التي قد تنبثق من اللقاء: هل ستُسهم في تعزيز النمو أو تقوية العلاقات أو توضيح الرؤية المستقبلية؟ وإذا وجدت نفسك تفضِّل تجنُّب الاجتماع أو الانسحاب منه، فوجِّه تركيزك إلى مصادر قوتك القيادية؛ فقد أثبتت الدراسات أن هذا النوع من "التأمّل الذاتي الإيجابي حول القدرات القيادية" يُعزّز الشعور بالحيوية والتفاعل، ويُحسّن نظرة الآخرين إلى أسلوبك القيادي، وبالتالي يرفع مستوى تأثيرك.
تعديل الموقف
يمثل التعامل مع المواقف المشحونة بالانفعالات العاطفية جزءاً لا يتجزأ من مسؤوليات القيادة، لكن بإمكانك التحكُّم في أثرها بدرجة أكبر مما تتصور. ومن الأدوات الفعالة في هذا السياق ما يُعرف بتعديل الموقف، وهو استراتيجية استباقية للسيطرة على الانفعالات تتيح لك تقليص حدّة التوتر العاطفي الذي قد ينجم عن مواجهة مرتقبة. وبتعديل الموقف على نحو هادف أو تعديل أسلوب تعاطيك معه، يمكنك تخفيف حدة القلق وتهيئة الظروف لحوار بنّاء أكثر.
يمكنك تحقيق ذلك من خلال التفكير في "الأسئلة الخمسة" المتعلقة بالموقف: مَن، ما، أين، متى، ولماذا. على سبيل المثال: مَن ينبغي أن يحضر الاجتماع؟ وهل ينبغي الاستعانة بموارد مساندة لدعم الحوار؟ وما هي المعلومات التي يجب مشاركتها، وما التي يُستحسن تجنّبها؟ أين ينبغي عقد الاجتماع، ومتى يكون توقيت انعقاده مناسباً؟ وأخيراً، لماذا يُعدّ هذا النقاش مهماً؟
على سبيل المثال، كان على أحد عملائي، يوسف، إبلاغ فريقه القيادي المُتعَب نفسياً بأن هناك حملة إضافية من تسريح العاملين. ولم يكن من المفاجئ أن يشعر يوسف بثقل المهمة؛ لذا استعنا معاً بأسلوب الأسئلة الخمسة لتحليل الموقف. ونتيجةً لذلك، قرر يوسف دعوة شريكه في شؤون الموارد البشرية إلى الاجتماع، بهدف تقديم دعم إضافي والإجابة عن التساؤلات، كما أعاد صياغة رسالته؛ فحذف بعض التفاصيل وأبدى تفهُّماً أوسع للهواجس المتوقعة لدى الفريق. وأخيراً، حجز يوسف قاعة اجتماعات تتميز بالخصوصية بعيداً عن الضوضاء، وحدّد موعد الاجتماع منتصف نهار يوم الخميس ليمنح فريقه فرصة لطرح أي أسئلة أو استفسارات أو الانصراف مبكراً. وقد أسهمت هذه التعديلات المدروسة في تهدئة قلقه وتهيئة أجواء أكثر دعماً لإبلاغ فريقه بهذا الخبر الصعب.
ترك هوامش زمنية فاصلة بجدول المواعيد
غالباً ما تكون جداول مواعيد القادة مزدحمة بالاجتماعات المتتالية، لكن لا بد من تخصيص وقت لتصفية الذهن قبل مواجهة أي موقف صعب. خصّص 10 دقائق قبل الاجتماع للاستعداد الذهني كي تتمكن من الحضور بحالة من التركيز والثبات الانفعالي. يمكنك خلالها مراجعة النقاط الأساسية وتذكير نفسك بالصورة التي ترغب في الظهور بها واستعادة رباطة جأشك. بعد ذلك، خصّص 10 دقائق إضافية لاستيعاب الموقف واستعادة التركيز. على سبيل المثال، يمكنك أخذ نزهة قصيرة سيراً على الأقدام للتأمّل والتخلص من أي توتر متراكم، حتى لا تؤثر المشاعر السلبية في تفاعلك المقبل. وإذا استدعى ذلك تأجيل موعد اجتماع أو تعديل وقت الحضور أو الانصراف، فلا بأس، فالفائدة تستحق المحاولة.
تساعدك هذه الهوامش الزمنية الفاصلة في الحفاظ على حضورك الذهني وثباتك الانفعالي خلال اليوم، لكنها تتطلب تخطيطاً مسبقاً. عوّد نفسك على مراجعة جدول مواعيدك، وحدد من خلالها الاجتماعات المهمة أو النقاشات المعقّدة أو التفاعلات التي قد تتسم بالتوتر، كي تتمكن من تخصيص وقت مناسب للاستعداد واستعادة التركيز.
لن تتلقى إنذاراً مسبقاً قبل كل موقف مشحون بالانفعالات العاطفية كي يمنحك فرصة للاستعداد؛ إذ قد يباغتك بعضها فجأة. ولكن عندما تكون قادراً على استشراف مثل هذه المواقف مسبقاً، فإن الاستعداد الفعّال يُحدث فارقاً جوهرياً. وبوضع تصوّر محدد للنجاح والتركيز على الإيجابيات وتعديل الموقف على نحو مدروس وترك هوامش زمنية فاصلة بجدول المواعيد، ستتمكن من إدارة الاجتماعات المتوترة بثقة ونجاح أكبر. ستنطوي القيادة دائماً على بعض التفاعلات الحادة، ولكن باستخدام الاستراتيجيات الصحيحة، يمكنك تحويلها إلى لحظات مفصلية تُحدث تقدماً حقيقياً.