ملخص: أثبتت الأبحاث أن المقاطعات في العمل قد تأخذ أشكالاً معقدة وتترتب عليها نتائج مختلفة. فقد تؤدي المقاطعة في بعض الأحيان إلى تعزيز حضورك القيادي. ولكنها قد تأتي بنتائج عكسية أيضاً، خاصة إذا حاولت الإدلاء بدلوك في أثناء حديث شخص أعلى منك منصباً. إذاً، ما الذي بوسعك فعله حيال هذا الأمر؟
- تتمثل الخطوة الأولى للاستجابة للمقاطعات في إدراك حدود صلاحياتك داخل الفريق.
- عندما يقاطعك أحد الأقران، أظهر له التقدير. أخبره بأنك تنصت إليه، ولكن احرص على الانتهاء من توصيل وجهة نظرك كاملةً.
- إذا تحرَّجت الأمور أو باتت مثيرة للقلق والتوتر، فحاول التواصل مع زميلك بعد الاجتماع وتوضيح نواياك الحقيقية.
- إذا أردتَ مقاطعة الآخرين دون الانتقاص منهم أو التقليل من احترامك لهم، فابدأ بمراجعة ثقافة الشركة. اعرف ما إذا كانت مؤسستك تشجع الخلافات الصحية في أثناء عمليات العصف الذهني. وإذا كان الأمر كذلك، فيمكنك حينئذٍ أن تدلي بآرائك بثقة تامة.
- وبعد ذلك، اسأل قبل المقاطعة. قل: "دينا، هل يمكنني مقاطعتك لثانية؟" بدلاً من قطع كلامها فجأة دون سابق إنذار.
- وأخيراً، تجنب استخدام كلمة "لكن". وفكّر بدلاً من ذلك في استخدام حرف العطف "و"، واحرص على صياغة أفكارك بطرق تشجّع على العمل التعاوني وليس التشاحن.
تخيَّل أن هذه أول وظيفة تشغلها في مسيرتك المهنية، وتريد أن تطرح فكرة رائعة في اجتماع عام لموظفي الشركة. وإذا بك تتفاجأ بأحد زملائك الجدد أيضاً يقفز إلى المشهد ويقطع كلامك. وتجد نفسك دون وعي منك تتنافس مع زميلك الذي قاطعك للتو لكي تتمكّن من استئناف حديثك، لكن بعد فوات الأوان. فقد انحرف زميلك عن مسار المحادثة وحاد بها عن جادة الطريق. وهكذا ينفضُّ الاجتماع دون تحقيق النتيجة المأمولة.
إذ لا يتذكر أحد شيئاً عن فكرتك، لكن قدرة زميلك المدهشة على قطع كلامك وجذب الانتباه إليه جعلت الجميع يكيل له المديح.
والآن لنلقِ نظرة على موقف آخر. إذ تقاطع رئيسك المباشر في الاجتماع التالي من أجل إضافة بعض التفاصيل المهمة إلى عرضه التقديمي. ولكنك تواجه عاصفة من الانتقادات اللاذعة جرّاء هذا التدخل.
وقد أثبتت الأبحاث أن المقاطعات في العمل قد تأخذ بهذا المعنى أشكالاً معقدة وتترتب عليها نتائج مختلفة. فقد تؤدي المقاطعة، كما في المثال الأول، إلى تعزيز حضورك القيادي أو صلاحياتك ومكانتك في نظر الآخرين. ولكن هذا السلوك قد يأتي بنتائج عكسية أيضاً، كما هو موضح في المثال الثاني، خاصة إذا حاولت الإدلاء بدلوك في أثناء حديث شخص أعلى منك منصباً.
وقد توصّلت دراسة أجرتها جامعة بالتيمور شملت أكثر من 100 مشارك إلى أن الموظفين غالباً ما يعتبرون أن المقاطعة التي تأتي من كبار المدراء علامة تدل على القوة والحزم، في حين أنهم غالباً ما يعتبرون أن مقاطعة زميل مبتدئ لشخص أعلى منه منصباً علامة تدل على السلوك التصادمي أو الفظاظة أو تجاوز حدود اللياقة.
يبدو هذا غير عادل، خاصة إذا كنت موظفاً شاباً لا يزال في مقتبل مسيرته المهنية. لكن لا تجزع. فهناك طرق لإدارة المقاطعات في أثناء الاجتماعات بشكل استراتيجي وفعّال، دون فقدان مصداقيتك.
كيف تستجيب للمقاطعات؟
تحقَّق من مكانتك
قد تبدو أماكن العمل في بعض الأحيان وكأنها جزء من سلسلة أفلام "مباريات الجوع" (The Hunger Games). إذ يتنافس الجميع على الموارد والتقدير والمكافآت، وعليك أن تتعاون مع شخصيات مختلفة بشكل فعَّال للوصول إلى الغايات المنشودة، والمؤسف في الأمر أن قلة قليلة منّا ستنال التقدير المناسب.
وإذا كان الأمر كذلك، فمن المهم أن نكون مستعدين للدفاع عن أنفسنا عندما يتم تحدي مكانتنا.
تتمثل الخطوة الأولى للاستجابة للمقاطعات في إدراك حدود صلاحياتك داخل الفريق. احصِ عدد الأشخاص المشاركين في غرفة الاجتماعات (الافتراضية) واعرف مكانتهم النسبية في الشركة. وإذا جاءت المقاطعة من المدير نفسه، فإن مكانتك من حيث صلتها بالمقاطعة تُعتبَر آمنة نسبياً. فقد أثبتت الأبحاث أن هذا السلوك متوقَّع من كبار القادة، وبالتالي لا يمكن اعتباره انتقاصاً من مكانتك.
من ناحية أخرى، إذا جاءت المقاطعة من زميل، فقد يؤثر هذا سلباً على مكانتك في نظر الآخرين. وتنتشر المقاطعة بين الأقران الذين يسعون إلى فرض هيمنتهم على زملائهم الأكثر تحفظاً، على أمل تعزيز حضورهم القيادي.
استمع واستجب بحزم
عندما يقاطعك أحد الأقران، فكّر في سبب مقاطعته لك في المقام الأول. فكّر في هدفه من وراء قطعه لكلامك. إذا كان يريد تغيير الموضوع أو جعلك تتوقف عن الحديث، فانظر إلى عينيه مباشرة وقل له: "هاني، سأفرغ بعد قليل من عرض وجهة نظري. هذا موضوع مهم وأريد التأكد أن الجميع يحيطون علماً بكل تفاصيله".
لكن إذا كان يرمي إلى تحدي ما تقوله أو انتقاده، فقل شيئاً على غرار: "هاني، يسعدني أن أتعرَّف على ملاحظاتك بعد أن أفرغ من عرض وجهة نظري، لكني أود أن تسمعني أولاً".
تتمثّل الفكرة الأساسية هنا في أن تُظهِر التقدير للشخص الذي يقاطع كلامك. أخبره بأنك تنصت إليه، ولكن احرص على الانتهاء من توصيل وجهة نظرك كاملةً. وبمجرد الانتهاء، يمكنك مخاطبة زميلك الذي يقطع كلامك وأن تطلب منه عرض أفكاره.
قل: "أعلم أن هاني كان لديه بعض الأفكار التي أراد طرحها. فهل تود عرضها الآن يا هاني؟".
وإذا وجدت نفسك تتعرّض للمقاطعة من قِبَل شخص أعلى منك منصباً، فانتظر حتى ينتهي الاجتماع. وتواصل معه بعدئذِ وحدّد معه موعداً لعقد اجتماع ثنائي لمعرفة كيفية تحقيق التوافق بينكما بشكل أفضل في الاجتماعات المقبلة.
يمكنك أن تقول: "لقد لاحظتُ أن لديك بعض التعليقات على عرضي التقديمي أمس. فهل لديك أية أفكار تود طرحها؟ هل هناك شيء كان بإمكاني فعله بشكل مختلف لعرض بياناتي أو حججي؟".
حافظ على رباطة جأشك
قد تنجح في درء المقاطعة الأولى، لكن هذا لا يعني أنك لن تتعرّض لمقاطعات أخرى. وفي حين أنك قد تجد صعوبة في السيطرة على عواطفك، حاول ألا ترتبك.
وإذا استمر شخص على مستوى أقرانك في مقاطعة كلامك، فخذ نفساً عميقاً، وركّز على رسالتك الأساسية واستمر في التحدث بثقة. سيشير هذا بوضوح لهذا الشخص إلى أنك تنوي الانتهاء من عرض أفكارك وأن مقاطعاته المتكررة لن تردعك.
وإذا تحرَّجت الأمور أو باتت مثيرة للقلق والتوتر، فحاول التواصل مع زميلك أو مديرك بعد الاجتماع لكي توضّح له نواياك الحقيقية. دعه يعرف شعورك تجاه مقاطعة كلامك واطلب منه تقديم آرائه وملاحظاته إذا كان يريد مزيداً من التفاعل.
كيف تقاطع الآخرين دون الانتقاص منهم؟
راجع ثقافة الشركة
ليست كل المقاطعات سيئة تلقائياً، أو حتى مقصودة. فقد يتداخل كلام أحدهم مع كلامك فحسب في بعض الأحيان. وتشجّع ثقافات العمل في حالات أخرى الخلافات الصحية لمساعدة فرقها على تبادل الأفكار من خلال العصف الذهني. وإذا كانت هذه هي الحال في مؤسستك، فقد تحتاج إلى إيجاد فرص مناسبة للمشاركة وعرض أفكارك أو تقديم رؤى وتصورات جديدة في الاجتماعات. وسيكون هذا أسهل إذا كنت ضمن فريق يحب سماع آراء الجميع قبل المضي قدماً.
وسيساعدك التعرُّف على أسلوب التواصل المتَّبع في شركتك على التناغم مع وتيرة أعضاء فريقك والتواؤم مع أسلوبهم المفضَّل في التواصل، وسيسمح لك هذا بدوره بالإدلاء بدلوك في البيئات الجماعية بطريقة مدروسة بعناية. ويجب ألا تهدر أية فرص سانحة لتقديم إسهاماتك القيّمة وإثراء المناقشات ونيل التقدير المناسب لمجرد أنك لا تشعر بالارتياح للطريقة التي يتفاعل بها الآخرون.
اسأل قبل المقاطعة
يتم عقد معظم الاجتماعات هذه الأيام عبر منصة زووم أو غيرها من منصات مؤتمرات الفيديو. وقد يكون من الصعب أن تُدلي بدلوك، حتى مع ظهور كل شخص عبر نافذته الشخصية على الشاشة، لأن الإشارات غير اللفظية المعتادة التي نستخدمها في الأحوال الطبيعية قبل المقاطعة، كالتلويح بالأيدي أو رفع الذقن أو انحناء الجسد، قد تمر دون أن يلاحظها أحد. وبالتالي، فإن مجرد البدء في التحدث مع أحدهم قد يبدو أمراً مزعجاً، خاصة إذا كانت ثقافتك المؤسسية أكثر تحفظاً في الاجتماعات.
ويتمثّل أحد الحلول لعلاج هذه المشكلة في أن تبدأ مقاطعتك لكلام الآخرين بطرح سؤال، مثل: "دينا، هل يمكنني مقاطعتك للحظة؟" أو "هل يمكنني استغلال هذه الفرصة لمشاركة شيء يتعلق بوجهة نظرك يا كريم؟" أو "سارة، هل لي أن أضيف شيئاً إلى ما قلتِه للتو؟".
وقد ثبت أن المقاطعات التي تتم صياغتها في شكل أسئلة يفسّرها المتحدث كطلب مهذب وكأداة مجازية توجّه انتباه الآخرين إلى الشيء الذي ستقوله لاحقاً. وتنجح هذه الاستراتيجية في الاجتماعات الحضورية أيضاً.
كن متعاوناً ولا تحاول التشاحن
الكلمات مهمة، والطريقة التي تقاطع بها الآخرين يمكن أن تحدث فارقاً كبيراً في كيفية تلقيهم لاعتراضاتك. وقد أثبتت دراسة أُجريت في معهد ماكس بلانك لعلم اللغة النفسي (Max Planck Institute for Psycholinguistics) وجامعتي أمستردام وأوترخت أن الدماغ يستغرق خُمس ثانية فقط لمعالجة معنى الكلمة المنطوقة ولتحديد ما إذا كانت الكلمة تسيء إلى المستمع أو تدعم وجهة نظره.
وتعد كلمة "لكن" واحدة من الكلمات المسيئة. إذ تؤدي إلى ردع المتحدثين في أثناء استرسالهم في الكلام وتضعهم في موقف دفاعي، وهو ما قد يؤلّبهم عليك ويقلبهم ضدك.
لا تقل: "هذه نقطة جيدة يا ريم، لكني أعتقد أن هناك طريقة أخرى للتعامل مع الأمر".
وقل: "هذه نقطة ممتازة يا ريم، وإذا كان بإمكاني إضافة زاوية أخرى هنا..."، أو "أعي ما تقولينه، وأتساءل عما إذا كان ينبغي علينا أيضاً التفكير في..."، أو "أود في هذه النقطة يا أكرم أن أشارك بعض البيانات التي قد تساعد على توضيح أن...".
وعلى هذا النحو لن تخرج صياغتك لكلام الآخرين في صورة سلبية تعتبر كلامهم باطلاً يجانبه الصواب. وستقدّم بدلاً من ذلك قيمة مضافة بطريقة تعاونية.
وبينما تستمر في أداء دورك، ضع في اعتبارك أن التوقيت والوعي بمكانتك يمثلان مفتاح السر لكيفية مقاطعة الآخرين وإدارة المقاطعات. وحينما تعرف الطريقة الصحيحة للتوقف والتعامل مع المقاطعات والتحدث في أثناء الاجتماعات، فإن هذا سيسهم في بناء سمعتك الشخصية، بالإضافة إلى إثبات حضورك في العمل.