في يوم من الأيام، تأخرت جداً عن موعد متّفق مع زوجتي رهام، حيث كنا قد تواعدنا على اللقاء في المطعم عند السابعة مساءً. كانت الساعة قد تجاوزت السابعة والنصف، ولم أكن قد وصلت إلى مكان اللقاء بعد. وكان لديّ عذر وجيه حيث أنني تأخرت في اجتماعي مع أحد الزبائن المهمّين وأنا لم أهدر لحظة واحدة بعد ذلك حيث اتجهت فوراً وبأسرع وقت ممكن للحاق بموعد العشاء المحدد. وبدأت أفكر بطرق التعامل مع الشخص الغاضب.
عندما وصلت إلى المطعم، اعتذرت لها وأخبرتها بأنني لم أقصد التأخر.
فأجابتني: "أنت لا تقصد مطلقاً أن تتأخر". وكان بادياً أنها كانت حانقة جداً عليّ.
كررت اعتذاري قائلاً: "أنا آسف. لكن الأمر كان خارجاً عن نطاق سيطرتي". وأخبرتها عن اجتماعي مع ذلك الزبون المهم. ولم تكن تفسيراتي هذه غير كافية لتهدئتها فحسب، بل يبدو أنها أدت إلى تفاقم الوضع، وهذا الأمر بدأ يتسبب بحالة من الغضب لدي أنا شخصياً.
لقد كانت واحدة من أسوأ المرات التي تناولنا فيها طعام العشاء معاً.
كيفية التعامل مع شخص غاضب منك
بعد مرور بضعة أسابيع على تلك الحادثة، وبينما كنت أصف الوضع لأحد أصدقائي، وهو كين هاردي، الأستاذ الجامعي المتخصص في معالجة الخلافات العائلية، ابتسم وقال لي: "أنت ارتكبت خطأ كلاسيكياً".
فقلت له: "أنا؟ أنا ارتكبت خطأ هنا؟"، وقد طرحت سؤالي هذا وفيه نبرة من المزاح.
اقرأ أيضاً: كيف تعرف أن الشخص الذي تتحدث معه يريد إنهاء الحديث؟
فقال لي: "نعم. وها أنت تعاود ارتكابه مجدداً. فأنت دائماً تتمسك برأيك ووجهة نظرك في المسألة. نعم أنت لم تقصد أن تتأخر. لكن النقطة الجوهرية هي أنك تأخرت فعلياً. والجانب المهم في طريقة تواصلك، هو كيف "أثّر" تأخرك على زوجتك رهام".
بعبارة أخرى، أنا أكنت أركز على "قصدي" بينما كانت زوجتي تركز على "التبعات". وكان كل واحد منا منهمكاً بخوض الشق الخاص به من الحديث. وفي النهاية، شعرنا كلانا بحالة متبادلة من عدم التقدير، وعدم الفهم، لا بل والغضب أيضاً.
وكلما أمعنت التفكير فيما قاله صديقي هاردي، أدركت بأن هذه المعركة – بين "ما يقصده الإنسان" و"التبعات الناجمة عن سلوكه" – هي السبب الأساسي الكامن وراء الكثير من حالات النفور الشخصي المتبادل بين الناس.
وكما يتضح، ليست الفكرة التي تدور في رأسك هي المهمة ولا حتى سلوكك. والسبب في ذلك، هو أن الشخص الآخر لا يشعر بفكرتك أو تصرفك أصلاً. وإنما هو يشعر بعواقب تصرفك.
لنأخذ مثالاً آخر: "لنفترض أنك أرسلت، على سبيل المثال، رسالة إلكترونية إلى أحد زملائك لتخبره فيها بأنك تعتقد بأنه كان يجب أن يقول كلاماً أكثر في اجتماع الشركة".
فيرد على رسالتك الإلكترونية قائلاً: "ربما لو تحدثت أنت بكلام أقل، لسنحت لي الفرصة لقول شيء ما!".
لا شك في أن هذا الرد سيهزك بعمق. ومع ذلك، ترسل له رسالة أخرى محاولاً توضيح رسالتك الأولى: "أنا لم أقصد إهانتك، وإنما كنت أحاول المساعدة". وبسلوكك هذا قد تضيف بعض السلبية إلى رسالته العدوانية الطابع أصلاً.
لكن ذلك لا يحسّن الأوضاع. فهو يقتبس من رسالتك الأولى ويعاود مراسلتك سائلاً: "ألم تعرف كيف تقرأ رسالتي؟"، فتعاود الكتابة له وبالخط العريض: "ولكن ذلك لم يكن ما قصدته أنا".
والسؤال المطروح هنا، هو كيف يمكن الخروج من هذه الدوامة التي تشد الجميع إلى الأسفل؟
من الناحية العملية، الأمر مذهل جداً ببساطته. فعندما ترتكب خطأ يزعج إنساناً ما – بغض النظر مع من يكون الحق – يجب عليك البدء في الحديث على الدوام من خلال الاعتراف بالآثار التي تركتها أفعالك على ذلك الشخص. وحاول تأجيل النقاش بخصوص قصدك إلى مرحلة لاحقة. والأفضل أن تكون متأخرة جداً، بل يُفضل ربما ألا تتطرق إلى ذلك أبداً. لأن نواياك، في نهاية المطاف، لا تعتبر مهمة جداً.
وماذا لو كنت تعتقد بأن ذلك الشخص ليس محقاً في شعوره غير المبرر برأيك؟ هذا أمر غير مهم بصراحة. لأنك لا تسعى جاهداً للحصول على الاتفاق، وإنما أنت تبحث عن التفهم.
اقرأ أيضاً: لماذا قد يؤدي التعهيد الجماعي للأفكار إلى نتائج سيئة؟
وهنا أجد نفسي أطرح السؤال التالي: ماذا كان ماذا كان ينبغي أن أقول لزوجتي رهام في تلك الليلة؟
"أنا أرى بوضوح أنك غاضبة. فأنت تجلسين هنا منذ 30 دقيقة، ولا بد في أن هذا الشعور يبعث على الإحباط. كما أن هذه ليست المرة الأولى. وأنا أوافقك الرأي في أن لقائي مع الزبون لا يجب أن يمنحني الحق في أن أتأخر. أنا آسف من أنك اضطررتِ إلى الجلوس هنا والانتظار طوال كل تلك الفترة".
كل هذا صحيح. وواجبك يملي عليك الاعتراف بالواقع الذي يعيشه الشخص الآخر، وهذا أمر أساسي وضروري للمحافظة على العلاقة بينكما. وكما وصف هاردلي الأمر لي قائلاً: "إذا أحسّ شخص ما بأن الواقع الذي يؤمن به يتعرض إلى الإنكار والنفي، فما الدافع الذي لديه للبقاء ضمن العلاقة إذاً؟".
وإذا حاولنا تطبيق هذا الكلام على الرسائل الإلكترونية المتبادلة الموصوفة أعلاه، فعوضاً عن توضيح قصدك لزميلك، لماذا لا تكتب له شيئاً من قبيل: "أتفهم كيف أن نقدي لأدائك – وخاصة عبر رسالة إلكترونية – يجعلك تحسّ بالغضب. وخاصة لأن كلامي كان يتضمن نقداً كبيراً لجهودك خلال الاجتماع، ناهيك عن أنه يقلل من شأن هذه الجهود".
أنا قلت بأن الأمر بسيط، لكنني لم أقل بأنه سهل.
الجانب الأصعب في هذا الأمر، هو حالة المقاومة العاطفية الموجودة لدينا. فنحن نفرط في التركيز على التحديات التي نواجهها شخصياً إلى درجة أننا نجد صعوبة في الاعتراف بالتحديات التي يواجهها الآخرون. وخاصة إذا كنّا نحن من يشكّل تحدياً لهم، وهم من يشكّلون تحدياً لنا. وخاصة إذا انفجروا غاضبين في وجهنا. وكذلك عندما نشعر بأنه قد أسيء فهمنا. في تلك اللحظة، عندما نتعاطف معهم ومع نقدهم لسلوكنا، فإننا نكاد نشعر كما لو أننا نخون أنفسنا.
لكننا لا نخون أنفسنا بذلك. فكل ما نفعله هو أننا نتعاطف مع الآخرين.
وإليك هذه الخدعة التي ستسهل الأمر عليك، في اللحظة التي ينفجر الشخص الآخر في وجهك غاضباً، تخيل بأنه غاضب من شخص آخر. وحاول وقتها التصرف تماماً كما كنت ستتصرف في تلك الحالة. ربما ستصغي ساعتها إلى ذلك الشخص وستخبره بأنك تدرك حجم غضبه.
ولكن ماذا لو لم تتح لك الفرصة أبداً لتشرح قصدك ونواياك؟ ما استنتجته أنا عملياً ومن خلال خبرتي الشخصية كان مفاجئاً بالنسبة لي تماماً. فقد اكتشفت أنني بعد الانتهاء من التعبير عن تفهمي للتبعات التي نتجت عن سلوكي مع ذلك الشخص، فإن رغبتي في تبرير نواياي وقصدي تتلاشى.
فأنا عندما أحاول شرح قصدي تكون رغبتي في المقام الأول هي إصلاح العلاقة. ولكن مجرد تعاطفي مع ذلك الشخص والشعور بإحساسه يمكّنني من تحقيق هذا الهدف أصلاً. وعند هذا الحد، نكون نحن الاثنان قد تجاوزنا الأمر وبتنا مستعدين للمضي قدماً.
ولكن ماذا لو كنت لا تزال تشعر بالحاجة إلى التعبير عمّا يجول في خاطرك؟ لا شك في أن فرصتك ستظل قائمة للحديث مع ذلك الشخص بعد أن يكون قد هدأ وشعر بأن هناك من يراه، ويسمعه، ويفهمه.
إذا نجحنا في إنجاز كل هذه المهام على أكمل وجه، فإننا غالباً ما سنكتشف بأن التحسّن لا يطال علاقاتنا فقط، وإنما يطال شيئاً آخر أيضاً، ألا وهو سلوكنا.
وبعد ذلك الحديث الأخير مع زوجتي رهام – وبعد أن فهمتُ أنا تماماً التبعات التي تركها تأخري عليها –أصبحتُ وإلى حد ما أكثر قدرة على الالتزام بالحضور في الموعد المحدد، إضافة إلى أنني أيقنت طرق التعامل مع الشخص الغاضب.
اقرأ أيضاً: