لكي تحتفظ بتركيزك يجب عليك التعامل مع عواطفك

4 دقائق

إن أهم مورد يمتلكه القائد ليس الوقت، بل اليقظة الذهنية أو التي تعرف بالانتباه الذاتي. فالوقت يمضي، في حين أن الانتباه المُركز هو ما يجعل الأشياء تحصل. وعندما نكون قادرين على تركيز انتباهنا لينصبّ على مهمة محددة أو على تفاعل محدد مع شخص معين، فسنتمكن وقتها من إحداث أثر كبير خلال وقت قصير للغاية. ولكن عندما نعجز عن تركيز انتباهنا على المهمة التي بين أيدينا، فإن كل الوقت الموجود في العالم لن يكون كافياً لإنجاز تلك المهمة.

يحتاج القادة إلى إدراك أهمية تحسين قدرتهم على توجيه انتباههم والتقليل إلى الحد الأدنى من كل الأشياء التي تشتت أذهانهم. وتتمثل واحدة ومن أهم الخطوات في تلك العملية في التعامل مع العواطف. يصفُ عالم النفس فيكتور جونسون العواطف على أنها "مُضخماتٌ انتقائية للمتعِ الذاتية"، بمعنى أنها تعزز مختلف الإشارات الموجودة في أذهاننا، بحيث إنها توجه انتباهنا إلى بعض القضايا والأحداث، وتبعد انتباهنا عن قضايا وأحداث أخرى. بعبارة أخرى، العواطف هي مغناطيس للانتباه.

وبناء على ما سبق، يُعتبر الوعي الذاتي وتنظيم العواطف أمران أساسيان إذا أردنا الاستفادة من انتباهنا الذهني لنكون أشخاصاً منتجين. وفيما يلي بعض الخطوات العملية التي يمكن للقادة اتخاذها:

عليكم بناء قدراتكم

بإمكاننا توسيع قدرتنا على الانتباه من خلال الالتزام ببعض الممارسات مثل التأمل الذاتي وكتابة المذكرات اليومية وقضاء بعض الوقت في أحضان الطبيعة وممارسة التمارين الرياضية البدنية بانتظام والحصول على قسط كافٍ من النوم. تدعم كل هذه النشاطات قدرتنا على توجيه تركيزنا وعلى إبعاد العناصر والأشياء التي تشوش انتباهنا والتعامل مع عواطفنا وغالباً ما نكون قادرين على تحقيق المكاسب من هذه النشاطات دون الحاجة إلا إلى استثمار القليل من الوقت. وقد أشارت أبحاث حديثة إلى أن التأمل الذاتي لبضع دقائق فقط في اليوم وقضاء ساعة واحدة أسبوعياً في الطبيعة أو تدوين بضع ملاحظات شخصية ذات طابع تأملي في المساء خاصة تترك أثراً ملموساً على صحة المرء وسلامته. وتشير تجربتي الشخصية أنا كمرشد وموجه للآخرين إلى أن هذه المكاسب تزيد من فعالية القائد. لكن المفتاح الرئيس يكمن في الالتزام الدائم بكل ممارسة يومية أو أسبوعية.

رغم أن هذه النشاطات هي غالباً مُمتعة بحد ذاتها، إلا أنها لا تعتبر بمثابة انغماس في الملذات الشخصية، بل هي استثمار في قدرتنا على العمل وبذروة الفعالية. فالأشخاص المحترفون في مهنهم والذين يقدمون أداء رفيعاً غالباً ما يتمتعون بالنجاح في مراحل مبكرة من حياتهم المهنية بفضل قدرتهم على التخلي عن نشاطات مثل هذه – فهم يخفضون ساعات نومهم أو يتخلون عن ممارسة التمارين الرياضية لفترات طويلة من الزمن. ولكن على الرغم من أن هذه التضحيات توسع مؤقتاً من قدرتنا على الإنتاج، إلا أنها تقلل عملياً من قدرتنا على تركيز انتباهنا. وعلى الرغم من أن المزيد من القادة الذين يحتلون مناصب قيادية أرفع مثل زبائني يواصلون العمل بجد، إلا أن ما يسمح لهم بإضافة القيمة هو ليس الساعات الإضافية التي يقضونها في العمل، وإنما جودة انتباههم المركز عندما يكونون في عملهم.

عليكم سد الثغرات التي يتسرب انتباهكم منها

يُعتبر الانتباه من الأمور التي تنضب وتنتهي في لحظة ما، كما أن قدرتنا على التركيز اللحظي محدودة للغاية. وبما أن العناصر التي تشتت الانتباه يمكن أن تقوّض فعالية القائد وبشكل قاتل، فإن من الأساسي جداً تحاشي "الثغرات التي يتسرب الانتباه منها". فكما كتبت قبل بضعة أشهر: "إن الأزرار الموجودة على هواتفنا وأجهزتنا الأخرى والتي ترن أو تضيء أو تلقي أرقاماً حمراء في وجوهنا مصممة لشد انتباهنا وخلق إحساس بالعجلة والإلحاح... ولكن السؤال المطروح هو إلى أي مدى تكون هذه الأحداث التي تقاطعنا عاجلة وملحة حقاً؟ إنها تكاد تكون غير ملحة على الإطلاق. لذلك أطفئوها".

ومن الممارسات الأخرى التي تقتل الانتباه ما درجنا على تسميته "أداء عدة مهام في وقت واحد"، وهو مفهوم مضلل يعني غير ما يوحي به اسمه. صحيح أن المهام الثانوية وغير المهمة التي تتطلب الحد الأدنى من الجهد الفكري يمكن أن تنفذ على التوازي، إلا أن الأعمال ذات المغزى الحقيقي التي يضيف معظم القادة من خلالها القيمة – مثل الأحاديث الشخصية المباشرة أو التيسير أو اتخاذ القرارات في الاجتماعات، فضلاً عن التفكير الخلاق وطرح الأفكار – تتطلب مستوى أكثر حدة من التركيز. وبالتالي، فإن أداء عدة مهامٍ في وقت واحد في هذا النوع من البيئات يقود حتماً إلى قدر كبير من عدم الكفاءة بما أننا نبدل السياقات ونفقد تركيزنا قبل أن نعود إلى مستوى أعمق من التفكير.

عليكم خلق المساحة الخاصة بكم

يواجه القادة عادة مطالب كثيرة تضغط على وقتهم (ويعود ذلك جزئياً إلى أن الجميع يرغبون بشد انتباه القائد إليهم)، وإذا لم يكن هؤلاء القادة حذرين، فإنهم سيجدون أن جدول لقاءاتهم ممتلئ بالمواعيد بلا توقف ولأيام طويلة وبلا نهاية. وعليه، فمن المهم المحافظة على بعض المساحة في جدول الأعمال، على أساس أسبوعي أو حتى على أساس يومي، والتي تسمح ببعض التفكير الخلاق وتساعد في إعادة شحذ هممنا وانتباهنا.

سيقود هذا الأمر حتماً إلى خيبة أمل لدى العديد من الناس الذين يعتقدون أن لديهم قضية تستحق من القائد تخصيص وقت لها، لكن القادة المُنتجين يدركون أنهم غير قادرين على تلبية كل هذه الطلبات ويتعين عليهم تجاهل العديد منها، ويحتاج القادة إلى المساعدة من فريق كبار المدراء التابع لهم ومن عائلاتهم وأصدقائهم – وربما الأهم من كل هؤلاء – من مساعديهم. فالناس الذين يشغلون هذه المواقع يتمتعون بفرص فريدة لمساعدة القادة على حماية المساحات المفتوحة الموجودة على جدول أعمالهم – ويمكنهم تقويض تلك العملية إذا لم يفهموا مسؤوليتهم.

فكرة أخيرة: إذا كنت قائداً يجلس في اجتماع لا يستحق انتباهك المركز، فإنك عندئذ لا تؤدي إلا دوراً يشبه دور الممثل في المسرحية. وفي بعض الأحيان قد يكون ذلك معقولاً. فأوضاع المؤسسات تقتضي أحياناً أداء هذا النوع من الأدوار المسرحية. لكن في أغلب الأحيان ستعاني المؤسسة بأكملها لأن موردك الأهم يبدّد دون طائل. دع الناس الذين نظموا ذلك الاجتماع يعلمون أنك ستحضر مستقبلاً عندما تدعو الحاجة إلى وجودك، اعتذر من الحاضرين، وغادر القاعة، ثم تابع نهارك. وإذا كان الاجتماع اجتماعك أنت، فلربما أنك أنت من يضيع وقت الآخرين وانتباههم – وربما يكونون هم من يؤدون الدور المسرحي لأنهم يخضعون لسلطتك. حاول أن تجري حديثاً صريحاً مع أحد حلفائك الموثوقين، لتعرف منه رأيه إلى أي مدى تُعتبر اجتماعاتك نافعة ومفيدة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي