هل تعاني من وجود شخص يستفزك في مكان العمل باستمرار؟ أو شخص لا يُصغي إليك؟ أو شخص يستأثر بالثناء على العمل الذي قمت أنت به؟ أو شخص يُهدر وقتك في أمور تافهة؟ أو شخص يتصرف وكأنه عالم بكل الأمور؟ أو شخص لا يمكنه التحدث سوى عن نفسه؟ أو شخص ينتقد الآخرين باستمرار؟
إنّ احتياجنا العاطفي الأساسي هو الشعور بأننا موضع احترام وتقدير. ومن المقلق للغاية ألا نشعر هذا الشعور، فهو تحد لإحساسنا بالتوازن والأمن والرفاهية ويمكن أن يبدو بمثابة تهديد لبقائنا على المستوى الإنساني.
وهذا يصدُق بشكل خاص عندما يكون الشخص الذي تعاني منه هو مديرك، فالمشكلة هي أنّ المسؤول عن أشخاص آخرين نادراً ما يظهر أفضل ما بداخله.
قال اللورد جون دالبرغ أكتون في عام 1887: "السلطة تميل إلى الفساد، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة"، وقال أيضاً: "لا يوجد أسوأ من المكتب الذي يقدّس رئيسه".
التصرف التلقائي عندما نشعر بقلة التقدير هو أداء دور الضحية، وهو انجذاب مُغر لأن إلقاء اللوم على الآخرين حيال ما نشعر به هو شكل من أشكال حماية الذات. وهذا يجعلنا نشعر أن كل ما يحدث ليس خطأنا. فنحن نشعر بتحسّن في المدى القصير عن طريق التنصّل من المسؤولية عما نشعر به.
هناك مشكلة عندما ترى نفسك ضحية، وهي أنك تتنازل عن القدرة على التأثير في ظروفك. والحقيقة المؤلمة عندما يتعلق الأمر بالأشخاص الذين يستفزونك هي أنك لن تستطيع تغييرهم؛ فالشخص الوحيد الذي لديك إمكانية تغييره هو نفسك.
لكل منّا منظور افتراضي يرى العالم من خلاله، ونحن نسمّيه الواقع، لكنه في الحقيقة ليس إلا مرشّح انتقائي. فنحن لدينا القدرة على أن نرى العالم عبر منظورات أخرى. توجد ثلاثة أمور تستحق المحاولة عندما تجد نفسك مدفوعاً ناحية الشعور بمشاعر سلبية، وهي:
ارتداء عدسات التفاؤل الواقعي. يتطلب استخدام هذه العدسات أن تسأل نفسك سؤالين بسيطين عندما تشعر أنك تلقى معاملة سيئة أو غير عادلة. السؤال الأول هو: "ما هي الحقائق في هذا الموقف؟"، والسؤال الثاني هو: "ما هي القصة التي سأرويها لنفسي عن هذه الحقائق؟".
يتيح لك هذا التمييز الوقوف خارج تجربتك، بدلاً من مجرد الاستجابة لها. كما أنه يُفسح إمكانية أن تكون القصة التي تحكيها لنفسك حالياً ليست هي الطريقة الوحيدة لتقييم موقفك.
والتفاؤل الواقعي، وهو مصطلح صاغته عالمة النفس ساندرا شنايدر، يعني أن تروي لنفسك أكثر القصص التي تبعث على الأمل والتشجيع عن ملابسات معينة دون تقويض الحقائق. إذ يتعلق الأمر بتجاوز رد فعلك الطبيعي إلى الشعور بأنك موضع هجوم، واستكشاف ما إذا كانت هناك طريقة بديلة للنظر إلى الموقف يكون من شأنها أن تساعدك بشكل أفضل في نهاية المطاف. وثمة طريقة أخرى لاكتشاف مسلك بديل، وهي أن تسأل نفسك: "كيف أتصرف في هذا الموقف في أفضل حالاتي؟".
المنظور العكسي. ويتطلب هذا المنظور النظر إلى العالم من خلال منظور الشخص الذي يستهدفك. وهذا لا يعني التضحية بمنظورك الشخصي؛ بل يعني توسيع المنظور الذي تنظر عبره.
ومن شبه المؤكد أنّ الشخص الذي تتصوّر أنه ذو طباع صعبة ينظر إلى الموقف بشكل مختلف عنك. وباستخدام المنظور العكسي، فإنك تسأل نفسك: "ما هو شعور هذا الشخص، وما هي السبل التي تجعل شعوره هذا مفهوماً؟" أو بعبارة أكثر صراحة: "ما هو وجه مسؤوليتي في كل هذا الموقف؟".
وعلى عكس ما يعتقده المرء، تًعد إحدى أقوى السبل لاستعادة قيمك، عندما تشعر بالتهديد، هي إيجاد طريقة لتقدير وجهة نظر الشخص الذي تشعر بقلة تقديره لك. ويُطلق على هذا الأمر التقمّص العاطفي.
وتماماً مثلما هو الحال لديك، غالباً ما يتصرف الآخرون بشكل أفضل عندما يشعرون بالملاحظة والتقدير، لاسيّما أنّ انعدام الأمان هو ما يدفعهم عادة إلى التصرف بشكل سيئ في المقام الأول.
منظور المدى الطويل. يتبيّن، في بعض الأحيان، أنّ أسوأ مخاوفك بشأن شخص آخر صحيحة. فهو شخص يتنمّر عليك دون مبرر، وليس من شأن النظر إليه عبر منظوره مساعدتك في التعامل معه، وهو يتلقى باستمرار الثناء على العمل الذي تقوم أنت به.
عندما تكون ظروفك الحالية سيئة على نحو جلِي، فإنّ منظور المدى الطويل يتيح لك وسيلة للنظر إلى ما وراء الحاضر لتصوّر مستقبل أفضل. ابدأ بطرح هذا السؤال: "كيف يمكنني أن أرتقي وأتعلم من هذه التجربة، بغضّ النظر عما أشعر به حيال ما يحدث الآن؟".
كم عدد المرات التي انتابك شعور مروّع حيال أمر ما في الوقت الحالي ليتحوّل إلى شيء تافه بعد عدة أشهر، أو ليقودك في الواقع إلى فرصة مهمة أو اتجاه إيجابي جديد؟
فصلني مديري السابق من العمل. وشعرتُ حينها بضيق شديد، لكنّ ذلك دفعني أيضاً إلى الخروج من منطقة شعوري بالراحة إلى المجال الذي تبيّن أنني كان يلزمني ارتياده.
وعندما أعود بالذاكرة إلى الوراء، فإنّ القصة التي رويتها لنفسي هي أنه على الرغم من أوجه القصور التي لدى مديري هذا، إلا أنني تعلمت الكثير منه، وهذا كله يساعدني بشكل جيد اليوم. كما أنني أستطيع أن أفهم، من منظوره، لماذا وجدني ذو طباع صعبة كموظف، دون أن أشعر بقلة تقديره لي. والأهم من كل ذلك، أنّ فصلي من العمل دفعني إلى اتخاذ قرار؛ بتأسيس الشركة التي أديرها الآن، وهو ما أشعرني بالسعادة أكثر من أي عمل آخر قمتُ به يوماً.