التعامل مع الأشخاص الاجتماعيين جداً في مكتبك

5 دقائق

على الرغم من أنهم قد يدعون استمتاعهم بلعب كرة قدم الطاولة ومتابعة البرامج التلفزيونية وإنشاء روابط اجتماعية في المكتب، إلا أن معظم الموظفين يفضلون أداء عملهم دون أن يتشتت انتباههم والحفاظ على خصوصياتهم وفقاً لبحث جديد أجرته منصة التعلم عبر الإنترنت، "يوديمي" (Udemy). ولا يقتصر الأمر على الأشخاص "الكبار في السن" في المكتب. إذ تبين النتائج التي توصلت إليها منصة "يوديمي" أن هذه الرغبة متوافقة بين مواليد الطفرة والجيل "إكس" وجيل الألفية والجيل "زد" على حد سواء.

وإذا كان هذا ما يريده معظمنا، فلماذا لا تركز المزيد من المكاتب بشدة على العمل حصراً؟ يُظهر البحث أن غالبية الأقليات الاجتماعية تميل إلى تحديد المناخ العام في مكان العمل. وقد يؤدي هذا الاختلاف في أسلوب العمل إلى نزاعات شخصية بين الأفراد وتشتيت انتباه الموظفين والاستياء. وبينما قد لا يبدو أن ذلك يُشكل مشكلة كبيرة، يكلف العمال المستاؤون والذين يمتنعون عن المشاركة بشكل متعمد الشركات الأميركية ما يصل إلى 550 مليار دولار أميركي في السنة.

أسباب مواجهتنا لصعوبات في وضع الحدود

يجاهد قادة الأعمال حالياً لوضع حدود للسلوك "المناسب" في مكان العمل. وقد أصبح السلوك الذي كان يتصف من الناحية التقليدية بأنه غير مهني - مثل المعانقة ومشاركة معلومات شخصية جداً واستخدام الألفاظ النابية - أكثر شيوعاً.

ويعود جزء من المشكلة إلى أن المدراء يفترضون بشكل خاطئ غالباً أن الموظفين "يعرفون فحسب" كيفية التفاعل مع بعضهم في العمل. وهم لا يعرفون. ويُعزى ذلك جزئياً إلى تغير توجهات التوظيف كانخفاض عدد المناصب في بداية التعيين وأعداد المراهقين الذين يشغلون الوظائف الصيفية ما أدى إلى دراية أقل بقواعد مكان العمل. كما أن كبش الفداء القديم أي وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات مراسلات الأعمال التجارية التي تقلد وسائل التواصل الاجتماعي قد تسهم في خلق انطباع مفاده أن أساليب التواصل الأقل اتساماً بالطابع الرسمي مقبولة أيضاً في العمل. (ابحث على شبكة الإنترنت عن "آداب السلوك"، وستجد أن الكثير من المقالات حول أسلوب التواصل بمهنية تشير إلى أنها تُشكل تحدياً شائعاً).

أحد العوامل الأخرى التي تساهم في أسباب مواجهتنا للمشاكل في وضع الحدود هو الافتقار إلى الوعي الذاتي، أي فهم كيفية التعامل مع الآخرين. وفي الواقع، تُظهر البحوث أنه على الرغم من اعتقاد 95% من الأشخاص بأنهم يتمتعون بإدراك ذاتي، إلا أن نسبة قدرها 10 إلى 15% منهم فقط تتمتع بذلك. عندما لا نتمتع بإدراك ذاتي، لا ندرك أن الأمور التي نقوم بها مثل التسكع حول حجيرة عمل شخص ما بهدف الدردشة أو استخدام الألفاظ النابية تؤدي إلى تشويش انتباه الآخرين وإزعاجهم.

وعلى الرغم من هذا التضافر في العوامل، لا يتخذ العديد من المدراء زمام المبادرة فيما يتعلق بإرساء مبادئ توجيهية لتحديد التوقعات بشأن كيفية تفاعل الموظفين بطريقة مهنية. وعندما لا يوجد معيار معمم بوضوح حول ما يشكل "سلوكاً مهنياً" في مكان العمل، حتى لو كانت تلك المعايير خاصة بالثقافة أو الشركة، يصبح الإفصاح عنها صعباً في حال تجاوزها من قبل أحد الأشخاص.

أفضل الممارسات لإدارة السلوك وتقليل تشتت الانتباه

إن تحديد السلوكيات الاجتماعية التي تُعتبر "اجتماعية للغاية" أو تشتت الانتباه أثناء العمل ليس علماً دقيقاً، وسيختلف التوازن المناسب وفقاً لكل مكان عمل. إلا أن الاستبيان الذي أجرته منصة "يوديمي" توصل إلى مجموعتين مختلفتين عموماً بين الأجيال لهما آراء مختلفة حول السلوكيات اللائقة في مكان العمل. كانت الشخصيات "الاجتماعية" أكثر ميلاً إلى تقييم السلوكيات الاجتماعية من قبيل المعانقة وأسلوب التواصل العفوي والنميمة على أنها أكثر ملاءمة في العمل. ومن ناحية أخرى، صنفت الشخصيات "العاملة بجد" السلوكيات ذاتها على أنها أقل ملاءمة.

إذاً، كيف يستطيع المدير أن يساعد الأشخاص الاجتماعيين والأشخاص الأقل رغبة في التواصل الاجتماعي على العمل بشكل أفضل مع بعضهم بعضاً في المكتب على الأقل؟ فيما يلي أفضل خمس ممارسات يستطيع المدراء تنفيذها لدعم التغيير وفتح باب التواصل بشأن التوقعات المتعلقة بالتفاعل وتقليل حالات تشتيت الانتباه أثناء العمل.

التأكيد على النية الإيجابية عند تقديم الملاحظات. عندما تتعلق الملاحظات بأمور شخصية من قبيل أسلوب العمل بدلاً من نتائج الأداء والنتائج التي تقتصر على المهام، فقد تؤدي إلى الإحساس بالرفض الاجتماعي. ونظراً إلى إحساس معظمنا بالخجل من التسبب في ضيق عاطفي لدى الآخرين، يُعد تقديم هذا النوع من الملاحظات أمراً صعباً. ويمكن لمنظور ذي "نوايا إيجابية" أن يساعدك في صياغة ملاحظات بناءة أكثر لموظف ثرثار للغاية مثلاً إذا كنت تفترض أنه يتصرف بطريقة يعتبرها طبيعية وتبدو "مناسبة" ولا يتمثل الهدف منها في محاولة إزعاج الآخرين عن قصد. إذ قد يكون من الأجدى أن تقول شيئاً من قبيل: "أود أن أقدم لك بعض الملاحظات حول أسلوب تواصلك في العمل. أنت تزور مكتبي عدة مرات في اليوم لتتحدث معي حول موضوعات لا تتعلق بالعمل، ومن الصعب علي أن أركز على عملي عندما تقوم بذلك. ولأكون واضحاً، أنا واثق من أنك لا تحاول إزعاجي عن عمد وأنك تريد أن تكون ودوداً وشاملاً. هل وصفتُ الأمر بطريقة ملائمة؟".

تحمل مسؤولية الحرج. يتمثل أحد سبل بدء نقاش مع الموظفين حول السلوك الذي يسبب تشتتاً في الانتباه أو ضيقاً في الاعتراف بعدم الارتياح ببساطة كأن تقول: "يُشعرني هذا بعدم الارتياح لكنني أردت التحدث عن شيء كان يجول في خاطري وقد لا تكون مدركاً له". وبما أنك على وشك جعل الشخص الآخر يشعر بالضعف، فقد يكون إبداء بعض الضعف من ناحيتك فاعلاً كأن تقول: "قد أبدو سخيفاً إذا قلت -لا تعانقني-، لكن معانقة زملائي تجعلني أشعر بعدم الارتياح وتؤثّر على قدرتي على الحفاظ على الحدود المهنية".

كن دقيقاً. من المهم أن توضح الأمر الذي يفعله الشخص الآخر والذي يؤثر عليك أو على عضو آخر في الفريق بدقة وبشكل محايد. فقولك: "أنت ودود جداً في مكان العمل" هو تفسير للسلوك وليس سلوكاً بحد ذاته. جرّب الأسلوب الحيادي بدلاً من ذلك كأن تقول: "لقد لاحظت أنك تأتي إلى مكتبي أيام الاثنين لتخبرني عن عطلة نهاية الأسبوع دون أن تسأل عمّا إذا كنت متفرّغاً لبعض الوقت للدردشة. وأنا أحاول عادة في ذلك الوقت تدارك رسائل البريد الإلكتروني المستعجلة. هلا سألتني ما إذا كنتُ متفرغاً لبعض الوقت؟ أود أن أكون قادراً على إيلائك كامل اهتمامي أو إبلاغك متى استطعت إيلاءك انتباهي".

شجع موظفيك على تبادل الملاحظات. الملاحظات هي أكثر طرق تغيير السلوك فاعلية. على الرغم من ذلك، لا يبرع معظمنا في تقديم الملاحظات أو تلقيها بشكل طبيعي، لذا يجب أن يمارس المدراء ثقافة الملاحظات المنتظمة وأن يشجعوها. من شأن الملاحظات التي يتبادلها الأقران أن تكون مؤثرة بشكل خاص، إذ تُظهر البحوث أنها تستطيع تعزيز أداء الموظفين بنسبة تصل إلى 14%. وعلاوة على ذلك، تتضمن مهام المدير تشجيع الموظفين على التحدث إلى بعضهم بعضاً بدلاً من الشكوى خلف الأبواب الموصدة. كما يجب على المدراء بذل الجهد للتعرف على الأشخاص الذين يقدمون الملاحظات بشكل مناسب ودوري ومكافأتهم، فضلاً عن أولئك الذين يتقبلون الملاحظات دون اتخاذ موقف دفاعي.

تقديم التدريب. كما ذُكر أعلاه، يلتحق المزيد من الموظفين بالوظيفة دون أن يتمتعوا بوعي كبير حول قواعد مكان العمل المتعلقة بالسلوك المهني. وبالإضافة إلى ذلك، تُفيد شركة "غالوب" (Gallup) بأن حوالي 20% فقط من المدراء يتمتعون بمهارات إدارة الأفراد الأساسية. ولحسن الحظ، يمكن سد هذه الثغرة في المهارات الشخصية بوساطة التدريب في مجالات من قبيل إدارة الخلافات والتواصل الفاعل والذكاء العاطفي. وبهدف تطبيق التدريب، أدرِج تدريبات محددة كجزء من عملية إعداد الموظفين الجدد وقدّم دورات تدريبية كجزء من نتائج تقييم الأداء من أجل التطوير.

قد تؤدي أوجه الاختلاف في أسلوب العمل إلى حالات تشتت انتباه غير مرغوب فيها في المكتب. ومع ذلك، يمكن أن يكون مكان العمل أكثر راحة بالنسبة للجميع من خلال دعم ثقافة تقديم الملاحظات بشكل منتظم وإجراء محادثات جريئة وصريحة وتقديم التدريب.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي