كيف تجعل التعاطف محوراً للثقافة داخل شركتك؟

4 دقائق

في الكلمة الافتتاحية التي ألقاها تيم كوك، في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، عام 2017، حذّر الخريجين قائلاً "سيحاول البعض إقناعكم بضرورة إقصاء التعاطف عن مساركم المهني، فلا تقبلوا هذه الفرضية الخاطئة". هذا الإقرار بأهمية التعاطف - أي القدرة على فهم الآخرين ومشاركتهم مشاعرهم - في العمل والتأكيد عليه، لم يصدر عن الرئيس التنفيذي لشركة "آبل" وحده. ففي الفترة التي صرح فيها بهذا، قدمت 20% من جهات التوظيف بالولايات المتحدة تدريبات في التعاطف للمدراء. وفي استبيان أُجري مؤخراً مع 150 من الرؤساء التنفيذيين، اعترف أكثر من 80% منهم أن التعاطف هو مفتاح النجاح.

وتُظهر الأبحاث أن كوك والقادة الآخرين اكتشفوا شيئاً مهماً. إذ تتمتع أماكن العمل التي تسودها روح التعاطف بأقوى أشكال التعاون بين الموظفين، وقلة التوتر، وارتفاع الروح المعنوية، كما أن الموظفين في تلك الأماكن يتعافون من اللحظات العصيبة، مثل عمليات تسريح العمال، بشكل أسرع. ومع ذلك، ورغم الجهود المبذولة، يناضل قادة المؤسسات لإدخال مفهوم العناية بالموظفين ضمن الثقافة المؤسسية. وفي الحقيقة، غالباً ما توجد فجوة بين الثقافة التي يسعى إليها المدراء التنفيذيون وبين الثقافة القائمة لديهم بالفعل.

تخيل الشركة التي تتصف ثقافتها بالعِدائية والتنافس. يدرك الرئيس التنفيذي وزملاؤه أنهم لا يستطيعون مواصلة العمل على هذا النحو، لذلك يَشرع حثيثاً في تبني فكرة التعاطف باعتبارها قيمة أساسية جديدة للمؤسسة. إنها خطوة حسنة النية من الرئيس التنفيذي، ولكنه غيّر قواعد اللعبة، فصنع مسافة بين المُثُل العليا للمؤسسة - أي التوجيهات المتعلقة بالطريقة التي يجب أن يتصرف بها الموظفون - وبين معاييرها الاجتماعية الحالية، بمعنى الطريقة التي يتصرف بها أغلب أفراد مجموعة ما في واقع الأمر. ربما كان الرئيس التنفيذي يرجو من وراء هذا الأمر أن يضع الموظفين في حالة من الطموح المزاجي، ولكن البراهين توحي بنقيض ما كان يرمي إليه. عندما تصطدم المعايير والمُثُل، ينجذب الناس نحو ما يفعله الآخرون وليس نحو ما يُطلب منهم عمله. والأسوأ من ذلك أن الذين يتشبثون بتلك الثقافة ربما يشعرون بالخيانة أو يرون أن القيادة منافِقة ومنقطعة عنهم.

لحسن الحظ، توجد طريقة للعمل إلى جانب قوة الأعراف الاجتماعية بدلاً من العمل ضدها، ومن ثم تغيير الثقافات. وكما شرحتُ في كتابي "الحرب من أجل الشفقة" (The War for Kindness)، لا يتكيف الأشخاص مع سلوكيات الآخرين السيئة فحسب، بل يلتزمون أيضاً بالمعايير الطيبة المثمرة. على سبيل المثال، بعد رؤية الأشخاص يُدلون بأصواتهم، أو يُحافظون على الطاقة، أو يتبرعون للجمعيات الخيرية، فإنهم يفعلون ذلك على الأرجح من تلقاء أنفسهم. كذلك يُثبِت البحث الخاص الذي أجريته أن التعاطف مُعْدٍ: فالناس يُصيبون بعضهم البعض "بعدوى" الاهتمام والإيثار. وها هي ذي بعض الوسائل التي تمكّن القادة من استثمار هذه الرؤية لبناء روح التعاطف داخل مقار عملهم.

التسليم بإمكانية النمو. ربما تبدو روح التعاطف بعيدة المنال عندما يظن الناس أنها صفة فطرية خُلِق عليها الإنسان. فلماذا تزعج نفسك بمحاولة تعلم شيء لن يمكنك تعلمه؟ لقد وجدنا: أنا وكارول دويك وكارينا شومان، أن أولئك الذين يملكون هذه النوعية من "العقلية المتصلبة" حول التعاطف، لا يعملون بجِد للتواصل مع الآخرين. وإذا ما تغلغلت تلك المعتقدات في المؤسسة، فإن تشجيع روح التعاطف كقيمة جماعية سوف يفشل.

أما الخبر السار فهو أننا نستطيع تغيير عقلياتنا. وفي دراسة تابعة للبحث المذكور آنفاً، قدّمنا الدليل على أن روح التعاطف أقرب ما تكون من المهارة، وأبعد ما تكون عن الصفة الفطرية. فاستجابوا بالعمل الجاد في سبيل تحصيلها، حتى وإن لم تأت بشكل طبيعي. وبعبارة أخرى، إن أول خطوة نحو بناء روح التعاطف هي التسليم بإمكانية بنائها. وينبغي أن يبدأ القادة بتقييم عقلية موظفيهم، وتعليمهم أنه يمكنهم التقدم نحو مُثلهم العليا.

تسليط الضوء على المعايير الصحيحة. قلما تكون أعلى الأصوات هي أكثرها تعاطفاً، ولكنها عندما تنفرد بالحوار قد تستحوذ على عقولنا أيضاً. على سبيل المثال، يتباهى طلبة الكلية المستجدون باستثمار العطلة الأسبوعية في المبالغة في الاحتفال، وينتهي الأمر بأقرانهم إلى الاعتقاد بأن الطالب العادي يُحب الإفراط في تناول الطعام والشراب أكثر منهم بالتأكيد. وعندما يجهر أحد أفراد المجموعة بالتعبير عن فكرة ضارة مسمومة، فإن رأي الأغلبية يمكن أن يشوش على موقف زملائه. إن تلك "المعايير الوهمية" يمكنها أن تعرقل التغيير الإيجابي إذا امتثل الناس لها.

يستطيع القادة مقاومة المعايير الوهمية عن طريق جذب انتباه الناس إلى السلوكيات القويمة. ففي أي لحظة، تجد بعض الأفراد في المؤسسة يتصرفون بطريقة لطيفة، بينما لا يفعل الآخرون ذلك. وبعضهم يتعاونون في العمل، بينما الآخرون يتنافسون فيما بينهم. وتنتمي روح التعاطف غالباً إلى الأغلبية الهادئة. إن إبراز روح التعاطف من خلال الحوافز والاعتراف على سيبل المثال، يسمح للموظفين بملاحظة مدى انتشاره، ومن ثم الجهر بالمعايير الإيجابية.

العثور على قادة الثقافة ومشاركتهم الإبداع. إن أي جماعة، سواء كانت إحدى فرق الدوري الأميركي للمحترفين (NBA)، أو إدارة داخل شركة، أو دائرة شرطة، لديها أفراد يشجعون تماسك الفريق، رغم أنه ليس جزءاً من دورهم الرئيسي. ربما لا يكون هؤلاء الأفراد هم الأكثر شعبية أو قوة، إلا أنهم الأكثر تواصلاً مع الآخرين. فالمعلومات والأفكار والقيم تتدفق من خلالهم. إنهم أناس مجهولون، ولكنهم مؤثرون في مجموعاتهم.

في دراسة حديثة، استخدمت بيتسي ليفي بالوك وزملاؤها هذه الحكمة لتغيير الثقافة داخل المدارس المتوسطة. لقد انتدبوا بعض الطلاب لإنشاء حملات ضد التنمر التي انتشرت حينها في أنحاء الحرم المدرسي. كانت الوفود الطلابية تتفاوت في طريقة التواصل الاجتماعي. فوجدت ليفي بالوك أن حملات مكافحة التنمر التي يقودها الأقران كانت ناجحة، ولكنها كانت أكثر فعالية عندما كان يقودها الطلاب الأكثر تواصلاً مع الآخرين.

يستطيع القادة، من أجل بناء ثقافات التعاطف، البدء بتمييز الأشخاص الماهرين بالتواصل الاجتماعي، ثم توظيفهم للمساعدة في مناصرة القضية. إن هذا لا يزيد فقط من إمكانية التطبيق التي سوف "تحظى بها" المثل العليا الجديدة، بل يسمح أيضاً بالاعتراف بالموظفين للتواصل مع الآخرين، وفي الوقت نفسه إلقاء الضوء على أحد المعايير الاجتماعية الإيجابية الأخرى.

إن التعاطف يستحق تلك المنزلة الكبيرة التي يحظى بها، وإنه لمن الحكمة أن يَنشُدَه القادة لشركاتهم. ولكي ينجحوا في جعله جزءاً من الحمض النووي لمؤسساتهم، عليهم أن يعتنوا عناية شديدة بطريقة بناء الثقافات وطريقة تغييرها تدريجياً وبشكل جماعي من القاعدة إلى القمة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي