نعم، 99% من التعارف هو مضيعة لوقتك

4 دقيقة

تعتبر عملية بناء العلاقات الصحيحة مع الناس، أمراً أساسياً في قطاع الأعمال. وقد يكون من المبالغة القول إن العلاقات هي كل شيء، لكنها ليست مبالغة كبيرة. فالناس الذين نقضي وقتنا معهم هم من يقررون، وإلى حد كبير، الفرص المتاحة لنا. وكما قال لي ريتش سترومباك، رائد الأعمال والرأسمالي المغامر (الجريء)، خلال سلسلة من المقابلات التي أجريتها معه: "إن الفرص لا تكون عائمة مثل الغيوم السابحة في السماء. بل هي مرتبطة بالناس".

وإذا وصفنا سترومباك بأنه شخص بارع جداً وعظيم في التعارف، فإننا لا نفي الرجل حقه بهذا التوصيف. وكنت قد تعرّفت إليه سابقاً وجرى تقديمه لي بوصفه السيد دافوس (نسبة إلى المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يعقد سنوياً في مدينة دافوس السويسرية). وهناك أسباب وجيهة لإطلاق هذا اللقب عليه. لقد قضى السنوات العشر الماضية في حضور هذا المنتدى، والذي يعتبر القبلة التي يؤمها الناس للتعارف. وقد وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" بأنه "الخبير غير الرسمي بأروقة دافوس ومناسباته". ففي كل عام، يعرف سترومباك مكان انعقاد المناسبات المهمة، لأنه على صلة بالكثير من الناس الذين يزودونه بالمعلومات، بحيث يضمن أن يظل حاضراً في قلب مسرح الأحداث. ومع مرور الزمن، تحول ذلك الأمر إلى مجموعة من العلاقات السريالية. فعندما طُلِبَ من أمير شرق أوسطي الاجتماع مع بعض الرؤساء التنفيذيين لشركات مدرجة في قائمة "فورتشن 500" (Fortune 500)، تواصل مع سترومباك طالباً منه حضور الاجتماع ولعب دور الميسّر فيه؛ وعندما كان الفاتيكان يفاوض على إحدى معاهدات السلام، استعان بجهود سترومباك.

وهناك سبب آخر يدفع الناس إلى اللجوء إليه، هو الشعور بأنهم لا يحصلون على ما يكفي من القيمة في دافوس. يقول سترومباك: "هؤلاء الناس يسعون وراء الكثير، لكنهم لا يحصلون إلا على القليل" وهو يجد هذا المفهوم غير معقول. في رأيه: "المنتدى الاقتصادي العالمي هو أكبر التجمعات نفوذاً في العالم. فهو منتدى يجمع الأمم المتحدة، وقمة مجموعة العشرين، وقائمة فورتشن 500، وقائمة فوربس، وأصحاب الابتكارات المُزعزعة، والقادة الفكريون في مكان واحد".

يختلف معظم ما تعلمه سترومباك خلال العقد الذي قضاه في دافوس اختلافاً جذرياً مع النصائح المتعارف عليها عموماً بخصوص التعارف. وفيما يلي متقطفات من أحاديثي مع سترومباك بخصوص نصائحه التي تبدو مخالفة للحدس، وبوسعكم استعمالها في دافوس أو في أي مناسبة أخرى للتعارف:

لا تهتم كثيراً بالانطباع الأول الذي تتركه لدى الناس. "الجميع يخطئون في فهم هذه الناحية. فهم يحاولون الظهور بالمظهر الصحيح وقول الأشياء التي تبدو صحيحة، ولكن ينتهي بهم المطاف وقد ضاعوا في غياهب النسيان تماماً. أما أنا فأحاول أن أكون على سجيتي وطبيعتي. فأنا لا أرتدي البدلات أو أي شيء من هذا القبيل. ولا يهمّني الانطباع الأول، بل أفضّل أن أترك انطباعاً أولاً سيئاً، وأدع الناس يكتشفونني مع مرور الوقت، على أن أترك لديهم انطباعاً إيجابياً فورياً. والمثير للفضول في الأمر هو أن الأبحاث التي كنت قد قرأتها قبل بضع سنوات، تشير إلى أنك تبني مع مرور الوقت علاقة أمتن مع الشخص الذي لا يُعجب بك فوراً، مقارنة مع الشخص الذي تثير إعجابه من المرة الأولى".

%99 من مناسبات التعارف التي تحضرها هي مضيعة لوقتك. "99% من لقاء دافوس هو عبارة عن معلومات أو تجارب يمكنك الحصول عليها من أمكنة أخرى، وفي الوقت الذي تشاء وبطريقة مريحة أكثر. وعندما كنتُ أضع في عنقي البطاقة التعريفية البيضاء الرسمية التي تخوّلني الدخول إلى مركز المؤتمرات، وهو أمر لم أعد أفعله أصلاً، كان أصدقائي يسخرون منّي، لأنني لم أحضر أي جلسة من جلسات المنتدى قط. فالقيمة العظمى من هذا الحدث لا تتأتّى من حضور الجلسات. لكن القدرة على مقابلة هذا العدد الكبير من الناس وجهاً لوجه وإقامة علاقات مهمة جديدة معهم، أو تعزيز علاقاتك السابقة بهم، هو شيء لا تستطيع الحصول عليه خارج أروقة دافوس".

يجب أن تنام يومياً بين الرابعة والثامنة مساء. "أنا آخذ فترة قيلولة يومياً بين الرابعة والثامنة مساء. فهذا هو الوقت الأنسب لتعويض ما فاتني من نوم، لأكون بكامل لياقتي عندما تحين الفرصة المناسبة. فاللحظات المناسبة قد تأتي وأنت ترقص في ليلة حافلة، أو أثناء وجودك في حفل عشاء يُحيِى في مزرعة خاصة، فقط مجموعة مختارة بعناية من الناس مدعوة إليه. والحديث هناك قد يستمر حتى ساعات الصباح الأولى".

السر الحقيقي للنجاح في التعارف هو التوقف عن التعارف. "لا أحد يحب إجراء "محادثة بهدف التعارف"، وخاصة من يشغلون مناصب مرموقة في عالمي الأعمال والسياسة. بل هم يتعطشون إلى المحادثات الحقيقية والعلاقات الحقيقية. والحديث يجب أن يكون صادقاً وأصيلاً وخالياً من الرياء. وأنا لا أنظر إلى البطاقات التعريفية التي يعلقها الناس على صدورهم لأقرر ما إذا كانوا جديرين بوقتي أم لا. ففي دافوس هناك 3 آلاف شخص نافذ، ويجب أن يكون المرء انتقائياً، ولكن حقيقياً في الوقت ذاته، شريطة أن يركز انتباهه، وأن يكون مستعداً لكل الاحتمالات. ففي نهاية المطاف، أنا أذهب إلى المنطقة التي أعلم بأنني سأجد فيها ضالتي ومن ثم أنساق مع التيار وأقضي الوقت مع الناس الذين استمتع بصحبتهم".

لست مطالباً بالذهاب إلى الحفلات التي تضم الأسماء الكبيرة. "أمتلك شبكة عالمية واسعة وعميقة من العلاقات مع مجموعة كبيرة من الرؤساء التنفيذيين، رغم أنني لا أتناول معهم طعام العشاء وجهاً لوجه خلال 90% من الوقت. لكنك يجب أن تعرف أين سيكون الناس. فعلى سبيل المثال، في إحدى السنوات قلت لأحد الأشخاص: "لا تذهب إلى حفل بيل غيتس هذا العام". وعندما سألني عن السبب، قلت له: "لن يكون هناك أحد". ولمّا ذهب إلى الحفل، ذهل عندما اكتشف بأن توقعي كان في محله. ولكن كل ما في الأمر هو أنني كنت أعلم بأن الحفل يُقام في الزمان والمكان الخاطئين. وكل ما في المسألة أيضاً هو أن تفهم أين يجب أن تكون ومتى".

عِش في ديترويت (أو أي مكان آخر تحبّه) بقية العام. "معظم الناس الذين يركزون على بناء العلاقات على أرفع المستويات يعيشون في مدن مثل لندن ونيويورك والعاصمة واشنطن. وهم منغمسون في صميم الأحداث على مدار الساعة وعلى مدار أيام الأسبوع. أما أنا فأفضل أن أنأى بنفسي عن هذا المشهد في 90% من الوقت. فأنا أعيش في مرتفعات بلومفيلد، في منطقة ديترويت، ولا أمارس أي نشاط اجتماعي هناك. وأنا أحب ديترويت لأنه لا أحد يزورها، وليس هناك الكثير من الأشياء التي تشتت الانتباه فيها. وهذا الأمر يمنحني ملاذاً بحيث أقضى هذا الوقت الهام مع أفراد عائلتي. كما أن ابتعادي في 90% من الوقت عن تلك الحمى يقلل الكثير من الدراما في حياتي".

ووفقاً لسترومباك الذي يركز على الجوهر بحسب رأيه، فإن "99% من منتدى دافوس هو عبارة عن أشياء وتفاصيل تشتت انتباه المرء؛ ويجب عليك معرفة الأشياء التي ينبغي عليه تجنبها". وعندما سألته عن رأيه بفكرة أن معظم الناس لا يحبون التعارف لأنه يحتاج إلى وقت كبير وهو يشتت انتباههم عن "العمل الحقيقي" قال: "الإجابة تكمن في أن يحاول الإنسان أن يكون كفوءاً وأن يركز على الأشياء الجوهرية فعلاً". وهذه الفكرة تنسجم مع وجهة نظري الشخصية بالعالم: فكل شيء في الحياة تقريباً هو عبارة عن ضجيج عديم القيمة، وليس هناك سوى قلة صغيرة فقط من الأشياء التي تتمتع بقيمة استثنائية. وهذا الأمر يصح على التعارف بقدر ما يصح على كل مجال آخر تقريباً في الحياة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي