مجرد سماعك لتنبيه من هاتفك يضرّ بإنتاجيتك

6 دقيقة
تأثير الهاتف على الإنتاجية

نحن الآن على يقين علمي من أنه (وفي معظم الأوقات) لا يتعين علينا إنجاز العديد من المهام في وقت واحد، وأننا لسنا قادرين على فعل شيئين بإتقان في نفس الوقت، وأننا بحاجة إلى بعض الوقت للتركيز مرة أخرى عند الانتقال من مهمة إلى أخرى. هذا هو السبب الذي يجعلنا نضع جانب شاشة هواتفنا لأسفل وبعيداً عن متناول اليد قليلاً، عندما نريد التركيز على شيء ما أو نظهر لشخص ما أننا نولي اهتماماً، وذلك بسبب تأثير الهاتف على الإنتاجية، ولكن ما لم يكن هاتفك في وضعية صامتة بالكامل أو مغلقاً تماماً، فإنه سيظل على الأغلب يشتت انتباهك. وبالتالي، فإن الإشارات الصوتية المألوفة الصادرة عن الجهاز نتيجة للإشعارات الجديدة الواردة خالية من العيوب كما تبدو.

تأثير إشعارات الهاتف على إنتاجية أعمالنا

قد يبدو الأمر متوافقاً مع حدسنا. لكن العديد من الناس (بمن فيهم أنا شخصياً) قد لا يدركون مدى الفائدة التي قد يجنونها من تحويل الهاتف من وضعية "الرجّاج/الهزاز" إلى وضعية "الصامت". فقد كشف بحث جديد بعنوان "التأثيرات المترتبة من تلقي الإشعارات على الهاتف المحمول على انتباهنا"، بأن التنبيهات الصادرة عن الإشعارات الجديدة الواردة إلى هاتفنا يمكن أن تشتت انتباهنا، حتى لو لم نلتفت إلى الجهار لنرى ما هي طبيعة هذه الإشعارات. وقد توصلت الدراسة إلى أن مجرد إدراك المرء لوجود تنبيه يمكن أن يضر بأدائه لمهمة تحتاج إلى انتباه كبير.

اهتمام المؤلفين كاري ستوتهارت، وآينسلي ميتشوم، وكورتني يهنيرت من "جامعة فلوريدا"، بتأثير هذه الإشعارات جاء بعد أن لاحظوا بأنهم هم أنفسهم قد تعرّضوا إلى تشتت الانتباه بسببها.

اقرأ أيضاً: نصائح عن الإنتاجية للناس الذين يكرهون نصائح الإنتاجية

وكانت كاري ستوتهارت قد أخبرتني بما يلي: "إذا كنا نسوق السيارة وشعرنا باهتزاز الهاتف نتيجة استقبال مكالمة عليه، فإن ذلك يقودنا إلى التفكير في مصدر تلك المكالمة – وهوية المتصل وما هي الرسالة التي سنتلقاها".

وكان الباحثون هؤلاء يعلمون من الأدبيات المتعلقة بقيادة السيارة تحت تأثير المشوِّشات بأن الحديث على الهاتف يتسبب بعبء ذهني، الأمر الذي يعني بأنه يحتاج إلى قدر معين من الجهد الذهني والذاكرة العاملة. كما أن محاولة إنجاز عدة مهام في آنٍ معاً، على سبيل المثال، تفرض عبئاً ذهنياً ثقيلاً وتضر بإنجاز مهمة معينة، لأن مواردنا الذهنية محدودة وهي يجب أن تُخصص لإتمام مهام دقيقة. وهذا هو السبب الذي يفرض عليك ألا تتحدث على الهاتف أو تكتب رسالة نصية أثناء القيادة، وهو نفس السبب الذي يدفع العديد من الحملات إلى حثّ السائقات والسائقين على الانتظار إلى ما بعد ترك عجلة القيادة للرد على المتصلين والرسائل.

هذا الأمر قاد المؤلفين إلى الاعتقاد بأن التنبيه أو الإشعار يمكن أن يتسبب أيضاً بعبء ذهني، لأن التنبيهات الصوتية قد تجعلك تتساءل عن محتوى الرسالة أو مصدرها. لذلك، حتى لو أجلت التجاوب معها إلى ما بعد الانتهاء من الأمر الذي تعمل عليه الآن، فمجرد إدراكك لوجود شيء معين ينتظرك لاحقاً قد يكون عنصراً كافياً لتشويشك أو جعل أدائك أسوأ بالمقارنة مع لو أنك لم تتسلم الإشعار.

في عام 2013، استعان الباحثون بطلاب من "جامعة فلوريدا" بلغ عددهم 212 طالباً ليشاركوا في تجربة. وكان الطلاب يأتون إلى مخابرهم، ويقدمون أرقام هواتفهم وعناوين بريدهم الإلكتروني، وغير ذلك من المعلومات، ثم يدخلون في تجربة تعتمد على إنجاز مهمة تتطلب إيلاء اهتمام مستدام للتجاوب مع التعليمات المطلوبة. وكان الهدف من التجربة هو قياس الاهتمام المستدام، أي القدرة على التركيز على مهمة واحدة دون شرود الذهن إلى أمر آخر أو التفكير في شيء مختلف. وقد اقتضت المهمة من الطلاب الضغط على زر في أي وقت يظهر فيه رقم على شاشة الكمبيوتر، ما لم يكن هذا الرقم هو "3". وقد استمروا في فعل ذلك لمدة 10 دقائق – وكان هذا هو "الجزء" الأول من المهمة التي شكّلت للباحثين مقياساً على الأداء الأساسي للمشاركين – بعد ذلك كان المشاركون يُمنحون استراحة مدتها دقيقة واحدة. وفي هذه الأثناء، كان الكمبيوتر قد وزع كل مشارك منهم عشوائياً على واحدة من 3 مجموعات. وهكذا بعد الاستراحة، بدأ ثلث المشاركين بتلقي رسائل نصية في أثناء أدائهم للتجربة للمرة الثانية (الجزء الثاني)، في حين تلقى ثلثهم الثاني اتصالات هاتفية، أما أفراد الثلث المتبقي، وهم ما يسمى بالمجموعة الضابطة في التجربة، فلم يتلقوا أي شيء.

اقرأ أيضاً: ماذا تفعل للحفاظ على إنتاجية فريقك في حالات عدم اليقين؟

أكمل المشاركون التجربة بشكل فردي، أي أن كل واحد منهم كان ينجزها لوحده مع وجود مراقب واحد في الغرفة ليلاحظ ما إذا كان أي منهم قد أخرج هاتفه أم لا. وبما أن اهتمام الباحثين اقتصر على دراسة تأثير "معرفة" الناس لتلقيهم الإشعار على أدائهم، فقد استبعدوا الأشخاص الذين تجاوبوا مع هاتفهم من التحليل. ولم يكن المراقب يعلم مسبقاً من هم الناس الذين سيحصلون على الإشعارات، بما أن هذه الإشعارات كانت صادرة عشوائياً عن جهاز كمبيوتر.

لم يكن أحد قد أخبر الطلاب بضرورة ترك هواتفهم بالخارج، أو عدم وضع الهاتف على وضعية صامتة أو أي شيء، لكنهم سُئلوا لاحقاً عما إذا كانوا قد سمعوا الإشعار لدى وروده أو أحسوا بوروده. وقد قالت ستوتهارت بأن تقسيم الناس إلى هذه المجموعات عشوائياً جعل الباحثين يفترضون بأن عدداً متكافئاً من الناس تقريباً إما كانوا يحملون هواتفهم المحمولة، أو لم تكن هواتفهم المحمولة بحوزتهم، أو كانت معهم في وضعية صامتة – لذلك كان الباحثون يشعرون بالثقة عند النظر إلى الفروق الأساسية في الأداء بين المجموعات.

وقد قاسوا الأداء من خلال احتساب عدد الأخطاء المرتكبة في الضغط على الزر (أي في الحالات التي ضغط فيها الشخص على الزر عند ظهور الرقم "3" ولم يكن من المفترض أن يضغط عليه) خلال الجزأين الأول والثاني من التجربة، وضمن المجموعات المختلفة. ويعتبر هذا النوع من الأخطاء كناية عن زلّة في الأداء – لنفترض، على سبيل المثال، أنك تكتب رسالة إلكترونية إلى زميلك تشرح فيها الخطوات التالية في مشروع معين، وطبعت كلمة "بيتزا" بالصدفة عوضاً عن كلمة "الخطط" لأنك فجأة أخذت تفكر في وجبة الغداء. هذه واحدة من الزلّات في الأداء. ووفقاً لستوتهارت، عندما قارن الباحثون الجزء الأول من التجربة مع الجزء الثاني، وجدوا أن احتمال ارتكاب الخطأ قد ازداد بنسبة 28% في المجموعة التي تلقت الاتصالات الهاتفية. أما بالنسبة للمجموعة التي تلقت رسائل نصية، فقد زادت نسبة الأخطاء التي ارتكبتها 23% مقارنة مع النصف الأول من التجربة. أما المجموعة التي لم تتلقَّ أي إشعارات فقد ارتكبت أخطاء إضافية بنسبة 7% فقط. وبحسب ستوتهارت، فإن "هذه الأخطاء تنجم عن الإجهاد من إنجاز المهمة فقط. إذا كنت تواصل إنجاز هذه المهمة المتعبة لفترة طويلة من الزمن، فإن أداءك يتراجع بغض النظر عما إذا كنت تتلقى إشعارات أم لا".

اقرأ أيضاً: استراتيجية تساعد فريقك على إنجاز ما هو أكثر من الوفاء بالمواعيد النهائية للمهام

فهل كانت هذه النتائج ذات دلالة إحصائية؟ الإجابة المختصرة هي نعم. أما إذا أردنا تقديم إجابة أطول فنقول بأنه عندما درس الباحثون العلاقة بين الجزء الأول أو الثاني من المهمة والمجموعة، فقد اكتشفوا بأن تغيّر النسبة بين جزئي المهمة كان أكبر في حالة المشاركين الذين تلقوا الإشعارات، مقارنة مع من لم يتلقوها، وقد كان هذا الأمر ذا دلالة إحصائية عند مستوى 0.05. بيد أنهم لم يعثروا على أي فرق كبير في الأخطاء بين من تلقوا مكالمات هاتفية ومن تلقوا رسائل نصية.

إذاً، مجرد وجود هاتفك بالقرب منك يمكن أن يشتت انتباهك ويؤثر سلباً على أدائك في العمل. وهذا التشتت الناجم عن مجرد تلقي الإشعارات يمكن أن يكون مشابهاً تماماً لحالة تجاوبك مع هاتفك. أما بالنسبة لحجم هذا التأثير، فقد قالت ستوتهارت بأن نتائجهم كانت متوافقة مع ما تنص عليه الأدبيات المتعلقة بقيادة السيارة تحت تأثير المشوِّشات، والتي درست التأثيرات الناجمة عن كتابة رسائل نصية أو الحديث على الهاتف (أي التفاعل مع الهاتف) أثناء القيادة. لكن الشيء الذي لم يكونوا قادرين على تحديده بدقة هو السبب الفعلي الكامن وراء هذا التشتت.

"نعتقد بأن الآلية الكامنة وراء التشتت الناجم عن معرفة الإنسان بتلقيه لإشعار معين تتمثل في الشرود الذهني، لكننا لم ندرس هذا الأمر فعلياً في بحثنا". هذا ما قالته ستوتهارت التي أضافت: "قد تكون ذاكرتك المستقبلية (أي تذكر الأشياء التي يجب عليك إنجازها مستقبلاً)، أو معرفتك بالحاجة إلى فعل شيء في المستقبل، هي فقط ما يؤثر على أدائك. لذلك، فإن الخطوة التالية بالنسبة لنا هي أن نفكك تلك العقدة – أي أن نقرر فعلياً ما إذا كانت الآلية الكامنة وراء هذا التأثير الذي توصلنا إليه هي الشرود الذهني أم شيء آخر".

التشتت الرقمي

بغض النظر عن الأسباب، إذا أردت أن توفر على نفسك عناء التشتت الذهني، وأن تكون قادراً على إنجاز مهمة معينة على أكمل وجه، فإن الباحثين يقولون بأنك لن تتضرر فيما لو أبقيت هاتفك في وضعية صامتة، أو أخفيته بحيث لا يمكنك سماع الإشعارات، أو الإحساس بها، أو رؤيتها. وقد لا يكون هذا الأمر مفاجئاً جداً. لكن التشتت الرقمي بات يوصف بأنه "المشكلة الحاسمة في مكان العمل اليوم"، وهواتفنا تقع في صميم ذلك. وعلى الرغم من أن الانتشار الواسع النطاق للهاتف الذكي لا يزال في بداياته، فإن الأبحاث المخصصة لفهم تأثيراته قد قطعت أشواطاً بعيدة. فأنت بوسعك أن تقرأ حول الكيفية التي تدمر بها الهواتف إنتاجيتنا، وكيف أن مجرد وجودها هو مصدر إلهاء لنا، أو حتى كيف بات الناس يتخيّلون بأن هاتفهم يهتز أو يرن في الوقت الذي يكون الهاتف فيه صامتاً وخاملاً تماماً.

ومع بدء تلقينا للمزيد والمزيد من الإشعارات (وهذا هو الشيء الكبير القادم إلينا في نهاية المطاف)، يتعيّن علينا أن نكون واعين للتأثيرات التي تتركها النغمات والرنّات المتكررة الصادرة عن أجهزتنا على قدرتنا على التركيز في العمل، وأن نضبط تأثير الهاتف على الإنتاجية في بيئة العمل.

اقرأ أيضاً: كيف يمكنك تعزيز إنتاجية فريقك؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي