من الصعوبة بمكان أن تمارس مهامك الإدارية عندما تنشغل أذهان موظفيك بمتابعة الأخبار، مثلما حدث خلال الأسبوع الذي شهد انتخابات الرئاسة الأميركية خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
في عام 2020، تأخر الإعلان عن نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية أياماً عدة، تقول ليز عن هذه الفترة إن الكثير من أعضاء فريقها قالوا إنهم يعانون الأرق ليلاً فضلاً عن عدم القدرة على التركيز في عملهم. وكانت مولي تعمل في شركة استشارات بمجال التواصل المؤسسي تضم العديد من الموظفين المنخرطين في العمل السياسي، وقد عملتْ مع الفريق القيادي لتدريب المدراء على أساليب دعم الموظفين خلال ذلك الأسبوع، بغض النظر عن النتيجة؛ لكن مولي وأعضاء الفريق القيادي أنفسهم وجدوا صعوبة في التركيز على العمل خلال ذلك الأسبوع.
يتبنى المدراء الأكفاء أسلوباً قيادياً أكثر مرونة ومراعاة للمشاعر في البيئات المشحونة بالانفعالات العاطفية التي تزداد فيها حدة القلق. وإليك 5 استراتيجيات محدَّدة بوسع القادة الذين يتمتعون بالذكاء العاطفي استخدامها لمساعدة فرقهم على التعامل مع التقلبات العاطفية الناجمة عن متابعة أخبار الأحداث المثيرة للقلق التي تؤدي إلى تشتت انتباه الموظفين.
تجنّب المسارعة لتصحيح الوضع بدافع القلق
عندما تكون الأخبار مثيرة للقلق على المدير أن يضمن ألا يصبح العمل مصدر قلق إضافياً؛ ففي كثير من الأحيان، لا يتريث المدير القلِق بل يندفع إلى اتخاذ إجراءات للتعامل مع الموقف فيغمر مرؤوسيه بالرسائل ويتدخل فجأة في تفاصيل مسارات العمل الحالية كافة.
عندما نشعر بأن المستقبل غير واضح المعالم، فمن المرجح أن نفرط في حمل المهام والمسؤوليات أو اختلاقها. تنبع هذه المحاولات غير الصحية من رغبتنا في الشعور بأننا أكثر سيطرة على الموقف، لكنها تؤدي في الحقيقة إلى ازدياد إحساسنا بالإعياء والتوتر. يطلق علماء النفس على هذا السلوك "التصحيح السريع بدافع القلق" (Anxious Fixing)، وهو سلوك يحيل حياة الموظفين إلى جحيم لا يُطاق في حين أنهم يحتاجون إلى الطمأنينة والاستقرار، كما أن إغراق موظفيك بالرسائل الإلكترونية أو غيرها من أساليب التراسل يزيد من احتمالية سوء التفاهم؛ إذ يقول 64% من الموظفين إنهم يهدرون جانباً كبيراً من الوقت في محاولة تفسير الرسائل المكتوبة الواردة من الزملاء بضع مرات على الأقل في الشهر، إن لم يكن أكثر (يومياً).
تبدأ أولى خطوات نجاح القائد في التعامل مع الغموض بمقاومة اندفاعه التلقائي للهروب من المواقف المزعجة، وبدلاً من الانهماك في العمل من أجل مداراة قلقه، عليه أن يتوقف ويعترف به ويتقبله.
قدِّم تحديثات لا تحتوي على معلومات جديدة
عندما تزداد حدة القلق، تكثُر الإشاعات. ولتجنب إدخال فريقك في دوامة غير ضرورية من القلق، تحلّ بالشفافية قدر الإمكان حتى لو اضطُررت إلى إخبارهم بأنك لا تمتلك أي معلومات جديدة لمشاركتها. من المتوقَّع أن يتعطّل العمل على بعض المشاريع خلال الانتخابات، مثلاً، وقد تضطر إلى الانتظار فترة أطول من المعتاد لتلقي ردود على أسئلتك. أخبر فريقك بذلك.
على سبيل المثال، لنفترض أنك تقود فريقاً يعمل على مشروع داخل الشركة ويضم زملاء من عدة أقسام، حيث تتولى مسؤولية إجراء استقصاء داخلي للحصول على الملاحظات، ووعدت الفريق بأنك ستقدم إليهم بيانات الاستقصاء لتزويدهم بالمعلومات اللازمة حول الاتجاه الذي يجب اتخاذه. وصادف أن دولتك تشهد انتخابات عامة هذا الأسبوع، وبالتالي كانت أذهان الموظفين مشغولة بنتائج الانتخابات في حين يُفترض بهم ملء بيانات الاستقصاء. بدلاً من التكتُّم على دواعي هذا الظرف، أبلغ فريقك بسبب عدم إجراء الاستقصاء والموعد الذي تتوقع استكماله فيه.
ما لم تشعر بأنك تبالغ في التواصل أو تكرر ما تقوله، فهذا يعني على الأرجح أنك مقصِّر في التواصل. لا تحاول بالتأكيد إمطار فريقك برسائل أو أسئلة غير ضرورية، لكن اسأل نفسك قبل اجتماعات الفريق والاجتماعات الثنائية: "ما الذي لم أقله؟ هل ثمة أمور مُعلَّقة ينتظر الموظفون دواباً لها، وهل توصلت إلى هذا الجواب؟" ثم فكّر في جوابك وفي فائدة مشاركة أي جزء منه مع فريقك.
ساعد الموظفين على الشعور بالاستقرار من خلال توفير مسار واضح لما يجب فعله في المرحلة الحالية
تؤدي التوجيهات الواضحة بشأن الأولويات إلى الحد من الارتباك وتساعد فريقك على مواصلة التقدم؛ فإذا كان الجميع يعرفون أن عليهم إنجاز أمرين أو ثلاثة أمور محددة خلال أسبوع الانتخابات العامة، مثلاً، فسوف يعملون غالباً على الأمور المهمة. لكن إذا لم تقدم مساراً واضحاً لما يجب فعله في المرحلة الحالية، فسيشعر الموظفون بالتوتر وسيعطون الأولوية غالباً للمهام غير المُلحة وغير المهمة، مثل الرد على الرسائل أو تنظيم الرسائل الإلكترونية وحذف الرسائل غير المهمة أو الاكتفاء بمطالعة آخر الأخبار. يتمثّل هدفك هنا في منع إهدار طاقة الموظفين وتركيزهم غير المتاحَين لديهم بوفرة أصلاً، لذلك ينبغي أن تسهل على أعضاء فريقك التركيز على المهام ذات الأولوية.
يؤدي توفير مسار واضح لما يجب فعله في المرحلة الحالية أيضاً إلى إدراك الموظفين بسهولة لدورهم في تحقيق الأهداف العامة، ما يمنحهم الشعور بالأمان في وظائفهم. على سبيل المثال، يمكنك أن تقول لأعضاء فريقك: "أعلم أن الأخبار تشتت انتباهكم حالياً. وتنصبُّ الأولوية القصوى لفريقنا على مساعدة قسم المبيعات في إتمام 10 صفقات جديدة خلال هذا الربع. وأفضل طريقة يمكننا من خلالها إحراز تقدم نحو تحقيق هذا الهدف على مدار الأيام القليلة المقبلة هي التركيز على ضمان حضور عدد كافٍ من المشاركين إلى اجتماع الطاولة المستديرة للمسؤولين التنفيذيين في شهر نوفمبر/تشرين الثاني وسيره بسلاسة". إحراز التقدم وسيلة فعالة للحد من القلق والحيلولة دون شعور الموظفين بالضياع وسط الفوضى.
تابع الأخبار كل صباح كي تهيئ نفسك سلفاً لمشاعر أفراد فريقك
يتأثر قطاع عملك وصحة أعضاء فريقك النفسية بدرجة كبيرة بالتغيُّرات الكبيرة في أعداد الأصوات والتحولات السياسية والحروب العالمية والظروف الاقتصادية. وحينما تحرص على الاطلاع على ما يجري من حولك، يمكنك توقع الأوقات التي سيأتي فيها أفراد فريقك إلى العمل مشتتي الانتباه، وكُن مستعداً لمعالجة أي مخاوف أو الإجابة عن أي أسئلة قد يطرحونها، فكِّر أيضاً في تخفيف أعباء العمل عنهم وتقديم الدعم في الاجتماعات الثنائية والإفصاح عن مشاعرك الشخصية في اجتماع الفريق.
على سبيل المثال، اغتنم اجتماع فريقك الأسبوعي للتعبير عن قلقك بشأن الانتخابات المرتقبة:
تابعت استطلاعات الرأي من كثب، وشأني شأن الكثيرين منكم أشعر أيضاً بالتشتت هذا الأسبوع. إذا أراد أحدكم مناقشة مشاعره، فقد خصصت بعض الوقت في اجتماعاتنا الثنائية هذا الأسبوع لهذا الغرض. أعلم أنه سيكون من الصعب عليّ التركيز بالقدر المعتاد اليوم، لذلك أعتزم تنحية هاتفي جانباً وقضاء هذا الصباح في العمل على تقرير الماليات باعتباره أولويتي القصوى.
من المفيد أيضاً أن تُطلِع قسم الموارد البشرية على ما يجري خلال هذا الوقت كي تعرف الموارد المتاحة على مستوى المؤسسة والتي يمكنك توجيه الموظفين إلى الاستعانة بها، مثل دعم الصحة النفسية أو مجموعات موارد الموظفين (ERGs) التي توفر حيّزاً آمناً للموظفين لمشاركة الخبرات والنصائح.
خطِّط لخفض الإنتاجية
اتبع الخطوات المذكورة أعلاه، لكن عليك أن تدرك أن تشتت انتباه أعضاء فريقك وتوترهم لن يؤدي إلى وصولهم إلى أفضل مستويات الأداء على كل حال، واعلم أن قدرتهم على التركيز ستكون أقل من المعتاد، لذا عليك أن تعدّل توقعاتك وفقاً لذلك. إذا لم يخطط مديرك سلفاً للأسبوع الذي سيشهد حدثاً استثنائياً، مثل إجراء انتخابات عامة، فيجدر بك مفاتحته في الموضوع من خلال طرح السؤال التالي عليه: "هل سنغير خططنا بسبب التشتت الذي سيؤدي حتماً إلى تعطيل العمل خلال أسبوع الانتخابات؟" ومن الأفضل أن تتقبّل الزعزعة المترتبة على الأحداث الاستثنائية وتخطِّط لتلافي تداعياتها.
عند تنفيذ هذه الاستراتيجيات الخمس، احرص على التسامح مع أعضاء فريقك، ومع نفسك أيضاً، وبذلك ستتجنب تحميلهم وتحميل نفسك مزيداً من الضغوط خلال الفترات المشحونة بالتوتر العاطفي أصلاً.