إذا كان قد سبق لك أن التقطت منتجاً ولاحظت كيف يبدو بين يديك، فأنت تدرك قوة التسويق الحسي. والشركات المصنعة تفهم ما هو التسويق الحسي أيضاً، وهذا هو السبب الذي جعل من المعلومات اللمسية لمحيط زجاجة "كوكا كولا" الشهيرة أو للعبوات المصنوعة من الخيش الخاصة بالصابون من ماركة "مارفا" (Marfa) معلومات فريدة لا تُنسى. علاوةً على ذلك، فقد أدخلت بعض الشركات المصنعة أيضاً عنصر الرائحة، كما هو الحال في عبوة "الخدش والشم" من شركتي "غليد" (Glade) و"تايد" (Tide)، واعتمد آخرون على اللون، كالعلامة التجارية بنية اللون لشركة "يو بي إس" (UPS)، أو الأزرق الفاتح المائل إلى الأخضر المعتمد لدى شركة "تيفاني آند كو" (Tiffany & Co).
المعلومات الحسية والعلامات التجارية
في جميع تلك الأمثلة، تعني المعلومات الحسية للعلامة التجارية شيئاً ما للمستهلك، فبالنسبة للعديد من العلامات التجارية يخلق المزج بين الرؤية واللمس والصوت والشم والذوق صورة العلامة التجارية أو شخصيتها ويحافظ عليها في ذهن المستهلك. فقد تبعث بعض التركيبات الإثارة في ذهن المستهلك، وهنا يتبادر إلى الذهن علامة "نايكي سووش" (Nike swoosh) واسعة الانتشار، في حين يركز الآخرون على الصدق، كما في الطراز الذي يصلح لكل زمان المتبع في شركة "إل إل بين" (L.L. Bean). وكثيراً ما تتطور هذه التصورات الخاصة بالزبون لتصبح معرفة مشتركة. على سبيل المثال، يعلم الجميع أن ألواح شركة "لونا" (Luna)، الغذائية موجهة إلى النساء.
ولكن تعمل العلامات التجارية على اختبار المعلومات الحسية بطرق قد لا يتوقعها المستهلكون. ففي المملكة المتحدة، أدارت شركة "ماكين فودز" (McCain Foods)، حملة أطلقت فيها رائحة البطاطس المخبوزة في محطات الحافلات. وفي كوريا الجنوبية، استخدمت "دانكن دونتس" (Dunkin Donuts) مِرشَّاً لنشر رائحة القهوة، كلما أطلقت الحافلات المحلية اللحن الخاص بالشركة. وذلك بزعم أن هذه الأساليب تُستخدم لإثارة الدهشة وجذب المستهلك في سياق لا يرتبط عادةً بمثل هذه الروائح. كما ادعت "دانكن دونتس" (Dunkin Donuts)، أنها لاحظت زيادة تقدر بـ 29% في المبيعات خلال تلك التجربة.
ومع ذلك، لن يستقبل الزبائن دائماً مثل هذه الأساليب بإيجابية بالنسبة لجميع العلامات التجارية وفي جميع المواقف. إذاً، كيف لنا أن نعرف متى سيتقبل الجمهور المواقف التي تتضمن معلومات حسية عن العلامة التجارية، ومتى سيرفضها؟
هناك القليل من الأبحاث التي تجيب عن هذا السؤال، لذا بدأنا في سبر هذه الفكرة، ولقد كوّنا نظرية تفيد بأن المستهلكين يربطون بديهياً أسلوب التغليف والتعبئة المعتمد لدى العلامة التجارية إضافة إلى أساليب التسويق بتصوراتهم المسبقة الواسعة النطاق حول شخصية العلامة التجارية.
كما أجرينا أربع دراسات (ثلاث منها ميدانية) قدمنا فيها للناس منتجات مغلفة بطريقتين إحداهما يتوافق فيها الملمس مع المظهر؛ أما الطريقة الثانية فيبدو فيها المنتج بصورة مخالفة لحقيقة ملمسه. وعلى العموم، وجدنا أن الناس كانوا يميلون إلى تفضيل العلامات التجارية الصادقة مثل "كوكا كولا، فورد، هول مارك"، عندما بدا ملمس تغليف العلامة التجارية ومظهرها أو الملحقات الترويجية الخاصة بها متسقاً. وفي المقابل، اتجه الناس إلى تفضيل العلامات التجارية المثيرة "ماونتن ديو، بي إم دبليو، بيبسي" عندما كان ملمس تغليف العلامة التجارية ومظهرها أو الملحقات الترويجية الخاصة بها غير متسق.
وبالفعل، كشفت دراساتنا الأولية أن المستهلكين عاقبوا فعلياً العلامات التجارية الصادقة، من خلال التعبير عن رغبة أقل في شراء المنتج، حتى في الحالات التي كشف فيها الأسلوب الحسي عن نوعية ممتازة (على سبيل المثال، عندما بدت المادة المستخدمة في تعبئة المنتج وتغليفه أو الملحقات الترويجية من البلاستيك بينما كانت في الواقع من المعدن). بينما كافأ المستهلكون العلامات التجارية المثيرة من خلال التعبير عن رغبة أكبر في شراء المنتج، حتى في الحالات التي كشف فيها الأسلوب الحسي عن نوعية متدنية (على سبيل المثال، كانت المادة المستخدمة في تعبئة المنتج وتغليفه أو الأساليب الترويجية تبدو من المعدن، لكنها في الواقع كانت من البلاستيك).
وبدورنا أردنا أن نتبين السبب الكامن وراء ذلك التصرف. لذا قمنا بتوسيع البحث، واكتشفنا أن تلك الظاهرة كانت مرافقة حصراً لأساليب التسويق الحسي، فهي لم تحدث عندما تم تغيير المواد المستخدمة فعلياً في الإنتاج دون المساس بمفهوم المنتج الأساسي.
أما في دراستنا الأخيرة، فقد اختبرنا أفضل الشركات المصنعة للهواتف الذكية، ووجدنا أنه كان يُنظَر لشركة آبل على أنها الشركة الأكثر إثارة، في حين اُعتبرت "نوكيا" الشركة الأكثر صدقاً. لذا صنعنا هاتفاً ذكياً جديداً يجمع بين عناصر كل من هاتف "أبل آيفون 6"، وهاتف "نوكيا لوميا 925" (المتشابهين جداً من ناحية التصميم). ثم بدأنا التسويق لهذا الهاتف الجديد على أنه أحد منتجات شركة آبل تارة، أو أنه أحد منتجات شركة نوكيا تارة أخرى، وذلك باستخدام شعار إحدى العلامتين التجاريتين في كل تارة. وبعد ذلك تواصلنا مع المستهلكين في المركز التجاري، وطلبنا منهم تجربة ذلك المنتج كجزء من الحملة الترويجية.
تصميم الهواتف
لقد تم تصميم الهاتف ليبدو مصنوعاً من البلاستيك. لكن عندما لمس المستهلكون الهاتف الجديد، ظهر لهم أنه مصنوع إما من المعدن أو الألياف الكرتونية، أو البلاستيك (حسبما كانوا يتوقعون). ثم طبّقنا الإجراءات السابقة نفسها على الغلاف الواقي المضاد للصدمات باعتباره قطعة ترويجية، وعرضنا ذلك الغلاف على المستهلكين كجزء من الحافز المقدم للتشجيع على شراء الهاتف. وبذلك ضمنا أن المستهلكين سيلمسون الغلاف الواقي أيضاً، كما أنهم سيتبينون فيما إذا كان متوافقاً مع توقعاتهم أم لا.
ووجدنا أنه عندما كان الهاتف يبدو من ناحية المظهر والملمس متوافقاً مع توقعات المستهلكين (أي كان من البلاستيك)، انصرف المستهلكون للتركيز على ما إذا كان الأسلوب الترويجي يتوافق مع تصوراتهم المسبقة للعلامة التجارية. ففي حالة شركة آبل (علامتنا التجارية المثيرة)، ازدادت رغبة المستهلكين بالهاتف عندما خالف الغلاف الواقي الترويجي توقعاتهم الحسية (أي عندما كانوا يفترضون أنه مصنوع من البلاستيك ولكن تبين لهم أنه مصنوع من المعدن أو الكرتون، على الرغم من اعتبار الكرتون أقل جودة). أما في حالة نوكيا (علامتنا التجارية الصادقة)، فقد ازدادت رغبة المستهلكين بالهاتف عندما توافق الأسلوب الترويجي مع توقعاتهم بالضبط، وهي أن (الغلاف الواقي مصنوع من البلاستيك)، على الرغم من اعتبار الغلاف الواقي المعدني أقل جودة.
وعندما كان الهاتف مصنوعاً من المعدن أو الكرتون أو البلاستيك، لم يطابق المستهلكون تلك المواد بالعلامة التجارية. فقد أعجبوا بديهياً بالطبقة النهائية المصنوعة من المعدن (ذات النوعية الأفضل)، إضافة إلى الطبقة النهائية المصنوعة من الكرتون (ذات النوعية المتدنية)، بغض النظر عما إذا كانوا يحملون جهازاً يحمل العلامة التجارية لشركة آبل أو لشركة نوكيا، كما أنهم أبدوا اهتماماً أكبر بكيفية تأثير المواد على القدرة الوظيفية للمنتج. فيبدو أن المستهلكين أبدوا اهتماماً أكبر بصحة هذا الأسلوب من عدمه، فقط عندما كان ينظر إلى التسويق الحسي على أنه أسلوب متبع من جانب العلامة التجارية، وليس على أنه تغيير في شروط التصنيع، وذلك في ضوء معرفتهم السابقة بالعلامة التجارية.
وهذا يشير إلى أن الشركات التي تمتلك تصوراً عاماً عنها بأنها مصدر للإثارة والابتكار مثل آبل، تتمتع بقدر أكبر من الحرية في اللعب بالأساليب التي تفاجئ المستهلك وتجذبه. وفي المقابل، فالشركات التي تمتلك تصوراً عاماً عنها بالاتساق والاعتمادية مثل نوكيا، فقد تقايض هذه التصورات مباشرة بمثل تلك الأساليب.
حيث يقدم بحثنا أول الأدلة التي تؤكد أن تفضيل المستهلك قد يتغير فعلياً من خلال أساليب التسويق الحسي. وفي الوقت ذاته، تعتمد فعَّالية الأسلوب إلى حد كبير على شخصية العلامة التجارية. ما يشير إلى أنه ينبغي للمسوقين ألا يتخذوا موقفاً موحداً من التسويق الحسي على امتداد مجموعة متنوعة من خطوط المنتجات، بل يجب أن يُنظر إلى كل منتج من الناحية الاستراتيجية لتحديد موقعه في السوق. كما يجب ألا يقع المسوقون في الاعتقاد السائد أن على أساليب التسويق الحسي إثارة الدهشة دائماً.
فلكي يثير الغلاف الوصف المناسب، يجب أن يتم تصميمه بطريقة متعمدة. ومع الأخذ بالحسبان سبل انتقال الابتكار في التعبئة والتغليف إلى المستهلك في إطار المخطط الشامل لشخصية علامتك التجارية المتصورة. وقبل كل شيء، تذكر أنه عليك صياغة التصميم وفقاً لخطوات التسويق الحسي. وفي النهاية عليك استخدم الإمكانات المشتركة للرؤية واللمس والصوت والذوق والشم، لتقديم منتجك بطريقة تعزز صورة علامتك التجارية ولا تخل بها.