كيف يمكن للعلامات التجارية التميّز في عصر التسوق عبر المساعدات الصوتية الذكية؟

6 دقائق

أحدثت شبكة الإنترنت نقلة نوعية في تجارب التسوق وقطاع تجارة التجزئة بصورة عامة، ومن المتوقع أن تجسد تكنولوجيا المساعدات الصوتية الذكية ثورة جديدة في هذا السياق أيضاً. فمع ميل مزيد من المستهلكين للتسوق عبرالمساعدات الصوتية الذكية مثل "سيري" (Siri) و"أليكسا" (Alexa)، سيزداد طلبهم على المنتجات العامة، ابتداء من مستلزمات الحياة اليومية مثل البطاريات وصولاً إلى عمليات الشراء الأكثر تعقيداً كالأجهزة الإلكترونية وغيرها. وستقوم هذه المساعدات الرقمية باستخدام خوارزميات محددة لمقارنة مواصفات المنتجات وتقديم الاقتراحات، وهذا بدوره يساعد المستهلكين على إيجاد ما يلائم طلبهم مثل "البطاريات الأطول عمراً" أو "كيس الطحين الأرخص ثمناً".

وفي حال أصبحت المساعدات الرقمية قادرة على تقديم اقتراحات موثوق بها مصدراً هاماً للمبيعات، وهو ما يرجّح الخبراء حدوثه، فستؤدي إلى انخفاض مستوى مبيعات منتجات العلامات التجارية باستثناء تلك التي تتمتع بمكانة راسخة في السوق. وبالتالي، ستحتدم مستويات المنافسة في ظل اختيار المستهلكين بين واحد أو اثنين من المنتجات المقترحة من قبل المساعد الرقمي، والتي غالباً ما تعود إحداها للعلامة التجارية التي يتبع لها المساعد الرقمي نفسه، أو منتج آخر منخفض التكلفة. وبالنسبة للشركات التي كانت تتفاوض مع تجار التجزئة لحجز أماكن عرض خاصة بمنتجاتها على رفوف المتاجر، يتعين عليها اليوم إيجاد طريقة لإدراج منتجاتها في طليعة نتائج البحث الصوتية الخاصة بالمساعدات الرقمية.

ومع ذلك، لن يشكل هذا الأمر عائقاً أمام العلامات التجارية الكبرى، وبشكل خاص تلك التي تُشكل أسماؤها مرادفات لبعض المنتجات، مثل علامتي "كلينكس" للمناديل الورقية و"كيو تيبس" للأعواد القطنية في الولايات المتحدة الأميركية، أو علامة "ترمس" لإنتاج القوارير الحافظة للحرارة في المملكة المتحدة، أو علامة الشريط اللاصق "سكوتش" في فرنسا. وبسبب وجود ارتباط ذهني قوي بين هذه المنتجات والمستهلكين، ستكون المساعدات الرقمية مجبرة على إدراجها في قائمة الاقتراحات، وإلا فإن المستخدمين سيبحثون في أماكن أخرى.

أما بالنسبة لغالبية المصنعين الآخرين، فسيواجهون تحديات كبيرة فيما يتعلق بمجال التجارة عبر المساعدات الصوتية الذكية. وتعاني بعض العلامات واسعة الانتشار اليوم من خسارة في حصتها السوقية بسبب تجزئة التسوق الإلكتروني للأسواق. وأشارت نتائج الاستبيان الذي أجريناه مؤخراً، والذي شمل 10 آلاف مستهلك من الولايات المتحدة الأميركية، إلى أن المشاركين يصنفون ثُلث العلامات التجارية فقط بوصفها علامات "موثوق بها". ويبدي المستهلكون ولاءً لهذه العلامات على اعتبار أنها تزوّدهم بمنتجات لديهم تجربة مسبقة معها، وأثبتت مستويات كفاءة عالية. وعندما طُلب من المشاركين تقييم 169 علامة تجارية بناء على مقياس من 1 إلى 7 على أساس هاتين الميزتين، أفاد المشاركون باعتقادهم أن غالبية العلامات التجارية تتميز من ناحية واحدة فقط، أو لا تملك أي ميزة على الإطلاق.

وبالتالي، نستعرض فيما يلي بعض النقاط التي توضّح كيف يمكن للمصنعين التنافس لاقتناص أولوية اقتراحات المساعدات الصوتي الذكية، وأنماط العلامات التجارية التي ستنجح في الحفاظ على مكانتها في عالم التجارة التفاعلية.

اقرأ أيضا: لماذا يستمتع الناس بالتسوق؟

التركيز على جودة المنتجات وأسعارها

تتمثل إحدى منهجيات تحقيق هذا الهدف في طرح المنتجات بأقل سعر ممكن، حيث يمكن لمصنعي المنتجات منخفضة التكلفة تقديم هامش ربح أكبر للشركات المزودة للمساعدات الرقمية عبر الاستغناء عن النفقات المخصصة لتعزيز شهرة وانتشار العلامات التجارية. إلا أنه في حال الاستغناء عن نفقات الترويج لعلاماتهم التجارية، سيتحول هؤلاء المصنعون عملياً إلى مقاولين، وبالتالي يواجهون خطر استبدالهم بمنافسين آخرين بصورة دائمة.

ويمكن للمنتجات التي تتمتع بالملائمة والموثوقية والفعالية أن ترتقي لمستوى العلامات التجارية الكبرى التي يحرص المستهلكون على اقتنائها. لذا تُجسد هذه المقاربة استراتيجية فعالة للغاية، وبشكل خاص للمنتجات المعقدة التي تتطلب مجهوداً كبيراً في عملية البحث والتطوير، مثل مكبرات الصوت الذكية التي تمتلك ميزات تتيح لها التفوق على بديلاتها، أو كريمات البشرة المسجلة ببراءات اختراع جديدة والتي تثمر نتائج عملية أفضل.

إلا أن هذه الأفضلية لن تدوم طويلاً في حالة المنتجات الأقل تعقيداً، والتي بإمكان المصنعين طرح نظير لها خلال مدة زمنية قصيرة، ما يؤدي لتوجه المستهلكين إلى منتجات العلامات المنافسة، مثل منظفات الحمامات والمعلّبات وشواحن الهواتف المحمولة، إلا في حال كانوا يشعرون بالولاء تجاه العلامة التجارية للمنتج الذي يشترونه. لذا يتعين على هؤلاء المصنعين استخدام بياناتهم الداخلية والأبحاث الأولية لإقناع شركات المساعدات الرقمية أن هذه المنتجات ستستمر بتلبية تطلعات المستهلكين. وبدلاً من ذلك، يمكن للمصنعين دفع أموال مقابل الحصول على ترتيب محدد في لائحة اقتراحات المساعد الرقمي، بصورة مشابهة للأموال المدفوعة مقابل أماكن العرض على رفوف وواجهات متاجر التجزئة الواقعية، إلا أن هذه المقاربة غالباً ما ستكون حلاً عابراً قصير الأمد لا يُعالج المشكلة على المدى الطويل.

استهداف شرائح محددة

تتمثل الاستراتيجية الأخرى في تطوير علامات تجارية يجري التعرف عليها من قبل الخوارزميات بوصفها الخيار الأول بالنسبة للمستهلكين من ذوي المتطلبات الخاصة. ويمكن لهذه العلامات "المتخصصة" تأسيس رابطة ذهنية قوية مع المستهلكين الذين تتجاوز تفضيلاتهم خصائص المنتج، على اعتبار أنهم يبحثون عن منتجات تلائم قيمهم وتعكس تطلعاتهم وشخصيتهم. ويمكن أن يتمثل عامل الجذب في الأسلوب الذي يميّز العلامة التجارية، مثل علامة الدراجات النارية "هارلي ديفيدسون"، أو المعايير الأخلاقية المتبعة من قبل علامة "تومز" (Tom’s) للأحذية، أو "ميثود" (Method) للمنتجات المنزلية التي تعتمد على تفضيل المستهلكين للمنتجات الطبيعية. ويمكن للعلامات واسعة الانتشار تلبية المتطلبات الخاصة لهذه الشرائح، مع الحفاظ في الوقت نفسه على صورتها المتسقة ضمن مختلف الشرائح الأخرى.

كما تُفيد هذه العلامات المتخصصة في مساعدة المساعدات الرقمي على تحديد شرائح المستهلكين الخاصة بالمنتجات. ونظراً لكون مبيعاتهم غير مقتصرة على المساعدات الرقمية، يمكن للمصنعين إثبات قدرتهم على كسب شعبية عالية في مجال التسوق الصوتي عبر مشاركة بيانات المستهلكين الخاصة بهم بهدف استعراض مدى ارتباط منتجاتهم مع متطلبات شرائح المستهلكين المحددة. لذا تمثل تقنيات التعلم الآلي وجهود مراقبة اسم العلامة التجارية على مواقع التواصل الاجتماعي أدوات فعالة بهذا السياق، وذلك في ظل تزايد تحوّل سمعة العلامات التجارية من أيدي الشركات إلى الجمهور.

ويمكن للمصنعين المحافظة على أفضلية تنافسية في حال نجاحهم برصد التغير في تفضيلات ملايين المستهلكين بالزمن الحقيقي عبر تحليل محتوى التعليقات والمقاطع الصوتية والصور ومقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي.

التركيز على إدارة العملاء وليس فئات المنتجات

سوف يتعين على المصنعين أيضاً إيجاد سُبل لإقناع مزودي المساعدات الرقمية أن منتجاتهم سوف تحقق عائدات مرتفعة عند بيعها بالشراكة مع منتجات أخرى. وغالباً ما تتبع الشركات هذه المقاربة عبر تزويد تجار التجزئة باقتراحات لتنمية أصناف المنتجات، مثل المنظفات ومنتجات العناية بالبشرة. وفي وقتنا الحالي، يقود قطاع التجارة الإلكترونية نقلة نوعية ينصب فيها التركيز على إدارة شؤون العملاء عوضاً عن إدارة أصناف المنتجات. ففي ظل الاستغناء عن الحضور الشخصي للمستهلكين في أروقة المتاجر المحصورة بمنتجات معينة، يمكن للخوارزميات اقتراح منتجات من أصناف مختلفة تماماً، كاقتراح خطة تأمينية عند شراء دراجة كهربائية، أو كتاب لوصفات الطهي عند شراء آلة إعداد الأرز، أو الألعاب والحفاضات عند شراء مقاعد السيارات المخصصة للأطفال.

وستشهد حقبة التسوق الصوتي الحالية انتشار هذه المنهجية وتطورها عبر معرفة تفضيلات المستهلكين. فعلى سبيل المثال، يميل المستهلكون الذين يشترون منظفات صديقة للبيئة لدفع أموال أكثر مقابل منتجات أخرى صديقة للبيئة مثل مستحضرات غسالات الصحون والصابون والشامبو. وفي حال شراء حذاء رياضي جديد، قد يرغب المستهلكون أيضاً بشراء الملابس الرياضية ومنتجات الطاقة الأخرى.

وسيعمل المصنعون الأكثر حنكة على إنشاء محافظ متنوعة من المنتجات الملائمة لمختلف التفضيلات. فعلى سبيل المثال، يميل بعض المستهلكين لاختيار المنظفات ذات الفعالية الأكبر، فيما يأخذ بعضهم الآخر بالحسبان ملاءمة المنتجات لبشرة أطفالهم الحساسة، أما غيرهم فيهتمون بالآثار البيئية للمواد الكيميائية الداخلة في تركيب المنتج. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك يتمثل في علامة "تايد"، والتي تُقدم منتجات "كور تايد" (Core Tide) ذات الفعالية الأقوى، و"فري آند جنتل" (Free & Gentle) للمستخدمين ذوي البشرة الحساسة، بالإضافة إلى منتج "بيور كلين" (Purclean) المصنع من مكونات نباتية، ومنتج "سمبلي" (Simply) ذو التكلفة المنخفضة. وبالتالي تتميز هذه المحفظة بطبيعة ملائمة وجذابة للمساعد الرقمي، وذلك على اعتبار أنها توفر سبيلاً لتغطية متطلبات المستهلكين المختلفة وعبر التعاون مع جهة مزودة واحدة.

ضرورة المسارعة باتخاذ خطوات عملية

يحظى كبار المصنعين ممن يمتلكون رؤى أوسع لتفضيلات المستهلكين، بالمقارنة مع المساعدات الرقمية، بموقع رائد في الوقت الحالي. إذ تقتصر بيانات سلوكيات التسوق لدى جهات التجارة الإلكترونية على المنتجات التي تقوم ببيعها. وبالرغم من قدرة محركات البحث على معرفة نتائج البحث الخاصة بالمستهلكين، إلا أن هذه النتائج قد تختلف كلياً عما يشتريه المستهلكون في الواقع. وبالإضافة لذلك، تستند غالبية هذه التحليلات على أفعال سابقة، والتي تنطوي على قدرة محدودة لتوقع السلوكيات المستقبلية. ويمكن للمشاريع الابتكارية مساعدة المصنعين على توقع توجهات المستهلكين المستقبلية بصورة أسهل.

وبالإضافة لذلك، يعمل بعض كبار المصنعين على الاستثمار في مراكز البيانات العالمية المتخصصة في بناء قواعد بيانات فردية. ويمكن لهذه البيانات المساعدة في تحديد التوجهات وتوقع الاحتياجات المستقبلية، أو ما يُعرف بمفهوم "تصوّر المستقبل"، بالإضافة إلى تسهيل إدارة المستهلكين في الوقت الحقيقي. وعلى سبيل المثال، يمكن لإحدى شركات السلع المعلبة تحديد مشكلات سلسلة التوريد في الوقت الحقيقي عبر جهود مراقبة التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يتيح لها حل هذه العوائق قبل أن تتطور إلى مشكلات أكبر بالنسبة لتجار التجزئة.

كما أن الشركات التي لا تواكب هذا النهج الحالي تُخاطر بخسارة أرباحها لصالح العلامات التجارية القليلة التي ستثبت حضورها، علاوة على أن المهارات المطلوبة لذلك يصعب إيجادها، والقدرات اللازمة لذلك عالية التكاليف.

وفي الوقت الحالي، تُعد شريحة الأطفال في سن الخامسة، ممن لا يعرفون الكتابة بعد، واحدة من أكثر الشرائح استخداماً للتكنولوجيا الصوتية. وفي غضون عقد من الزمن، نعتقد أن جزءاً كبيراً من الأعمال الاستهلاكية سيتم بواسطة جيل من المستهلكين المعتادين على التسوق الصوتي. وسيجري اعتماد هذه التقنيات بشكل أسرع من تلك التي شهدها التسوق الرقمي، والذي أخذ بالتصاعد على مدار العشرين عاماً الماضية. وبالتالي، يتعين على المصنعين مراجعة محفظة علاماتهم التجارية، والتركيز على تلك التي تلائم أي من الاستراتيجيات الثلاث السابقة، والتخلص من العلامات الأخرى.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي