كيف تتكيف العلامات التجارية مع تجربة التسوق المدعومة بالذكاء الاصطناعي؟

10 دقيقة
أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي
عزرا بيلي/غيتي إميدجيز

أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي هي خوارزميات قادرة على اتخاذ القرارات نيابة عن المستخدم، وبدأت تُحدث تحولاً جذرياً في عالم الأعمال وسلوك المستهلك. ومن أبرز الأمثلة على ذلك ازدياد عدد المستهلكين الذين يتجاوزون جوجل ويبحثون عبر منصة تشات جي بي تي (ChatGPT) التي تمثل وكيل ذكاء اصطناعي قادر على تحليل الأسئلة وتجميع نتائج البحث لدرجة أن بعض الخبراء يتوقعون أنه قد يحل محل جوجل في غضون 4 أعوام، في حين يرى البعض الآخر أن أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي توفر مصدراً جديداً للعملاء المحتملين، بعيداً عن الأساليب التقليدية لتحسين محركات البحث. ولا شك في أن الشركات الكبرى ستقاوم هذا التغيير، ولكن سرعة انتشار أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي أدت إلى إعادة تشكيل خريطة توزيع القيمة، خاصة فيما يتعلق بالجهة التي تمتلك السيطرة على العميل النهائي، ما يُعد كنزاً ثميناً في العصر الرقمي.

لك أن تنظر مثلاً إلى البحث عن المنتجات. في الماضي، كان العميل المحتمل يبدأ بالبحث في محركات مثل جوجل، ثم يستعرض الآراء التقييمية للمنتجات قبل اتخاذ قرار الشراء، ثم يبحث بعدها عن أفضل الأسعار لدى تجار التجزئة، وأخيراً يخوض عملية الشراء التي تتطلب عدة خطوات.

بدأت أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي فعلياً إحداث تغيير جذري في هذه العملية؛ فبإمكانك الآن أن تطلب من بوابة ذكاء اصطناعي، مثل بيربليكسيتي (Perplexity)، ترشيح أفضل بديل لسيارة تيسلا، وتتلقى اقتراحات حول السيارات المناسبة وملخصاً لأبرز المزايا والعيوب المستمدة من آراء تقييمية موثوقة، إلى جانب روابط لأفضل المتاجر والأسعار. لا يتبقى أمام بيربليكسيتي سوى خطوة صغيرة لإتمام عملية الشراء، ما يؤدي إلى تقليص أثر الوسطاء التقليديين على نحو شبه كامل، مثل جوجل وأمازون، أو المؤثرين، مثل العلامات التجارية ومشاهير إنستغرام. وقد قطعت بيربليكسيتي شوطاً كبيراً في هذا الاتجاه، مع طرح برمجيات وكلاء ذكاء اصطناعي قادرة على أداء مهام معقدة، مثل حجز الرحلات أو تخطيط الفعاليات.

يمثل هذا بداية تحول ثوري مرتقب؛ فأنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي مدمجة بالفعل في التطبيقات الإلكترونية، وطرحت كبرى الشركات العاملة في هذا المجال، مثل أوبن أيه آي (OpenAI) وبيربليكسيتي وجوجل وغيرها، أنظمة وكلاء ذكاء اصطناعي، لكنها لا تزال تقتصر غالباً على تنفيذ المهام البسيطة. يستطيع الوكلاء الإجابة عن أسئلة مثل: "هل يمكنك مساعدتي في اختيار بوليصة تأمين؟" أو "هل يمكنك العثور على أفضل طريقة شحن لإرسال المكوّنات إلى العميل؟" لم يتبقَّ سوى خطوة صغيرة أمام أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي لتتمكن من إتمام عملية الشراء وتحسين كفاءة الخدمات اللوجستية. وتشير التقارير إلى أن بيربليكسيتي بدأت فعلياً تنفيذ عمليات الشراء.

سيؤدي الانتقال إلى أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي إلى إعادة تشكيل آلية تنفيذ الأعمال وتغيير موازين القوى، لأنها تتحكم في الوصول إلى العملاء النهائيين. وعلى الرغم من تأثُّر العديد من القطاعات بهذا التحول، سينطلق أولاً في القطاعات التي تتسم أنشطتها أو منتجاتها بالبساطة أو وحدة المعايير، مثل السلع الاستهلاكية. غالباً ما تتعامل هذه الشركات مع منتجات بسيطة نسبياً، لكنها تواجه تدفقات معقدة من المعلومات، وبمقدور أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي تغيير دور تجار التجزئة والعلامات التجارية بسرعة، إضافة إلى طريقة تقييم العملاء للمنتجات واتخاذ قرارات الشراء. وإليك كيفية حدوث هذا التحول، والإجراءات التي يمكن للشركات اتخاذها استعداداً له.

نبذة تاريخية موجزة عن رحلة العميل، والجهة التي تمتلك السيطرة

لفهم أثر أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي في زعزعة سلسلة القيمة بعالم الشركة التجارية الموجهة للمستهلك، دعونا نلقي نظرة سريعة على كيفية سير الأعمال قبل عصر الإنترنت. كان هناك توازن نسبي في تدفق المعلومات بين تاجر التجزئة والعلامة التجارية؛ إذ كان تاجر التجزئة يمتلك بيانات تفصيلية مُستخرَجة من الإيصالات الفردية للمشتريات، أي بيانات المبيعات التي تتيح معرفة المنتجات المباعة وأنماط شرائها وتكرار عمليات الشراء، دون ربطها بعملاء محدَّدين. أما العلامة التجارية فغالباً ما كانت تفتقر إلى هذه البيانات التفصيلية، لكنها كانت قادرة على جمع معلومات حول "معدلات البيع" أو "نفاد المخزون" على نطاق أوسع في السوق. وكان التعاون بين تاجر التجزئة والعلامة التجارية ضرورياً لاستخلاص رؤى حاسمة تساعد على تطوير المنتجات الجديدة أو تحسين استراتيجيات التسويق. على سبيل المثال، قد تُجري العلامة التجارية أبحاثاً عن العملاء لدى تجار التجزئة لتطوير منتجات جديدة، بينما يمكن لتجار التجزئة تزويد العلامة التجارية ببيانات حول تاريخ الطلبات أو مستويات المخزون أو نقاط البيع لتحسين استراتيجيات المبيعات أو العروض الترويجية.

ولكن ظهور التجارة الإلكترونية أدى إلى تغيُّر موازين القوى؛ فبعد أن كان تاجر التجزئة يمتلك بيانات المعاملات التي تُجمع عند إجراء عمليات الشراء، أصبح يمتلك البيانات التفصيلية للعملاء، خاصة الجيل الجديد من تجار التجزئة في عالم التجارة الإلكترونية، في حين لم تحصل العلامات التجارية عادة على قدر أكبر من البيانات بصورة ملحوظة. ومع هيمنة البيانات وإمكانية الوصول إلى العملاء في العصر الرقمي، تحول ميزان القوة والأرباح نحو تجار التجزئة الذين يتحكمون بهذه البيانات. وقد شهدنا خلال العقد الماضي كيف استثمرت كبرى شركات تجارة التجزئة، مثل أمازون وعلي بابا وزالاندو (Zalando)، بيانات العملاء لتحويلها إلى مصادر إيرادات كبيرة، مثل الإعلانات، وزيادة هوامش أرباحها؛ إذ تمتلك هذه الشركات كمّاً ضخماً من البيانات عن العملاء يمنحها ميزة تنافسية قوية مقارنة بالعلامات التجارية أو تجار التجزئة الذين لا يتحكمون بالوصول المباشر إلى العملاء النهائيين. لا يقتصر هذا الاتجاه على شركات التكنولوجيا الكبرى؛ بل بدأت شركات تجارة التجزئة التقليدية أيضاً توظيفها لتعزيز هوامش أرباحها.

تنامي دور وكلاء الذكاء الاصطناعي وإعادة توزيع القوى في قطاع التجزئة

عند النظر إلى مستقبل قطاع التجزئة، يتضح أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيُحدث تحولاً جذرياً في المشهد، تماماً مثلما فعلت التجارة الإلكترونية من قبله. ولطالما ارتبط نجاح تجار التجزئة بعوامل تشمل النموذج التجاري والأسعار والموقع الجغرافي؛ إذ كان الموقع الجغرافي للمتجر يشكّل في السابق عاملاً حاسماً، فالاختيار المناسب لمكان المتجر كان يضمن الظهور وسهولة وصول المستهلك إليه. ومع ظهور التجارة الإلكترونية، شهد قطاع التجزئة أحداثاً مزعزعة وتغيرت المعادلة تماماً، حيث لم يعد الموقع الجغرافي هو العنصر الأهم، بل أصبحت الأولوية للكفاءة في إتمام المعاملات. وبدأت منصات التجارة الإلكترونية إثبات تفوقها بفضل قدرتها على تقديم أسعار تنافسية وسرعة توصيل المنتجات، إلى جانب استثمار قوة العلامة التجارية لتعزيز ثقة العميل، مثلما فعلت أمازون.

ومع ظهور أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تساعد المستهلك على توجيه قراراته الشرائية، نتوقع تراجع دور تجار التجزئة وتغيُّر موازين القوة لصالح العلامات التجارية ووكلاء الذكاء الاصطناعي. وذلك لقدرة أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي التوليدي على البحث عن السلع الاستهلاكية على نحو أوسع وأسرع وأشمل من البشر؛ فبينما يفضل معظم المستهلكين التسوق عادة من مجموعة محدودة من متاجر التجزئة، بسبب صعوبة البحث في مختلف الأماكن وإدارة حسابات المتعددة والتحقق من موثوقية كل منصة للتجارة الإلكترونية، تستطيع أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي تنفيذ هذه المهام واتخاذ أفضل القرارات الممكنة وفقاً لعوامل رئيسية قد لا ينتبه لها البشر ولكنها تظل ذات قيمة لديهم. ستعتمد أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي على مصادر بيانات يراها المستخدمون أكثر حيادية وأقل تأثراً بالدعاية التجارية للشركات، مثل منصة ريديت (Reddit)، للحصول على معلومات موثوقة واقتراح الخيارات بناءً على نطاق أوسع من البيانات وفقاً لمقاييس رئيسية مثل:

  • السعر: أي تاجر تجزئة يقدم أقل سعر؟
  • التوافر: هل المنتج متوافر في المخزون؟ وهل يمكن شحن إصدارات منه وإرجاع غير المرغوب فيها بسهولة؟
  • الموثوقية: هل يتمتع تاجر التجزئة بسجل موثوق في توصيل الطلبات دون تأخير؟
  • الخدمة: هل يوفر تاجر التجزئة سياسة إرجاع ميسّرة ويوفر دعماً مناسباً عند الحاجة؟
  • الشراكات: هل يتعاون تاجر التجزئة مع منصات آمنة وشركات شحن موثوقة؟

سيؤدي امتلاك القدرة على جمع البيانات المتاحة كافة حول هذه المعايير الموضوعية إلى إحداث تحول في قطاع التجزئة؛ إذ سيمنح وكيل الذكاء الاصطناعي للمستهلك الأولوية لهذه العوامل العملية على حساب الولاء للعلامات التجارية. على سبيل المثال، بينما كان المستهلك في الماضي يعتمد على متاجر موثوقة، مثل أمازون أو زالاندو أو يونيكلو (Uniqlo)، عند البحث عن معطف فرنسي، نظراً لصعوبة البحث في مختلف الأماكن وإجراء مقارنات دقيقة قد تستغرق وقتاً طويلاً جداً، يمكن لوكيل الذكاء الاصطناعي تحليل هذه البيانات بسرعة وكفاءة، فيقترح مصمماً مغموراً وغير معروف على نطاق واسع، مثل بينتر جاكيتس (Paynter Jackets)، نظراً للإقبال الكبير من عشاق الأزياء على معاطفه الفرنسية. وهكذا سيتراجع دور تجار التجزئة في المستقبل وتتغير موازين القوة لصالح الطرف القادر على تقديم أفضل خدمة بأقل تكلفة.

اتضاح معالم الأطراف الرابحة والخاسرة

في ظل هذا المشهد الجديد، ستتضح معالم الأطراف الرابحة والخاسرة؛ والظروف مهيأة أمام شركات تجارة التجزئة، مثل أمازون، للاستمرار والازدهار بفضل اعتمادها على هوامش ربح ضئيلة وامتلاكها شبكات توصيل واسعة واتباعها سياسات إرجاع مرنة. وستترسخ هيمنتها بفضل قدرتها على تلبية المعايير الصارمة لأنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تحدِّد الخيارات استناداً لمعايير مثل السعر وسرعة التوصيل وخدمة العملاء.

أما المتاجر المتوسطة المستوى، مثل متاجر التجزئة المتعدّدة الأقسام، فمن المتوقع أن تواجه صعوبة في المنافسة ما لم تستثمر ميزة محالها التجارية لتعزيز مكانتها، خاصة أنها لا تتميز لا بالأسعار التنافسية ولا بجودة الخدمة العالية. ستجد هذه الشركات نفسها عالقة بين الشركات المنخفضة التكلفة والعالية الكفاءة، مثل أمازون، وبين المتاجر الفاخرة التي تتميز بتقديم خدمات استثنائية أو منتجات حصرية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن مستقبل قطاع التجزئة لن يتمحور حول خفض الأسعار وحده؛ فبإمكان المتاجر ذات الأسعار المرتفعة الحفاظ على تفوقها، شريطة أن تقدم خدمات متميزة، مثل سرعة التوصيل وسهولة الإرجاع وجودة دعم العملاء، ما يضمن تجربة تسوق مريحة وممتعة.

بمقدور المتاجر المحلية التي تقدم تجارب فريدة الحفاظ على مكانتها المهمة في بيئة التجزئة التي تشهد تغيرات متلاحقة، شريطة أن تتمكن من الظهور عبر أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي التي تقدر قيمة التسوق المحلي، وهو أمر يعتمد على قدرتها على لفت الانتباه. خلاصة القول، مع تزايد شفافية البيانات، ستغدو التجارب عنصراً فارقاً في استقطاب العملاء.

تحسين وكلاء الذكاء الاصطناعي مقابل تحسين محركات البحث

تشير هذه العوامل مجتمعة إلى احتمال ظهور مجال جديد، وهو تحسين وكلاء الذكاء الاصطناعي (AAO)، لمساعدة تجار التجزئة والعلامات التجارية على التميز أمام المستهلكين ووكلاء الذكاء الاصطناعي أيضاً. ومثلما يسهم تحسين محركات البحث في مساعدة تجار التجزئة على التميز في عالم التجارة الإلكترونية، من المرتقَب أن يصبح تحسين وكلاء الذكاء الاصطناعي مجالاً حيوياً في المستقبل.

من المُتوقَّع أن تُبرمَج أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي على تقييم المنتج استناداً إلى عوامل مثل الجودة والمواصفات والآراء التقييمية؛ لذلك على الشركات أن تضمن قدرة هذه الأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي على قياس مواطن قوة علاماتها التجارية الفريدة بوضوح والتعرّف إليها بسهولة، سواء كانت جودة المنتج أو الابتكار أو خدمة العملاء. بالإضافة إلى ذلك، على العلامات التجارية وشركات تجارة التجزئة تحسين حضورها في المصادر التي ستعتمد عليها أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي، مثل زيادة الاهتمام بالآراء التقييمية للمنتجات أو آراء العملاء والارتقاء بمحتواها. كان عدد الآراء التقييمية على أمازون في الماضي عاملاً رئيسياً في قرارات الشراء، لكن أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي ستتمكن بسهولة أكبر من استخلاص المحتوى المجمع لهذه الآراء التقييمية واتخاذ القرارات بناءً عليه.

قد يمثل هذا التغيير تحدياً كبيراً للعلامات التجارية التي تعتمد على القيم التقليدية دون أن تقدم قيمة إضافية ملحوظة في جودة المنتج أو تمايزه. وقد تفقد هذه العلامات التجارية قدرتها على فرض أسعار مرتفعة استناداً إلى اسمها فقط إذا رأت أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي أنها لا تقدم ميزة حقيقية مقارنة بالبدائل الأرخص.

ما يزيد الأمور تعقيداً أن العلامات التجارية ستكون مطالبة بتحسين عروضها لتلائم عدة أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي في آنٍ واحد، وذلك لأن منصات تجميع أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي، مثل بو (Poe)، تتيح للمستخدم سهولة التنقل بين وكلاء مختلفين عند البحث عن المنتجات أو الخدمات؛ وبالتالي لن يعرف تاجر التجزئة إذا ما كان العميل سيستخدم تشات جي بي تي أم ديب سيك (DeepSeek) أم بيربليكسيتي أو غيرها من الوكلاء في استفساراته. ربما سيتعين على خبراء التسويق في المستقبل تعلّم التسويق عبر أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي (AAM)، على غرار التسويق عبر محركات البحث.

العلامات التجارية واحتياجات المستهلكين والمنتجات

على العلامات التجارية التأقلم مع واقع جديد تتولى فيه أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي اتخاذ قرارات الشراء نيابة عن المستهلك، لكنها تواجه تحدياً مختلفاً: ربط علامتها التجارية باحتياجات المستهلك من خلال نهج تحسين وكلاء الذكاء الاصطناعي (AAO). عند مطالبة أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي بتقديم توصية شراء، لن تبدأ في الغالب عملية اتخاذ القرار بتقييم المنتجات أو العلامات التجارية الفردية، بل ستركز بدلاً من ذلك على احتياجات المستهلك. يتجلى هذا الواقع حالياً؛ إذ إن عمليات البحث على منصات مثل جوجل التي تركز على احتياجات المستهلك (مثل: "أفضل شاحن لاستخدام الهاتف في أثناء السفر") تفوق بكثير تلك التي تركز على منتجات أو علامات تجارية معينة. وهذا يعني أن نجاح العلامة التجارية يستند إلى قدرتها على تحديد احتياجات عملائها وكيفية إبراز تميزها في تلبية تلك الاحتياجات.

على العلامات التجارية إثبات موثوقيتها وإبراز تمايز منتجاتها أو خدماتها مقارنة بالمنافسين. هذا أمر مثير للغاية، لأنه يعني أن العلامات التجارية التي تقدم شيئاً فريداً بالفعل، سواء من حيث الابتكار في المنتجات أو جودة الخدمة أو مزيج من الاثنين، ستحظى على الأرجح بتفضيل وكلاء الذكاء الاصطناعي على حساب تلك التي تقدم بدائل تقليدية؛ فبدلاً من العمل مع تجار التجزئة للترويج للمنتجات والتوصية بها، سيكون على العلامات التجارية إبراز مزاياها الجاذبة عبر القنوات التي تعتمد عليها أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي بدرجة كبيرة، مثل الآراء التقييمية للمنتجات.

تحدي المنتجات النمطية

المنتجات النمطية هي سلع قابلة للاستبدال بطبيعتها، حيث لا يكاد يوجد أي تمايز بينها سوى في الاسم التجاري. ومن أبرز الأمثلة على ذلك إضاءة المكاتب؛ فعلى الرغم من أن شركة سيغنيفاي (Signify) تنتج مصابيح عالية الجودة تحت علامتها التجارية القديمة فيليبس، فإن العديد من العلامات التجارية النمطية تبيع منتجات تكاد تكون مطابقة. الحقيقة أن الكثير من هذه المصابيح تُنتج في المصانع ذاتها، ما يجعل من الصعب على المستهلك أو وكلاء الذكاء الاصطناعي تبرير دفع سعر أعلى مقابل المنتج الذي يحمل علامة تجارية معينة.

تواجه هذه العلامات التجارية مستقبلاً صعباً، فعلى الرغم من هيمنة المنتجات النمطية في منصات التجارة الإلكترونية، مثل أمازون، لا يزال المستهلكون يفضلون اختيار العلامات التجارية المعروفة، وذلك لأن التحقق من مدى مطابقة المنتج المشابه لجودة المنتج الأصلي يشكل تحدياً يتطلب الكثير من الوقت. لكن مع تحسن كفاءة وكلاء الذكاء الاصطناعي في مقارنة المنتجات، خاصة من خلال الاستناد إلى بيانات مثل الآراء التقييمية للعملاء والمنتجات لإثبات مدى التشابه، سيزداد توجه المستهلكين نحو البدائل الأرخص، ما لم تتمكن العلامة التجارية من تقديم ميزة فريدة فعلاً.

ينطبق هذا بصفة خاصة على المنتجات التي لا تمثل العلامة التجارية فيها دوراً واضحاً خلال الاستخدام، مثل المصابيح الكهربائية أو غيرها من السلع الاستهلاكية الأساسية. لنفترض أن وكيل ذكاء اصطناعي يُظهِر أن مصباحين كهربائيين مصنوعان في المصنع نفسه، فيوصي بالمنافس الأرخص سعراً (أو يشتريه تلقائياً). في مثل هذه الحالات، قد تجد العلامات التجارية صعوبة في الحفاظ على ولاء المستهلكين أمام بدائل أرخص لكنها تتمتع بالكفاءة نفسها غالباً.

كيف تميِّز العلامة التجارية نفسها؟

كيف تنجح العلامة التجارية في هذا المشهد الجديد، إذاً؟ يكمن سر النجاح في التمايز على نحو يجعل أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي تمنحها الأولوية، وذلك عبر تحسين وكلاء الذكاء الاصطناعي. على العلامة التجارية أن تتميز في واحد أو أكثر من المجالات التالية:

  1. السعر: تقديم سعر جذاب أو توفير بديل منخفض التكلفة بحيث يظهر في عمليات البحث التي تعتمد على وكلاء الذكاء الاصطناعي، ما يعزز القدرة على المنافسة أمام المنتجات النمطية الرخيصة.
  2. ابتكار المنتج: تقديم منتجات تتمتع بمواصفات استثنائية أو مواد عالية الجودة أو أداء متميز، بحيث تظهر بقوة في نتائج البحث التي تعتمدها أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي، ما يجعل من الصعب مقارنتها بالمنتجات المنافسة.
  3. التصميم: تقديم منتجات ذات طابع جمالي فريد يجذب المستهلكين الباحثين عن الأناقة والجودة، ما يمنحها حضوراً قوياً في التوصيات التي تعتمد على وكلاء الذكاء الاصطناعي.
  4. الخدمة: تقديم خدمات ما بعد الشراء بمستويات استثنائية، مثل دعم العملاء والضمانات وسهولة سياسات الإرجاع، ولكن بأسلوب يضمن بروزها في المصادر التي تستند إليها أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي.

يتضح هذا جلياً في سوق الشواحن اللاسلكية للهواتف، فمن جهة، هناك الخيارات الاقتصادية، مثل تلك التي تقدمها إيكيا، والتي تجذب المستهلكين الباحثين عن الأداء العملي بسعر منخفض. ومن ناحية أخرى، هناك علامات تجارية فاخرة، مثل زينز (Zens)، التي تقدم شواحن بميزات إلكترونية متطورة وعدد أكبر من ملفات الشحن وقدرات شحن أسرع. يخدم كلا المنتجين شرائح سوقية مختلفة، لكن العامل الحاسم في المستقبل يكمن في قدرة كل علامة تجارية على إبراز عوامل تميزها أمام وكلاء الذكاء الاصطناعي.

خلاصة القول: سيكون النجاح في عصر الذكاء الاصطناعي حليف العلامات التجارية وشركات تجارة التجزئة التي تستطيع تمييز أنفسها بمنتجات أو خدمات فريدة وتطوير قدرات تحسين وكلاء الذكاء الاصطناعي لتحقيق التميز. وستتمكن هذه العلامات التجارية من التميز أمام كل من المستهلكين ووكلاء الذكاء الاصطناعي، سواء من خلال الابتكار أو التصميم أو الخدمة الاستثنائية. من ناحية أخرى، قد تواجه العلامات التجارية التي تقدم منتجات نمطية غير مميزة وتعتمد حصرياً على شهرة اسمها، دون إضافة أي قيمة حقيقية، صعوبة في الحفاظ على حصتها السوقية. وهكذا سيكون نجاح العلامة التجارية في المستقبل مرهوناً بقدرتها على التأقلم مع بيئة توجّه فيها أنظمة الذكاء الاصطناعي قرارات المستهلك، ولن تزدهر فيها سوى العلامات التجارية التي تقدم قيمة فريدة بحق.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي