تخيل أنك تريد تصميم روبوت قادر على الخروج بمفرده من متاهة، ما هي الطريقة التي تباشر بها هذه المهمة؟ أولاً، ستحدّد على الأرجح هدف الروبوت، وهو إيجاد المخرج من المتاهة، ثم تبتكر آلية لمكافأة الروبوت على تحركه نحو ذلك الهدف، ومعاقبته على ابتعاده عنه، حتى يستطيع الروبوت مع مرور الوقت إيجاد طريق الخروج من المتاهة.
لكن ماذا لو وصل الروبوت إلى طريق مسدود قرب المخرج تماماً؟ جغرافياً هو أقرب ما يكون إلى هدفه، إلا أنه لا يستطيع بلوغه، ولا يريد الالتفاف، لأن ذلك يعني ابتعاده عن الهدف والتعرض للعقوبة. سيصبح روبوتك عالقاً في مكانه.
أجرى كينيث ستانلي، الأستاذ في الذكاء الاصطناعي، دراسة لهذه المشكلة، التي تتمثل في الركود الناجم عن السعي العنيد وراء هدف محدد، وتوصل ستانلي وزملاؤه في النهاية إلى حل بسيط: ماذا لو منحوا الروبوت على تجربته اتجاهات جديدة مثيرة للاهتمام، بدلاً من مكافأته على اقترابه من مخرج المتاهة؟
اكتشف الدارسون أن هذه النقلة في البرمجة عززت كثيراً من قدرة الروبوت على الخروج من المتاهات، إذ حققت نجاحاً بمعدل 39 محاولة من أصل 40، مقابل 3 محاولات ناجحة من أصل 40 للمقاربة الأولى. وحصل ستانلي على نتائج مماثلة باختباره تحديات خالية من الأهداف في سياقات أخرى مرتبطة بمجال الذكاء الاصطناعي. عندما صُمّمت روبوتاته للبحث عن طرق جديدة، طورت حلولاً مدهشة وخلاقة لمشاكل فشلت من قبل في حلها.
وعرض كل من ستانلي وجويل ليمان بحثهما في كتابهما الجديد "لم لا يمكن التخطيط للعظمة: أسطورة الهدف" (Why Greatness Cannot Be Planned: The Myth of the Objective)، حيث ناقشا الآثار الخطيرة المترتبة عن هذا الموضوع على البشر أيضاً. وما وجداه، هو أننا إن سلكنا اتجاهات جديدة ومثيرة للاهتمام، مثل الروبوتات، بدلاً من سعينا وراء أهداف محددة مسبقاً، حققنا نتائج أفضل.
من البديهي القول إن إعادة برمجة الأشخاص والمؤسسات ليست بالإنجاز السهل، ومن أكثر النصوص "قداسة" في عالم الأعمال هو كتاب بيتر دراكر الكلاسيكي "ممارسة الإدارة" (The Practice of Management)، الذي طرح للمرة الأولى مفهوم "الإدارة بالأهداف" (MBO). وبنى ديفيد باكارد "أسلوب شركة هيوليت-باكارد" (آتش بي) الشهيرة على مفهوم الإدارة بالأهداف، ويصف هذا المفهوم بأنه "نظام يتم بموجبه بيان الأهداف الإجمالية والاتفاق عليها بوضوح، ويمنح هذا النظام الأشخاص مرونة للسعي وراء تلك الأهداف بطرق يرون أنها الأنسب لمجالات مسؤوليتهم الخاصة".
معظم المدراء العصريين يعدّون ذلك من المسلّمات، إذ من الطبيعي أن تكون الأهداف واضحة، فكيف سترتب أولويات العمل، أو تدير شركة من دون أهداف محددة؟ لدينا أهداف خاصة بالشركة والمجموعات (فصلية وسنوية)، وأهداف خاصة بالمشاريع، وأخرى فردية، ونخضع لتقييم الأداء ونُكافأ على تحقيق أهدافنا. في شركة بيروقراطية كبيرة، قد يتمثل هدف نموذجي لمدير متوسط الرتبة بـ "ضمان توفير الدعم الأمثل للمشاريع الموكلة انسجاماً مع الإطارات الزمنية والأولويات المتفق عليها". وقد يتبع هذا الهدف 20 هدفاً خاصاً بالمشاريع، مثل "ضمان التسليم عالي الجودة وفي الوقت المحدد لخطة ضبط متعددة الوظائف لتحديث البرامج الثابتة للطابعات". في عالم اليوم الذي تسيّره البيانات، تبدو المؤسسات أكثر تركيزاً من أي وقت مضى على مقاييس التقدم في تحقيق أهداف مماثلة، فنحن جميعاً نريد أن نعلم ما إذا كنا نتقدم باتجاه النتائج المرغوبة ومدى سرعة تقدمنا.
مع ذلك، يشير عمل ستانلي إلى أن هوسنا بالهدف يمكن أن يؤذينا أكثر مما يفيدنا، ويدفع الأشخاص، والفرق والشركات إلى حالة من الركود مع مرور الوقت. ويدعم وجهة النظر هذه إحصائيات وقصص عن الابتكار. وتشير التقارير إلى أن نصف الابتكارات ناجمة عن الاكتشاف بالصدفة؛ أي بانفتاح الأشخاص على نتائج مثيرة للاهتمام وغير متوقعة، بدلاً من البحث المباشر عنها.
وإليك بضعة أمثلة: طُوّر عقار "فياغرا" في الأصل لمعالجة الذبحة الصدرية، وهي أحد أمراض القلب المؤلمة، ورُكب "الليسرجيد" (LSD) من فطريات أرغوت الحنطة، وهو مرض يصيب الحنطة، بهدف صنع أدوية لأمراض الجهاز التنفسي، كما ابتُكر موقع "يوتيوب" الشهير ليكون موقعاً للتعارف بين الجنسين. وبدلاً من تركيز الأشخاص العاملين على هذه المشاريع على أهدافهم الأساسية، ثم الفشل المرجح في تحقيقها، سمح أولئك الأشخاص لأنفسهم بالالتفاف حول أهدافهم طمعاً بابتكار أدوية وتكنولوجيا تُحقق خرقاً في مجالاتها.
وخارج دائرة البحث والتطوير في الشركات، من الصعب تخيّل أن تمنح مؤسسة، أو قائد فردي، الضوء الأخضر لمشروع لا هدف له سوى استكشاف أمر جديد ومثير للاهتمام، ولكن هذه نقلة فكرية نحتاج جميعاً إلى تبنيها، فكلما أمضينا وقتاً أطول في تحديد أهداف معينة والسعي وراءها، ضعف احتمال إنجازنا شيئاً عظيماً.