ملخص: عندما يكون المسار المهني المؤدي إلى منصب مدير غير واضح، غالباً ما يجد الموظفون أصحاب الأداء العالي الذين يركزون على النتائج أنهم ترقوا فجأة إلى هذا المنصب، نظراً إلى كفاءتهم الفنية لا إلى مهاراتهم في إدارة الأفراد. ثم يُعطى العديد من هؤلاء "المدراء العارضين" مطلق الحرية في إدارة فِرقهم من دون تلقي التدريب المناسب، والنتيجة هي مدير جديد يعاني القلق ومتلازمة المحتال، وهذا قد يتسبب في فجوة كبيرة بينه وبين مرؤوسيه المباشرين، بل يمكن أن يؤثر سلباً في إنتاجية الفريق ومستوى الاندماج في العمل والرفاهة. ولكن الأمر المبشِّر هو أنه لا يلزم أن يستمر منصبك الجديد في تحديد هويتك المهنية؛ ففي حالة عدم الحصول على أي تدريب رسمي يمكنك اتباع النصائح الآتية للتفوق في دورك الجديد.
- غيِّر طريقة تفكيرك لتصبح داعماً للآخرين لا منجِزاً لأعمالهم! إذ لم تعد مهمتك الرئيسة هي كتابة التعليمات البرمجية أو المقالات أو تحليل البيانات، بل أصبحت الآن تدور حول تمكين أعضاء فريقك وتوجيههم وتحفيزهم لتحقيق نتائج مماثلة بجهودهم.
- إنّ الخطوة الأولى هي تعلُّم كيفية التوقف؛ أي مقاومة الرغبة في إيجاد حلول على الفور للتحديات التي يواجهها فريقك. فعندما تشعر أنك مضطر إلى فعل ذلك تمهل واستغل تلك اللحظة في التأمل والتفكير، واسأل نفسك: لماذا لجأ هذا الشخص إليّ؟ وما الذي يحتاج إليه مني؟
- ولمساعدة موظفيك على حل المشكلات، اطرح أسئلة لتوجيه تفكيرهم؛ إذ إنّ منح الأشخاص فرصة لإيجاد الحل بدلاً من تقديمه لهم، يُظهر أنك تؤمن بقدراتهم على تحمُّل المسؤولية. فمثلاً، بدلاً من طرح هذا السؤال "لماذا افترضت أن حجم السوق صغير؟"، اطرحه بهذه الصيغة: "ما العوامل التي دفعتك إلى افتراض أن حجم السوق صغير؟".
- وإذا كنت ترغب حقاً في زرع الثقة في فريقك الجديد، فكن مستمعاً جيداً في أثناء هذه المناقشات؛ أي أعِر المتحدث كامل انتباهك من دون الاستسلام لأي مشتتات، مع إظهارِ اهتمام صادق بما يقوله. وعبِّر عن تقديرك لكلماته عن طريق الإيماء برأسك بعد أن يوضح وجهة نظره، وانتبه له وركّز على ما يقوله وما لم يقله.
كان أداء زين في وظيفته استثنائياً! فعندما كلفتَه بمهمة كنت تعلم أنك لن تُضطر إلى المتابعة معه باستمرار. وقد أنجز المهمة وكان يقدم التقارير دائماً قبل الوقت المحدد، وحقق مستهدفات المبيعات بنجاح ساحق. بل كان زين متعاوناً رائعاً ويتمتع بروح الجماعة ولكنه غالباً ما كان يفضل العمل بمفرده في غرفة الاجتماعات الجانبية. وسرعان ما حصل على ترقية بناءً على أدائه، فكان عليه إدارة فريق صغير من 5 أفراد، لكنه بعد بضعة أشهر واجه صعوبات في منصبه الجديد!
هل هذا الموقف مألوف لك؟
عندما يكون المسار المهني المؤدي إلى منصب مدير غير واضح، غالباً ما يجد الموظفون أصحاب الأداء العالي الذين يركزون على النتائج أنهم ترقوا فجأة إلى هذا المنصب، نظراً إلى كفاءتهم الفنية لا إلى مهاراتهم في إدارة الأفراد. ثم يُعطى العديد من هؤلاء "المدراء العارضين" مطلق الحرية في إدارة فِرقهم من دون تلقي التدريب المناسب! وهذه الظاهرة شائعة جداً مع الأسف! ففي المملكة المتحدة يصنِّف أكثر من ثلثي المدراء أنفسهم على أنهم "مدراء عارضون"، وفي الواقع يعتقد معهد الإدارة المعتمد أن نحو 2.4 مليون من 3.4 ملايين مدير بريطاني يندرجون في هذه الفئة. وإذا كانت هذه المستويات مماثلة في الولايات المتحدة، فسيكون أكثر من 17 مليون مدير غير مجهَّز لدعم قوته العاملة!
والنتيجة هي مدير جديد يعاني القلق ومتلازمة المحتال، وهذا قد يتسبب في فجوة كبيرة بينه وبين مرؤوسيه المباشرين، بل يمكن أن يؤثر ذلك سلباً في إنتاجية الفريق ومستوى الاندماج في العمل والرفاهة. وفي الواقع، تشير بحوث حديثة إلى أن المدراء يمكن أن يؤثروا في صحة موظفيهم النفسية بقدر تأثير أزواجهم أو أطبائهم أو معالجيهم النفسيين (إن لم يكن أكبر).
إذاً، ما الذي عليك فعله إذا أصبحت مديراً عارضاً؟
ينطوي التحول إلى مدير عارض على عدد من المخاطر في كل من المستويين الفردي والمؤسسي؛ فإضافة إلى ما يُحتمل من الآثار المضرة صحياً بالمدير وفريقه، غالباً ما يكون مصير المدراء العارضين الفشل! فهم يقضون وقتهم في فعل شيء ليس لديهم سوى القليل من الخبرة فيه أو لم يحصلوا على ما يكفي من التدريب عليه بدلاً من أداء العمل الذي هم فيه بارعون!
وفي أثناء عملنا بوصفنا متخصصين في تحسين الأداء المؤسسي والإداري، لاحظنا أن العديد من المدراء العارضين يتمسكون بأدوارهم السابقة بوصفها آلية تكيف؛ فيتحولون إلى أشخاص مهووسين بالكمال أو مكروهينأو يتدخلون في كلّ تفصيل، ويؤدون بعض جوانب عملهم القديم (ربما من دون قصد) بدلاً من تفويض المهمات إلى فِرقهم، وبذلك يشعر أعضاء الفريق بالإحباط مع تراجع نموهم وتطورهم.
لكن الأمر المبشر هو أنه لا يلزم أن يستمر منصبك الجديد في تحديد هويتك المهنية، ففي حال عدم الحصول على القدر الكافي من التدريب الرسمي، يمكنك استخدام ما نسميه طريقة "ستار" (STAR) للتفوق في دورك الجديد، وهي إطار إداري يسيرٌ من 4 خطوات هي: التوقف (stop) والتفكير (think) وطرح أسئلة (ask) وتحديد النتيجة (result)، إذ يمكن أن تساعد هذه الطريقة المدراء على تبني السلوكيات المتعلقة بالتدريب التي تحفِّز مستويات أعلى من التعاون والتركيز على الحلول داخل الفريق. ويبدأ الأمر بتغيير سلوكياتك اليومية لوضع نهج إداري قائم على الاستفسار. فقد ثَبَت أن تعلُّم طرح الأسئلة التي تهدف إلى حث أعضاء الفريق على التفكير الأعمق هو طريقة فعالة للاستفادة من مواهبهم.
أعِد تدريب عقلك
لأداء دورك في إدارة الأفراد على أكمل وجه، عليك تغيير طريقة تفكيرك لتكون داعماً للآخرين لا منجِزاً لأعمالهم، وغالباً ما يكون هذا أصعب تحول يمكن أن يجريه المدراء. فعادة يتبنى المدراء العارضون أسلوباً توجيهياً قائماً على القيادة والسيطرة عبر التدخل المتكرر في المشكلات التي تُعرض عليهم ومحاولة حلها. إنّ مهمتك الرئيسة لم تعد كتابة التعليمات البرمجية أو المقالات أو تحليل البيانات، بل حان الوقت لتمكين أعضاء فريقك وتوجيههم وتحفيزهم لتحقيق نتائج مماثلة بجهودهم لا بإنجاز العمل نيابة عنهم.
والخطوة الأولى هي تعلُّم كيفية التوقف لمقاومة الرغبة في حل المشكلات التي يواجهها فريقك على الفور، فعندما تشعر أنك مضطر إلى فعل ذلك تمهل واستغل تلك اللحظة في التأمل والتفكير، واسأل نفسك: لماذا لجأ هذا الشخص إليّ؟ ما الذي يحتاج إليه مني؟ هل يريدني أن أساعده في إيجاد أفكار، أم أنه يريد ببساطة التحقق من أنه أدى مهمته بطريقة صحيحة، أم يحتاج إلى تعزيز ثقته بعمله؟ كيف يمكنني مساعدته على أداء هذه المهمة بطريقة أفضل؟ هل ستسهم ملاحظاتي في تحسين الأمور أم ستجعلها مختلفة فحسب؟
اطرح أسئلة ملهمة
لمساعدة موظفيك على حل المشكلات، اطرح أسئلة لحثهم على التفكير؛ إذ إنّ منح الأشخاص فرصة للإسهام في الحل بدلاً من تقديمه لهم، يُظهر أنك تؤمن بقدراتهم على تحمُّل المسؤولية. وعلى الأرجح كنت تكره أن يسألك والداك عن "سبب" فعلك لشيء ما عندما كنت طفلاً؛ لذا طبِّق المنطق نفسه على أعضاء فريقك. فبدلاً من السؤال عن السبب، اسأل عن الحقائق؛ إذ يمكن أن تبدو الأسئلة القائمة على "السبب" اتهامية، كما لو كان الموظف هو مَن تَسبب في المشكلة التي يطرحها، وغالباً ما يؤدي ذلك إلى اتخاذ موقف دفاعي، وهذا سيؤثر سلباً في تقييمه للموقف! أمّا السؤال عن الحقائق بدلاً من الأسباب يؤدي إلى إعادة تركيز المحادثة على حقائق الموقف التي تمكّنه من حل المشكلة.على سبيل المثال، بدلاً من طرح هذا السؤال "لماذا افترضت أن حجم السوق صغير؟"، اطرحه بهذه الصيغة "ما العوامل التي دفعتك إلى افتراض أن حجم السوق صغير؟". إنه تغيير بسيط، لكنه يدعو مرؤوسك المباشر إلى مشاركة أفكاره صراحة من دون الخوف من العواقب؛ إذ من المرجح أن تؤدي إزالة أي تلميح باللوم بهذه الطريقة إلى تشجيع الموظف على استكشاف التفاصيل وإرساء أساسٍ للثقة.
استمع جيداً
إذا كنت ترغب حقاً في زرع الثقة في أعضاء فريقك الجديد فكن مستمعاً جيداً في أثناء مناقشاتك معهم؛ أي أعرهم كامل انتباهك من دون الاستسلام لأي مشتتات مع إظهار اهتمام صادق بما يقولونه. فمثلاً بعد طرحك سؤالاً على مرؤوسك المباشر لمساعدته على التفكير في تحدٍ معين، قاوم إغراء مقاطعته لتقديم آرائك بشأن هذا التحدي، وعبِّر عن تقديرك لكلماته عن طريق الإيماء برأسك بعد أن يوضح وجهة نظره. وانتبه له وركّز على ما يقوله وما لم يقله، ثم كرر ما سمعته "أفهم ما تقوله (أعِد صياغة المشكلة أو التفاصيل بأسلوبك). تبدو مشكلة صعبة. هل لديك أفكار حول كيفية المضي قُدماً أو هل تريدني أن أساعدك على إيجاد أفكار؟".
إنّ هدفك الأساسي يجب أن يكون مساعدة الشخص الآخر على الاستفادة من مواهبه ومعرفة منطقه، مع مساعدته على تحديد خطوة تالية واضحة (تحديد نتيجة) يمكنه اتخاذها لبدء حل المشكلة. وتذكّر في أثناء هذه العملية أن هناك أكثر من طريقة للوصول إلى حل، ويجب أن تساعد مرؤوسك في العثور على طريقة بنفسه إذا كنت تريده أن يبني قدرته على التحمل وأن يتمكن من معالجة المواقف المماثلة بنفسه في المستقبل. وإذا لاحظت أنه يشعر بالإحباط أو أنه عاجز عن إيجاد حل في منتصف المحادثة، فاطرح أسئلة مفتوحة مثل "هذه إحدى الطرق التي يمكن اتباعها، فما الطرق الأخرى التي يمكن اتباعها لتقليل الوقت اللازم لطرح المنتج في السوق؟" أو "ألديك أفكار أخرى عن هذا؟".
إنّ تعلَّم كيفية "طرح أسئلة مفتوحة" والذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك لمعرفة كيفية طرح أسئلة أكثر إلهاماً مصممة لمساعدة الشخص الآخر على التفكير فيما يحتاج إليه في تلك اللحظة، سيساعدك على بناء علاقة صادقة مع الموظف، وهذا سيجعله يشعر بقدر أكبر من الراحة والثقة إزاء التفكير في المشكلات معك، وسيأتي إليك في النهاية بحلول لا بمشكلات!
إنّ الممارسة سبيلك إلى الإتقان كما هو الحال في أي شيء آخر في الحياة. وبمرور الوقت سيصبح طرح الأسئلة المدروسة التي ستساعد موظفيك على التعلم أمراً اعتيادياً. فالاستخدام المتكرر للنهج القائم على الاستفسار لن يساعدك على بناء علاقات أقوى مع مرؤوسيك المباشرين فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى تحسين مستويات الاندماج والأداء بواسطة تشجيعهم على أخذ الاستقلالية التي يحتاجون إليها للنمو. وسيشعر مرؤوسوك المباشرون أنك تقدّرهم وتستمع إليهم، وسيكتسبون الثقة اللازمة لحل المشكلات بمفردهم، وهذا سيسمح لهم بصقل مهاراتهم للنجاح في المستقبل.