كيف تعزز ثقتك بنفسك في العمل دون الحاجة لتقدير الآخرين؟

6 دقيقة
التقدير الذاتي
مورييل دي سيزي/غيتي إميدجيز

عندما تحقق الإنجازات وتحصل على التقدير وتنمو مهنياً، فمن الممكن أن يسهم العمل في تعزيز ثقتك بنفسك وتحسين رفاهتك، لكن من الممكن أيضاً أن تكون أماكن العمل سبباً لضعف الثقة بالنفس.

  • يمكن أن يؤدي عدم وضوح التوقعات وعدم الحصول على ملاحظات كافية إلى إضعاف ثقتك بأدائك، بالإضافة إلى الشك بنفسك.
  • يمكن أن تؤدي المنافسة والمقارنة مع الزملاء إلى الشعور بعدم الكفاءة.
  • يمكن أن يؤدي عدم تقدير الجهد المبذول والتغاضي عن التحيزات الموجودة في مكان العمل إلى شكك في أهمية إسهاماتك وقيمتك ودورك.
  • تعطي منصات التواصل الاجتماعي، مثل لينكد إن صورة مضللة توحي بأن الجميع متفوقون ويحققون إنجازات عظيمة، ما قد يولّد لديك شعوراً بعدم القدرة على مواكبة الآخرين أو أنك أقل كفاءة من غيرك.

تؤدي هذه التفاعلات الشائعة في تجربة العمل اليومية إلى إضعاف ثقتك بنفسك وتدفعك للجوء إلى الآخرين للحصول على التقدير. من المؤكد أننا جميعاً نشك في أنفسنا أحياناً، بالإضافة إلى أن الرغبة في الحصول على التقدير والاحترام من الآخرين هي حاجة طبيعية وصحية؛ من منّا لا يُحب أن يحظى بتشجيع الآخرين له وتقديرهم لجهوده وإنجازاته، أو لا يرغب في إثارة إعجابهم بين الحين والآخر؟

ولكن الاعتماد على التقدير الخارجي لتعزيز تقديرك لذاتك غير مجدٍ على المدى البعيد؛ إذ إننا نربط تقديرنا لذواتنا بأحكام الآخرين وآرائهم المتقلبة، لكن تقديرهم لنا يمنحنا شعوراً مؤقتاً فقط بالإنجاز والرضا عمّا نحققه. ما يثير القلق أكثر هو أن البحث عن التقدير قد يعوق قدرتنا على اتخاذ قرارات صائبة ويجبرنا على التنازل عن قيَمنا وهويتنا الحقيقية.

بالتأكيد، من المهم فهم مقاييس النجاح المتعلقة بمسؤولياتك ودورك ومعرفة كيفية التقدم داخل مؤسستك لتحقيق أداء متميز ومسيرة مهنية ناجحة، لكن من المهم أيضاً تنمية شعور عميق بتقدير الذات بعيداً عن آراء الآخرين المتقلّبة أو السعادة المؤقتة الناتجة عن المديح والإشادة.

لا يعني تعزيز التقدير الذاتي الداخلي تضخيم الذات أو تنمية الثقة المفرطة التي لا تستند إلى قدرات حقيقية، بل هو مواجهة بعض الظواهر الشائعة في مكان العمل التي يمكن أن تؤدي إلى إضعاف ثقتك بنفسك وتقديرك لذاتك ورفاهتك في حال عدم الانتباه إليها ومعالجتها بطريقة صحيحة.

طبّق هذه الاستراتيجيات الأربع لتحقيق التوازن في وجهة نظرك وطريقة تفكيرك والحفاظ على ثقتك بنفسك على الرغم من الضغوط الخارجية والتحديات التي تواجهك في بيئات العمل المليئة بالتحديات.

تذكّر أن شكوكك بنفسك ليست دليلاً على ضعفك وعدم كفاءتك

يعبّر بعض العملاء في جلسات التدريب التنفيذي عن شكوكهم بأنفسهم كما لو أنها تدل على خلل في أدائهم أو ضعف في شخصياتهم. لكن العديد من الدلائل يشير إلى أن الشك بالنفس هو رد فعل منطقي للإشارات التي نتلقاها من أماكن العمل والمجتمع. على سبيل المثال، على الرغم من أن المرأة بطبيعتها واثقة بنفسها بدرجة مساوية للرجل، فهي توصف غالباً بأنها تعاني "متلازمة المحتال" على اعتبارها مشكلة لديها. لكن الشعور بعدم الانتماء أو عدم الثقة بالنفس هو رد فعل منطقي وطبيعي للتحيز والتهميش المنهجيين.

تكمن المشكلة في أن النظر إلى شكوكنا بأنفسنا بوصفها عيباً أو مشكلة شخصية يؤدي إلى تعزيز مشاعرنا السلبية وزيادة رغبتنا في الحصول على التقدير من الآخرين، وكلما زاد سعينا للحصول على التقدير والإشادة من الآخرين، قلّت ثقتنا بأنفسنا، فتتشكل حلقة سلبية مفرغة تعزز هذا الشعور باستمرار.

بدلاً من ذلك، حاول تقبّل شكوكك الذاتية بوصفها أمراً طبيعياً في ظل بيئات العمل التي تتسم غالباً بالغموض والفردية والتحيز. يجب عليك إدراك الحاجة الإنسانية إلى التواصل والشعور بالانتماء، بالإضافة إلى الدور المهم الذي يؤديه العمل في حياتك. إذا كنت تسعى باستمرار للحصول على التقدير أو الثناء من مديرك، فيجب عليك تغيير طريقة تفكيرك وحديثك مع نفسك. يمكنك أن تقول مثلاً: "أريد أن أبذل قصارى جهدي، لذلك، من الطبيعي أن أرغب في الحصول على مزيد من الملاحظات التوجيهية من مديري".

في الحقيقة، يسهم العديد من العوامل الخارجية، مثل التربية وبيئة العمل والضغوط الاجتماعية في إضعاف ثقتك بنفسك. لذلك تجنب إلقاء اللوم على نفسك كي لا تتفاقم مشاعرك السلبية ومعاناتك.

ركز على نقاط قوتك

نحن نعيش في مجتمع يعتمد عقلية تركز على "إصلاح العيوب"، ما يدفعنا للاعتقاد أن تحسين الذات يتطلب التركيز على نقاط الضعف ومعالجتها، لكن هذا الاعتقاد خاطئ إلى حد كبير.

بالتأكيد، يجب علينا في بعض الأحيان معالجة فجوات المهارات أو اكتساب قدرات ومهارات جديدة. لكن العديد من الدلائل يشير إلى أن التركيز على نقاط القوة بدلاً من نقاط الضعف يعود بفوائد كبيرة؛ إذ يسهم في تعزيز الثقة بالنفس والوعي الذاتي وتحسين الأداء والابتكار والرفاهة العامة.

نعاني جميعنا انحياز السلبية، أي تركيز الإنسان على السلبيات أكثر من الإيجابيات، وهو يعزز عقلية إصلاح العيوب والتركيز المفرط على نقاط ضعفنا وعيوبنا، فنشعر نتيجة لذلك بالتقصير الدائم ونسعى للحصول على مزيد من التقدير من الآخرين. لذلك من الضروري اتباع نهج مدروس للتغلب على هذه العوامل.

من المرجح أنك تدرك نقاط قوتك الأساسية، وهي الكفاءات والمهارات والخبرات التي اكتسبتها وطورتها على مر الزمن، لكن من المحتمل أنك لا تنتبه للعديد من قدراتك الطبيعية لأنها بديهية، فهي تحدث بسهولة لدرجة أنك لا تلاحظها أو لا تعطيها اهتماماً كافياً. نظراً لصعوبة ملاحظة نقاط قوتك الفطرية، فمن الضروري الحصول على ملاحظات من الآخرين لتحديدها، لذلك، اطرح على زملائك الموثوقين بعض الأسئلة مثل:

  • "ما هي الصفات أو المهارات التي تتبادر إلى ذهنك عندما تتذكر أفضل أداء قدمتُه أو عندما أكون في ذروة عطائي؟"
  • "ما هي نقاط قوتي التي ستسلّط الضوء عليها إذا كنت تصفني لشخص لا يعرفني؟"
  • "ما هي الطريقة التي أسهم من خلالها في إضافة قيمة لعلاقتنا أو لفريقنا ولكنني قد لا ألاحظها؟"

سجّل هذه الملاحظات وابدأ بإعداد ملف يحتوي على نقاط قوتك الطبيعية والعامة. وابدأ بإضافة الإنجازات أو الملاحظات الإيجابية التي تحصل عليها إلى هذا الملف باستمرار. عندما تجد نفسك تركز مرة أخرى على نقاط ضعفك أو عندما تشعر بأنك بدأت تشك بنفسك بعد موقف ما في العمل، فاحرص على مراجعة هذا الملف لتذكّر نفسك بصفاتك الإيجابية ومساهماتك وقيمتك.

لا يعني التركيز على نقاط قوتك التراخي والبقاء في منطقة الراحة أو عدم السعي لتطوير نفسك، بل إن هذه العملية تمثّل وسيلة أسرع وأمتع لتحقيق أداء متميز.

وسّع منظورك حول مفهوم النجاح

يتأثر تعريفنا لمفهوم النجاح عادة بالتوقعات الاجتماعية من حولنا؛ إذ يتشرب الكثير منّا هذا التعريف في أثناء نشأته من الوالدَين أو من البيئة المحيطة دون وعي. ويمكن أن يسهم مكان العمل، الذي يركز على الإنجازات والمقاييس الخارجية والترقي في السلم الوظيفي إلى تشويش رؤيتنا للنجاح وتضييقها. من خلال توسيع منظورنا حول مفهوم النجاح وتعريفه بناءً على معاييرنا الشخصية، يمكننا موافقة عملنا وسلوكنا مع قيمنا والابتعاد عن السعي المستمر للحصول على القبول والتقدير من الآخرين في مكان العمل.

إذا أردت تحديد مفهوم النجاح المناسب لك، فعليك التفكير في الجوانب المهمة في حياتك، مثل العلاقات الشخصية والمسيرة المهنية والصحة والمجتمع. اطرح على نفسك أسئلة مثل: "ما هي القيم التي أريد أن أجسدها في حياتي؟" أو "ما هي الإنجازات التي أسعى إلى تحقيقها على الصعيدين الشخصي والمهني؟". تخيل شكل حياتك المثالية بعد 10 أو 20 عاماً، وحدد الأمور التي ستمنحك شعوراً بالفخر والرضا.

ضع أهدافاً واضحة وقابلة للتحقيق لكل مجال رئيسي في حياتك، بحيث تتناسب هذه الأهداف مع تعريفك الشخصي لمفهوم النجاح. على سبيل المثال، كانت عميلتي سارة تسعى للحصول على التقدير والترقيات لتعزيز تقديرها لذاتها، لكنها قررت إعادة تعريف مفهوم النجاح بما يناسبها؛ إذ أصبح النجاح بالنسبة لها يتعلق بعيش حياة متوازنة ترتكز على قيمها الشخصية. فحددت أهدافاً تركز على تعزيز علاقاتها الأسرية ونموها الشخصي واختارت بعض المعايير، مثل تخصيص ليلتين أسبوعياً لقضاء الوقت مع العائلة والتركيز على المشاريع الهادفة بدلاً من المشاريع البارزة التي تحظى بالانتباه أو الاهتمام في مكان العمل.

يتطلب تعريف النجاح بناءً على معاييرك الشخصية وتوسيع نطاقه ليشمل جوانب أخرى خارج المجال المهني وعياً ذاتياً وربما شجاعة لمواجهة التوقعات الاجتماعية، لكنّ هذا يضمن أن يكون سعيك نحو النجاح مدروساً ومتوازناً، والأهم من ذلك أن يكون هادفاً وذا معنى وقيمة بالنسبة لك فقط.

احرص على تقييم شبكة علاقاتك

تؤدي العلاقات الداعمة والقوية دوراً مهماً في تعزيز رفاهتنا واستقلاليتنا، وفي حال غيابها، فمن المرجح أن نشعر بالعزلة أو الانطواء، بالإضافة إلى زيادة شكوكنا بأنفسنا. على سبيل المثال، يمكن أن يتسبب الآباء الذين يكثرون من النقد في شعور أطفالهم بعدم الكفاءة، ومن الممكن أن يسهم المدراء الذين يمارسون الإدارة التفصيلية في زرع الشكوك الذاتية في نفوس مرؤوسيهم المباشرين، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي المجموعات الاجتماعية التي تركز على مكانة الفرد ونجاحه المادي إلى إضعاف الثقة بالنفس لدى الأشخاص الذين لا يحققون تلك المعايير.

على الرغم من أنه لا يمكننا اختيار الأشخاص الذين نعمل معهم، فإننا نستطيع السعي لإنشاء علاقات مهنية تسهم في دعمنا وتحفيزنا. يمكن أن يؤدي الدعم الاجتماعي الإيجابي والجيد، سواء من الأصدقاء في العمل أو الزملاء أو المرشدين، إلى تقليل الشكوك الذاتية وتخفيف أثرها، بالإضافة إلى تعزيز شعورنا بالانتماء وتحسين قدرتنا على التعامل مع القلق والتوتر.

فكر في علاقاتك في مكان العمل وتأمل أثرها في رفاهتك وإحساسك بذاتك. اطرح على نفسك الأسئلة الآتية:

  • "هل أحظى بالدعم والتقدير في هذه العلاقة؟"
  • "كيف أشعر عادة بعد قضاء وقت مع هؤلاء الأشخاص؟ هل أشعر بالنشاط أم بالإرهاق؟"
  • "هل يشجعني هذا الشخص على النمو والتطور أم أنه يعرقل تقدمي؟"

بعد تقييم علاقاتك، فكّر في كيفية تعزيز العلاقات التي تدعمك وترفع معنوياتك واحرص على تقليل التفاعل مع الزملاء الذين يضعفون ثقتك بنفسك ويؤثرون سلباً في رفاهتك العاطفية.

في الواقع، تؤدي جودة علاقاتنا في العمل دوراً مهماً في تحسين الرضا الوظيفي والأداء المهني، بالإضافة إلى أثرها في تقليل مستويات الإجهاد والاحتراق الوظيفي وتعزيز صحتنا العامة ورفاهتنا. إذا كانت علاقاتك المهمة في العمل تؤثر سلباً في تصورك لذاتك وثقتك بنفسك ولم تستطع تقليل تفاعلك معها أو تغييرها، فربما يكون من الأفضل التفكير في البحث عن بيئة عمل داعمة وصحية أكثر.

من الممكن ألا تحدث أي تغيرات أبداً في الأنظمة والسلوكيات التنظيمية التي تضعف الثقة بالنفس في العمل، وستستمر بعض المشكلات في بيئة العمل مثل المدراء غير الأكفاء وسوء التواصل والمحسوبية والتحيز وقلة التقدير في العمل، ما قد يعزز الشكوك الذاتية بين الحين والآخر. لكن عندما تدرك أن شكوكك بنفسك ليست عيباً شخصياً، وعندما تركّز على نقاط قوتك وتعمل على توسيع منظورك حول مفهوم النجاح ليشمل جوانب أوسع وتحرص على إنشاء علاقات داعمة، فستتمكن من تعزيز ثقتك بنفسك والخروج من دائرة البحث عن التقدير من الآخرين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي