4 تقنيات من علم السلوك للتخلص من التوتر ومواجهة مخاوفك في العمل

6 دقيقة
مشاعر التوتر
shutterstock.com/alphaspirit.it
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يشعر الناس بالتوتر أكثر من أي وقت مضى، ما يؤثر على الصحة العامة. يستمر العديد من الأشخاص في التفكير بالمواقف العصيبة، التي تؤدي إلى تفاقم المشاعر السلبية المُصاحبة للتوتر والضغوط النفسية. لكن يسعدنا أن نُعلمك أنه يمكنك الخروج من حالة التوتر وتحرير نفسك من القيود المرتبطة بها. يمكنك تجاهل المشكلات المسببة للتوتر، التي لا يمكنك حلها على الفور، سواء كانت مشكلة متكررة متعلقة بالعمل أو بالحياة الشخصية، وذلك من خلال تعزيز قدرتك على التركيز على اللحظة الحالية. يقدم هذا المقال 4 أساليب مدعومة بالعلم السلوكي لمساعدتك على تجاوز مشاعر التوتر.

يعاني أكثر من 76% من الأميركيين تأثير الضغوط والتوتر على صحتهم، لذلك، من المهم تعلم كيفية تجاهل الضغوط، على الأقل مؤقتاً؟ لا أقصد هنا ممارسة التأمل أو مجرد الاسترخاء وتهدئة الأعصاب، لا سيما أن ذلك لا يبدو فعالاً في بعض الأحيان، نظراً لضغوط الحياة في وقتنا الحاضر. بل أقصد تغيير طريقة التفكير وكسر حلقة التوتر والضغوط، وهو أمر ممكن بالتأكيد.

بصفتي طبيبة نفسية سريرية متخصصة في العلاجات السلوكية القائمة على اليقظة الذهنية، لاحظتُ أن العديد من عملائي يُمارسون ما يسميه الباحثون في مجال التوتر “الإدراك المثابر” (Perseverative Cognition)، وهو مصطلح يُعبر عن التفكير المُفرط واجترار الأفكار والقلق المستمر. على الرغم من اعتقادنا أن هذا النوع من التفكير يُحسن قدرتنا على مواجهة التوتر، فإن الأبحاث العلمية تُظهر أنه في الواقع يحوّل التوتر الحاد (طريقة استجابتنا لحدث أو موقف فردي) إلى توتر مزمن، وذلك بسبب استمرار التفكير السلبي الذي يُطيل أمد تلك المشاعر ويحولها إلى عبء إضافي بدلاً من تخفيفها.

وفقاً لدراسة أُجريت في جامعة ولاية بنسلفانيا، عندما يُطلب من الأشخاص التفكير في موضوع قديم أثار غضبهم، حتى بعد مرور سنوات طويلة على حدوثه، يعيد الجسم الشعور بالتأثير الكامل للحدث، ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم على الفور. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي التعبير المستمر عن الاستياء والإحباط إلى إبقاء مصادر الضغوط والتوتر حاضرة في أذهاننا. نظراً لأن “الإدراك المثابر” يُعيد إحياء مشاعر التوتر المُرتبطة بمواقف صعبة مررنا بها، فمن المنطقي أن يُلاحظ الباحثون وجود علاقة بين الذكريات والأحداث المؤلمة والتأثيرات السلبية للتوتر المزمن.

الخبر السار هو أنه يمكنك تجاهل المشكلات المسببة للتوتر، التي لا يمكنك حلها على الفور، سواء كانت مشكلة متكررة متعلقة بالعمل أو بالحياة الشخصية، وذلك من خلال تعزيز قدرتك على التركيز على اللحظة الحالية. يقول عالم النفس والأستاذ في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، ومدير مختبر التقييم والبحث في مجال التوتر والضغوط النفسية (Laboratory for Stress Assessment and Research)، جورج سلافيتش: “من الممكن أن يواجه المرء ضغوطاً مزمنة لا تؤثر عليه طوال حياته، كما يمكن أن يواجه ضغوطاً حادة تترك تأثيراً عميقاً يستمر مدى الحياة”.

من أجل تحفيز عملائي على التغلب على عادة الإفراط في التفكير، غالباً أشاركهم قصة سمعتها من مدربة التأمل ومؤلفة الكتب الأكثر مبيعاً على قوائم صحيفة نيويورك تايمز، شارون سالزبرغ. كان أحد الأشخاص يعاني وجود تقرحات في قدمه في أثناء رحلته الاستكشافية في نيبال، وبدلاً من الاستمتاع بالمناظر الطبيعية، كان الرجل يتوقع شعوره بالألم قبل كل خطوة، فيستشعر وخزاً عند وضع قدمه على الأرض، ثم يعيد تذكر الألم الذي شعر به مرة أخرى مع كل خطوة، ما أدى إلى تجربة سيئة للغاية. على غرار تجربة ذلك الرجل، نقع جميعنا في فخ التفكير المستمر بالضغوط التي نواجهها في حياتنا اليومية مراراً وتكراراً بدلاً من التركيز على الوقت الحاضر والاستمتاع باللحظة الحالية. للتغلب على عادة الإفراط في التفكير وتعلم كيفية التعامل مع التوتر، أوصي باتباع 4 استراتيجيات مهمة:

4 استراتيجيات فعالة لتخفيف التوتر

1. حافظ على اللحظة الحالية

عندما تشعر بأن تفكيرك يدفعك نحو مسار سلبي، توقف قليلاً وركز على اللحظة الحالية، ثم اسأل نفسك: ما الذي أفكر فيه؟ ما الذي أشعر به في جسدي الآن؟ ما الذي أفعله الآن؟ ثم اسأل نفسك: هل تفيدني أفكاري في هذه اللحظة؟

على سبيل المثال، إذا كنت تستعرض جدول أعمالك لليوم التالي قبل خلودك إلى النوم وتفكر في المهام الكثيرة التي ستنجزها، فإن التركيز على الوقت الحاضر يمكن أن يساعدك على إدراك ما تفعله ويمنعك من الانشغال بأفكار سلبية تؤدي إلى الأرق. ببساطة، تؤثر قلة النوم سلباً على أدائك وعملك في صباح اليوم التالي. تُدرّس هذه الطريقة في برنامج قائم على الأبحاث يُسمى “البروتوكول الموحد” (Unified Protocol)، الذي طوّره الأستاذ الفخري في جامعة بوسطن، الدكتور ديفيد بارلو، بالتعاون مع زملائه؛ إذ تُعالج هذه الطريقة الحالات المُرتبطة بالإفراط في التفكير، ويشمل ذلك الاكتئاب والقلق. بالطبع، تتطلب هذه الطريقة بعض الجهد والاستعداد، لكنها وسيلة جيدة لزيادة إدراكك لحالتك الراهنة، وهي طريقة سريعة بحيث تمكنك ممارستها بسهولة عدة مرات خلال اليوم.

2. لا تسمح للأفكار بالتحكم في تصرفاتك ومشاعرك

خلال مؤتمر حضرته منذ عدة سنوات، اقترب مني أحد الأشخاص الأكاديميين البارزين الذي أحترمه وسألني إذا كنت سألقي أي محاضرات، فأجبتُه على الفور ودون تردد: “لم يكن التحدث أمام الجمهور إحدى نقاط قوتي قط”. فأجاب: “هل حاولت تقييم هذه الفكرة بعقلانية؟” أعجبتني إجابته، التي تُعد مثالاً جيداً على الطريقة التي سنناقشها الآن.

غالباً، لا يكون معظم ما نفكر فيه عن أنفسنا مفيداً أو محفزاً. لذلك، بدلاً من السماح لهذه الأفكار بالسيطرة على حياتنا والتحكم بنا، يمكننا استخدام تقنية “الفصل المعرفي” (Cognitive Defusion)، التي تعني تقييم الأفكار بعقلانية وإدراك أنها مجرد تصورات غير دقيقة بالضرورة، وذلك لإنشاء مسافة بيننا وبينها، وبالتالي، يمكننا النظر إليها من منظور أوسع للتعامل معها بطريقة مختلفة والتوقف عن تضخيم أهميتها.

ما الأفكار؟ هي مجرد تصورات، وليست حقائق مطلقة وثابتة لا تقبل التغير. عندما شاركت هذه القصة مع أحد العملاء، بدأ يغني: “ما الأفكار؟ لا يمكن للأفكار أن تؤذيني، لا يمكنها أن تؤذيني بعد الآن” على أنغام أغنية “ما الحب؟” (What Is Love?) للفنان هاداواي. لتجنب الوقوع في فخ اجترار الأفكار، تعامل مع أفكارك بمرونة بدلاً من التمسك بها بوصفها حقائق مطلقة لا تقبل التغيير.

3. تقبّل حالة عدم اليقين

إن أحد أسباب شعورنا بالحاجة إلى الإفراط في التفكير هو الاعتقاد الخاطئ أنه من خلال استعراض الاحتمالات الكارثية في الحياة، سنتمكن من توقعها وتجنبها، وبالتالي، سنكون أقل توتراً. لكن الغريب في الأمر أن عدم قدرة الشخص على تقبّل حالة عدم اليقين يُعد مؤشراً على احتمالية مواجهة صعوبات في التعامل مع القلق والمشكلات النفسية الأخرى.

يمكن تبنّي خيار بديل وهو تقبّل كل ما يحدث في الوقت الحالي بصدر رحب، ويشمل ذلك الأمور المجهولة. لتجربة ذلك، انتبه إلى الأفكار المتكررة التي تراودك، هل تجد نفسك تقول: “يجب أن أعرف” أو “سيحدث الأسوأ بلا شك”؟ إذا كنت كذلك، فجرّب أن تحوّل تركيزك إلى اللحظة الحالية بانفتاح وفضول، وتوقف عن تكرار التفكير في سيناريوهات لا متناهية، وذلك من خلال الاسترخاء وإراحة عضلات الوجه والفكين واليدين، فهذه الإجراءات الجسدية البسيطة ستساعدك على الشعور بمزيد من الانفتاح.

من غير المجدي إهدار وقتنا في ممارسة التخمين الذي يستنزف طاقاتنا. يقول أستاذ علم النفس في جامعة كيبيك (University of Quebec)، الدكتور ميشيل دوغا: “يوجد عدد كبير من الأمور السيئة التي يمكن أن تحدث (على الرغم من عدم احتمالية حدوث معظمها)، ولا يمكننا توقعها جميعها مهما حاولنا”.

ربما يستلزم قبول حالة عدم اليقين مواجهة بعض مشاعر الخوف والقلق، لكن الأفضل من ذلك هو محاولة التحكم بالواقع بتفاصيله كافة، وهو أمر مستحيل بكل بساطة. عندما تتقبل مشاعرك وتُحافظ على تركيزك على اللحظة الحالية، ستدرك أن تلك المشاعر عابرة ومؤقتة، على عكس اجترار الأفكار، الذي يمكن أن يسيطر عليك لساعات.

4. مارس التوكيد الذاتي

يمكن أن تؤدي المشكلات العالقة مع الأشخاص الذين نتعامل معهم يومياً إلى الإفراط في التفكير. ربما يتفوه أحد العملاء بعبارات مسيئة، أو يتجاهلك صاحب العمل المحتمل بعد عدة مقابلات، ولا تمكنك مواجهتهم مباشرة. قد تعيد التفكير في الحدث في ذهنك، مع إضافة ردود أفعالك الغاضبة، محاولاً إجراء الحوار الذي تتمنى لو أنه حدث. أنا أفعل ذلك بنفسي، وكذلك يفعل العديد من عملائي.

يمكن أن تكون إعادة التفكير في موقف سابق مجحف بحقنا مراراً وتكراراً وسيلة لتبرير انزعاجنا وإيجاد مساحة لنعبر عن آرائنا ومشاعرنا. تكمن المشكلة في أن تلك المحادثات التي تدور في ذهنك، والتي لن تُجريها أبداً، ستؤدي فقط إلى إطالة فترة معاناتك وانزعاجك. بدلاً من ذلك، جرب استراتيجية “التوكيد الذاتي” (self-validation)، التي تُستخدم غالباً في “العلاج السلوكي الجدلي” (Dialectical Behavior Therapy)، وهي طريقة طورتها الأستاذة الفخرية في جامعة واشنطن، الدكتورة مارشا لينيهان؛ إذ يمكنك من خلال اتباع تلك الاستراتيجية تقبّل مشاعرك والاعتراف بأنها مشاعر طبيعية ومقبولة وتجنب الوقوع في دوامة الأفكار السلبية التي تسبب لك الضيق والحزن. على سبيل المثال، ربما تفكر في شيء مثل: “لم أتوقع هذا الأمر، بالطبع أشعر بالغضب والحزن“؛ إذ يمكن أن يسهم ذلك في تخفيف الألم قليلاً، بدلاً من تكرار الحديث عن الظلم الذي تعرضت له واستمرار مشاعر الضيق والانزعاج في أعلى مستوى.

ستساعدك ممارسة هذه الاستراتيجيات على تحسين “المرونة النفسية” (Psychological Flexibility)، وهو مصطلح صاغه الدكتور ستيفن هايز، الذي طوّر أسلوب العلاج بالقبول والالتزام (Acceptance and Commitment Therapy). أظهرت الأبحاث أن امتلاك المرونة النفسية يُعد عنصراً أساسياً للتكيف مع الحياة وتعقيداتها كافة. كل ما يتطلبه الأمر هو السماح لنفسك بأن تكون مدركاً لأفكارك ومتقبلاً لمشاعرك، مع الاستمرار في السعي لتحقيق أهدافك وقيمك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .