كيف تتغير الاستراتيجية بتغيّر غاية الشركة؟

4 دقائق
التخطيط الاستراتيجي في الشركات

ملخص: بعد البيانات التي أصدرتها جمعية بزنس راوند تيبل (Business Roundtable) الأميركية في عامي 2019 و2021، تم توسيع نطاق الغاية الأساسية للشركة من مضاعفة القيمة للمساهمين إلى مضاعفتها لجميع أصحاب المصالح. الآثار المترتبة على ذلك هي: يجب الآن قياس الأداء على أبعاد أكثر بكثير من ذي قبل، ويتعين على القادة مساعدة الموظفين على الانتقال إلى عقلية تركز على أصحاب المصلحة وتوسيع نطاق المشاركة في عملية صنع الاستراتيجية والتأكد من أن استراتيجياتهم تعكس غاية الشركة حقاً.

 

السؤال الرئيس الموجه للقادة المكلفين بوضع الاستراتيجية الكلية للشركة هو "ما هي الغاية الأسمى لهذه الشركة؟". لحسن الحظ، حددت جمعية بزنس راوند تيبل الأميركية النهج الأساسي المتبع للإجابة عن هذا السؤال بوضوح. ففي أغسطس/آب عام 2019، أصدرت "بياناً حول غاية أي شركة"، وقد وقَّع عليه 181 رئيساً تنفيذياً لشركات من بينها آبل ووول مارت (Walmart). وورد في البيان أن الشركات تُؤسَّس من أجل منفعة جميع "أصحاب المصالح" بمن في ذلك "العملاء والموظفون والموردون والمجتمعات والمساهمون". وقد أعادت الجمعية تأكيد موقفها في عام 2021.

على الرغم من أن فكرة التطرق إلى سبب وجود شركة ما كانت موجودة منذ سنوات، وتبنتها شركات مثل يونيليفر (Unilever) وباتاغونيا (Patagonia)، فإن البيان الذي صدر عام 2019 أحدث ثورة صغيرة. فقد بيَّن أن هذه الفكرة دخلت الآن ضمن الاتجاه السائد.

أظهر البيان أيضاً التحول في موقف الجمعية التي كانت تفترض في السابق أن تلبية احتياجات المساهمين هي الغاية الأساسية لأي شركة. ففي أعقاب الأزمة المالية العالمية التي وقعت ما بين عامي 2007 و2008، أدركت الجمعية أنه لا يمكن أن يتمحور تركيز غاية الشركة على مجموعة واحدة؛ إذ يجب أن تراعي الشركات احتياجات جميع أصحاب المصالح.

ما يقلقني هو أن شركات كثيرة لا تدرك كامل الآثار المترتبة على اتباع غاية تركز على أصحاب المصلحة. فقد أظهرت دراسة أجرتها شركة كيه بي إم جي (KPMG) بوضوح أن ذلك له بالتأكيد العديد من الآثار الإيجابية، مثل زيادة الشعور بالفخر واندماج الموظفين ورفع المعنويات. ولكن له أيضاً آثار كبيرة على كيفية إجراء التخطيط الاستراتيجي في الشركات وترافقه مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الشركات لمواصلة العمل حتى إنجازه. إذاً، كيف يسير الأمر في الشركات التي تتسم بالمصداقية؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة إليّ وبالنسبة إلى أعمالك؟

تعدد المقاييس

تُعد بي آتش بي (BHP) أكبر شركة في أستراليا من حيث القيمة السوقية، وقيمتها أعلى بنحو 50% من ثاني أكبر الشركات قيمة: كومنولث بنك (Commonwealth Bank). وفقاً لتقرير بي آتش بي السنوي لعام 2017، كانت غايتها تركز على المساهمين فقط، وكانت تهدف إلى "خلق قيمة طويلة الأجل للمساهمين من خلال اكتشاف الموارد الطبيعية واقتنائها وتطويرها وتسويقها". وبعد عام 2019، تم توسيع نطاق غايتها "لجمع الأشخاص والموارد معاً من أجل بناء عالم أفضل"، وفقاً لآخر تقرير سنوي أصدرته.

يمكن رؤية تأثير هذا التغيير في الصياغة في التخطيط الاستراتيجي لشركة بي آتش بي. ففي التقرير السنوي لعام 2017، كان تركيز الشركة منصباً على الأداء المالي وإدارة المخاطر، تماشياً مع تركيزها على المساهمين. وقد استخدمت في تقريرها السنوي الأخير أسلوباً أوسع نطاقاً وأدق، مع التركيز على إسهام الشركة في "القيمة الاجتماعية". "تسلط الشركة الضوء" على أدائها فيما يتعلق بالنتائج مثل النسبة المئوية للنساء في قوة العمل وانبعاثات الغازات الدفيئة والسكان الأصليين في قوة العمل والمبلغ المستثمَر في البرامج البيئية والاجتماعية. ومن الواضح أن الشركة تستثمر في مجموعة أوسع نطاقاً من أصحاب المصالح وتقيس تأثيرها عليها.

يُعد كومنولث بنك ثاني أكبر شركة في أستراليا من حيث القيمة السوقية وأكبر بنك فيها. في عام 2017، لم يكن للبنك غاية معلنة على الإطلاق. ومع ذلك، وكما ورد في تقريره السنوي لعام 2017، يمثل العملاء "الأولوية الرئيسية في استراتيجيتنا". حتى إنه ورد ذكر "الموظفين" من ناحية ما يمكنهم فعله للعملاء.

غيَّر البنك موقفه الآن، وذكر في تقريره السنوي الأخير أن غايته هي "تحسين الرفاه المالي لعملائنا ومجتمعاتنا". ويُعد هذا توسعاً كبيراً. إذ يسلط تقرير رئيس مجلس الإدارة، وهو جزء من التقرير السنوي، الضوء على "النتائج المستدامة لجميع أصحاب المصالح" ويختتم بعبارة: "ندرك أهمية تحقيق أفضل توازن في النتائج لجميع أصحاب المصالح". من الواضح أن هذا التركيز لم يُذكَر في البيان المشترك لرئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في التقرير السنوي لعام 2017.

تُعد شركة وول ورثز (Woolworths) أكبر سلسلة سوبر ماركت في أستراليا. وقد صُنفت حسب بعض التقديرات على أنها العلامة التجارية الرائدة لأستراليا. في عام 2017، بدت الشركة غير متأكدة من غايتها وقدمت بيانين. ركز أحدهما على تحسين الجودة، وقد ورد فيه بالتحديد: "تحسين جودة الحياة" لـ "عملائنا" و"موظفينا". وكان الآخر: "نركز على عائدات المساهمين من خلال التوظيف الفعال لرأس المال والتأكد من أننا نحقق أهداف مجموعتنا".

ابتعدت الشركة الآن عن هذين البيانين وعن أي ذكر للمساهمين، وجاء في بيانها الأخير: "لخلق تجارب أفضل معاً من أجل غدٍ أفضل". ويظهر تأثير ذلك على تخطيطها الاستراتيجي من خلال المجموعة الأوسع نطاقاً من المقاييس التي أصبحت توفرها الآن لمجموعات أصحاب المصلحة: المساهمون والعملاء والشركاء (الموردون) والفريق (الموظفون) والمجتمع.

تُعد شركة كيه بي إم جي واحدة من "شركات المحاسبة الأربعة الكبيرة" في أستراليا. وفي حين أنها كانت تمضي قدماً في تحقيق غايتها قبل بيان جمعية بزنس راوند تيبل، فقد كانت مثالاً واضحاً على تأثير ذلك في تنفيذ استراتيجية الشركة. مثل العديد من الشركات الأخرى، بما في ذلك سيسكو (Cisco) وهازبرو (Hasbro) وديلويت (Deloitte) وإنتربيد غروب (Intrepid Group)، أنشأت شركة كيه بي إم جي دوراً خاصاً ضمن المناصب التنفيذية العليا: الرئيس التنفيذي لغاية الشركة. وهذا الشخص "مكلف بتحدي مجلس الإدارة والمشاركة في القرارات التي يتم اتخاذها، والتأكد من توافقها مع غايتنا وقيمنا".

المهمات التي يتعين القيام بها

من واقع خبرتي في تقديم الاستشارات للشركات على مدار سنوات عديدة، الموظفون لديهم شكوك "صحية" إزاء "البدع الإدارية". ويجب أن تكون على دراية بهذا عند التخطيط الاستراتيجي لشركتك. فقد اجتمع المدراء لمناقشة رسالة الشركة، وفكروا ملياً في رؤيتها، وحددوا قيمها، ولطالما تساءلوا: ما هو التأثير الذي ستحدثه؟ والآن يُطلب منهم النظر في غاية الشركة.

في حين أن هناك دليلاً على أن الشركات التي لديها غاية واضحة تكون أفضل أداءً من الشركات التي ليس لديها غاية واضحة، فإن هذا يتطلب الكثير من العمل الشاق. فيما يلي قائمة جزئية بالمهمات التي يتعين عليك القيام بها، ولا أوجهها إلى الرؤساء التنفيذيين ومجالس الإدارة في الشركات من جميع الأحجام فحسب، بل إلى كبار المسؤولين التنفيذيين في المناصب القيادية أيضاً.

  1. تثقيف موظفيك بشأن احتياجات أصحاب المصالح، وهذا يشمل المجتمع. سيكافح الموظفون العالقون في العقلية القديمة التي تركز على "تعظيم القيمة السهمية" لإجراء التغيير، لا سيما هؤلاء الذين يعملون في الوظائف المالية. وهنا توجد أيضاً آثار متعلقة بالثقافة التنظيمية.
  2. توسيع نطاق المشاركة في عملية التخطيط الاستراتيجي في الشركات. بمجرد أن تسلم بأهمية أصحاب المصلحة الرئيسيين في تصميم الاستراتيجية، فمن المنطقي تماماً الحرص على وضع استراتيجيتك بالتعاون معهم قدر الإمكان.
  3. التأكد من تنفيذ غاية شركتك من خلال استراتيجية مفصلة. أدركت شركة كيه بي إم جي، إضافة إلى العديد من الشركات الأخرى، أن الإخفاق في تنفيذ غاية الشركة سيؤدي إلى إلحاق أضرار بالغة بالشركة. وتعاني شركات عديدة قصوراً في هذا الجانب.

تُعد الشركات التي تحركها غاية جزءاً من العصر الحديث، وأؤمن أنها ستبقى وتستمر. ونتيجة لذلك، يجب تغيير أساليب التخطيط الاستراتيجي في الشركات، وسوف تستمر في التطور من هذه اللحظة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي