ما هي الخرافات التي تدمر التخطيط الاستراتيجي؟

3 دقائق

يعني التفكير الاستراتيجي اتخاذ قرار بشأن أي الفرص يجب أن تركّز وقتك عليها، وأي الفرص تحتاج جهد موظفيك، وأموالك، وأيها يجب أن تتجاهله. ولخّص نابليون بونابارت، وهو واحد من أعظم المفكرين الاستراتيجيين في التاريخ، الأمر على النحو التالي: "كي تركّز قواك الخارقة في مكان ما، يجب أن تدّخر قواك في الأماكن الأخرى". ولكن إذا لم يكن هذا الإمبراطور الفرنسي هو مثلك الأعلى، فإنّ مايكل بورتر، الأستاذ الجامعي في معهد الاستراتيجية والتنافسية في كلية هارفارد للأعمال، يعبّر عن الأمر على النحو التالي: "يكمن جوهر الاستراتيجية في اختيار ما لا يجب القيام به".

وإذا ما طبقنا ذلك على أعلى المستويات، فإنه يعني بيع شركة من أجل شراء أخرى. وغالباً ذلك يعني اتخاذ قرار تأجيل بعض المبادرات بغية تركيز معظم الموارد على مجال رئيسي وحيد.

يبدو هذا بسيطاً بما يكفي، غير أن ثمة ثلاث خرافات لا تزال تجعل من التفكير الاستراتيجي أداة غامضة وقاضية في مؤسسات هذه الأيام:

الإنتاجية هي الهدف

تعني الإنتاجية إنجاز الأمور. أما التفكير الاستراتيجي فيعني إنجاز الأمور الصحيحة بطريقة متقنة. والنتيجة الطبيعية الناجمة عن هذه الحقيقة هي أنّ الاستراتيجية تتطلب التخلي عن بعض الأشياء وعدم إنجازها، ما يستثير مزيجاً من المشاعر غير المستحبة. فعندما تترك مشاريعاً دون أن تنجزها، أو عندما تكتفي بإنجازها جزئياً، يتعيّن عليك التنازل عن الشعور بالثقة والسيطرة الذي يشعر به الإنسان عند السعي إلى تحقيق هدف ملموس والوصول إليه. وسيتعيّن عليك أن تحارب تلك الظاهرة النفسية الشاملة القائمة على تجنب الخسارة، والتي تنشأ عادة عندما يتعين على الفرق أن تودّع مشروعاً مستحباً تكبّدت الشركة في سبيله الكثير من الوقت والمال. كما سيتعيّن عليك التعامل مع الشعور بالرفض الذي يشعر به أعضاء فريقك عندما تُخبرهم بأنّ الفكرة الكبيرة التي يعملون عليها أو الوظيفة التي يؤدونها سوف تؤجّل أو توقف لصالح شيء آخر أكثر قيمة.

وفي مواجهة كل هذا الجو غير المحبب، من المغري مواصلة العمل الحثيث من أجل تحقيق الإنتاجية. ففي نهاية المطاف، ما المشكلة في الإنتاجية؟

المشكلة هي أنّ الإنتاجية تتصف من الناحية الاستراتيجية بعدم اليقين والوضوح. كما أنّ إنتاج كمية كبيرة يختلف عن السعي إلى التميز. ودون وجود استراتيجية، تُعتبر الإنتاجية بلا معنى. وهنا لابدّ من اقتباس القول المشهور لبيتر دروكير، استشاري الإدارة، والمربي، والمؤلف: "لا شيء أكثر انعداماً للجدوى من الإنجاز الجيد لأمر ليس بحاجة إلى أن يُنجز أصلاً", لذلك يتمثل التحدي التالي في تحديد المهام الصحيحة التي تستحق التركيز عليها.

وظيفة القائد هي أن يحدد ما هو "مهم"

إليكم هذا التمرين السريع: ضعوا قائمة بكل مشروع ومبادرة يعمل عليها فريقكم في الوقت الحاضر. وعندما تنتهون من وضع القائمة، اشطبوا كل البنود التي لا تُعتبر مهمة.

إذا كنتم مثل 99% من الفرق، فإنكم لن تشطبوا حتى مشروعاً واحداً من هذه المشاريع. والسبب في ذلك هو أنّ كل مشروع يعمل عليه فريقكم يُعتبر "مهماً" لشخص ما في مكان ما. وكل المشاريع "تضيف القيمة" إلى شركتكم بطريقة ما مهما كانت غامضة. لذلك، فإنّ خوض النقاش حول ما هو مهم وما هو غير مهم يُعتبر أمراً لا طائل منه. ويتعيّن على المفكرين الاستراتيجيين أن يقرروا أين يركّزون، وليس فقط أن يقرروا ما هو "مهم". كما يجب على القادة الاستراتيجيين، وبكل وعي، التخلي عن بعض المشاريع "المهمة" أو تجاهل بعض الفرص "المهمة".

في الوقت الذي تقضي فيه الفرق المنتجة ساعات عمل إضافية لإنجاز مشروع هام تلو الآخر، على أساس إنجاز المشروع الذي بدؤوا به أولاً، ومن ثم الانتقال إلى المشروع التالي، فإنّ الفرق الاستراتيجية، من جهة أخرى، تقرّر ما هي المشاريع التي ستقدّم الإسهام الأكبر إلى الاستراتيجية المعلنة للمؤسسة، في حين تؤجّل بقية المشاريع "المهمة".

التفكير الاستراتيجي يقتصر على التفكير فقط

ليست القيادة الاستراتيجية معادلة رياضية أو تجربة تجرى على فكرة معينة. ففي نهاية المطاف، الأفكار الاستراتيجية يجب أن تقود إلى اتخاذ إجراءات استراتيجية. فالتحاليل الشاملة للتكاليف والمكاسب، المليئة بالتوقعات التي تصيبك بالدوار عند النظر إليها، والأشكال البيانية المغرية، وملفات إكسل المليئة بالجداول والخانات، كلها تعتبر عديمة الجدوى دون وجود قرار مؤلف من بنود قابلة للتنفيذ. وعلى الرغم من أنّ النجاح غير مؤكد، ومن الصعب اتخاذ القرار، واحتمال الفشل قائم بشكل دائم، إلا أنّ القيادة الاستراتيجية يجب أن ترتقي إلى المستوى المطلوب منها، وأن تتخذ قراراً بشأن ما الذي يجب على فريقها أن يوليه الاهتمام، وما الذي لا يستحق هذا الاهتمام.

يوماً ما قال نابليون: "لا شيء أصعب، وبالتالي أثمن، من أن يكون المرء قادراً على اتخاذ القرار". وهذا ربما هو السبب الذي يجعل من القدرة على اتخاذ القرار علامة من العلامات المميزة لمن يستحقون شغل أرفع المناصب القيادية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي