إذا كنت مدير توظيف، فقد تفضّل إجراء مقابلة غير منظمة مع المرشح لكسب فهم شامل عنه واستكشاف تفاصيل تعتقد أنها مثيرة للاهتمام ومهمة في شخصيته أو مهاراته. (ما هو رأي المتقدمة في الشركة السابقة التي عمِلَت بها؟ هل تحب مدينة شيكاغو؟ ماذا فعلت خلال المدة التي توقفت فيها عن العمل؟) وتنطوي مهمتك أساساً على كسب فهم دقيق وشامل عن المرشح. لكن على الرغم من أن المقابلات غير المنظمة تحظى بأعلى التقييمات من حيث الفعالية من مدراء التوظيف، توصلت عدة دراسات إلى أنها من بين أسوأ المؤشرات لتوقع الأداء الفعلي في العمل، فهي أقل موثوقية بكثير من الاختبارات العامة للقدرات العقلية، أو اختبارات الاستعداد، أو اختبارات السمات الشخصية.
لماذا إذاً نواصل استخدام طريقة غير فعالة، على الرغم من وجود أدوات تساعد على اتخاذ القرارات وتقلل من الأخطاء في التنبؤ بأداء الموظفين، مثل الاختبارات، والمقابلات المنظمة، ومجموعة من المؤشرات الآلية؟ اعتبرَ عالم النفس التنظيمي سكوت هايهاوس هذه المقاومة لتبنّي أساليب التقييم الأدق "أكبر فشل في علم النفس الصناعي وكذلك التنظيمي".
يبدو أن رفض التخلي عن نهج التقييم الشائع ناتج من عاملين أساسيين: ثقة المدراء الزائدة في خبراتهم وتجاربهم الشخصية، واستياؤهم من فكرة اللجوء إلى نهج منظّم لاعتقادهم أنه يتسبب في تعهيد الحكم البشري إلى آلة.
عندما أجرت عالمة الاجتماع لورين ريفيرا مقابلات شخصية مع موظفي بنوك ومحامين واستشاريين، أفادوا بأنهم يبحثون عن أشخاص يشاركونهم تجارب أو خلفيات مماثلة في المقابلات عادة. لكن اختيار الأفراد الذي يتشابهون معنا في عمليات التوظيف يُسهم في تعزيز مشكلة التمييز بين الجنسين السائدة في الوظائف، إذ سيميل موظفو البنوك الذكور إلى توظيف مزيد من الموظفين الذكور، وستميل المعلمات الإناث إلى توظيف مزيد من المعلمات الإناث.
وقد ندرك الحقائق بعد عناء أحياناً. على سبيل المثال، أدرك المشرّعون في ولاية تكساس قبل بضع سنوات أن الولاية تعاني نقصاً في عدد الأطباء. ولحل المشكلة، فرضت الهيئة التشريعية على كلية الطب في جامعة تكساس في هيوستن زيادة عدد الطلاب الجدد المقبولين في الدفعة الجديدة من 150 طالباً إلى 200 طالب، بعد أن اختارت لجنة القبول الـ 150 طالباً بالفعل. وبما أن معظم الطلاب تقدموا بطلبات للالتحاق بأكثر من كلية طب واحدة في الوقت نفسه، حصل بقية المرشحين الأعلى تصنيفاً على قبولاتهم في الكليات التي تقدموا لها خلال ذلك الوقت. وذلك يعني أن مجموعة الطلاب المتاحة أصبحت مكونة من المرشحين الذين حصلوا على تصنيف متدنٍ من لجنة القبول في كلية الطب سابقاً. ومن بين الطلاب الـ 50 الذين اختارتهم اللجنة في النهاية، تلقى 7 منهم فقط عروضاً من كليات طب أخرى.
وتحوّل هذا المطلب الذي فرضته الحكومة إلى دراسة ميدانية مُلهمة، إذ إنه أتاح للباحثين في جامعة تكساس دراسة أثر التصنيف الأولي للطلاب على أدائهم في أثناء دراستهم في كلية الطب وبعدها. وكانت النتائج صادمة: تبيّن أنه لا فرق في الأداء بين الطلاب الذين حصلوا على قبول وأولئك الذين حصلوا على رفض في المرحلة الأولية. واكتشف الباحثون بعد دراسة مفصّلة أن ثلاثة أرباع الفرق في التقييمات بين الطلاب الذين حصلوا على قبول وأولئك الذين حصلوا على رفض في البداية كان عائداً إلى تصورات المحاورين حول المرشحين في أثناء المقابلات غير المنظمة، وليس إلى مقاييس موضوعية، مثل الدرجات. وبناءً على هذا الاكتشاف، تساءل الباحثون عن إمكانية الاستعاضة عن المقابلات التقليدية بقرعة بين المتقدمين المؤهلين بعد مرحلة التقييم الأولي للأداء الأكاديمي والأداء في المهارات الأخرى.
لا أتوقع أن تحلّ القرعة محل المقابلات في معظم الحالات، لكن الأدلة التي تدعم عدم فعالية المقابلات يجب أن تجعل أي مدير توظيف يفكر ملياً بشأن عملية التقييم. بعبارة أخرى، ينبغي ألا تكون هذه المقابلات أداة التقييم الأولى بسبب وجود تحيزات شخصية ولاحتمال خروجها عن مسار الحوار الأصلي والتماسها معلومات غير ذات صلة. بدلاً من ذلك، يجب على المدراء استخدام أدوات تقييم أثبتت فعاليتها في التنبؤ بأداء الموظفين في المستقبل؛ وربما أهمها طلب عيّنات عمل مرتبطة بالمهام التي يُتوقع من المرشح أداؤها. على سبيل المثال، قررت شركة كومبوز (Compose) المتخصصة في التخزين السحابي عدم استخدام السير الذاتية والاستعاضة عنها بتقييم المرشحين بناءً على مدى قدرتهم على حل مشكلات مرتبطة بالوظائف التي يتقدمون إليها. وتقدم عدة شركات بالفعل أدوات وبرمجيات تحليلية تساعد على تنظيم إجراءات التوظيف مثل شركات أبلايد (Applied) وبليندور (Blendoor) وإيدج (Edge) وغاب جمبرز (GapJumpers) وإنترفيوينغ دوت آي أو (Interviewing.io) وبارادايم (Paradigm) ويونيتيف (Unitive).
ومع ذلك، سترغب غالبية الشركات في إجراء مقابلات مع المرشحين بعد تقييم عيّنات العمل. ويجب عليها في تلك الحالة الاعتماد على مقابلات منظمة وموحدة بين المرشحين، ما يُسهم في التقليل من التحيزات والاعتبارات الذاتية. تقدم هذه المقابلات مجموعة من الأسئلة الموحدة وبالتسلسل نفسه لجميع المرشحين، ما يتيح إجراء مقارنات موضوعية بينهم. وقد يبدو استخدام هذا النهج منطقياً بالفعل، لكن لا تزال الشركات تفضّل استخدام أساليب أخرى في عملية التوظيف. سيكون سير الحوار خلال المقابلة صعباً في البداية، لكن الفائدة المحققة تستحق الجهد والتكلفة في النهاية.
يجب أن تشتمل الإجراءات أيضاً على تسجيل المحاور درجات كل إجابة فور تقديمها من المرشح، فذلك يُسهم في التقليل من مجموعة واسعة من التحيزات التي تؤثر في عملية التقييم. بعبارة أخرى، من الطبيعي أن نتذكر الإجابات التي تحتوي على أمثلة حية أو واقعية، والإجابات التي سمعناها آخر المقابلة. لكن عندما ينتظر المحاورون انتهاء المقابلة لتقييم الإجابات، فقد ينسون إجابة ما قدمها المرشح بداية المقابلة أو مثالاً غير واقعي طرحه لكنه عالي الجودة، أو يفضلون المرشحين الذين يتمتعون بأسلوب السرد القصصي.
من الأجدى أيضاً مقارنة إجابات المرشحين سؤالاً بسؤال. بعبارة أخرى، إذا كنت تجري مقابلة مع 5 مرشحين، فقارن إجابة كل منهم عن السؤال الأول، ثم إجاباتهم عن السؤال الثاني، وهلمّ جرّاً. يتّبع العديد من الأكاديميين، وأنا منهم، هذا النهج عند تقييم الامتحانات. ومن المحبّذ أن يُخفي المقيّمون تقييمهم للسؤال الأول عن أنفسهم أيضاً لتقليل احتمال أن تؤثر الإجابات في درجات الأسئلة التالية. ويكتشف المحاورون بالفعل أن بعض المرشحين يقدمون إجابات متميزة لبعض الأسئلة وإجابات مخيبة للآمال بشدة لأسئلة أخرى. وعلى الرغم من أن هذا النهج يعقّد عملية التقييم، يُعد الكشف عن هذه التناقضات الداخلية أمراً يستحق الجهد، ولا سيما إذا كانت هناك أسئلة تحظى بأهمية كبيرة خلال عملية التقييم.
تساعدنا تقييمات المقارنة على مقارنة الأداء بين المرشحين وتجنبنا الاعتماد على الصور النمطية لتوجيه انطباعاتنا. على سبيل المثال، أظهرنا في بحث مشترك مع ماكس بازرمان من كلية هارفارد للأعمال وألكساندرا فان غين من جامعة إيراسموس روتردام، أن التحيزات التي تجعلنا نعتقد أن النساء أفضل في الوظائف التي ترتبط نمطياً بهن، مثل التمريض، وأن الرجال أفضل في الوظائف التي ترتبط نمطياً بهم، مثل الهندسة، تزداد وضوحاً عندما نركز على تقييم مرشح واحد فقط في كل مرة. من ناحية أخرى، يقل اعتماد المحاورين على مدى ملاءمة المرشح "مع الصورة النمطية السائدة للمنصب" عندما يقيّمون عدة مرشحين في الوقت نفسه ويقارنونهم بأسلوب منهجي.
إن المقابلات المنظمة لا تعني فقط طرح الأسئلة بأسلوب منتظم، بل تعني تنظيم محتوى المقابلات باستخدام البيانات أيضاً، مثل النهج الذي تتبعه شركة جوجل وغيرها من الشركات. حيث تعمل إدارات التحليلات المحوسبة للأشخاص فيها على تحليل البيانات لتحديد الأسئلة التي تُسهم في التنبؤ بنجاح المرشحين في العمل، إذ تمثّل الإجابات المتميزة من مرشح ما عن أسئلة معينة مؤشراً قوياً حول أدائه المستقبلي، لذا من المنطقي أن تتلقى الإجابات عن تلك الأسئلة وزناً إضافياً في عملية التقييم.
تمثّل الاستعاضة عن المقابلات غير المنظمة بالمقابلات المنظمة جزءاً فقط من التحدي؛ والحل الأمثل هو أن يتخلى المدراء عن المقابلات الجماعية تماماً، إذ لا توجد أدلة تدعم فعالية المقابلات الجماعية في توقع أداء المرشحين في المستقبل. ومن المهم الحفاظ على استقلالية المحاورين في المقابلات قدر الإمكان، فإذا كان لديك 4 مقيّمين، فإن 4 نقاط بيانات من مقابلات فردية تفوق نقطة بيانات واحدة من مقابلة جماعية.
وبمجرد أن ينتهي المقيّمون من وضع تقييماتهم لجميع المرشحين، يجب عليهم تسليمها قبل الاجتماع المخصص لمناقشة أداء المرشحين، ما يتيح للمؤسسة تجميع الإجابات؛ أي النقاط المرجحة من 1 إلى 10 على الأسئلة المطروحة بالترتيب نفسه. وعندما يحصل مرشح ما على تقييم يتجاوز عتبة معينة، فيجب تأهيله حينها للمرحلة الثانية من عملية التقييم والاختيار. كما ينبغي ألا تطرح أسئلة لا تتعلق بالوظيفة التي تقدّم إليها المرشح، مثل الفريق الذي يشجعه.
يُعد تطبيق التعديلات المذكورة بداية عملية التغيير، إذ من المهم بعد أن تتقبل حقيقة عدم فعالية نهج المقابلات غير المنظمة أن تواصل اختبار الطرق وضبطها لتتناسب مع سياق مؤسستك. على سبيل المثال، أعمل أنا وزملائي مع حكومة دولة كبيرة لتحسين إدارة المواهب. ونفّذنا بالفعل سلسلة من اختبارات أ/ب لتقييم القوة التحليلية لاختبارات عينات العمل وأسئلة المقابلات الموجهة للموظفين الحكوميين. بعبارة أخرى، إن تحليل البيانات والابتكار في تصميم عمليات التقييم، مثل تقييمات المقارنة، يساعد المؤسسات في تحقيق العدالة والاستفادة من شبكة المرشحين للوظائف كلها.
باختصار، يتأثر مدراء التوظيف بتحيزاتهم الشخصية تأثراً كبيراً ودون وعي منهم، مثل غيرهم من الأشخاص في معظم المجالات الأخرى. وعلى الرغم من صعوبة تغيير العقليات المتحيزة، يمكن تصميم المؤسسات بطرق تمنع هؤلاء الأشخاص من التأثير سلباً في الأحكام والقرارات. كما يجب على المؤسسات التوقف عن هدر الموارد في محاولة لتقليل التحيزات؛ وتركيز جهودها بدلاً من ذلك على تحسين إجراءات التوظيف لضمان التخلص من أي تحيزات فيها. وتُعد اختبارات عينات العمل والمقابلات المنظمة وتقييمات المقارنة أذكى الطرق وأمثلها لتحقيق ذلك، ما يتيح للمؤسسات توظيف أفضل المواهب بدلاً من توظيف أولئك الذين يتوافقون مع الصورة النمطية للمنصب. قد لا يخلصنا التصميم الذكي لممارسات التوظيف وإجراءاته من أوجه القصور، لكنه قد يجعل تحيزاتنا عاجزة عن التأثير في عملية التوظيف، ما يُسهم في منع القرارات التمييزية وغير المدروسة التي قد تنجم عن تحيزات غير مبررة.