بحث: كيف تتغير نسب التحيز لدى الأميركيين مع مرور الوقت؟

4 دقائق

في عام 1937 لم يؤمن سوى 33% من الأميركيين أن المرأة يمكن أن تكون رئيسة للبلاد، اليوم يبدي 92% من المواطنين تأييدهم لهذا الاحتمال. وفي عام 1958، لم يوافق سوى 4% من الأميركيين من أصحاب البشرة البيضاء على زيجات من أصحاب البشرة السمراء، أما اليوم فيوافق 87% من الأميركيين من أصحاب البشرة البيضاء على تلك الزيجات. تسلط هذه النتائج الضوء على حقيقة أن عقولنا قابلة للتغير، بل تغيرت فعلياً، نحو المزيد من تكافؤ الفرص. وهذه أخبار سارة لقادة قطاع الأعمال، نظراً لأن زيادة فرص التنوع لها فوائد عديدة للمؤسسات، فهي تتيح الفرصة، على سبيل المثال، لظهور أفضل المواهب، وتجعل الفرق أكثر ذكاءً، وتُحسن الأداء المالي.

في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، وثّقت الدراسات الاستقصائية، مثل تلك التي أجرتها مؤسسة "غالوب" (Gallup) والمسح الاجتماعي العام، و"مركز بيو للأبحاث" (Pew)، عدداً من التغيرات طويلة الأجل في المواقف والمعتقدات حيال الفئات الاجتماعية، خصوصاً تلك التي ترتبط بالنوع، واللون، والعرق. يُشار اليوم على نطاق واسع إلى هذه المواقف والمعتقدات، التي يجري قياسها عبر التقارير الذاتية للدراسات الاستقصائية، على أنها مواقف ومعتقدات صريحة، لأنها تعكس الذاكرة الواعية والتقارير التي يمكن مراقبتها عن محتويات عقل الفرد.

لكن التقارير الذاتية لها حدود، لأن المشاركين قد يتحاشون الكشف عن مواقفهم الحقيقية (بغية رسم صورة إيجابية عنهم كأشخاص يعطون الإجابة الصحيحة)، أو قد يكونون غير قادرين على تقرير مواقفهم (بسبب عدم الوعي القطعي بآرائهم). واستجابةً لذلك، طوّر العلماء طرقاً غير مباشرة للقياس النسبي للمواقف الأقل قابلية للتحكم وغير القطعية، والمعروفة باسم المواقف الضمنية. على سبيل المثال، يستخدم اختبار المواقف الضمنية الأوسع انتشاراً - اختبار التداعيات الضمنية (IAT) - أوقات استجابة الأشخاص لتصنيف بعض المحفزات كمقياس غير مباشر لمواقفهم تجاه تلك المحفزات. والأهم من ذلك أنه قد ثبُت أن المواقف الصريحة والضمنية تؤثر على السلوك، بما في ذلك القرارات المرتبطة بمحل العمل مثل التوظيف.

ولأنها تستعصي على التحكم، كان يُفترض أن يكون تغيير المواقف الضمنية أكثر صعوبة من المواقف الصريحة. في الواقع، أثبتت الدراسات السابقة، التي ركزت على مرونة المواقف الضمنية على المدى القصير، أنه على الرغم من فاعلية بعض التدخلات في تغيير أوجه تحيز الفرد الضمنية مؤقتاً، فإن التغيرات لم تدُم عادة، وبعضها يعاود الظهور من جديد بعد يوم واحد فقط.

يظهر بحثنا الجديد، لأول مرة، أن المواقف الضمنية للمجتمع يمكن أن تتغير، بل وتتغير فعلياً، بشكل دائم بمرور الوقت، رغم حدوث ذلك بمعدلات مختلفة، وفي اتجاهات متباينة تبعاً للمشكلة. بالاستناد إلى بيانات مستمدة من أكثر من 4 ملايين اختبار للمواقف الصريحة والضمنية تم جمعها في الفترة بين عامي 2007 و2016، وجدنا أن تحيز مواقف الأميركيين الضمنية حيال العرق ولون البشرة قد انخفضت جميعها بشكل ملموس على مدار العقد الماضي. كما لمسنا أيضاً بعض الجوانب (كالسن والإعاقة ووزن الجسم) والتي تعتبر الأخبار بشأنها غير إيجابية إلى حد بعيد.

كانت بياناتنا مستقاة من 4.4 ملايين اختبار للتداعيات الضمنية والتقارير الذاتية التي تم جمعها على موقع (implicit.harvard.edu.) واستخدمنا في تحليلها نماذج إحصائية مماثلة لتلك المستخدمة في تحليل اتجاهات الأسواق والتنبؤ بها في الاقتصاد، وتم تطبيقها على دراسة تغيُّر المواقف بمرور الزمن. أجرينا أيضاً تحليلات إضافية للتحكم في العديد من التفسيرات المحتملة لنتائجنا، مثل التغيُّرات في العينة بمرور الزمن (كاحتمال أن تُصبح العينة أصغر سناً، على سبيل المثال).

بعض المواقف تتغير إلى الأفضل

تكشف البيانات عن نمط تغير بعض المواقف في المجتمع الأميركي في الفترة من عام 2007 إلى عام 2016، فقد تحولت جميع المواقف الضمنية المناهضة لأصحاب البشرة الداكنة إلى الحياد. أما المواقف الضمنية تجاه المرأة فقد شهدت أسرع معدلات التغير، بانخفاض التحيز على مدى السنوات العشر. لا يتميز هذا التغير بسرعته فحسب، بل بثباته أيضاً: يتوقع النموذج استمرار انخفاض معدلات التحيز ضد المرأة بمرور الزمن، ليصل إلى الحياد التام (التحيز الصفري) في الفترة بين عامي 2025 و2045 – بمعنى أن هذا سيحدث في أثناء حياة الكثير منا. علاوة على ذلك، فإن هذا التغير واسع الانتشار: بمعنى أنه موجود بين الرجال والنساء، والأشخاص المستقيمين والشباب والمسنين، والليبراليين والمحافظين، رغم أن الليبراليين والشباب يظهرون التغيُّر بمعدلات أكبر.

كما تغيرت المواقف الضمنية تجاه العرق ولون البشرة نحو الحياد أيضاً، بنسبة 17% و15% على الترتيب، وهو ما يُعتبر نوعاً من التقدم، إلا أنه يجدر الإشارة إليه في ضوء مدة الملاحظة البالغة عشر سنوات. بالنسبة للموقفين، زادت سرعة هذا التغير بشكل خاص في السنوات الأخيرة، إذ تُظهر نقطة انعطاف مرئية تغيراً أسرع منذ حوالي عام 2012 إلى عام 2013.

في الوقت الحالي، لا يسعنا إلا أن نتكهّن بأسباب تغيُّر المواقف حيال المرأة بسرعة كبيرة، وباستمرار مقارنةً بالمواقف الأخرى. أولاً، من الصعوبة إخفاء العرق أو لون البشرة، على سبيل المثال. يمكن لأصحاب البشرة السمراء، على سبيل المثال، تطوير علاقات شخصية مع الجيران والأصدقاء بشكل طبيعي. ثانياً، قد يحدث تغيُّر المواقف الضمنية حول النوع والعرق في جميع شرائح المجتمع، بما في ذلك تجاوز الحواجز المتعلقة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والدين والجغرافيا. مثل هذه الفرص واسعة الانتشار للتواصل الإيجابي قد تُشجع على تغيير المواقف، ولا ينطبق ذلك على المواقف تجاه العرق، لأن الفصل العنصري أعاق انتشار التنوع العرقي. أخيراً، قد يكون التغيُّر السريع في المواقف مدفوعاً أيضاً بالتطورات الأخيرة والهائلة في المجال التشريعي، والصور الإيجابية في وسائل الإعلام، والنشاط واسع النطاق حول هذه القضية.

بعض المواقف لا تزال راسخة أو تزداد سلبية

لا تُظهر بياناتنا تقدماً على جميع المستويات، إذ لا تزال بعض المواقف الضمنية راسخة على مدار العقد: فقد تغيّرت السلبية تجاه كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة بنسبة تقل عن 5% منذ عام 2007. في الحقيقة، يعتبر التغيير بطيئاً جداً، لدرجة أن التوقعات تشير إلى أن الأمر قد يستغرق أكثر من 150 عاماً للوصول بأيّ من تلك التحيزات إلى الحياد. على عكس التحيز العرقي، فإن التحيُّز ضد المسنين والمعوقين من المواقف التي لا تحظى بالاهتمام نسبياً فيما يخص التعاون المجتمعي والقانوني. فهو يرتبط أيضاً في أذهان الناس بالسمات الشكلية الفعلية التي تسهل رؤيتها، ويُنظر إلى الكثير منها بطريقة سلبية.

زاد التحيز الضمني تجاه الوزن (المؤيد للنحافة/المضاد للسمنة) بنسبة 40% في السنوات الأولى من العقد، في الفترة بين عامي 2004 و2010 تقريباً. هذه الزيادات تتناقض تناقضاً صارخاً مع الانخفاضات الملحوظة في التحيز الصريح تجاه الوزن وأيضاً في التحيزات الضمنية التي قمنا بدراستها، والتي ظلت مستقرة في أسوأ الأحوال. ونعتقد أن الاهتمام المتزايد بالفوائد الصحية لتقليل وزن الجسم والمخاوف المتعلقة بوباء السمنة قد يكونا مسؤولين عن زيادة التحيز. إضافة إلى ذلك، فإن الفكرة القائلة بأن وزن الجسم يقع دائماً تحت سيطرة الفرد (بخلاف العرق والسن والإعاقة) قد يؤدي إلى مواقف أكثر قسوة تجاه الأشخاص الذين يعانون زيادة الوزن.

أياً كانت أسباب التغيرات في المواقف الضمنية، يجب على قادة قطاع الأعمال الذين يسعون إلى توسيع معدلات المشاركة واستقطاب أفضل المواهب في مؤسساتهم ألا ينسوا الأشكال الخفية للتحيز والتمييز الموجودة اليوم، خصوصاً مع استقرار، أو حتى ترسيخ، بعض المواقف الضمنية بمرور الزمن. ومع ذلك، فإن حقيقة أن بعض أوجه التحيز قد انحسرت على مدى السنوات العشر الماضية هي مدعاة للأمل، فهي تدل على إمكانية تغيير حتى أوجه التحيز التي تبدو تلقائية.

لا يحدث هذا التقدم من تلقاء نفسه بطبيعة الحال. بوصفنا مدراء وباحثين ومعلمين ومقرري سياسات ومواطنين، يمكننا استخدام هذا البحث لدفع الفكر المدروس والسياسات الواعية، والتي من شأنها أن تحفز السلوك وتغيِّر المواقف في اتجاه ما نريده لمستقبلنا كمجتمع.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي