بحث: نقطة التحول في فجوة الأجور بين الجنسين

4 دقيقة
فجوة الأجور بين الجنسين
طاقم هارفارد بزنس ريفيو/بيكسلز

لم يتحسن فارق الأجور بين الجنسين إلا قليلاً خلال 20 سنة الماضية. فلا تزال المرأة تجني 83 سنتاً فقط مقابل كل دولار يحصل عليه الرجل، كما أن الرجال يحصلون على رواتب أعلى حتى عندما يكونون بالمستوى التعليمي نفسه، ويشمل ذلك مختلف المستويات التعليمية، وشرائح توزيع الأجور كافة.…

فجوة الأجور بين الجنسين موجودة منذ حقبة الحرب الأهلية الأميركية على الأقل؛ إذ كشفت رسالة من عام 1869 إلى صحيفة نيويورك تايمز عن المعاملة غير العادلة للنساء العاملات في الحكومة وذكرت أنه "من المفترض تساوي الأجور للعمل نفسه بغض النظر عن جنس الموظف". بعد مرور 156 عاماً، لا تزال المرأة تتقاضى 83 سنتاً فقط مقابل كل دولار يتقاضاه الرجل، وهو رقم لم يتغير إلا قليلاً على مدى العقدين الماضيين وهو نفسه في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية جميعها.

في حين أن هناك العديد من التفسيرات المطروحة لفجوة الأجور هذه، مثل أن النساء يخترن العمل في وظائف ذات أجور أقل أو يعملن عدداً أقل من الساعات مقارنة بالرجال أو يستقلن لتولي مسؤوليات تقديم الرعاية أو يتعرضن للتحيز والتمييز، رأى البعض أن مجرد زيادة تمثيل المرأة في القوى العاملة يكفي لسد فجوة الأجور آلياً.

نعلم أن نهج زيادة تمثيل المرأة هذا مهم وقد يؤدي إلى تقلص فجوة الأجور، ولكنه وحده لا يكفي لحل المشكلة. مع ذلك، تساءلنا عما إذا كانت هناك نقطة محددة تؤثر عندها نسبة النساء على نحو ملحوظ في مهنة معينة في أجورهن مقارنة بالرجال.

اكتشفنا في بحثنا الذي نشرته مجلة المساواة والتنوع والشمول الدولية، أنه على الرغم من أن وجود عدد أكبر من النساء في فئة وظيفية يسهم في سد فجوة الأجور إلى حد ما، فإن هناك نقطة تحول يصبح عندها تقلص الفجوة أبطأ، وهي النقطة التي تتجاوز عندها نسبة النساء في الوظائف نسبة معينة. يشير هذا التحول إلى أن العلاقة بين تمثيل النساء وفجوة الأجور أكثر تعقيداً مما يبدو، وأن زيادة عدد النساء لا يؤدي إلى تقلص الفجوة دائماً.

تفاصيل البحث:

ركزنا في تحليلنا على سوق العمل الكندية، التي تقدم صورة أكثر تمثيلاً مقارنة بالولايات المتحدة لبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية استناداً إلى مؤشر التفاوت بين الجنسين العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي. تشمل البيانات أيضاً 40 فئة متنوعة من الوظائف، مثل الوظائف المهنية والوظائف الإدارية العليا والمتوسطة ووظائف الدعم المكتبي وتقديم الرعاية الصحية في مختلف القطاعات، ما يجعلها مفيدة بصورة خاصة لدراسة فجوة الأجور. تغطي هذه الفئات الوظائف الكندية جميعها تقريباً. بالنسبة لكل فئة من الفئات، حللنا البيانات السنوية التي تغطي 22 عاماً (من عام 1997 إلى عام 2018)، وعرفنا فجوة الأجور بين الجنسين في كل فئة على أنها متوسط دخل الموظفات النساء اللواتي يعملن بدوام كامل مقسوماً على متوسط دخل الموظفين الرجال الذين يعملون بدوام كامل.

بينت النتائج أن فجوة الأجور بين الجنسين تتقلص بسرعة أكبر عندما تظل نسبة النساء في الفئة أقل من 14%؛ أي عندما يكون تمثيل النساء أقل من اللازم. بمجرد وصول النساء إلى نسبة معينة، وهي "نقطة التحول"، يصبح معدل تقلص فجوة الأجور أقل بكثير. على سبيل المثال، قبل نقطة التحول هذه، فإن الازدياد البالغ 1% فقط في نسبة النساء (مثل الازدياد من 8% إلى 9%) يقلص فجوة الأجور على نحو ملحوظ. لكن بعد تلك النقطة، يصبح معدل التقلص أقل لدرجة أن تحقيق القدر نفسه من تقلص الفجوة يتطلب ازدياد النساء في الفئة بنسبة 3.6%.

ما هو منشأ نقطة التحول؟

تتوافق نقطة البيانات التي اكتشفناها مع النتائج التي توصلت إليها الأستاذة الجامعية في كلية هارفارد للأعمال، روزابيث موس كانتر، في بحثها البارز حول الجهود الرمزية. درست كانتر في بحثها ديناميات المجموعات عندما يتجاوز عدد أفراد مجموعة ما عدد أفراد مجموعة أخرى بمقدار كبير، وعرفت المجموعة "المنحرفة" بأنها المجموعة التي تكون فيها نسبة الأغلبية إلى الأقلية 85:15. من المعروف أنه عندما تكون نسبة الأقلية 15% أو أقل، فإن الأغلبية تعزل الأفراد الممثلين تمثيلاً غير كاف وتعرضهم لضغوط للتوافق مع الصور النمطية. تنظر المجموعات إلى هؤلاء الأفراد على أنهم رموز، كما أنهم قد يعانون العزلة بناءً على طريقة معاملتهم.

مع ذلك، فإن الانخفاض في نسبة الأقلية وشذوذ هذه النسبة يثيران الانتباه، وعندما تتعرض المؤسسات لضغوط اجتماعية أو قانونية لتعزيز المساواة أو تحقيق أهداف التنوع (تعزيز المساواة بين الجنسين في حالتنا)، تحفز الرغبة في حماية سمعة المؤسسة وصورتها الشركات على زيادة نسبة النساء و(أو) تعزيز المساواة في الأجور. باختصار، تبذل الشركات جهوداً هادفة أكثر لسد الفجوة وتحقق مكاسب مبكرة.

مع ذلك، تفترض المؤسسات أنها حلت المشكلة بمجرد تحقيق هذه المكاسب الأولية وتخفيف الضغط الذي تتعرض له، فتبدأ بخفض جهودها في وقت مبكر جداً. قد يولد ازدياد تمثيل المرأة تصوراً بأن الحواجز بين الجنسين آخذة في الانهيار وأن المساواة بينهما تتحسن. على غرار ظاهرة الوصول إلى "القمة الزائفة"، التي يعتقد فيها ممارسو المشي مسافات طويلة أنهم وصلوا إلى قمة الجبل على الرغم من أنهم لم يصلوا، قد تتسرع المؤسسات في الحكم وتعتقد أنها حققت المساواة في الأجور وتتوقف عن إجراء التغييرات.

إحراز التقدم 

على الرغم من أن تقلص فجوة الأجور بين الجنسين يتباطأ بعد نقطة التحول، هناك ما يبعث على الأمل. اكتشفنا في تحليلنا أنه بحلول عام 2002، ازداد معدل تقلص فجوة الأجور على نحو ملحوظ في أغلبية المهن مقارنة بعام 1997. استمر هذا التحسن خلال باقي السنوات التي تغطيها بياناتنا، وأصبحت الفجوة في الأجور أقل في 36 مهنة من أصل المهن الـ 40 التي درسناها بحلول عام 2018. قالت الخبيرة الاقتصادية في جامعة هارفارد والحائزة مؤخراً جائزة نوبل، كلوديا غولدن: "المساواة في الأجور في كل مهنة أهم من مساواة النسب بحسب كل مهنة". إذا تحققت المساواة في الأجور في المهن، فإن الفجوة الإجمالية في الأجور ستتقلص حتى لو ظلت الممارسات الأكثر تجذراً مجتمعياً مثل الفصل المهني موجودة.

مع ذلك، اكتشفنا أيضاً أن تقلص فجوة الأجور بين الجنسين يكون أكبر في المهن التي ترتفع فيها نسب الموظفات. على مدار سنوات الدراسة، تقلصت فجوة الأجور بمتوسط 10.6 نقاط مئوية من عام 1997 إلى عام 2018 في 31 من المهن التي شهدت تحسناً في تمثيل الإناث من أصل المهن الـ 40 في بحثنا؛ أي نحو ضعف متوسط التحسن البالغ 5.6 نقاط مئوية في المهن التسع التي شهدت تراجعاً في تمثيل الإناث.

في نهاية المطاف، يعتمد سد فجوة الأجور على ضمان تقديم الأجر نفسه مقابل العمل نفسه وضمان التمثيل الكافي، كما أنه يعتمد على استمرار المؤسسات في جهودها التي تبذلها حتى إحراز التقدم الحقيقي.

لا يعني وجود "وهم القمة الزائفة" أن تحقيق المساواة في الأجور بعيد المنال؛ بل يعني فقط أن الوصول إلى هذا الهدف يستغرق وقتاً أطول مما يبدو للوهلة الأولى، وأن المؤسسات ربما تخفض جهودها نحو تحقيق المساواة في الأجور في وقت مبكر جداً. يبين البحث أيضاً أن تقلص فجوة الأجور يستمر بعد تجاوز نقطة التحول، ولكن بوتيرة أبطأ، ما يشير إلى أن سد هذه الفجوة يتطلب زيادة التمثيل وضمان المساواة في الأجور مقابل إنجاز العمل نفسه. يجب أن تظل المؤسسات ملتزمة بتقليص فجوة الأجور، كما عليها أن تستفيد من التقدم الذي أحرزته وتواصل العمل حتى تحقيق المساواة في الأجور.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي