تقرير خاص

التحول المؤسسي لصناعة السينما في المملكة: من الرؤية إلى التنفيذ

3 دقيقة

ملخص: شهدت السعودية تحولاً سينمائياً سريعاً جعلها أكبر سوق لشباك التذاكر في الشرق الأوسط، مدعوماً بنمو الإنتاج المحلي وجاذبية الاستثمار العالمي. ويعكس هذا الصعود منظومة شاملة تشمل التنظيم، الحوافز، وتطوير القدرات الوطنية لتعزيز صناعة أفلام مزدهرة ومستدامة.

  • ازدهار السوق السينمائي: ارتفعت إيرادات شباك التذاكر وتزايد حضور الأفلام السعودية مع خفض الأسعار وتنظيم المهرجانات، ما عزز جذب الجمهور وصنّاع الأفلام عالمياً، ورسّخ مكانة المملكة كسوق إقليمي رئيسي.
  • منظومة حوافز تدعم الإنتاج: أسهمت برامج الاسترداد المالي ودعم المواهب مثل برنامج "ضوء" في استقطاب إنتاجات دولية كبرى وتمكين الأفلام السعودية من الوصول إلى مهرجانات عالمية، ما عزز قدرة المملكة التنافسية.
  • تطوير المواهب وبناء البنية التحتية: استثمرت المملكة في برامج أكاديمية وتدريبية مكثفة، مع توسع شركات الإنتاج والاستوديوهات المتقدمة، ما رفع جودة الكوادر وخلق بيئة مستدامة تدعم مستقبل الصناعة وتتماشى مع رؤية 2030.

 

في غضون سنوات قليلة، أعادت المملكة العربية السعودية رسم ملامح مشهدها السينمائي، حيث تقف اليوم المملكة كأكبر سوق لشباك التذاكر في الشرق الأوسط. لم يعد شباك التذاكر مجرد مؤشر ترفيهي، بل بات انعكاساً لمنظومة متكاملة تتسع للإنتاج المحلي وتستقطب الاستثمارات العالمية، مدفوعة برؤية ثقافية تستهدف بناء قطاع سينمائي مزدهر ومستدام

ومع تجاوز الإيرادات حاجز 845 مليون ريال في العام 2024، رافق ذلك النمو سياسات تنظيمية أسست لبيئة إنتاج جذابة وذات معايير واضحة تخدم جميع العاملين في قطاع الأفلام.

بين الرفاهية والنمو

لم تعد السينما في المملكة ترفاً، بل تحولت إلى رافد اقتصادي واجتماعي يُسهم في خلق الوظائف وتنشيط الحركة الاستثمارية. وقد شهدت السنوات الماضية ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الأفلام السعودية المعروضة في الصالات، إذ تجاوزت إيراداتها 120 مليون ريال في شباك التذاكر المحلي في 2025، ما يمثل 15% من إجمالي الإيرادات، ما يبرز تنافسية الأفلام السعودية. كما انخفض متوسط أسعار التذاكر بنسبة 28% مقارنة بعام 2020، في خطوة عززت حضور الجمهور ورفعت من حجم السوق.

وازداد الزخم من خلال المهرجانات والفعاليات التي جمعت صناع الأفلام من مختلف أنحاء العالم، مثل مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، ومنتدى الأفلام السعودي الذي أصبح منذ انطلاقه عام 2023 إحدى المنصات الإقليمية المهمة. وشهدت نسخته الثالثة في عام 2025 أكثر من 85 ألف زائر و30 اتفاقية، ما عزز مكانته كملتقى إبداعي يجمع محترفي الصناعة من 35 دولة.

بناء منظومة إنتاج متكاملة

استند التطور السينمائي في المملكة إلى منظومة متنوعة من برامج الحوافز التي أطلقتها هيئة الأفلام لتعزيز جاذبية القطاع واستقطاب الإنتاجات المحلية والدولية. وقد شمل الدعم المقدم عبر كل من برنامج الاسترداد المالي وبرنامج "ضوء" ما مجموعه 83 مشروعاً حتى الآن، ما أسهم في ترسيخ بنية إنتاج قوية وقادرة على المنافسة.

فعبر برنامج الاسترداد المالي، الذي يتيح استرداداً يصل إلى 40% من تكاليف المشاريع المؤهلة، أصبحت المملكة وجهة جاذبة لعدد من الإنتاجات الدولية البارزة مثل (Kandahar) و(Desert Warrior) و(Dunki)، إلى جانب إنتاجات سعودية حققت حضوراً واسعاً في شباك التذاكر، من بينها فيلم سطّار الذي تجاوزت إيراداته 40 مليون ريال، ومندوب الليل، وناقة، وهوبال.

وفي مسار موازٍ، قدّمت هيئة الأفلام عبر برنامج "ضوء" دعماً مباشراً للمواهب الوطنية ومشاريعها المستقلة والروائية، ما أسهم في وصول أعمال سعودية إلى منصات عالمية. ومن أبرز ذلك فيلم نورة المصوَّر في العلا والمشارك في مهرجان كان، وفيلم هجرة الذي يمثّل المملكة في جوائز الأوسكار لعام 2026 وشارك في مهرجان البندقية، وفيلم المجهولة المشارك في مهرجان تورينتو. ويسهم البرنامج اليوم في إبراز موجة جديدة من الأصوات السعودية الواعدة التي تعزز مستقبل الصناعة.

دعم المواهب وتعزيز القدرات الوطنية

يمثّل تطوير القدرات المحلية أحد ركائز التطور السينمائي في المملكة، حيث تضم 5 جامعات موزعة حول المملكة 10 برامج بكالوريوس متخصصة في صنعة الأفلام. وفقد استفاد أكثر من 6 آلاف شاب وشابة من برامج تدريبية وورش قصيرة شملت مهارات الكتابة والإنتاج والإخراج والتخصصات الفنية الدقيقة، ووصلت إلى مختلف مناطق المملكة. كما وفّرت مبادرات التدريب الدولي فرصاً عملية للمواهب الناشئة، حيث شارك أكثر من 35 متدرباً في أعمال سينمائية عالمية ضمن 16 إنتاجاً في 10 دول من حول العالم، ما أتاح لهم العمل جنباً إلى جنب مع محترفين في مواقع التصوير، واكتساب خبرات تعزز حضورهم في الصناعة. هذه الجهود وغيرها أسهمت في رفع كفاءة الكوادر السعودية، وزيادة حضور الأفلام الوطنية في شباك التذاكر والمهرجانات الدولية، وتأسيس قاعدة بشرية قادرة على دعم استدامة القطاع ونموه المستقبلي.

نحو مستقبل مزدهر: الثقافة نمط حياة

اليوم، يحتضن القطاع السينمائي بنية تحتية متنامية تشمل 65 شركة إنتاج و7 شركات توزيع و17 أستوديو تضم 30 منطقة تصوير ذات مواصفات عالمية. وتتوفر منظومة خدمات لوجستية تسهّل عملية صناعة الأفلام والحصول على التراخيص، واستكشاف المواقع، والتواصل مع مزودي الخدمات المؤهلين، إضافة إلى افتتاح أستوديوهات جاكس للأفلام في الرياض والتي تعد الأكثر تقدمًا في العام في تقنيات الإنتاج الافتراضي، وقد أسهمت هذه المنهجية في إطلاق دورة اقتصادية متصاعدة داخل القطاع.

إن الرؤية الإستراتيجية لقطاع الأفلام تنظر إلى الماضي كامتداد للمستقبل، وذلك عبر الأرشيف الوطني للأفلام الذي يهدف إلى حفظ وترميم وأرشفة الأعمال الطويلة والقصيرة والوثائقية، ويصون الذاكرة البصرية للمملكة للأجيال القادمة.

هذه النهضة الشاملة تمنح المواهب السعودية مساحة أوسع للحضور الدولي، وتفتح مجالات مختلفة للاستثمار، وتنسجم مع مستهدفات رؤية 2030 الداعية إلى جعل الثقافة أسلوب حياة، وتعزيز الهوية الوطنية، وبناء اقتصاد معرفي متنوع.

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي