لن تكون هناك حاجة إلى تعبئة مزيد من الاستمارات المستفزة في عيادات الأطباء، فالمعلومات كلها موجودة على الكمبيوتر. لن يكرر الأطباء والمستشفيات الاختبارات التي أجريتها في مكان آخر فكلها على الكمبيوتر. يعرف مقدمو الرعاية الصحية ما هي الأدوية التي تتناولها بالضبط وما الأدوية التي تسبب لك الحساسية، فكله على الكمبيوتر. عندما تنتقل والدتك المسنة من مستشفى إلى مركز إعادة تأهيل، فإن الممرضات والأطباء هناك يعرفون كل شيء عنها قبل وصولها، فكل ذلك موجود على الكمبيوتر. وبالتالي، ما هي فوائد تسريع التحول الرقمي للرعاية الصحية؟
سيكون هذا وغيره من عناصر الإدارة المبهرة للمعلومات هو الروتين في الولايات المتحدة قريباً. في الواقع، هذا يحدث بالفعل في بعض المجتمعات. يمر النظام الصحي الأميركي بثورة رقمية ستؤثر بشكل عميق على الرعاية الصحية للأميركيين. لقد نمت نسبة المستشفيات الأميركية التي تملك سجلاً صحياً إلكترونياً 8 أضعاف في السنوات الأخيرة من 9% في عام 2008 إلى 76% في عام 2014. بالنسبة للأطباء، كانت الزيادة المماثلة من 17% إلى 51%.
بينما كان انتشار السجلات الإلكترونية دراماتيكياً، إلا أنها ليست سوى وسيلة لتحقيق غاية أكثر أهمية وهي رقمنة بيانات الرعاية الصحية للأميركيين. يمكن لهذه البيانات أن تغذي سوقاً تنافسية متنامية للتطبيقات المتطورة لتحسين القرارات الطبية لمزودي الخدمة والمرضى. ويمكن أن تقدم البيانات الرقمية المساعدة لتقديم أبحاث علمية تشكل إنجازات بحثية لم تكن ممكنة أبداً حينما كانت معلومات المرضى مكتوبة في الأوراق ومكدسة في الغرف الخلفية للمكاتب والمستشفيات.
برنامج "هاي تك" (HITECH) والرعاية الصحية في أميركا
ساعد برنامج أميركي حكومي يسمى "هاي تك" (HITECH) في تسريع الثورة الإلكترونية للرعاية الصحية. يستخدم البرنامج الإعانات والغرامات لتشجيع الأطباء والمستشفيات على اعتماد واستخدام السجلات الصحية الإلكترونية المصدّق عليها من قبل الحكومة الفيدرالية باعتبارها تفي بمعايير معينة يُقصد منها دعم رعاية فعالة وعالية الجودة. كانت خطة "هاي تك" هي البدء في اعتماد السجلات الإلكترونية كما هي، ثم مع مرور الوقت، دفع المطورين ومقدمي الخدمات لتصميم البيانات الرقمية واستخدامها بطرق أكثر تطوراً، وذلك لتبادلها بين مقدمي الخدمات ومع مرضاهم، وتوسيع نطاقها ببرنامج يساعد في اتخاذ قرارات سريرية أفضل. كانت الخطة، في الواقع، هي دفع مزودي الخدمة إلى استخدام السجلات الإلكترونية والبيانات الرقمية بصورة أقوى وأكثر نفعاً، وتشجيع المطورين على استخدام معايير البيانات المفتوحة التي تقود هذا المجال مثل واجهات برمجة التطبيقات من أجل دعمهم.
واجهت الخطة، مثل أي تغيير دراماتيكي، تحديات أثارت تساؤلات حول اتجاهها ووتيرتها. تحتاج هذه المشكلات إلى أن تُحل إذا كان مصير التقدم أن يستمر. لكنها بحاجة أيضاً إلى أن تبقى في نصابها.
يتمثل التحدي الأول في صعوبة مشاركة المعلومات بين أنظمة السجلات الإلكترونية، لذا فإن الوعد بأن تتبع البيانات المرضى أينما ذهبوا ثبت أنه بعيد المنال. أيضاً، هناك بعض السجلات الصحية الإلكترونية معقدة وصعبة الاستخدام. هذا أمر محبط للأطباء والممرضات، ويتسبب في بطئهم، ويمكن أن يسبب مشاكل في السلامة. لا تزال هناك مشكلة ثالثة وهي وجود عدد قليل نسبياً من السجلات المضافة على البرنامج، فيما يطلق عليه دعم القرارات، والذي يمكنه أن يساعد في معالجة البيانات الصحية الرقمية وجعلها مفيدة لمزودي الخدمات والمرضى.
يميل العديد من مزودي الخدمات وصانعي السياسات إلى اعتبار هذه المشكلات بمثابة عيوب تقنية للسجلات الإلكترونية التي اعتُمدت مؤخراً بدعم فيدرالي أميركي. وقد تسبب هذا في أن يصرح بعض النقاد أن الاستثمار الفيدرالي، المقدّر بـ 31 مليار دولار على مدى 10 سنوات، لا يؤتي ثماره،
لكن هذا التشخيص صحيح جزئياً فقط. ومن التحديات الأساسية التي تواجه ثورة الصحة الرقمية قضايا اقتصادية واجتماعية يجب معالجتها إذا أريدَ تحقيق القيمة المحتملة للسجلات الإلكترونية.
كيفية تحسين جودة الرعاية الصحية وخفض تكاليفها
في أغلب الأحيان لا يكافئ نظام الدفع مقابل خدمة الرعاية الصحية مزودي الخدمة على تحسين الجودة وخفض التكلفة. وبالتالي، فإن الاستثمار في أنظمة المعلومات المكلفة والمعقدة يفرض نفقات على الأطباء والمستشفيات لا يمكنهم تعويضها من خلال قوى المنافسة العادية. إذا عملت أسواق الرعاية الصحية بشكل جيد في الولايات المتحدة، فلن تكون تقنية "هاي تك" ضرورية. كانت الصناعة حينها لتربط بنفسها مثل قطاعات المالية والسفر وتجارة التجزئة لدينا.
المشكلة تتجاوز غياب المكافأة. عندما يتعلق الأمر بمشاركة المعلومات، يواجه بعض مزودي الرعاية الصحية وموردي السجلات الإلكترونية مثبطات قوية.
يميل المرضى إلى أن يكونوا مخلصين للأطباء والمستشفيات جزئياً على الأقل لأن هذا هو المكان الذي يُعرفون فيه وبه سجلاتهم. إذا كانت هذه المعلومات يمكن أن تنتقل إلى مستشفى أو طبيب آخر بكبسة زر، لكان بإمكان المرضى ترك مزودي الخدمات الحاليين بسهولة أكبر، ولكن هذا يضر بالعمل.
وبالنسبة لبائعي السجلات الرقمية، إذا كان يمكنك نقل المعلومات من نظام أحد موردي السجلات إلى آخر، فيمكن لمزودي الخدمة استبدال السجلات أو البناء عليها بسهولة أكبر بحثاً عن منتج أفضل. هذا هو الدخل المفقود للشركة.
هناك بعض العوائق الفنية المهمة التي تحول دون تصعيد ثورة الصحة الرقمية. تحرز بعض هذه العوائق، كاعتماد معايير واجهات برمجة التطبيقات لتمكين المرضى من ربط بياناتهم بتطبيق من اختيارهم، تقدماً جزئياً استجابة لضغوط المستهلكين وصانعي السياسات الذين يشعرون بالغضب لعدم إمكانية مشاركة المعلومات.
لكن الإصلاحات التقنية والسجلات الأفضل لن تكفي من أجل حصد فوائد تسريع التحول الرقمي للرعاية الصحية. نحن بحاجة إلى حوافز تكافئ على تحسين الجودة والسلامة وخفض التكاليف. ونحن بحاجة إلى تطبيق غرامات على مزودي الخدمات وموردي السجلات السائرين ببطء نحو الثورة الرقمية لحماية مصالحهم الاقتصادية. إذا نجحنا في توفير سوق جيدة للرعاية الصحية، فإن الكثير من مشكلاتنا الفنية الحالية سوف تتلاشى مع تنافس مزودي الخدمة والموردين على تقديم الخدمة ورعاية زبائنهم بشكل أفضل وهم المواطنين المرضى.