ملخص: يوفر التحول الرقمي في إفريقيا فرصاً مثيرة، لكن النجاح في تحقيقه يتطلب حلولاً مؤسسية محلية تراعي السياق والفروق الدقيقة لاحتياجات السوق في القارة، بما في ذلك أنظمة تكامل التطبيقات والأجهزة المحمولة، ومجموعة متنوعة من المتطلبات التنظيمية والقانونية في القارة، والافتقار إلى إطار عمل موحد لإدارة البيانات. ويقدم الكاتب المشورة للشركات الإفريقية التي تتطلع إلى تطوير تلك الحلول.
يجري التحول الرقمي في إفريقيا على قدم وساق، وهو يخلق فرصاً للتغيير التحولي في جميع القطاعات الاقتصادية. وعلى الرغم من أن بلدان إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى لا تزال متخلفة عن بقية العالم من حيث انتشار الإنترنت، أصبحت الفجوة تتقلص بسرعة، إذ نما عدد مستخدمي الإنترنت في إفريقيا بمقدار عشرة أضعاف مقارنة بزيادة قدرها ثلاثة أضعاف في بقية العالم منذ أوائل العقد الأول من الألفية الثالثة، وجاء ذلك بحسب "صندوق النقد الدولي"؛ حيث تجري الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية لتسهيل وصولها إلى عدد أكبر من المستخدمين والتبشير بـ "مستقبل كل شيء" في القارة، بدءاً من الخدمات المالية إلى الطاقة والزراعة.
وتحاول الشركات الإفريقية اليوم التعامل مع هذا الواقع الجديد. يغير التحول الرقمي في جوهره كل عمليات الشركات، بدءاً من عملياتها الداخلية إلى طرق تفاعلها مع الزبائن.
وما يعزز التحول الرقمي داخلياً هو حلول المؤسسات، مثل منصات بيانات الزبائن التي تجمع بيانات الزبائن من مصادر متعددة لخلق منظور واحد وشامل، إضافة إلى أدوات نظام إدارة علاقات العملاء التي تساعد في إدارة العلاقات مع الزبائن الحاليين و الزبائن المحتملين في المستقبل.
ومع ذلك، لا تلبي معظم حلول المؤسسات العالمية المتوفرة في السوق اليوم الاحتياجات الفريدة للشركات الإفريقية. ولن ينجح نقل التكنولوجيا بالكامل من الخارج، إذ يتطلب تمكين التحول الرقمي في إفريقيا حلولاً للمؤسسات المحلية تعالج الحقائق التي تتفرد بها القارة. ومع وجود 1.2 مليار شخص، وأكثر من 800 مليون هاتف متصل بالشبكة (477 مليون معرّف فريد)، و26% من مستخدمي الإنترنت عبر الهواتف المحمولة، يجب أن يبدأ أي حل هادف بأنظمة تكامل شبكات الهواتف المحمولة المتاحة. تأمل ما يلي:
تُعد الرسائل القصيرة أمراً بالغ الأهمية للوصول إلى غالبية المستهلكين الأفارقة الذين يمتلكون هاتفاً عادياً، بدلاً من الهواتف الذكية. وذلك يعني ضرورة أن تمتلك النظم المؤسسية إمكانيات الرسائل القصيرة للتواصل مع المستهلك الإفريقي اليومي على الأقل.
تعد أرقام الهواتف المحمولة في إفريقيا بمثابة معرفات فريدة للخدمات الرقمية، إذ لا يمتلك العديد من المستخدمين عناوين بريد إلكتروني التي غالباً ما تمثّل الوضع الافتراضي للنظم المؤسسية في الأسواق الأخرى. لذلك، تحتاج حلول المؤسسات في إفريقيا إلى استخدام أرقام الهواتف المحمولة كمعرفات فريدة عند الحاجة.
يُعتبر بروتوكول بيانات الخدمة التكميلية غير المنظمة بروتوكولاً متقادماً من الناحية العملية للهواتف المحمولة في أجزاء أخرى من العالم، لكنه قناة رقمية بديلة تم اعتمادها من قبل العديد من مزودي الخدمات المالية والمرافق العامة الأفارقة. وذلك يعني ضرورة أن تأخذ أدوات المؤسسة بروتوكول بيانات الخدمة التكميلية غير المنظمة في الاعتبار.
يستخدم حوالي 98% من المشتركين في إفريقيا خطط الهواتف المحمولة مسبقة الدفع التي يمكن الاستفادة منها للحصول على رؤى ثاقبة حول القدرة الشرائية للمستهلكين، مقارنة بالخطط الآجلة الدفع التي تعكس مدى الرغبة في الاستخدام.
كما يجب أن تراعي حلول المؤسسات الإفريقية المحلية مجموعة متنوعة من المتطلبات التنظيمية والقانونية في جميع أنحاء القارة. فكّر في البيانات، على سبيل المثال: تفتقر إفريقيا إلى إطار عمل موحد لإدارة البيانات مشابه للائحة العامة لحماية البيانات في أوروبا. ونظراً لحجم البيانات التي يجري توليدها ومعالجتها، تتطلب الشركات في القارة حلاً محلياً لإدارة البيانات مع نظرة عامة جيدة على الوضع في جميع البلدان.
وعلى الرغم من الأسباب الوجيهة لتطوير حلول المؤسسات المحلية، تبقى التحديات كثيرة أمام المبتكرين الذين يعملون على تطويرها، والتي تشتمل على وجود نقص في المواهب الخبيرة، وأوجه القصور في البنية التحتية، وضعف الرؤى الثاقبة ومصادر البيانات لدعم توليد تلك الحلول. وعلى الرغم من أن نسبة المواهب التكنولوجية في إفريقيا وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، مع وجود ما يقرب من 700,000 مطور محترف، يصبح هذا الرقم ضئيلاً مقارنة بوجود 2.75 مليون مطور في الهند (بحسب إحصائيات عام 2017). وتشتمل العوائق الأخرى على التمويل المنخفض نسبياً للشركات الإفريقية الناشئة، إذ جمعت حوالي 158 مليون دولار في عام 2020، أي أقل من نصف ما جمعته الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية. بالإضافة إلى ذلك، تعزز العولمة المنافسة الشرسة من قبل المؤسسات الدولية المزودة للخدمات ذات الموارد الهائلة التي تحقق نجاحات في الأسواق المحلية على الرغم من عروضها غير الملائمة.
وبغض النظر عن تلك التحديات، يجب على رواد الأعمال والمستثمرين والحكومات الإفريقية التوحد لمناصرة حلول المؤسسات المحلية وابتكارها للاستفادة من الإمكانات الكبيرة التي ستوفرها إفريقيا. وقد ارتأينا في شركتي "تيراغون" (Terragon)، ومقرها نيجيريا، فرصة لإنشاء بيئة عمل فريدة وثيقة الصلة بإفريقيا، تتكون من بيانات المستهلك التي يصعب الحصول عليها من مصادر مثل شركات الاتصالات والمنصات العالمية مثل "واتساب". وأنشأنا منصة تسويق فورية لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والمؤسسات الكبيرة، بما فيها البنوك وشركات السلع الاستهلاكية والشركات الأخرى في الوصول إلى الزبائن الأفارقة وإشراكهم على نطاق واسع.
ووجدنا استناداً إلى تجربتنا أنه يجب على الشركات الراغبة في تطوير حلول محلية أن:
1. تضع خطة لسد فجوة المواهب.
استحوذنا في "تيراغون" على مركز للبحث والتطوير في الهند عام 2018 لمساعدتنا في جذب المواهب الخبيرة في مجال التطوير وتعهيدها، وتحسين مهارات المواهب المحلية لدينا. كما طورنا أيضاً برنامج المتدرب الإداري الذي نعدّ من خلاله المواهب الجديدة ونوفر لها التدريب في أثناء العمل.
2. تعمّق معرفتها بالبيئة المحلية أو تعقد شراكات مع الشركات المحلية.
تتبنى شركة "تيراغون" نهج "العمل في الميدان" بالاعتماد على فريقنا الذي يتمتع بمعرفة عميقة وسياقية بالبيئة المحلية، وذلك لتنوع السوق في إفريقيا. ولدينا حالياً فروع في 4 دول إفريقية، هي نيجيريا وغانا وكينيا وجنوب إفريقيا. ونظراً لمعرفتنا العميقة بالأسواق التي نعمل فيها، نعرف تماماً المنتجات التي تقدّم أفضل خدمة لأسواق معينة. على سبيل المثال، تُعد جنوب إفريقيا سوقاً أكثر نمواً من الناحية التكنولوجية من كينيا، لذا فإن حل واجهة برمجة تطبيقات التحويل في "فيسبوك" أكثر ملاءمة لجنوب إفريقيا لأنه يتتبع الأحداث على مواقع الويب والمدونات أكثر من الأسواق الأخرى. من ناحية أخرى، وجدنا أن المستهلكين في كينيا نشطون على "واتساب"، وارتأينا بالتالي أن حل "واتساب" أكثر ملاءمة لهذا السوق.
3. تتأكد من أن عملها التجاري قابل للتمويل.
جمعت بيئة عمل الشركات الناشئة في إفريقيا حوالي 1.43 مليار دولار عام 2020، مع تلقي شركات التكنولوجيا المالية أعلى الاستثمارات (حوالي 25%). ومع ذلك، قد تتقوض قدرة إفريقيا على تحقيق إمكاناتها بالكامل وبناء بيئة عمل قوية لقطاعات تعمل بكامل طاقتها دون وجود التنويع الاستثماري الكافي في القطاعات الأخرى، مثل تكنولوجيا التسويق، والتكنولوجيا التعليمية وما إلى ذلك. ولتضمن أن يكون حل مؤسستك المحلية قابل للتمويل، تأكد من تلبية معايير القطاع في كل مرحلة من مراحل تطوير عملك، واستثمر في المواهب اللازمة واكتسب دعماً كافياً لتحظى بميزة تنافسية.
يوفر التحول الرقمي في إفريقيا فرصاً مثيرة، لكن النجاح في تحقيقه يتطلب حلولاً للمؤسسات تراعي احتياجات السوق في القارة والفروق الدقيقة فيها. وقد تساعد تلك الخطوات الثلاث الشركات الإفريقية على النهوض لمواجهة التحدي.