ما هي التحديات التي تواجه الشركات عند تبسيط هيكلها التنظيمي؟

11 دقيقة
الهيكليات المسطحة
ديفيد مالان/ غيتي إميدجيز

في شهر مارس/آذار من عام 2023، أطلق الرئيس التنفيذي لشركة ميتا (Meta) مارك زوكربيرغ على العام نفسه اسم "عام الكفاءة" في رسالة إلكترونية موجهة إلى موظفي الشركة، مشيراً فيها إلى أن "البنية التنظيمية المسطحة أسرع". ووفقاً لزوكربيرغ، "من المفهوم جيداً أن كل طبقة إدارية في التسلسل الهرمي تزيد فترة الاستجابة ومعدل تفادي المخاطرة في عمليات نقل المعلومات وصناعة القرار".

أكدت مؤسسة الاستشارات ماكنزي آند كومباني هذه الآراء، واصفة أن تسطيح هيكلية المؤسسة تحقق قيمة هائلة من خلال تعزيز العمل التعاوني والمرونة وتمكين الموظفين. تقدم نتائج الأبحاث المزيد من الدعم لهذه الأفكار، حيث توصّل تحليل ميتا (التجميعي) الذي أجرته على 54 دراسة منشورة شملت 13,914 فريق عمل إلى أن التسلسل الهرمي يضر بالأداء.

على الرغم من أن تجارب تسطيح التسلسل الهرمي في شركات رفيعة المستوى مثل زابوس (Zappos) وجوجل قد أسفرت عن نتائج متباينة دفعت بعض المختصين إلى الادعاء بأن هناك أنواعاً من الهيكليات المسطحة غير منطقية على الإطلاق ونادراً ما تنجح، فالواقع هو أن الشركات تتحول تدريجياً إلى اللامركزية. وبالتالي، فإن إنشاء الهيكلية التي تضمن نجاح الشركة في المستقبل يتطلب فهماً عميقاً لطرق تصميم الهيكليات التنظيمية المسطحة وتنفيذها وتقييمها.

راجعنا (المؤلفان إريك آنسيتش ومايكل لي) مئات الوثائق الداخلية ومقاطع الفيديو والعروض التقديمية والاستقصاءات الخاصة بالموظفين التي حصلنا عليها ضمن تعاوننا المستمر مع المؤلف خوان بابلو سانشيز سيلي، وهو الرئيس التنفيذي لشركة أفينسا (Avinsa) لتصنيع الأغذية في منطقة سانتاندر في كولومبيا، ويعمل فيها ما يقرب من 350 موظفاً. تمر شركة أفينسا بمبادرة تغيير معروفة داخلياً باسم "أفينسا فيفا" (Avinsa Viva)، تهدف إلى تسطيح التسلسل الهرمي.

توضح مجموعة المعلومات الموثقة بدقة على مدى 3 سنوات أن قيادة هذا النوع من التغيير المؤسسي مربك ودقيق وشديد الصعوبة، فمسار التغيير مليء بالتعقيدات، بدءاً من إدارة توقعات الموظفين وإعادة تحديد الأدوار القيادية وصولاً إلى إعادة تشكيل قنوات التواصل وعمليات صناعة القرار.

من خلال دمج تجارب الرئيس التنفيذي الشخصية في قيادة مبادرة التغيير هذه مع مراجعتنا لسجلات الشركة الداخلية، نلقي الضوء على بعض التحديات والدروس المستفادة والاستراتيجيات التي يمكن أن ترشد المؤسسات في سعيها لتسطيح هيكلياتها دون المساس بالكفاءة والنمو ورفاهة الموظفين. ونركز بالتحديد على مجالين، وهما العوامل المتعلقة بالجوانب التنظيمية والتفاعلات البشرية بين الموظفين.

العوامل المتعلقة بالجوانب التنظيمية

وهي التحديات التنظيمية والتشغيلية التي تواجه المؤسسات التي تنتقل إلى هيكلية مسطحة، وتتضمن:

استمرارية الهيكليات الزومبي

العادات القديمة تشبه الزومبي، إذ ترفض أن تبقى راقدة في قبورها؛ فبينما تعمل الشركات إلى تسطيح هيكلياتها، تبقى التراتبية الهرمية السابقة راسخة وتهدد جهود التغيير. تتجلى الهيكليات الزومبي هذه بطرق مختلفة وتذكّرنا بالعهود السابقة، مثل عمليات صناعة القرار التي لا تزال تعتمد على موافقة القيادة، وطرق التواصل التي تبقى محصورة في قنوات محددة. يمكن لهذا الارتداد غير المقصود أن يقضي على جوهر الهيكليات المسطحة المتمثل في المرونة والتمكين والتواصل المباشر.

خلال الأيام الأولى من عملية التحول في شركة أفينسا، كانت الفِرق تخضع بحكم العادة ودون وعي لأقسام مراقبة الجودة والرقابة الداخلية التي كانت مهيمنة من قبل في أثناء عمليات إعادة تصميم العمليات، وذلك يعطي مثالاً على العادات والتصورات الراسخة التي يجب أن تتخلص المؤسسة منها. وعلاوة على ذلك، واجهت الرئيسة السابقة لقسم السلامة والصحة تعقيدات حين عملت وحدها مدربةً على إجراءات السلامة. وفي الوقت نفسه، واجه مساعدوها السابقون صعوبات في التكيف مع فرقهم الجديدة بعد أن انضموا إلى "دوائر" مختلفة، أي وحدات عمل مستقلة يتخذ أعضاؤها القرارات المرتبطة بمهامهم التشغيلية بصورة جماعية دون إشراف خارجي؛ تطلبت معالجة هذه التحديات جهداً كبيراً، بما فيها تدريب الموظفين ونقلهم من مكان إلى آخر وإعادة تحديد أدوارهم.

لتسطيح الهيكليات التنظيمية في المؤسسات على نحو صحيح، لا يكفي تشكيل بنية تنظيمية جديدة من الصفر، بل يجب تفكيك البنية القديمة والحذر من إعادتها، ويمكن أن تساعد عمليات التدقيق وجلسات المراجعة المنتظمة وبرامج إعادة التوجيه على التخلص من العادات القديمة العالقة.

حتمية الإدماج

مع انتقال بعض وحدات العمل إلى نموذج العمل المسطح، قد تحتاج إلى التفاعل مع الوحدات التي ما تزال تعمل في ظل التراتبية الهرمية التقليدية، ما يحتمل أن يولّد نزاعات وخلل في التنسيق. ظهرت هذه التفاعلات في شركة أفينسا عندما حاولت الوحدات ذات الهيكليات المختلفة التعاون فيما بينها. وفي حين شملت مبادرة تحويل الشركة إلى هيكلية لا مركزية مدراء الإدارة الوسطى وكبار القادة بناءً على قناعة قادة الشركة أنهم في أفضل وضع للتكيف مع الهيكلية الجديدة دون زعزعة عملهم اليومي، بقي عمال الخطوط الأمامية المسؤولون عن إنتاج 100,000 دجاجة مجمدة باستخدام 50 طناً من الثلج يومياً مستمرين بالعمل في ظل هيكلية هرمية. أدى هذا النهج المزدوج إلى تفاوتات واضحة، فبينما تمتع بعض الموظفين باستقلالية جديدة، شعر العاملون في الخطوط الأمامية بأنهم مهمَلون. يمكن أن يأخذ البعض مثل هذه التناقضات على محمل شخصي، ما يجعل من الضروري تجاوز ثغرات التواصل بطريقة لا تظهر أي تناقض.

تسلط رحلة شركة أفينسا الضوء على أهمية السياق والقدرة على التكيف. يطمح قادة الشركة إلى تصميم مؤسسة ذات هيكلية مسطحة تماماً، لكنهم لا يعرفون الوقت المناسب لتوسيع نطاق المبادرة لتشمل العاملين في الخطوط الأمامية، وغير واثقين من إمكانية فعل ذلك. وبالمثل، لا تتوافق كل مؤسسة مع القوالب النظرية بدقة، ويجب أن تصمم الهيكلية اللامركزية على نحو يناسب التحديات والموظفين والأهداف التنظيمية. يستطيع قادة الشركات أن يحرزوا تقدماً في هذا الصدد من خلال دمج مبادئ اللامركزية ببطء وبالتدريج في أقسام المؤسسة واتباع الطريقة المناسبة لكل قسم على حدة. يمكن لقادة الشركة تخفيف مشاعر الارتباك أو التهديد أو القلق التي يشعر بها بعض الموظفين، أو القضاء عليها تماماً، من خلال اتباع التغيير المدروس والتدريجي الذي يمنح الموظفين الوقت الكافي لفهم بيئة العمل الجديدة والتكيف معها، وفي حال تنفيذ التغيير بفعالية، فلن تمنع المؤسسات النزاعات المحتملة فحسب، بل ستستفيد أيضاً من نقاط القوة في كلا النموذجين، ما يعزز بيئة تعاونية أكثر انسجاماً وفعالية.

تقدم غير متكافئ

قد لا تنتقل الأقسام المختلفة على اختلاف تجاربها السابقة وثقافاتها وتفاصيل عملياتها اليومية بالوتيرة نفسها، وقد اختبرت أفينسا هذا التفاوت مباشرة. على سبيل المثال، حدّت اللوائح الصارمة المتعلقة بتحضير الدواجن للاستهلاك البشري حرية موظفي قسم الصحة والسلامة المهنية في عملية صناعة القرار التي تسعى الهيكلية اللامركزية إلى توسيع نطاقها، في حين تبنّى موظفو قسم الصيانة استقلاليتهم الجديدة سريعاً. وكان موظفو الصيانة قبل تطبيق الهيكلية اللامركزية ينفّذون قرارات المدير الذي كان يتخذها من خارج موقع عملهم دون أن يكون لهم رأي فيها. على سبيل المثال، كان بإمكان المدير أن يطلب من الموظفين دون استشارتهم استخدام علامة تجارية أو طراز معين من المعدات بناءً على تحليل أولي للتكلفة دون فهم كامل لتأثير هذا القرار على الموظفين المُجبَرين على استخدامها. بعد تطبيق الهيكلية اللامركزية، أصبح الموظفون الذين يعملون في المصنع ويفهمون احتياجات مجال عملهم أكثر من غيرهم يتخذون تلك القرارات بطريقة جماعية.

كان يمكن لقادة شركة أفينسا أن يتجنبوا بعض المشكلات المتنامية لو انتبهوا أكثر لهذه العوامل الإدارية الفريدة. عموماً، قد تتضمن استراتيجية الانتقال المصممة وفقاً للاحتياجات تدريباً موسعاً لأحد الأقسام، أو تنفيذاً مرحلياً لقسم آخر، أو توفير موارد إضافية عند الحاجة، والأهم من ذلك هو أن هذه الجهود تزيد مشاركة الموظفين وإحساسهم بالمسؤولية تجاه عملية الانتقال.

التوفيق بين مبادرات التغيير المتعددة

كثيراً ما تدير المؤسسات عدة مبادرات للتغيير في آن واحد، ونستطيع تشبيه الموازنة بين التحول إلى هيكلية مسطحة وإجراء تغييرات تنظيمية أخرى بعملية تغيير إطارات سيارة في أثناء سيرها، ما يحتمل أن يؤدي إلى اصطدامها واختلال توازنها.

بعد استثمار وقت طويل في عملية الانتقال إلى هيكلية لا مركزية، شهد الطلب من أكبر عملاء شركة أفينسا زيادة حادة تطلبت إجراء تعديلات تشغيلية أخرى، بما فيها الانتقال من وردية عمل واحدة مدتها 12 ساعة إلى ورديتين مدة كل منهما 9 ساعات. وبسبب زيادة ساعات العمل وإنشاء أدوار جديدة، بدأ الموظفون يربطون الزعزعة الناجمة عن هذا التغيير التشغيلي الطارئ بمبادرة الهيكلية اللامركزية الأوسع نطاقاً، ونتيجة لذلك بدأ دعم مبادرة الهيكلية اللامركزية يتضاءل بين بعض الموظفين؛ وكان الأساس الهش الذي وضعته الشركة على وشك الانهيار.

أدركت الشركة بعد فوات الأوان أن ظنها بأن الموظفين سيميزون الفرق بين آثار التغييرين تلقائياً ظن خاطئ، ما يؤكد أهمية التواصل الواضح والمستمر لتوجيه تصورات الموظفين حول مبادرات التغيير المتزامنة. عموماً، يمكن للشركات أن توضح الفرق بين آثار مبادرات التغيير المختلفة لقوة العمل لديها من خلال تحديد التسلسل والترابط بين هذه المبادرات، وإحدى الطرق لتحقيق ذلك هي تنفيذ التغيير على مراحل؛ أي توطيد أحد التغييرات قبل البدء بتغيير آخر، أو تعيين فرق محددة لدعم كل مبادرة على حدة. كما يضمن تحديد الأولويات استناداً إلى درجة إلحاحها وأثرها وجدواها أن تخصص الموارد على النحو الأمثل. يؤدي التواصل المنتظم حول التقدم المحرز والأساس المنطقي لكل تغيير إلى تعزيز انسجام الموظفين.

تفاعلات الموظفين

تسلط هذه التفاعلات الضوء على الجوانب الإنسانية لعملية الانتقال، مع تأكيد أهمية التواصل الفعال والتدريب والقيادة في التأثير على ثقافة المؤسسة وموظفيها. وتتضمن:

التوازن الدقيق الذي تتطلبه القيادة التمكينية

في ظل البيئة الحيوية ضمن الهيكليات المسطحة اللامركزية، يشهد دور القيادة تغييراً جذرياً؛ فالهيكلية التقليدية القائمة على التحكم والسيطرة تتيح المجال لنموذج قيادة أدق ويمكن القول إنه أصعب، وتصبح القيادة في هذه الهيكليات عملية معقدة. إذ يُطالب القادة بأن يكونوا أصحاب رؤية ويحددوا الاتجاهات ويلهموا فرقهم، ومع ذلك يجب عليهم ضبط أثرهم بعناية. يتعارض الإفراط في ممارسة السيطرة مع الهدف الأساسي للهيكليات المسطحة المتمثل في تمكين الموظفين وتنمية روح المبادرة لديهم، وفي المقابل، فإن نموذج عدم التدخل يحرم فرق العمل مما تحتاج إليه من التوجيه والوضوح والحسم المفروض بالقيادة تقديمه.

تجلت تحديات هذا التوازن الدقيق بوضوح في شركة أفينسا، إذ كان القادة يعملون باستمرار على تحقيق توازن صعب جداً بين فرض وجهات نظرهم وتشجيع أعضاء الفريق على اتخاذ القرارات المستقلة. في بعض الأحيان كان القادة يهيمنون على المناقشات عن غير قصد بسبب حماستهم لدفع العملية للأمام، وذلك أدى إلى تقليص الاستقلالية نفسها التي كانوا يحاولون تعزيزها. وفي حالات أخرى، أدى إحجامهم عن التدخل إلى حرمان فرقهم من التوجيه الواضح، ما أدى إلى ارتباك الموظفين وتدني كفاءتهم.

لا تقتصر هذه الحالات على شركة أفينسا وحدها، فهي من طبيعة القيادة اللامركزية، وهي تؤكد حاجة القادة إلى تنمية درجة عالية من الوعي الذاتي والاستعداد لتكييف أسلوبهم، وحينها تصبح الملاحظات المنتظمة من أعضاء الفريق والاستشاريين المشاركين في عملية الانتقال إلى هيكلية لا مركزية بالغة الأهمية، إذ تساعد حلقة الملاحظات هذه القادة على قياس نظرة الموظفين إلى أفعالهم وقراراتهم وتقييم قدرتهم على الموازنة بين التوجيه والتمكين.

وعلى مستوى أعمق، يجب على القادة في المؤسسات اللامركزية أن يتبنوا عقلية التعلم وأن يتقبلوا هذا التعقيد، فالأخطاء والعثرات لا مفر منها؛ لكن المهم أن يتقبل القائد الملاحظات ويفكر في أسلوب قيادته ويعدّله باستمرار لتلبية المتطلبات الفريدة للهيكلية المسطحة التي تمنح الموظفين درجة أعلى من التمكين.

تكييف الأفكار الخارجية مع الثقافة الداخلية

قد يصعب تحديد الطريقة المثلى لتسطيح هيكلية المؤسسة، لذلك يمكن للقائد الاستعانة بالاستشاريين الذين يمكنهم تقديم الإرشادات وتعليمه أفضل الممارسات. دخل قادة شركة أفينسا في شراكة مع مؤسسة تساعد الشركات والمؤسسات الأخرى على تعلم طرق التنظيم اللامركزية لاكتساب قوة دفع أولية، واتضح للمستشارين سريعاً أن شركة أفينسا لن تستفيد من تبنّي نموذج إدارة معروف، مثل نموذج "الهولاكراسي" (Holacracy) الذي يعتمد على الأدوار الديناميكية، أو نموذج "السوسيوقراطية" (Sociocracy) القائم على الحوكمة التشاركية، أو نموذج تيل (Teal) الذي يعتمد على رؤية شاملة لتطور المؤسسة.

وبالمثل، لم يكن مستشارو التواصل الخارجيون الذين وظفتهم الشركة على دراية كافية بالتفاصيل الدقيقة لعملية التحول التي تمر بها، إذ قدموا الخبرة التقنية الأساسية، لكن اقتراحاتهم لم تتوافق دائماً مع ثقافة الشركة وأغفلت التحديات الداخلية. ونتيجة لذلك، قرر فريق التواصل الداخلي في شركة أفينسا تجاهل العديد من توصيات الفريق الخارجي واختار عدم تجديد العقد معهم.

عموماً، يجب تقييم مشورة المستشارين الخارجيين في ضوء قيم المؤسسة وقدراتها الأساسية بما يضمن توافق المقترحات معها ومصداقيتها، وهذا سيشجع الموظفين أكثر إذ يرون قيم الشركة مجسدة في الممارسات الجديدة.

كثافة المصطلحات

غالباً ما يصاحب التغيير المؤسسي مجموعة كبيرة من المصطلحات الجديدة تهدف إلى تبسيط عملية الانتقال وتمييزها، لكنها قد تعود بأثر عكسي، فتتحول إلى عوائق بدلاً من أن تسهم في التوضيح، ما يؤدي إلى تشويش فهم الموظفين للمبادرة وخلق انقسامات بينهم، وهذا يسهم بدوره في تعطيل العمل التعاوني والتقدم اللذين كان من المفترض أن تدعمهما هذه المصطلحات.

تعامل القائمون على مبادرة الهيكلية اللامركزية في شركة أفينسا مع هذا التحدي من خلال ترويج مصطلحات جديدة في تواصلهم مع الموظفين مثل "الدوائر" و"الدوائر الفرعية" و"المنسقين"، وابتعدوا عن المصطلحات ذات الصلة التي قد تكون مربكة مثل "هولاكراسي" و"السوسيوقراطية" و"تيل"، واستعاضوا عنها بمفاهيم أبسط ومألوفة أكثر مثل "السلطة" و"الاستقلالية" و"صناعة القرار". وعلاوة على ذلك، حاول قادة الشركة ترسيخ هذه المفاهيم في ثقافتها من خلال التكرار عبر مقاطع فيديو لرسوم متحركة تشرح جهود الانتقال إلى هيكلية لا مركزية وأسبابه، بالإضافة إلى مقاطع فيديو لمقابلات الموظفين وشهاداتهم التي تكرر المصطلحات الجديدة.

يضمن وضع مسرد واضح للمصطلحات وإجراء جلسات توجيهية وورش عمل منتظمة أن يفهم الموظفون المصطلحات ويدركوا أهميتها ثم يطبقوها. ومن خلال هذه التدابير تستطيع المؤسسات الوصول إلى لغة مشتركة تعزز التعاون.

متطلبات اكتساب المهارات الجديدة

يجب أن تتطور المهارات مع تطور الأدوار، وعلى الرغم من أن هذا التحول يساعد على تمكين الموظفين، فهو يشكل تحدياً للكثير منهم. على سبيل المثال، بعد اعتماد هيكلية إدارية مسطحة، انتقلت مسؤوليات الميزانية في شركة أفينسا من رؤساء الأقسام السابقين إلى منسقي الدوائر الفرعية، الذين كان يفتقر بعضهم إلى الخبرة في إدارة الميزانيات. وبناءً على ذلك، عانت شركة أفينسا مشكلات في الميزانية عدة أشهر إلى أن نفّذت مبادرة "النادي المالي" بقيادة فريق الماليات لتقديم تدريب مخصص على إدارة الميزانية، فعززت المشرفين الماليين الجدد بالمعرفة الأساسية المتعلقة بالأرباح والخسائر والتدفق النقدي والربحية.

كما أجرت الشركة تقييمات رسمية على نطاق أوسع، حددت من خلالها ثغرات أخرى في المهارات التقنية ومهارات التعامل مع الآخرين والكفاءات المطلوبة، وأتبعت ذلك بدورات تدريبية حول عدة مهارات مثل التواصل والتحليل المالي والتفاوض وخدمة العملاء، وحفزت الموظفين على إتمامها.

عموماً، تستطيع المؤسسات تقديم مزيج من ورش العمل والمبادرات الإرشادية والمشاريع العملية التي تهدف إلى تزويد الموظفين بالأدوات التي يحتاجون إليها للنجاح في بيئة عمل غير هرمية.

ضبط الوتيرة المناسبة

عندما تعتمد الشركة هيكلية مسطحة، يمكن أن يؤدي التركيز المفرط على التوافق الجماعي إلى إبطاء عمليات صناعة القرار، ما يؤدي إلى تشتيت انتباه الموظفين عن مهامهم الرئيسية والإضرار بإنتاجية أقسام الشركة الأساسية.

كانت هناك رؤيتان حاسمتان لتحسين عملية صناعة القرار في شركة أفينسا التي اعتمدت على التوافق الجماعي: أولاً، كان من الضروري أن يفهم الموظفون نطاق مسؤولياتهم وصلاحياتهم في عملية صناعة القرار، وعندما حددت لهم أدوارهم بوضوح وفهموا حدودها شعروا بالقدرة على تنفيذ المهام بسرعة دون طلب الموافقة. وثانياً، عندما تطلبت قضية كبيرة وعميقة (مثل القرارات الأخلاقية) مساهمة جماعية، كان من المُجدي تقسيم القضية إلى أجزاء سهلة الاستيعاب ودراسة كل جزء على حدة، ثم التوصل إلى اتفاق جماعي خطوة بخطوة.

كان التحلي بالصبر والالتزام بالهدف الأكبر عاملين أساسيين. في شركة أفينسا، يؤدي الميسّرون من أقسام أخرى في الشركة دوراً حاسماً، ليس في إدارة المناقشات فحسب، بل في التركيز على الأساس المنطقي والفوائد التي يحققها الأسلوب الذي اختارته الشركة، وهم يساعدون على ضمان تسجيل الالتزامات ومراجعتها ومتابعتها في الاجتماعات المستقبلية. على سبيل المثال، عمل موظفون من قسم التواصل المؤسسي والماليات والمحاسبة ميسرين في الدوائر ذات الصلة بالعمليات. والفكرة هي أن هؤلاء الموظفين يكتفون بتسهيل المحادثات ولا يشاركون بالتعليقات والآراء.

إظهار المرونة على المدى المنظور مع الحفاظ على رؤية بعيدة المدى

يمكن أن يؤدي اعتماد هيكلية مسطحة إلى تمكين الموظفين وتعزيز العمل التعاوني بينهم وقدرتهم على التكيف، ولكن إدراك هذه الفوائد يتطلب من المشاركين تبني نظرة بعيدة المدى، خاصة عندما تكون النتائج الفورية غير ممكنة. وفي الوقت نفسه، يجب أن تكون المؤسسات قادرة على التكيف مع المستجدات وتعديل استراتيجيتها وإعادة ضبطها فوراً.

اكتشفت شركة أفينسا أن تزويد الموظفين بفرص منتظمة للتفكير والتحدث عن تأثير مبادرة "أفينسا فيفا" في أدوارهم وتصوراتهم ورضاهم الوظيفي ساعدهم على ربط تجاربهم في الحاضر بمستقبلهم المنشود سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.

على سبيل المثال، تطور ما بدأ تأملات غير رسمية حول تنظيم مبادرة "أفينسا فيفا" وأثرها خلال اجتماعات الدوائر والدوائر الفرعية الدورية إلى منتدى منظم للموظفين يتيح لهم التحدث عن ردود فعلهم وأفكارهم المتعلقة بجهود الانتقال إلى هيكلية لا مركزية. كما أجرى قادة الشركة استقصاءات كل 3 أشهر لتقييم مواقف الموظفين تجاه التغيير على مستوى الدوائر الفرعية، وسهلوا إجراء جلسات للتأمل مرة واحدة لجميع الموظفين بهدف الكشف عن مصادر تحفيزهم وأهدافهم داخل العمل وخارجه، وسعى قادة الشركة إلى مواءمة نتائج هذه الجلسات مع الفوائد المرجوة من الجهود الجارية للانتقال إلى هيكلية لا مركزية.

عندما يرى الموظفون الصورة الكبرى، ويفهمون الفروق الدقيقة بين مبادرات التغيير المختلفة، ويؤمنون بقدرة الهيكلية المسطحة على إحداث تغيرات جذرية، يصبحون أكثر من مجرد مشاركين، يصبحون شركاء في الملكية. هذا الإحساس بالملكية النفسية يزيد التزام الموظفين ويعزز قدرتهم على التحمل، ويضمن أن تكون كل خطوة قائمة على القناعة الجماعية وفي خدمة الهدف الجماعي.

3 سنوات وما زالت جهود أفينسا مستمرة في الانتقال إلى هيكلية لا مركزية، وعلى الرغم من عدم وجود مقياس واحد واضح يمكن من خلاله تقييم التقدم الذي أحرزته فالأجواء تبعث على التفاؤل. نهدف من خلال توثيق رحلة شركة أفينسا إلى مساعدة قادة المؤسسات الأخرى التي تفكر في مبادرات تغيير مماثلة على توقع العثرات التي واجهتها شركة أفينسا وتجنبها وتحديد الفوائد التي يمكن أن توفرها الهيكلية المسطحة وتحقيقها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي