كيف يوازن القائد بين التحرك السريع وحل المشكلات؟

14 دقيقة
التحرك بسرعة وإصلاح المشكلات
ديفيد مالان/غيتي إميدجيز

يُنظر إلى السرعة بطريقة سلبية في مجال الأعمال التجارية، وغالباً تكون هذه النظرة مستحقة ولها أسباب وجيهة؛ إذ تركز المناقشات حول مشكلات الجودة في شركة بوينغ (Boeing) أو الانهيار الذي شهدته شركة إف تي إكس (FTX) أو حتى فشل منصة كويبي (Quibi) الذريع غالباً على السرعة، فقد اتخذت هذه الشركات قرارات سريعة للغاية بحيث لم يتمكن أي شخص من ملاحظة الأخطاء الواضحة في القيادة أو الثقافة أو نموذج العمل.

نخشى أن تكون هذه النظرة السلبية قد تفاقمت في الأسابيع الأخيرة؛ إذ شهدنا إزالة هياكل من الحكومة الأميركية بسرعة مذهلة، دون إيلاء اهتمام كبير للعواقب الاستراتيجية أو الأضرار الجانبية المرتبطة بحملة تقليص الإنفاق الفيدرالي. يعتمد هذا النهج التشغيلي، الذي يتجسد في شعار وادي السيليكون الشهير "التحرك بسرعة وإصلاح المشكلات" (Move Fast and Break Things) على فكرة أننا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما تحقيق التقدم وإما الاهتمام بالناس، ولا مجال للجمع بينهما، فبناء المستقبل يتطلب تقبّل بعض الأضرار الجانبية أو العواقب السلبية. لقد أمضينا العقد الماضي في مساعدة قادة الأعمال على إصلاح هذه الأضرار، وأحد الدروس الرئيسية المستفادة من عملنا هو أن فكرة المفاضلة بين تحقيق التقدم ورعاية مصالح الأفراد غير صحيحة. يتميز القادة الناجحون في إحداث التغيير، الذين نعرفهم، بحل المشكلات بسرعة كبيرة مع تحمل مسؤولية نجاح العملاء والمساهمين والموظفين ورفاهتهم، فهم يتحركون بسرعة ويُصلحون الأخطاء. لنأخذ على سبيل المثال بعض أبرز قادة التغيير في الشركات خلال العقدين الماضيين، مثل آلان مولالي في شركة فورد وإندرا نوي في شركة بيبسي وساتيا ناديلا في شركة مايكروسوفت؛ إذ نجح هؤلاء القادة جميعهم في إعادة تنشيط مؤسساتهم التي كانت تعاني الجمود عبر التحرك بسرعة واتخاذ قرارات فورية وفعّالة وحولوها إلى مؤسسات أكثر كفاءة وسرعة وذات رؤية استراتيجية أفضل، كما تخلوا عن بعض الأشخاص والبرامج في أثناء عملية التحول، وكانت الكفاءة تُمثل أولوية أساسية بالنسبة لهم جميعاً، لكنهم فعلوا ذلك بحذر وبطريقة مدروسة من أجل تحقيق هدف محدد يتمثل في بناء شركات أكثر قدرة على المنافسة، لذا، ننصح القادة الذين يواجهون تحديات كبيرة في القطاعين العام والخاص بعدم إبطاء وتيرة العمل، بل يجب عليهم التمهّل قليلاً وأخذ نفس عميق واتخاذ بعض الخطوات المهمة قبل الانطلاق واتخاذ الإجراءات الصحيحة. في عملنا، نُسمي هذا "الاستعداد الجيد للانطلاق بثقة". ويتضمن ما يلي:

1. التأكد من حل المشكلات الحقيقية.

نلاحظ في كثير من الأحيان أن قادة التغيير يركزون على معالجة أعراض المشكلات بدلاً من التركيز على أسبابها الجذرية، ما يؤدي إلى ضياع وقت ثمين دون إحراز تقدم ملحوظ أو نتائج ملموسة.

لقد عملنا مع فريق قيادي في شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا في مراحلها الأولى، وكان الفريق مقتنعاً بأنه يواجه مشكلة ثقافية تتمثل في "فجوة الأجيال" بين الموظفين الأكبر سناً والأصغر سناً. في الواقع، كانت هناك مشكلة استراتيجية تتمثل في عدم قدرة الشركة على تحديد أولويات واضحة، ما دفع الموظفين نحو الانضمام إلى زملائهم الذين يشاركونهم الآراء والأفكار نفسها.

عندما تواصل معنا أعضاء الفريق لطلب المساعدة، كانوا قد أمضوا عدة أشهر في محاولة حل المشكلة الخاطئة. يزداد خطر الوقوع في فخ التحليل السطحي عندما نكون في حالة تسميها الباحثة في مجال النزاعات، أماندا ريبلي، "الصراع الحاد" (High Conflict)، وهي حالة عاطفية تدفعنا إلى إغفال الإشارات المهمة وتحويل خصومنا إلى أعداء دون الأخذ بعين الاعتبار دوافعهم ووجهات نظرهم. وقد بدأ هذا النمط بالظهور في العلاقات الشخصية داخل هذه الشركة، مع تصاعد المواجهة بين الجيل إكس (Gen X) والجيل زد (Gen Z). يبدو أن هذا يحدث أيضاً في بيئتنا السياسية المنقسمة، على سبيل المثال، من خلال تصوير الموظفين الفيدراليين المسرّحين على أنهم جزء من الدولة العميقة السيئة السمعة وذات النوايا المريبة. إن تشويه صورة الآخرين هو رد فعل شائع في حالات النزاع، لكن ذلك يؤدي إلى زيادة صعوبة القيادة من خلال قطع صلة القائد بالواقع، فعندما تشوّه صورة الآخرين وتحوّلهم إلى صور نمطية مبالغ فيها، فإنك تخاطر بأن تصبح أنت نفسك مثلهم. يتطلب الخروج من هذه الحالة الذهنية المشوشة الجمع بين التواضع وحب الاستطلاع. لا تفترض أن وجهة نظرك صحيحة بالضرورة، ولا سيما إذا كنت محاطاً بأشخاص لديهم دوافع قوية للتوافق معك. توفر ممارسة نهج "الأسباب الخمسة"(Five Whys) الشهير، الذي اعتمدته شركة تويوتا، طريقة فعّالة لاكتشاف الأسباب الجذرية للمشكلة بسرعة؛ إذ أسهم هذا النهج، بالإضافة إلى عوامل أخرى، في تعزيز قدرة الشركة على إنشاء أحد أكثر أنظمة التشغيل فعالية في العالم.

2. العمل على تعزيز الثقة في أثناء التقدم.

إن الثقة في القيادة هي نتيجة طبيعية للتحلي بالمنطق والمصداقية والتعاطف، وهو نمط يعود إلى رؤية أرسطو بأن الإقناع يتطلب مزيجاً من العاطفة والأخلاق والمصداقية والمنطق.

إذا نظرنا إلى ثقة الشعب الأميركي في الحملة الحالية لتعزيز كفاءة الحكومة، فإننا نلاحظ أن الحملة تحظى بتقييم عالٍ من حيث المصداقية؛ إذ إن الأشخاص المعنيين بها، مثل إيلون ماسك، يتصرفون على طبيعتهم، كما تحظى بقدر من التفهّم فيما يتعلق بمنطق التخفيضات (على اعتبار أن تقليل الهدر الحكومي هدف منطقي)، لكنها تسجل تقييماً متدنياً جداً فيما يتعلق بالتعاطف من ناحية تفهم الآثار السلبية التي قد يشعر بها الناس بسبب تلك الإجراءات. قال النائب ريتش ماكورميك، وهو عضو في الحزب الجمهوري ويمثل ولاية جورجيا، لمراسل شبكة سي إن إن، مانو راجو، إنه يجب على الحزب الجمهوري أن يبذل جهداً أكبر لإظهار التعاطف. فهذا الأمر يمثّل قيمة أساسية في الثقافة الأميركية. نرى أننا ننتمي إلى مجتمع يحمل قيماً إنسانية ويتسم بالاحترام ونرغب في أن يجسد قادتنا هذه القيم والأخلاق.

تشير أبحاثنا إلى أن انخفاض التعاطف يُمثل مشكلة كبيرة، لأن الناس لا يثقون بالقادة الذين يركزون على مصالحهم الشخصية.

عندما عملنا مع فريق القيادة العليا في شركة أوبر (Uber) لإعادة بناء الثقة بعد أزمة القيادة التي تعرضت لها، أوضحت الشركة للسائقين والركاب والجهات الرقابية أنها تهتم أيضاً بمصالحهم، وليس فقط بتحقيق الأرباح للمساهمين. يتطلب هذا التحدي إظهار الأفعال والنتائج الملموسة بدلاً من الاكتفاء بالكلام أو الوعود.

على سبيل المثال، أظهر قادة شركة أوبر اهتمامهم بتجربة السائقين من خلال تلبية مطالبهم بإضافة ميزة الإكراميات داخل التطبيق، كما أظهروا للركّاب أنهم يأخذون مخاوفهم على محمل الجد من خلال إضافة ميزات أمان جديدة إلى تجربة مشاركة الرحلات.

أسهمت هذه الجهود في استعادة ثقة أصحاب المصلحة، ما ساعد الشركة على تحقيق النجاح في السنوات الأخيرة.

3. الحرص على إشراك الأشخاص الذين يمتلكون معرفة وخبرة تفوق خبرتك، حتى وإن لم تكن تعرفهم.

تتحسن جودة القرارات عندما يشارك أصحاب المصلحة الأكثر تأثراً بها في عملية صناعة القرار، وهم غالباً الأشخاص الأكثر دراية بالمشكلة. على سبيل المثال، نعتقد أن منصات التواصل الاجتماعي تفشل غالباً في التعامل مع سلامة الأطفال وحمايتهم، بسبب ضعف تمثيل الآباء والأمهات في القوى العاملة لدى هذه المنصات. في عملنا نشجع القادة على تكوين علاقات صداقة جديدة باستمرار والتوقف عن الاعتماد المفرط على شبكات العلاقات المألوفة لحل المشكلات، فالعمل مع الزملاء الذين نشعر بالراحة معهم لا يسهم بالضرورة في تطوير قدراتنا أو تحسين أدائنا. يواجه ماسك خطر ارتكاب هذا الخطأ التقليدي، إذ يعتمد بدرجة كبيرة على مجموعة صغيرة من الخبراء التكنولوجيين الذين يشاركونه المهارات نفسها والرؤى الفكرية ذاتها. ويبدو أن هذه المجموعة تفتقر إلى الخبرة في التعامل مع الحكومة الفيدرالية أو مع معظم المشكلات التي تحاول الحكومة حلها. لكننا نشعر بالتفاؤل لأن التحدي المتمثل في تقليص عدد الموظفين يبدو أنه أصبح الآن من مسؤولية رؤساء الوكالات، الذين من المحتمل أن يكونوا أكثر دراية بوضع الوكالات التي يتولون مسؤولية تقليص عدد موظفيها، أو لديهم فرق متخصصة يمكنها مساعدتهم في ذلك. نوصي بإشراك عدد أكبر من الخبراء المتخصصين في هذا المجال بسرعة أكبر. ابحث عن الأشخاص الذين يؤمنون بأهدافك المتعلقة بتحسين الكفاءة ويعرفون كيفية تحسين أداء مؤسستك.

4. تقديم رواية واضحة ومقنعة حول التغييرات أو الأهداف المرجوة.

السرد القصصي هو جزء أساسي من قيادة التغيير، وقد كان إتقانه جزءاً مهماً من كل تحول ناجح نعرفه. عندما نجح آلان مولالي في قيادة التحول في شركة فورد، كان يتحدث باستمرار عن خطته التي يسميها "فورد واحدة" (One Ford). وكان يبدأ كل اجتماع باستعراضها، مع حرصه على توزيع بطاقات صغيرة بحجم المحفظة تحمل تفاصيل هذه الخطة على كل موظف. هذا النوع من الانضباط والالتزام في توصيل الرسائل ضروري حتى يتمكن الآخرون من استيعاب رؤيتك وفهم الهدف الذي تسعى لتحقيقه معهم.

عندما يتعلق الأمر بجهود تحسين الكفاءة الحالية في واشنطن، فإنه يجب على الشعب الأميركي فهم المكاسب المحتملة من هذه التغييرات وما يرافقها من غموض. يتطلع الأميركيون بالدرجة الأولى إلى حكومة تتمتع بالاستجابة السريعة والكفاءة العالية، وليس حكومة ذات قدرة محدودة على حل المشكلات.

وقد عرض الرئيس التنفيذي لمصرف جيه بي مورغان (JPMorgan)، جيمي ديمون، مؤخراً رواية أكثر توافقاً مع هذه الأهداف في مقابلة مع شبكة سي إن بي سي الإخبارية (CNBC)؛ إذ قال إنه من الضروري تنفيذ جهود تحسين الكفاءة، وأضاف أنه يجب إعادة صياغتها بحيث لا تقتصر على خفض العجز المالي، فالهدف هو وضع السياسات المناسبة والإجراءات الفعّالة وتشكيل الحكومة التي نستحقها. ويشير ديمون إلى أن الحل قد يتمثل في تقديم حجة مقنعة للناس بأن الحكومة لن تصبح أصغر حجماً فقط، بل ستتحسن وتصبح أكثر كفاءة بعد هذه الزعزعة. ولكن يجب رواية هذه القصة بطريقة موثوقة ومقنعة، بالإضافة إلى إعادة سردها حتى يصدقها الناس ويؤمنون بها.

تمتلك القوات البحرية الأميركية مقولة شهيرة، وهي "البطء يعني السلاسة، والسلاسة تعني السرعة"، ونحن نعتقد أن المقصود بذلك هو أنه على الرغم من أن تقليل العوائق قد يستغرق وقتاً أطول على المدى القريب، فإن الاستثمار في العمليات الجيدة والفعّالة يؤدي في النهاية إلى تسريع وتيرة العمل.

لا تستغرق الخطوات المذكورة أعلاه وقتاً طويلاً لتنفيذها، فقد نحتاج إلى بضعة أسابيع فقط، وعلى المدى الطويل، تسهم هذه الجهود في زيادة السرعة وتخفيض التكاليف من خلال تقليل الاحتكاك وتقليص احتمالية تكرار العمل، وهو مصطلح لا يعبّر عن جسامة المخاطر وحجم التحديات التي تواجه الحكومة الأميركية، التي تقوم بمسؤوليات بالغة الأهمية، مثل إدارة التهديدات الصحية العالمية وضمان سلامة المستهلك.

في كثير من السيناريوهات، من الممكن أن يؤدي تكرار العمل بهدف إصلاح الأخطاء إلى خسائر في الأرواح أو التسبب في أذى دائم لا يمكن إصلاحه. ولا تكمن المشكلة في السرعة، فالسرعة تنشّط المؤسسة وتحرر طاقاتها، كما توضح للجميع أنك تتعامل بجدية مع المشكلات التي تعمل على حلها، وهي متغير أساسي في نجاح أي حملة تغيير. يمكنك أن تسأل آلان وإندرا وساتيا وسيؤكدون لك ذلك.

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي