ملخص: مع تسارع التحول نحو الاقتصاد الأخضر، تسعى دول مجلس التعاون الخليجي لإعادة صياغة مراكزها الاقتصادية لتصبح أكثر استدامة وابتكاراً، عبر مشاريع طاقة متجددة واستراتيجيات مزدوجة تجمع بين حماية الصناعات القائمة وإطلاق فرص جديدة.
- مشاريع كبرى للطاقة المتجددة: السعودية تطور "نيوم للهيدروجين الأخضر" والطاقة الشمسية والرياح، الإمارات تنفذ "الظفرة" و"مجمع محمد بن راشد" وتفادي 10 ملايين طن انبعاثات عبر مدينة مصدر، قطر تعتمد على محطة "الخرسعة" للطاقة الشمسية، الكويت تطور "الشقايا" بقدرة 2,000 ميغاواط، عمان تنفذ "هايبورت الدقم" للهيدروجين الأخضر، والبحرين تطلق منصة مناخية بقيمة 750 مليون دولار.
- استراتيجية الحماية (Safeguard): تحديث الصناعات الهيدروكربونية، إدماج الطاقة المتجددة، تطبيق تقنيات التقاط الكربون، وبرامج لتأهيل العمالة بالمهارات الخضراء.
- استراتيجية الشرارة (Spark): إنشاء مناطق اقتصادية خضراء، إطلاق حوافز لتشجيع الابتكار، بناء مهارات مستقبلية للصناعات الناشئة، وتعزيز التعاون بين الشركات ومراكز البحث.
- توصيات لتسريع التحول: صياغة سياسات خضراء مستقرة، تطوير سوق إقليمية للكربون وتبادل الخبرات، وابتكار أدوات تمويل مثل السندات الخضراء.
- النتيجة: التحول ليس مجرد خفض انبعاثات بل إعادة تصور القطاعات التقليدية لتبقى تنافسية، مع فتح فرص جديدة للنمو المستدام والاقتصاد منخفض الكربون.
لم تعد التجمعات الاقتصادية مجرد مراكز صناعية بل أصبحت القوة المحركة للابتكار والنمو المستدام. ومع التطلعات الطموحة نحو الغد، فإن النظم المترابطة ستؤدي دوراً محورياً في بناء مستقبل أكثر استدامة وشمولية.
في الوقت الذي يشهد فيه العالم جهوداً متسارعة للتحول نحو الاقتصاد الأخضر المستدام، بدأت دول مجلس التعاون الخليجي أيضاً خطوات جادة نحو تعزيز القدرة على التكيف مع اليتغير المناخي والحد من مخاطره. وقد شكل استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة مؤتمر الأطراف بشأن تغير المناخ (COP28) في عام 2023 إنجازاً مهماً في هذا الإطار، إذ أكد على مواصلة التزام المنطقة بالعمل على مواجهة تداعيات تغير المناخ. ورغم تلك الجهود، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تواجه تحديات خاصة، إذ تعد من أعلى دول العالم من حيث نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فضلاً عن اعتمادها الكبير على صادراتها من منتجات الهيدروكربونات.
ويتمثل الهدف في تسليط الضوء على المبادرات التي أطلقتها دول مجلس التعاون الخليجي وجهودها الرئيسية الفعالة. ونطرح كذلك كيف يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي مواصلة جهودها لتطوير تجمعاتها الاقتصادية لدعم مستقبل مستدام بالاستفادة من الأدوات والاستراتيجيات الخضراء المتاحة أمام الحكومات.
التحول الأخضر في مراكز النمو الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي
تعمل المملكة العربية السعودية، التي تبلغ انبعاثاتها نحو 672.3 مليون طن متري، على تنويع اقتصادها وخفض الانبعاثات عبر مشاريع رئيسية أبرزها مصنع "نيوم للهيدروجين الأخضر" – أكبر منشأة تجارية على مستوى العالم – بتمويل من شركة (NGHC) يبلغ 8.4 مليار دولار. وكذلك تستثمر المملكة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح للوصول إلى 50% من حصة الطاقة المتجددة في الكهرباء بحلول عام 2030. وفي مجمع الدمام للنفط والغاز، يهدف مشروع "أرامكو" التجريبي لالتقاط الكربون في "حوية" إلى احتجاز 800 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً.
وتواصل دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تبلغ انبعاثاتها نحو 204.08 مليون طن متري، التركيز على إزالة الكربون وتعزيز الطاقة المتجددة وإعطاء الأولوية لهما، وذلك عبر مشاريع مثل "الظفرة للطاقة الشمسية" ومشروع "مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية"، لدعم هدف 44% طاقة نظيفة بحلول عام 2050. وفي "المنطقة الحرة لجبل علي "JAFZA""، يهدف برنامج كفاءة الطاقة إلى خفض التكاليف التشغيلية والمرافق بنسبة 30%، فيما ساعدت مبادرات التقنيات النظيفة في مدينة "مصدر" على تفادي أكثر من 10 ملايين طن من الانبعاثات في عام 2022.
من جانبها، تعمل دولة قطر، التي تبلغ انبعاثاتها نحو 127.9 مليون طن متري وتُعد أعلى معدل انبعاثات للفرد في المنطقة، على التحول الأخضر من خلال محطة "الخرسعة للطاقة الشمسية الكهروضوئية" التي ستخفض نحو 26 مليون طن متري من الانبعاثات الكربونية، إضافة إلى أنه في رأس بوفنطاس قدمت شركة أرسيلور ميتال مادة (XCarb®) وهي فولاذ منخفض الكربون مصنوع من مواد مُعاد تدويرها وطاقة متجددة.
وتسعى دولة الكويت، التي تبلغ انبعاثاتها نحو 106.15 مليون طن متري، إلى تحقيق التنمية المستدامة ضمن رؤيتها "الكويت الجديدة 2035" نحو الاستدامة عبر "مجمع الشقايا للطاقة المتجددة" الذي يدمج الطاقة الشمسية والرياح بطاقة 2,000 ميغاواط بحلول 2025. وكذلك تعمل شركة البترول الوطنية الكويتية على توسيع هذا الجهد من خلال مشاريع طاقة شمسية إضافية لتحقيق هدف الطاقة المتجددة بنسبة 15% بحلول عام 2030.
أما في سلطنة عمان، التي تبلغ انبعاثاتها نحو 80.97 مليون طن متري، فإنها تعمل على تنفيذ مشاريع مثل محطة عبري للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة تصل إلى (500 ميغاواط) ومبادرة "هايبورت الدقم" للهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا. ويتمثل الهدف العام في الوصول إلى حصة تصل إلى 30% من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
وتستهدف مملكة البحرين، التي تبلغ انبعاثاتها نحو 39.02 مليون طن متري، خفض تلك الانبعاثات بنسبة 30% بحلول 2035، والاعتماد على الطاقة المتجددة بنسبة 10%. وتشمل المبادرات ميناء خليفة بن سلمان الذي يعمل بالطاقة الشمسية ومنصة استثمارية مناخية بقيمة 750 مليون دولار، ويحول مرفق ألمنيوم البحرين الخالي من النفايات 35,000 طن من النفايات سنوياً إلى منتجات.
استراتيجيات مزدوجة للتحول الأخضر في دول مجلس التعاون الخليجي
يتطلب التحول الأخضر في دول مجلس التعاون الخليجي مقاربة مدروسة ومتدرجة ومتوازنة بين التحول الصناعي وبناء القدرات. ويعتمد النجاح على تطوير البنية التحتية وتبني التكنولوجيا وتنمية القوى العاملة، إلى جانب وضع السياسات الداعمة التي تحمي الصناعات الحالية وتفتح آفاقًا اقتصادية جديدةً للفرص المستقبلية.
ويجب أن يأخذ هذا التحول في الاعتبار الحقائق الاقتصادية، مثل الاعتماد على النفط وارتفاع استهلاك الطاقة وضرورة تحلية المياه، لضمان أن يكون التقدم عملياً ومستداماً. وللتعامل مع هذا الأمر، يمكن لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي التفكير في استراتيجيتين، الأولى هي (Safeguard) أو الحماية والتي تهدف إلى تطوير التجمعات الصناعية الحالية لتعزيز مرونتها البيئية، والأخرى هي (Spark) أو الانطلاق والشرارة والتي تركز على إطلاق فرص جديدة محورها الاقتصاد الأخضر والابتكار.
استراتيجية الحماية (Safeguard): الاستدامة ضمن الصناعات القائمة
تُعد هذه الاستراتيجية ضرورية في ظل اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي على الصناعات الهيدروكربونية. وتشمل أبرز المبادرات:
- تمكين الوصول إلى الطاقة النظيفة: يشمل ذلك دعم التجمعات الصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة للتحول نحو إزالة الكربون مع الحفاظ على التنافسية، وذلك عبر تعزيز دور الطاقة المتجددة وتقنيات احتجاز الكربون.
- جعل العمليات القائمة أكثر استدامة: تحديث العمليات الصناعية بتطبيق الحلول المبتكرة التي تحد من الآثار البيئية مع الحفاظ على الميزات التنافسية، بما في ذلك تحديث خطوط الإنتاج وتطبيق برامج الكفاءة.
- إعادة تأهيل القوى العاملة والمهارات الخضراء: الاستثمار في تطوير مهارات العمالة من خلال مراكز تدريب متخصصة وبرامج شهادات مهنية معتمدة تضمن جاهزية الكوادر للتحول الأخضر.
استراتيجية الشرارة (Spark): إطلاق العنان للابتكار الأخضر
تهدف هذه الاستراتيجية إلى تحفيز فرص جديدة من خلال بناء ميزة تنافسية خضراء ناشئة في التجمعات الاقتصادية:
- جذب الاستثمارات عبر مناطق خضراء جديدة: إنشاء مناطق اقتصادية مخصصة للابتكار والاستدامة، وتطوير التكنولوجيا النظيفة، ودمج الطاقة المتجددة ودعم الصناعات الناشئة.
- الحوافز وتوليد الطلب: صياغة سياسات لتشجيع الابتكار المستدام ودعم الرواد الأوائل في التحول الأخضر عبر حوافز مستهدفة وآليات لتحفيز السوق.
- تأهيل القوى العاملة المستقبلية: إطلاق برامج لتزويد العمالة بالمهارات المتخصصة اللازمة للصناعات الخضراء الناشئة.
- تعزيز الابتكار على مستوى التجمعات: تمكين التعاون بين الشركات والجامعات ومراكز البحث لتسريع التقدم التكنولوجي والتجاري.
وتساعد هذه المناهج التجمعات الاقتصادية على اقتناص قيمة جديدة مع تسارع التحول الأخضر.
توصيات و إجراءات لتسريع التحول الأخضر في دول مجلس التعاون الخليجي
يعد اتباع نهج شامل واستراتيجي أمراً أساسياً ومهماً للتعامل مع هذا المشهد المعقد. وتحدد التوصيات التالية الإجراءات التي يمكن أن تساعد تجمعات دول مجلس التعاون الخليجي على تسريع تحولها الأخضر مع تعزيز المرونة الاقتصادية والابتكار:
- وضع سياسات خضراء شاملة: صياغة إرشادات ومبادئ واضحة وحوافز لضمان استقرار السياسات لدعم قرارات الاستثمار طويلة الأج.
- تعزيز التعاون الإقليمي: إطلاق مبادرات مثل سوق إقليمية للكربون ومنصات مشتركة لتبادل المعرفة، ويمكن أن تشمل توحيد أطر القياس وتبادل أفضل الممارسات عبر الحدود
- ابتكار آليات تمويل جديدة: تطوير أدوات مثل السندات الخضراء والمنتجات المالية المستدامة، إلى جانب أُطُر لإدارة المخاطر، بما يسمح بتعبئة رأس المال العام والخاص لتمويل التحول
تمثل التجمعات الاقتصادية الخضراء امتداداً طبيعياً للإرث الصناعي العريق في المنطقة، فقد شكلت عوائد النفط والغاز في دول مجلس التعاون الخليجي عماد اقتصادها لعقود؛ ولذلك فإن هذا التحول يعني إعادة تصور القطاعات التقليدية لتلبية متطلبات المستقبل المستدام.
ولا يقتصر الأمر على إعادة هيكلة الصناعات، بل هو تحول جريء يفتح آفاقاً وفرص جديدة للنمو والابتكار مع الحفاظ على عناصر القوة التاريخية. ويضمن دمج الطاقة المتجددة ومبادئ الاقتصاد الدائري والتقنيات المتقدمة أن تظل الصناعات التقليدية تنافسية وتلائم اقتصاد منخفض الكربون.