تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أعمال تجديد حضري واسعة النطاق. على الرغم من مواجهة العديد من الأحياء القديمة لتحديات ناتجة عن النمو والتوسع السريعين، يحمل التجديد الحضري في طياته فرصة لإحياء مثل هذه المناطق، وذلك من خلال تحسين جودة الحياة فيها مع الحفاظ على طابعها الفريد -وقد شهد ذلك نجاحاً في العديد من المدن، منها كوبنهاغن وسنغافورة. ونتيجة لذلك، يمكن للتجديد الحضري أن يتغلب على المشكلات الاجتماعية كالتدهور الحضري والبطالة والفقر وانعدام التماسك الاجتماعي، مع ضمان ألا يضطر أهل تلك المناطق إلى مغادرة مجتمعاتهم بسبب تكلفة السكن الباهظة. ولتحقيق ذلك، لا بد أن يشتمل التجديد الحضري على خطة شاملة للاستدامة الاجتماعية.
فعلى الرغم من العمل على تحقيق حياة أفضل عن طريق التجديد الحضري، غالباً ما يصاحب ذلك عواقب غير مقصودة تتمثل في حدوث اضطرابات في حياة الأفراد والمؤسسات التجارية. إذ تعتبر الضوضاء، وتلوث الهواء، وتعطل حركة المرور، إلى جانب الإخلاء المؤقت من المساكن وما يصحب ذلك من توتر عاطفي وشعور بالامتعاض من الاضطرابات الحتمية القصيرة الأجل. وعلى الرغم من ذلك كله، يمكن إدارة هذه الاضطرابات ومعالجتها مع ضمان تحقيق الأثر الإيجابي المرجو لفترة طويلة. وفي المقابل، قد يترتب على التّبعات الطويلة الأجل الناتجة عن التجديد تغيير في النسيج الاجتماعي وانخفاض في مستوى المعيشة، ولا سيّما عندما لا يكون النمو الحضري شاملاً، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلباً على الشعور بالانتماء ويعرّض المشروع للخطر.
ولتفادي ذلك، ينبغي على الحكومات ومخططي التجديد الحضري ومطوريه تبني نهج طويل الأجل يجعل من المجتمعات أولويته القصوى، وذلك من خلال الحرص على إدماج خطة للاستدامة الاجتماعية داخل مشروع التجديد الحضري، ما يقلل من الآثار السلبية على المشروع والمجتمع على حد سواء.
ويشكّل هيكل الحوكمة نقطة البداية لأي مشروع تجديد، بحيث يدمج هذا الهيكل الجهود ويجمع بين الأطراف الفاعلة المناسبة للمشروع. وتشمل هذه الأطراف مختلف الوزارات والهيئات التابعة وممثلي القطاعات والجهات المعنية المحلية مثل جمعيات الحفاظ على التراث ودعم الثقافة. ويجب تنسيق هذه الجهود تنسيقاً مشتركاً بواسطة هيئة مركزية للتجديد الحضري.
يتمثل دور هذه الهيئة في وضع تصور عميق لاحتياجات المجتمعات المستهدفة، وينبغي أن تتضافر الجهود لتعزيز المسؤولية المجتمعية وكسب الثقة، وليس مجرّد خطوة تالية لكسب التأييد. وينطوي ذلك على تصميم حلول مشتركة تدمج أولويات وتفضيلات عناصر المجتمع جميعها التي تشمل الأفراد، والشركات، وملّاك العقارات.
يتطلب بناء علاقة قوية مع المجتمع اطلاعه اطلاعاً دورياً على سير المشروع وتقييم ردود أفعال أفراد المجتمع عبر وسائل مثل المجالس الاستشارية، والاجتماعات العامة، واستطلاعات الرأي، ومجموعات البحث والدراسة. ومن المهم أن تتوافق طرق المشاركة، والرسائل، ووسائل التواصل المجتمعية مع الثقافة المحلية والعادات والتقاليد المجتمعية. ومن الأمثلة على هذه المشاركة، استخدام الأدوات الرقمية مثل تطبيقات التصاميم المشتركة في مدن مثل تالين عاصمة إستونيا، ومبادرة أوماستادي في هلسنكي التي دعت السكان للتصويت على مشاريع التجديد المفضلة لديهم.
ولمعالجة الاضطرابات الاجتماعية الحتمية، يجب على الحكومات النظر في تقديم مجموعة مساعدات مخصصة، كالمساعدات المالية أو غير المالية المتعلقة بالتنقلات. فعلى سبيل المثال، يمكنها تقديم مساعدات استشارية فيما يتعلق بالتنقلات وإتاحة الوصول إلى هذه الاستشارات لمساعدة العائلات على التكيف مع الاضطرابات، أو يمكنها وضع تدابير لحماية الأفراد وحل النزاعات خلال مرحلة الانتقال المؤقت من المساكن.
وعلى المدى الطويل، يجب أن يدعم التجديد الحضري الإسكان الميسور من خلال تخصيص جزء من العقارات المطورة لأهل المنطقة الأصليين من ذوي الدخل المنخفض إلى المتوسط. كما يمكن اتخاذ تدابير حماية إضافية لأفراد المجتمع الحالي، ومنها على سبيل المثال، سياسات "أولوية الحق في الشراء" أو "أولوية الحق في الرفض". كما ينبغي أن يعزز التجديد الحضري التنمية الاقتصادية المحلية من خلال توفير فرص العمل، وتدريب القوى العاملة، ودعم المشاريع الصغيرة.
ونظراً لأن التجديد يتطلب موارد ضخمة، فمن الضروري تأمين تمويل مستدام قبل بداية المشروع. حيث إن حدوث أي عجز في التمويل في أثناء تنفيذ المشروع من شأنه أن يؤثر سلباً على المجتمع، ما سيولد شعوراً بالإحباط والإقصاء. وبالتالي، يجب على الحكومة إجراء تقييم للاحتياجات قبل بداية المشروع وتكوين مخصصٍ كافٍ، وذلك بمراعاة إشراك المجتمع ودعمه عند وضع الموازنة. ويمكن ضمان التوازن بين الاعتبارات التجارية والاستدامة الاجتماعية من خلال ربط التمويل الإضافي بالمؤشرات الاجتماعية.
ويجب أن تفصح الحكومات ومخططو المدن ومطوروها بوضوح وعلانية عن النتائج الرئيسية الطويلة الأجل، مع مراقبة سير العمل وتقييمه طوال مدة المشروع. فهناك عدة مؤشرات لقياس الاستدامة الاجتماعية لمشاريع التجديد الحضري، مثل مستويات الدخل، وفرص العمل، وتكاليف المعيشة، والقدرة على تحمل تكاليف السكن، وإمكانية الوصول إلى الخدمات، ومعدلات التهجير، والحيوية الثقافية. ومن المهم أيضاً تقييم رضا المجتمع وتصوره العام بانتظام والمساعدة على حل المشكلات أو تخفيفها قدر الإمكان.
وإذا نُفذ ذلك بنجاح، يمكن للتجديد الحضري أن يعيد الألق للأحياء القديمة، ويعزز النمو الاقتصادي، ويكشف عن المواقع الأثرية المجهولة في المدن. ويمكن تحقيق تلك الأهداف الطموحة إذا اعتبِر التجديد الحضري مشروعاً مجتمعياً في المقام الأول.