يُدرك معظم الرؤساء التنفيذيين اليوم أهمية تحقيق التجانس والانسجام بين الجوانب المختلفة في مؤسساتهم والمتمثلة في الاﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت والقدرات اﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻴﺔ والموارد والأنظمة اﻹدارﻳﺔ، لما لذلك من أثر بالغ في تحقيق أهدافهم المؤسسية. ويتمثّل التحدي القائم في ميل المسؤولين التنفيذيين إلى التركيز على بعض من هذه الجوانب وتهميش الجوانب الأخرى، ولكن ما يهم بالفعل بالنسبة للأداء هو كيفية تحقيق التجانس والانسجام بين هذه الجوانب المختلفة جميعاً.
تأمل مثلاً شركة ماكدونالدز، ما الذي تفعله هذه الشركة حتى تكون قادرة على خدمة أكثر من 1% من سكان العالم، أي أكثر من 70 مليون زبون كل يوم وفي كل بلد تقريباً في جميع أنحاء العالم؟ إنه الاهتمام الشديد بالتصميم وإدارة العمليات المرنة والإجراءات الروتينية وثقافة العمل، وجميعها عناصر مطلوبة لتحقيق نسب مبيعات عالية للمنتجات البسيطة التي تقدمها الشركة لتناسب احتياجات الجميع بشكل موحدة عالمياً وبحجم وجودة وسعر معقول وفي متناول اليد. يكمُن تعظيم وفورات الحجم في صميم نموذج عمل ماكدونالدز المتمركز حول المنتجات. وتعتمد الكفاءة في تصميم مؤسستها الرابحة على التسلسلات القيادية الهرمية رسمية الطابع التي تنتهج أسلوب المحاسبة على الأداء، والتقسيم الإداري الواسع للقوى العاملة، وروتينية المهام المتخصصة، والعمل الجماعي عند نقاط البيع. لذلك تُعتبر ماكدونالدز الشركة الرائدة في السوق في قطاعها الصناعي منذ عقود.
وهذا ما يجب أن يبدو عليه مفهوم التجانس والانسجام المؤسسي الذي يعني النجاح من خلال سلسلة قيمة تدار بإحكام للربط بين أهداف المؤسسة، المتمثلة في المهام التي نؤديها وأسباب أدائنا لها، واستراتيجية العمل التي تنطوي على ما نحاول الفوز به بغية تحقيق أهدافنا، والقدرة التنظيمية التي تبيّن لنا ما الذي نحتاج لأن نتقنه من أجل تحقيق الفوز، وهندسة الموارد التي توضح لنا ما الذي يجعلنا جيدين، وأخيراً أنظمة الإدارة التي تعيننا على الأداء الذي يجعلنا نحقق الفوز الذي نصبو إليه. تُقاس قوة سلسلة القيمة الخاصة بالمؤسسات بقوة أضعف حلقة فيها.
تمعّن في الأسئلة التالية، والأمثل أن تقوم بذلك مع فريقك. يمكنك أن تسأل أعضاء الفريق عن المؤسسة ككل أو عن خط عمل أو نشاط أو وظيفة مهمة لكل واحد فيهم من الناحية الاستراتيجية.
هدف المؤسسة: ما المهام التي نؤديها وما سبب تأديتنا لها؟ الهدف هو حجر الأساس الذي بنيت عليه كل مؤسسة. إن النجاح المالي هو نتيجة تحقيق المؤسسات التجارية أهدافها بشكل جيد، ولكن لا ينبغي الخلط بينه وبين هدف المؤسسة نفسها. من النادر أن يكون الربح وحده هو ثمرة جهود الأفراد، على سبيل المثال.
فكر في حالتك الخاصة: ما هو الهدف الدائم لمؤسستك؟ هل توقفك عن مزاولة هذه الأعمال سيكون له أثر بالغ؟ ومن الذي سيهتم بذلك؟ هل هدفك واضح بما فيه الكفاية بحيث يمكن للمستثمرين والموظفين والشركاء والزبائن التعبير عنه؟
استراتيجية العمل: ما الذي نحاول الفوز به لتحقيق هدفنا؟ إذا كان الهدف هو سبب وجود المؤسسة وأهميتها، فإن استراتيجية العمل تتمثّل في التخطيط لما يجب على المؤسسة الفوز به لتحقيق هدفها. وعلى النقيض من الهدف، يجب أن تكون استراتيجية المؤسسة مرنة وقابلة للتكيّف استجابة للفرص والتهديدات المستقبلية. إن مقياس الفاعلية في هذا الصدد هو مدى قدرة استراتيجية العمل التي تنتهجها على تحقيق أهداف مؤسستك.
كان هدف شركة والت ديزني هو "خلق السعادة من خلال توفير أفضل وسائل الترفيه للأفراد من جميع الأعمار وفي كل مكان". تخلق ديزني السعادة من خلال تقديم مجموعة من المنتجات الاستهلاكية المتمثّلة في متجر ديزني وخدمات النشر والترخيص؛ بالإضافة إلى الترفيه مثل استديوهات والت ديزني وبيكسار (Pixar) ومارفل (Marvel)؛ وأخيراً إثراء التجارب من خلال المتنزهات والمنتجعات. ويكمن سر نجاح الشركة في متابعة الأداء العالي في كل مجال وفي استخدام كل مجال لدعم المجالات الأخرى.
تدبر الأسئلة الاستراتيجية التالية لمؤسستك: ما هي العروض التي تقدمها للزبائن سواء كانت في شكل منتجات أو خدمات، وهل تتسق مع هدفك؟ ما هي الأشياء غير المتوفرة؟ هل تقوم بشيء أو تقدم شيئاً لا يجب عليك القيام به أو تقديمه؟ من هم زبائنك وما هي متطلباتهم من المنتجات والخدمات التي تُقدّمها الآن وفي المستقبل؟ من هم منافسوك وهل هم قادرون على تقديم شيء لا يمكنك تقديمه؟ كيف تكون مختلفاً بهدف التنافس والفوز؟
القدرة التنظيمية: ما الذي نحتاج أن نتقنه من أجل الفوز؟ تستحوذ استراتيجية الأعمال على حصّة الأسد من اهتمام الرؤساء التنفيذيين، ولكن حتى أفضل الاستراتيجيات غير مجدية ما لم تكن مدعومة بالقدرات التنظيمية المناسبة. فريق القيادة المتهور هو الذي يلتزم باستراتيجية الأعمال دون معرفة ما إذا كان بإمكانه تحقيقها. تتنافس الشركات عادة بقدرتها على تنفيذ استراتيجياتها المخططة للتوفيق بين العرض والطلب بأكبر قدر ممكن من الكفاءة.
وستتابع العديد من المؤسسات العمل بهذه الطريقة في المستقبل، لكن القدرات الإضافية ذات أهمية متزايدة: بما في ذلك القيمة الاستراتيجية للقدرات التنظيمية مثل رشاقة التعامل مع العميل، والقدرة الاتصالية (بين العروض التكميلية)، والقدرة على الابتكار لاستكشاف الفرص الجديدة.
ضع في اعتبارك القدرات التنظيمية لمؤسستك: ما الذي تحتاج أن تتقنه بالفعل لتحقيق استراتيجيتك الرابحة بنجاح؟ ما الشيء الذي تقدر على فعله تنظيمياً ولكن ليس بوسع منافسيك القيام به؟ كيف تصبح قادراً بشكل فريد على تحقيق ما تطلبه الأسواق والزبائن منك الآن وفي المستقبل؟
هندسة الموارد: ما الذي يجعلنا جيدين؟ وما مدى براعتنا؟ تكتسب المؤسسات المتجانسة من الناحية الاستراتيجية قدرتها من خلال مواردها التنظيمية، بما في ذلك الأفراد والهياكل والثقافات وإجراءات العمل، كما تكتسب ذلك بحسب درجة تشكيلها كمؤسسة ذات قيمة من الناحية الاستراتيجية. يعكس الأفراد قيمة المهارات والخبرات والمعرفة المطلوبة لأداء عمل المؤسسة؛ ويعكس الهيكل التنظيمي للمؤسسة قيمة العلاقات الرسمية وغير الرسمية وشبكات العلاقات وكذلك الصلات بين الأقسام الوظيفية المختلفة التي يُنظَم العمل من خلالها؛ وتعكس العمليات قيمة إجراءات العمل المخططة وتلك المخصصة لأداء مهام معينة والإجراءات الروتينية التي ينفذ العمل ويحتفظ بالمعرفة ذات القيمة التنظيمية من خلالها. وتعكس الثقافة القيم والمعتقدات والمواقف التي توجه سلوك العمل اليومي.
فكر في مواردك: من هم الأفراد الجوهريين بالنسبة لك لأنهم متفوقون بالأشياء التي تحتاج أن تتقنها من أجل الفوز؟ ما نوع الثقافة التي قد تدعم التعاون بين خطوط الأعمال التكميلية إذا كانت استراتيجية عملك تعتمد عليها؟
ما هي أنواع إجراءات العمل الحيوية المطلوبة لكفالة قدرتك على الإبداع؟ ما نوع البنية التي ستمكنك من أن تكون رشيقاً بما فيه الكفاية للتنافس من أجل الفوز بالزبائن المتقلبين بشكل متكرر؟
أنظمة الإدارة: ما الذي يوفر الأداء الرابح الذي نحتاجه؟ تشمل أنظمة الإدارة جميع جوانب البنية التحتية للإدارة والعمليات والتكتيكات، من أنظمة المعلومات إلى إدارة أداء الموظفين. ما هي أفضل الممارسات الإدارية والأنظمة والتكنولوجيات التي تناسب استراتيجيتك الرابحة لتحقيق هدف شركتك؟ ما هي مقاييس النجاح المناسبة على المدى القصير والطويل؟
أين ينصب تركيز الجهد والاهتمام الإداري في مؤسستك، وهل يوائم ذلك الطريقة التي تخطط بها للفوز؟
هناك أربعة أسباب لعدم توفر التجانس والانسجام في المؤسسات، وهي الأسباب الواضحة جداً حتى الآن. لماذا إذن تنحرف العديد من المؤسسات عن المسار؟ هناك أربعة عوامل رئيسية من بين العديد من العوامل المتعلقة بالمؤسسات غير المتجانسة كالتالي:
- عدم إدراك قادة المؤسسات لمخاطر عدم التجانس. لا ينظر العديد من المسؤولين التنفيذيين الذين نتحدث معهم إلى مؤسساتهم كسلاسل قيمة متصلة ومترابطة وينصب تركيزهم الأساسي في كثير من الأحيان على بنية مؤسساتهم، كما هو موضح في المخطط التنظيمي للمؤسسة. ويُنظر إلى وحدات التشغيل الرئيسية المذكورة في المخطط التنظيمي بوصفها مكونات أساسية في سلسلة "القيمة". يتطلب التفكير في تحقيق التجانس والانسجام المؤسسي من كل صناع القرار النظر إلى مؤسساتهم بوصفها سلسلة قيمة، وليس مجرد مجموعة من المربعات والخطوط الأكثر أو الأقل قيمة المرسومة على مخطط سهل النسيان ودائم التغير. ما هي المناقشات الاعتيادية التي تدور في مؤسستك حول التجانس والانسجام؟ إن عدد المرات التي تعقد فيها هذه المناقشات ومع من تعقد يرتبط بالعامل الثاني التالي المتعلق بالمؤسسات غير المتجانسة.
- لا أحد يتحكم بمفرده في مسألة "تجانس الشركة وانسجامها". بشكل عام، لا يُعتبر الأفراد أو المجموعات مسؤولين وظيفياً عن الإشراف على تنظيم أعمال المؤسسة من البداية للنهاية. الواقع أنّ العديد من الأفراد والمجموعات يتحملون مسؤولية المكونات المختلفة لسلسلة القيمة الخاصة بالمؤسسة، والتي عادة ما تكون غير مترابطة كما ينبغي. غالباً ما يسعى القادة الأفراد إلى حماية مجالاتهم ومكوناتهم ضمن سلسلة القيمة وتحقيق المستوى الأمثل لها، بدلاً من العمل على تحقيق التجانس والانسجام والتحسين عبر المؤسسة بأكملها.
من هو المسؤول عن ضمان تجانس مؤسستك وانسجامها من الناحية الاستراتيجية كما ينبغي أن تكون؟ لا يمكن أن تكون الإجابة "لا أحد" أو "لا أعرف". كما لا يمكن أن يكون الجواب هو "الرئيس التنفيذي" (أو ما يعادله). إن المؤسسات الحديثة معقدة للغاية بحيث لا يمكن ترك تصميمها وإدارتها للصدفة أو الاعتماد فقط على حكمة فرد واحد.
- يجعل التعقيد عملية تحقيق التجانس والانسجام في المؤسسة أصعب بكثير. ومن الصعب تحقيق درجة انسجام عالي في المؤسسات والمحافظة عليها، وخاصة في بيئة تشغيل سريعة التغير. عادة ما ينشأ التعقيد نتيجة أربعة عوامل أساسية هي: عدد الموظفين، وتنوع خطوط العمل، وتنوع مجموعات الزبائن المختلفة وتوقعاتها، والانتشار الجغرافي. تتطلب المؤسسات الكبيرة والمتنوعة والموزعة جغرافياً في أي قطاع تتنافس فيه أكبر قدر من الجهد الاستراتيجي من جانب قيادتها بهدف تحقيق التجانس والانسجام. ما مدى تعقيد مؤسستك وهل فريق القيادة لديك مجهز تجهيزاً جيداً للتغلب على تحدي التجانس والانسجام؟
- الخلط بين النشاط أو الحركة والتقدم. تتطلب الأسئلة المصيرية المُبينة في القسم السابق التفكير السليم والشجاعة والوقت والطاقة اللازمة للإجابة. يمكن لأداء الأعمال بطريقة محمومة كالمعتاد أن يعيق المناقشات المتعمقة والخيارات الصعبة التي يجب اتخاذها بشكل منتظم لقيادة مؤسسة متجانسة من الناحية الاستراتيجية (والمحافظة عليها). ويجب أن يكون ضمان تجانس المؤسسة بأكملها مسألة روتينية بالنسبة لقادة المؤسسات. في الواقع، تفتقر العديد من المؤسسات إلى التوجيه أو مستوى الطموح أو الزخم المطلوب لتحقيق إمكاناتها دون رؤية وفهم مثالي لأفضل إمكاناتها وقدراتها.
باختصار، تتمتع المؤسسات المتجانسة من الناحية الاستراتيجية بفرصة أفضل للنجاح في بيئة الأعمال المليئة بالتحديات اليوم. وبغية تحقيق النجاح، يجب على قادة المؤسسات العثور على نهج مميز خاص بهم لتحقيق التجانس والانسجام بين استراتيجيات مؤسساتهم وقدراتها التنظيمية ومواردها القيّمة وأنظمتها الإدارية لتحقيق أهدافهم المؤسسية.
ومع ذلك، فإن العديد من القادة عند مواجهة حجم التحدي الخاص بتحقيق التجانس الانسجام في مؤسساتهم، يحجمون عن اقتناص فرصة التغيير الإيجابي الصعب بسبب الضغط الصارم من أجل تحقيق نتائج الأعمال قصيرة الأجل. ويكون الأداء غير المستدام والمستقبل الغامض هو جزاء ذلك.