ملخص: قد يكون من الصعب معرفة أي من الفرص يجب قبولها وأي منها يجب رفضها، ولكن التأني عند اتخاذ القرارات يمكن أن يكون هو الفارق بين عيش حياة ناجحة ومرضية وحياة دون ذلك بكثير. هناك بعض الأشياء التي يمكنك القيام بها لكي تزن قراراتك على نحو أفضل وتكون انتقائياً بشكل أكبر عند تقييم الفرص التي ستستفيد منها بالفعل.
- تغلَّب على مبدأ المتعة الذي ينص على أننا نميل كبشر إلى البحث عن المتعة وتجنب الألم. وعند اتخاذ أي قرار، اسأل نفسك عما ستشعر به إذا كانت هذه الفرصة ستُعقَد الأسبوع المقبل، على سبيل المثال، وليست في المستقبل البعيد. وإذا لم تشعر أنك متحمس للغاية تجاه أي فرصة تُعرَض عليك، فارفضها.
- قدِّر الوقت المطلوب (بسخاء). فكر في جميع الأعمال التي سينطوي عليها هذا الطلب قبل التفكير في الأجزاء المثيرة للحماس، مثل مقدار الوقت الذي يجب أن تخصصه له في جدول مواعيدك المعتاد. فهل يمكنك إدراج الوقت الإجمالي المطلوب في جدول مواعيدك؟
- اعتمد بعض القواعد الصارمة. عند وضع قواعدك، فكر في نقاط قوتك ونوع الأنشطة التي تمدك بالطاقة، ووافق على الفرص التي ستستفيد منها حقاً.
قبل بضعة أسابيع دُعيت إلى إلقاء كلمة رئيسية في فعالية للرؤساء التنفيذيين للتسويق. كانت تبدو فرصة رائعة، لكن ميزانيتهم لم تكن تكفي إلا لتغطية ثلث أجري.
فهل يجب أن أقبل هذا العرض بأجر أقل، أم أرفضه؟ بدأ جدال كبير في عقلي.
ولأني بالفطرة أسعى إلى إسعاد الغير، فقد كنت أجد صعوبة دائماً في الرفض. إلى جانب حقيقة أنني أرحب دائماً بالفرص الجديدة (التي لا يمكن أن تؤتي ثمارها إلا في حالة قبولها)، ولذلك فإنني أميل إلى الموافقة في أحيان كثيرة.
على مدار مسيرتي المهنية، كنت أوافق على إجراء مقابلات ترويجية للضيوف في مدونتي الصوتية، على الرغم من أن حدسي كان يخبرني أنها ستكون مقابلات مملة، وقد كان محقاً. ووافقت على حضور فعاليات لم أكن مهتمة بها حقاً، لاعتقادي أنها ستوسع شبكة علاقاتي، ولم أكن أجد إلا الإحراج الاجتماعي والملل عند وصولي. ووافقت على العديد من المشاركات كمتحدثة لدرجة أنني حجزت جدول مواعيدي بالكامل، وبالتالي لم يتبقَّ لي أي وقت للعمل على المشاريع التي أرغب في تنفيذها.
كان من الواضح أنني بحاجة إلى إجراء تغيير.
لمعرفة كيف يمكنني أن أدرس قراراتي على نحو أفضل وأن أكون انتقائية بشكل أكبر عند تقييم الفرص التي سأستفيد منها فعلاً، سألت بعض الضيوف الناجحين للغاية في مدونتي الصوتية عن الكيفية التي يتخذون بها قراراتهم.
وهذه هي النصائح التي وجدت أنها الأكثر فائدة.
تغلب على مبدأ المتعة
أحد الفخاخ التي أقع فيها هو قبول فرصة ما لمجرد أنها في المستقبل البعيد حيث سيكون جدولي فارغاً، وملء مفكرتي بالالتزامات يجعلني أشعر أنني أكثر إنجازاً. كنت أقول لنفسي: سأوافق بالتأكيد، فهذا يبدو ممتعاً، ويبدو أن لدي وقتاً للقيام به.
كما أن قول "نعم" أسهل من قول "لا"،فهو يستغرق وقتاً أقل ولا يتطلب توضيحاً مدروساً. ولكن عندما يحين وقت الفعالية، أبدأ بالندم على قراري لأن جدول مواعيدي أصبح ممتلئاً بالكامل.
أشار سيغموند فرويد إلى هذه المكاسب القصيرة المدى للآلام الطويلة المدى بـ "مبدأ المتعة" (Pleasure Principle)؛ أي ميلنا نحن البشر إلى البحث عن المتعة وتجنب الألم. فعندما نقول نعم على الفور، نتلقى رداً إيجابياً من مقدم الطلب، ما يجعلنا نشعر بشعور جيد، خاصة إذا كانت لدينا عادة إسعاد الآخرين. ولكن الألم يظهر لاحقاً في المستقبل، في الوقت الذي يتعين علينا فيه مواصلة ما بدأناه حتى النهاية.
أخبرتني ضيفة في مدونتي الصوتية وهي خبيرة في التحفيز، توريا بيت، أنها تقع بشكل متكرر في هذا الفخ. إذ غالباً ما يُطلب منها إلقاء خطابات قبل عدة أشهر. قالت: "كنت أقول لنفسي إنه سيكون بعد 6 أشهر تقريباً، فستكون الأمور على ما يرام. وعندما يقترب الموعد، كنت أتساءل لماذا وافقت".
للخروج من هذه الدوامة، بدأت بيت بسؤال نفسها 3 أسئلة قبل الرد على أي طلب: إذا كانت هذه الفرصة أو الفعالية ستُعقَد يوم الثلاثاء المقبل مثلاً، فكيف سيكون شعوري حيال ذلك؟ هل سأقبل بها وأتوق إلى المشاركة فيها؟ أم سأشعر بالقلق والتوتر؟
وإذا لم تشعر أنها متحمسة للغاية تجاه أي فرصة تُعرَض عليها، فإنها ترفضها بوضوح.
أصبحت أسأل نفسي هذا السؤال، وأجد أنه يساعدني على التركيز على شعوري الحقيقي حيال أي فرصة أفكر فيها. إذا كنت تجد صعوبة في رفض الفرص، فأنا أوصي بهذه الاستراتيجية.
قدِّر الوقت المطلوب (بسخاء)
هناك مشكلة أخرى كثيراً ما أواجهها وهي الخطأ في تقدير الوقت اللازم للعمل على هذه الفرصة، إذا وافقت عليها. على سبيل المثال، طُلب مني قبل عامين أن أكون عضواً في لجنة لمراجعة برنامج ماجستير إدارة الأعمال بكلية إدارة أعمال أسترالية مرموقة.
لدي بعض المعتقدات الراسخة حول الكيفية التي يمكن بها لبرامج ماجستير إدارة الأعمال إعداد الخريجين على أفضل وجه للأدوار القيادية، وبالنظر إلى أن شركتي الاستشارية عيّنت العديد من طلاب ماجستير إدارة الأعمال من هذه الكلية في الماضي، فقد تحمست للفرصة بلا تفكير للخروج بأفكار حول كيفية الإسهام في تخرُّج المزيد من الخريجين الناجحين. ووافقت كالعادة.
ولكن سرعان ما ندمت على قراري بعد أول اجتماع لي الذي استمر لمدة 3 ساعات وكان مرهِقاً.
يشير المصمم السابق بشركة جوجل فنتشرز (Google ventures) والمؤلف، جون زيراتسكي، إلى مشكلتي باسم "جبل الموافقة الجليدي" (Iceberg Yes): عند اتخاذ قرار بشأن إن كنا سنقوم بشيء ما أم لا (مشروع أو وظيفة أو دور تطوعي، وما إلى ذلك) فإننا نميل إلى التركيز على الجزء الظاهر والمثير للحماس. بعبارة أخرى، نحن نركز على القمة اللامعة للجبل الجليدي البارزة فوق سطح الماء. يوضح زيراتسكي أن معظم الالتزامات المتعلقة بالوقت تظل مخفية تحت السطح.
ولذلك عندما يتلقى زيراتسكي طلباً سيحتاج إلى تخصيص جزء من وقته له، فإنه يفكر في الجبل الجليدي بأكمله، وليس في الجزء الظاهر فقط. فهو يفكر في جميع الأعمال التي سينطوي عليها هذا الطلب قبل التفكير في الأجزاء المثيرة للحماس. كما أنه يفكر في مقدار الوقت الذي سيحتاج إلى تخصيصه له في جدول مواعيده المعتاد.
يقول زيراتسكي: "على سبيل المثال، عندما أوافق على المشاركة في فعالية كمتحدث، أحدد أيضاً الوقت المطلوب للتحضير لها. فهذا يجعل من الصعب عليك الموافقة، لكنه في الواقع شيء جيد".
أرى أن استراتيجية "جبل الموافقة الجليدي" مفيدة بصفة خاصة عند تحديد إن كنت سأوافق أم أرفض مقابلات الضيوف في مدونتي الصوتية. بالإضافة إلى إجراء المقابلة الفعلية، أسأل نفسي "هل سأشعر بالحماس حيال قضاء من 4 إلى 8 ساعات في البحث عن معلومات عن هذا الشخص استعداداً للمقابلة؟". فالإجابة عن هذا السؤال تسهّل عليّ اتخاذ القرار.
في المرة التالية التي يُطلب منك فيها القيام بشيء يبدو مثيراً للحماس في البداية، مثل الكتابة في مدونة شبيهة بمدونتك أو المشاركة في ندوة أو تقديم موضوع يثير شغفك، تمهل وفكر في مقدار العمل الأقل إثارة للحماس الذي ستحتاج إلى القيام به إذا وافقت.
هل يمكنك إدراج الوقت الإجمالي المطلوب في جدول مواعيدك؟ إذا كان بإمكانك ذلك، ففكر في الموافقة بثقة، لأنك تعرف أنك ستتمكن من الوفاء بالمطلوب.
اعتمد بعض القواعد الصارمة
أخيراً، تتطلب عملية صنع القرار قدراً كبيراً من الطاقة. تشير بحوث حول "إجهاد القرار" (الإرهاق الذهني الناتج عن اتخاذ الكثير من القرارات) إلى أنه كلما زاد عدد القرارات التي نتخذها على مدار اليوم، صنعنا القرارات على نحو أسوأ بسبب المخزون المحدود من الطاقة. ولذلك اعتمدت قواعد صارمة وقاطعة لنفسي للمساعدة على اختصار عملية صنع القرار.
أصوغ قواعدي باستخدام عبارة "أنا لا" (أنا لا أفعل كذا) لكي تبدو القاعدة جزءاً حقيقياً من هويتي.
على سبيل المثال، تنص إحدى قواعدي على عدم التحدث في حفلات العشاء. إذ لم تكن تجاربي مميزة للغاية في أثناء إلقاء كلمات رئيسية في غرف مليئة بأشخاص أتخمهم الطعام، وهذا ليس شيئاً أرغب في القيام به مرة أخرى في حياتي. بدلاً من الاضطرار إلى التفكير ملياً في كل فرصة ستكون خلال حفل عشاء، أقول ببساطة للمنظم: "أنا لا ألقي كلمات في حفلات العشاء".
عند وضع قواعدك، فكر في نقاط قوتك ونوع الأنشطة التي تمدك بالطاقة. على سبيل المثال، قد تشعر بقلق شديد عند حضور فعاليات بناء العلاقات، ولكنك لا تزال تدرك أن بناء شبكات علاقات مهم لحياتك المهنية. ولذلك يمكن أن تضع لنفسك قاعدة تقضي بعدم حضور فعاليات بناء العلاقات لأنها ليست مفيدة لك، ولكن بدلاً من ذلك يمكنك المبادرة بالتواصل مع الأشخاص لإجراء محادثات ثنائية لبناء شبكة علاقاتك بطريقة أقل إثارة للقلق.
من الصعب المفاضلة بين الخيارات أو قبول أو رفض الفرص، ولكن التأني عند اتخاذ القرارات يمكن أن يكون هو الفارق بين عيش حياة ناجحة ومُرضية وحياة دون ذلك بكثير.