التأمل وأهميته للمدراء التنفيذيين

5 دقيقة
أهمية التأمل عند المدراء التنفيذيين

ها هي ممارسة اليقظة الذهنية أو ما تعرف أيضاً بالوعي الذاتي والانتباه إلى الذات، باتت تلحق بسرعة بممارسة اليوغا لتصبح البقرة الحلوب والصناعة التي تدرّ للعاملين بها أكثر من مليار دولار. وبالتالي، فمن غير المفاجئ أن نشهد نتيجة لذلك تنامياً في أهمية التأمل للمدراء وفي شعبية ممارسة التأمل الذاتي بين صفوف الرؤساء والمدراء التنفيذيين، بوصفه واحداً من الطرق المتّبعة لممارسة اليقظة الذهنية والانتباه إلى الذات.

لماذا نجد هذا الاهتمام بممارسة التأمّل بين أوساط القادة التنفيذيين في قطاع الأعمال، عوضاً عن اهتمامهم، على سبيل المثال، بالتدليك والمساج أو لعبة كرة الطاولة؟ يعود السبب في ذلك إلى أن التأمل أو التفكير الداخلي يبدو أنه يفيد الرؤساء التنفيذيين أكثر من الترويح عن النفس أو الاسترخاء فيما لو مورست هذه الأنشطة لوحدها.

يقول يوهان برلين، الرئيس التنفيذي في "معهد تلكس"، والمتخصّص في توفير التدريب على اليقظة الذهنية والانتباه إلى الذات للرؤساء التنفيذيين والفرق العاملة في الشركات الكبرى: "لاحظت وجود اهتمام متزايد بين أوساط القادة بممارسة التأمّل بصفته طريقة لبناء المهارات القيادية وتحقيق الأهداف التجارية".

ويضيف: "لا يهتم معظم زبائننا الجدد بموضوع ممارسة اليقظة الذهنية والانتباه إلى الذات فقط لأنه موضوع جديد. إنهم يريدون معرفة كيف يمكن لهذه المقاربات أن تكون مفيدة حقاً لأولوياتهم الحالية، مثل الاحتفاظ بالموظفين، وتطوير الموهوبين، والابتكار". على سبيل المثال، قامت إحدى الشركات الزبونة لدى بيرلين، وهي من الشركات المدرجة على قائمة "فورتشن 25"، بإدماج تقنية ممارسة الوعي والانتباه إلى الذات ضمن برنامجها المخصص للأشخاص ذوي الإمكانيات الرفيعة لخلق عقليات تتمتع بالرشاقة والمرونة كأساس للقيادة.

فوائد تأمل المدراء التنفيذيين

تشير الأبحاث التي جرت على موضوع ممارسة الوعي والانتباه إلى الذات إلى أن التأمل يصقل المهارات المختلفة، مثل مهارات الانتباه، والذاكرة، والذكاء العاطفي. وقد تحدّثت إلى عدد من المدراء التنفيذيين بخصوص تجاربهم مع التأمل، ورأيت مراراً وتكراراً كيف أن ملاحظاتهم المتعلقة بالتأمل في مكان العمل كانت مطابقة لنتائج الأبحاث الأكاديمية.

التأمل يزيد من المرونة لدى الإنسان

أظهرت العديد من الدراسات البحثية أن التأمل يمكن أن يسهم في التقليل من القلق، وهذا الأمر يمكن أن يعزز المرونة في مواجهة الظروف الصعبة، ويمكنه أيضاً تحسين أداء المرء عند التعرض للضغوط. وهذا بالضبط ما اكتشفته آلاك فاسا، مؤسسة شركة "إيليمنتس تروفلز"، التي بدأت بممارسة التأمل، عندما كانت تعمل متداولة في بنك "غولدمان ساكس" وفي "آي تي جي". وهي تقول: "إن التأمل قد ساعدها في تهدئة مخاوفها والتقليل من حالة الذعر الموجودة لديها، حتى عندما كانت معرضة للضغوط. في إحدى المرات حصل هبوط حاد في الأسواق ودبّ الذعر في المكتب في أوساط زملائنا المتداولين. وقد كان مكتب المتداولين في حالة من الاضطراب المنظم. ولكن بفضل ممارستي للتأمل، تمكّنت من الاحتفاظ بتماسكي واقتراح الحلول للتخفيف من آثار الانهيار الحاصل في السوق".

أما جوناثان تانغ، مؤسس شركة "فاسترام" للأزياء ورئيسها التنفيذي، فكان قد أدخل ممارسة التأمل إلى موظفي شركته بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول في أميركا. "في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، كان الموظفون في شركتي في حالة واضحة من الاضطراب والتشتت. وقد قررت الاستعانة بمدرب في مجال التأمل لمساعدة الموظفين على الجلوس صامتين لمدة 20 دقيقة. وسرعان ما امتلأت الغرفة بالاشخاص بما أنهم كانوا بحاجة حقاً إلى متنفّس للسلام. وعندما انتهت الجلسة، شعر الأشخاص الذين لم يمارسوا التأمل من قبل بالهدوء. وقد ساعدهم ذلك على أن يصبحوا أكثر حضوراً في العمل، بل وامتد معهم هذا الأمر إلى المنزل حيث أصبحوا أكثر حضوراً في حضرة عائلاتهم".

التأمّل يعزز الذكاء العاطفي

تشير الأبحاث التي أجريت على الدماغ باستخدام تقنيات التصوير المغناطيسي، بأن التأمل يمكن أن يساعد في تعزيز قدرتنا على تنظيم عواطفنا.

ذكرت آرتشانا باتشيراجان، رائدة الأعمال الناجحة، والمؤسسة لشركة "ساتفا" ورئيستها التنفيذية، أنها خلال السنوات الأولى لها في موقع القيادة، كانت تريد للأشياء أن تحصل وفق طريقتها، وضمن الإطار الزمني الذي كانت تريده: "لم أكن أفهم ما الذي يمر به فريقي. كنت فقط أشعر بالغضب إذا لم يفعل أعضاء الفريق ما هو مطلوب منهم وكما أتوقعه أنا". وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأبحاث التي تُظهر أثر الغضب على الصحة القلبية الوعائية، فمن الضروري بالنسبة للقادة أن يكونوا قادرين على التحكم في غضبهم، وأن يضعوا أنفسهم في مكان الآخرين. تقول آرتشانا: "بفضل التأمل، تمكنت من أن أصبح شخصاً يتحلى بالصبر. تحسنت علاقتي مع فريقي. والأهم من ذلك كله، أنني تمكنت من المحافظة على راحة بالي".

ويثمّن جيمس دوتي، المتخصص في جراحة الأعصاب بكلية الطب في "جامعة ستانفورد"، أيضاً التأمل بسبب قدرته على تطوير الذكاء العاطفي. وكان أحد الزملاء قد طوّر جهازاً طبياً يُعتبر من أهم ما توصل إليه العلم في هذا المجال، لكن الشركة التي أنشأها لتطوير الجهاز وبيعه عانت من مصاعب كثيرة وكانت على وشك الإفلاس. وقد أصبح دوتي، الذي كان مستثمراً فيما مضى، الرئيس التنفيذي للشركة. وفي أحد الاجتماعات مع المساهمين الحيويين، الذين لم يكونوا راضين تماماً عن مسار الأمور، واجه دوتي أحد المستثمرين الغاضبين وغير المنطقيين. وقد قال دوتي بأن الفضل يعود إلى ممارسته اليقظة الذهنية والانتباه إلى الذات، والذي ساعده في التجاوب بشيء من التعاطف مع ذلك المستثمر: "لقد توقفت لوهلة ثم أخذت نفساً عميقاً وبطيئاً لعدة مرات… وهذا الأمر لم يقدني عملياً للإصغاء إلى حالته وفهمه فحسب، بل ساعدني أيضاً في الانتباه إلى ما أراده وتوقعه". وبما أن رد فعل دوتي لم يكن عاطفياً، فإن ذلك لم يجعل هذا المساهم يتحول إلى داعم لجهود دوتي فقط، بل حوله إلى حليف وقف إلى جانبه ليسهم في نجاح الشركة التي انتهى بها المطاف إلى الإدراج في البورصة علماً بأن قيمتها قد وصلت إلى 1.3 مليار دولار.

التأمل يعزز الإبداع

تشير الأبحاث المتعلقة بالإبداع إلى أننا نطرح أعظم أفكارنا ونحقق أكبر اختراقاتنا المذهلة عندما نكون في حالة ذهنية أكثر استرخاء وتأملاً. فهذه هي اللحظات التي تجعلنا نطلق الكلمة الشهيرة "وجدتها". والسبب الأرجح لذلك، هو أن التأمل يشجع على التفكير المتشعب (أي طرح أكبر عدد من الحلول الممكنة لمشكلة معينة)، وهذا عنصر أساسي للإبداع.

يشير تشارلي كلايزنر إلى فضل التأمل الذي ساعده في التوصل إلى أفكار ومشاريع جديدة لم تكن لتخطر له على بال، ويقول: "لقد أسهمت في تأسيس شبكة "إمباكت"، ويعود الفضل في ذلك بنسبة 100% إلى ممارستي للتأمل".

التأمل يحسّن علاقاتك بالآخرين

في الوقت الذي يضيّق التوتر منظورك ومنظور فريقك إلى الأمور، ويقلل من درجة التعاطف مع الآخرين، الأمر الذي يؤثر سلباً على الأداء، فإن التأمل يمكن أن يسهم في تحسين مزاجك، وفي زيادة إحساسك بالتآلف مع الآخرين، وحتى يمكن أن يجعلك شخصاً ألطف وأكثر رأفة بغيرك.

يعتقد تشيراغ باتل، الرئيس التنفيذي لشركة "أمييل فارماسيوتيكال إندستريز برايفت ليمتد"، والحاصل على جائزة رائد أعمال العام 2011 من "إرنست آند يونغ"، بأن الفضل يعود إلى التأمل الذي ساعده على الشعور بقدر أكبر من الألفة مع زبائنه. يقول باتل: "في الشركة، أنت تبدأ بالتآلف مع زبائنك كما لو أنهم من أفراد أسرتك، عوضاً عن مجرد النظر إلى الأمر بوصفه صفقة تجارية فقط". والأمر ذاته ينطبق على علاقاته مع زملائه وموظفيه.

التأمل يساعدك في التركيز

لقد أظهرت الأبحاث بأن عقولنا لديها نزعة نحو الشرود في 50% من الأوقات تقريباً. أضف إلى ذلك في مكان العمل الأحداث والأشخاص الذين يقطعون عملك والرسائل النصية والاتصالات الهاتفية والرسائل الإلكترونية التي تردك، ولن يكون مفاجئاً بأن يجد الموظفون صعوبة في المحافظة على تركيزهم. لكن الدراسات تظهر بأن التدريب على التأمل يمكن أن يساعد في التقليل من جنوحنا نحو التشتت، حيث إنه يعزز قدرتنا على الاستمرار في التركيز وحتى يقوي ذاكرتنا.

يعزو بيتر كوبر، مؤسس شركة "كوبر إنفيستورز للاستثمار"، قدرته على الاستثمار بحكمة إلى ممارسته للتأمل. "يحتاج المستثمر بحكم طبيعته إلى التمحيص في كميات كبيرة من المعلومات وتصنيفها في مجموعة صغيرة فقط من الآراء ذات الصلة. وقد ساعدني التأمل على تجاهل معلومات لافتة ولكنها غير ضرورية والتركيز على الأشياء القليلة التي تُعتبر مهمة لأداء الاستثماري على المدى البعيد".

المهم في الأمر هو أن التأمل عند المدير التنفيذي ليس مجرد "شيء إضافي يمكنك فعله". فإذا كنت تعتقد بأن جدول أعمالك مزدحم بما يكفي من المهام ولست بحاجة إلى شيء إضافي، إليك هذه النصيحة التي تقدمها أريانا هافينغتون: "على الرغم من معرفتي بفوائد التأمل منذ أن كنت في سن المراهقة، فإن إيجاد الوقت لممارسته كان دائماً أمراً ينطوي على الكثير من التحدي لي، لأنه كان لدي انطباع بأنني مضطرة إلى "فعل" التأمل. ولم أكن امتلك الوقت من أجل "فعل" شيء آخر يلقي على كاهلي عبئاً إضافياً. لحسن الحظ، أخبرني أحد أصدقائي ذات يوم بأننا لا نمارس التأمل "كفعل"؛ بل التأمل هو الذي "يفعل فعله" فينا. وقد فتح ذلك الباب على مصراعيه في وجهي. فالشيء الوحيد الذي "تفعله" في التأمل هو أنك لا تفعل شيئاً".

ولكن كما تظهر الأبحاث والتجارب المعنية بدراسة أهمية التأمل للمدراء، فإن عدم فعل أي شيء يمكن في أحيان كثيرة أن يقود إلى تحقيق نتائج فعلية، وهذا ما رأيناه بالحديث عن أهمية التأمل الذاتي أو التفكير الداخلي بالنسبة للمدراء التنفيذيين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي