البنية التحتية الرقمية في السعودية: الابتكار الذي يقود إلى التغيير

5 دقيقة
(مصدر الصورة: هارفارد بزنس ريفيو، تصميم: محمد محمود)

استثمرت شركة الأدوية العملاقة نوفارتس مبالغ طائلة في سبيل تحقيق التحول الرقمي حيث عمدت إلى نقل بنيتها التحتية التكنولوجية إلى الأنظمة السحابية واستثمرت في منصات البيانات ودمجها، كما عيّنت مختصين في الذكاء الاصطناعي وعلماء بيانات لبناء نماذج تعلم الآلة ونشرها في مختلف أقسام الشركة. لكن على الرغم من توسّع حجم فرق التكنولوجيا، فإن المدراء من مختلف أقسام الشركة، كالمبيعات وسلسلة التوريد والموارد البشرية والمالية والتسويق، لم يستخدموا المعلومات المتوافرة حديثاً، ولم يفكروا كثيراً في كيفية الاعتماد على البيانات لتعزيز أداء فرقهم. وفي الوقت نفسه، كان حضور علماء البيانات ضعيفاً على المستوى التشغيلي ولم يتمكنوا من دمج البيانات بسهولة في العمليات اليومية. نتيجة لذلك، لم تسفر هذه الاستثمارات سوى عن نجاحات متقطعة هنا وهناك (كما حدث في بعض جوانب عملية البحث والتطوير) بينما تعثر الكثير من المشاريع التجريبية الأخرى، لكن الأمور تغيّرت حينما قررت الإدارة الاستثمار في فرق عمل مختلطة تضم علماء بيانات وموظفين من أصحاب الخبرة داخل الشركة حيث ابتكروا العديد من المبادرات معاً ونشروا الممارسات الناجحة على باقي فروع الشركة، مثل تطوير أنظمة التحليلات المحوسبة لتحديد المرضى المعرضين للخطر بسبب تأجيل زيارة أطبائهم المعالجين في أثناء جائحة كوفيد-19.

تبيّن هذه القصة أن تجهيزات البنية التحتية الرقمية رغم أهميتها، إلى أنها "شرط ضروري غير كاف"، فالعامل البشري وما أسماه الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت "عقلية التحول الرقمي" هو الشرط الثاني لتحقيق أقصى استفادة من البنية التحتية الرقمية.

يعرّف تحالف البنية التحتية الرقمية المستدامة (SDIA) البنية التحتية الرقمية بأنها البنية المادية والبرمجيات اللازمة لتقديم السلع والمنتجات والخدمات الرقمية، ويتضمن ذلك مراكز البيانات، والبنية التحتية للألياف الكهربائية، وأجهزة الخوادم، وبرامج المحاكاة الافتراضية لتكنولوجيا المعلومات وأنظمة التشغيل، وما إلى ذلك، ومع السير في طريق مستهدفات رؤية 2030، حرصت المملكة العربية السعودية على نشر البيانات والمنصات الإلكترونية على نطاق واسع، معتمدة على بينة تحتية رقمية دائمة يجري تدعيمها كمّاً ونوعاً، مع الحرص على نشر ثقافة المعاملات الرقمية بين مختلف أطياف المجتمع.

من جهة أخرى تُعدّ الشراكات بين القطاع العام والخاص من أهم أدوات تنفيذ الاستراتيجية الرقمية، إذ تسمح بتبادل الخبرات والتعلّم فيما يُسمّيه الخبراء "أثر التعلم"، وتساعد على اختصار الطريق نظراً لضم قدرات أكثر من مؤسسة أو هيئة حكومية ما يسمح بتحقيق اقتصاديات الحجم، بالإضافة إلى تعزيز القدرات البحث والتطوير، والأمثلة كثيرة على هذه الشراكات في المملكة، على غرار التعاون مع شركة أنظمة الاتصالات والإلكترونيات المتقدمة (ACES)، التي تُسهم إسهاماً مباشراً في تطوير أنظمة تكنولوجيا المعلومات وتقديم الحلول الشاملة والمشاريع الجاهزة في مجال الاتصالات اللاسلكية ومراقبة الشبكات واختبارها، والأهم من ذلك المساعدة في توطين التكنولوجيا الحديثة ونتاجها محلياً. نفّذت الشركة العديد من المشاريع الاستراتيجية لحلول التغطية الداخلية وأنظمة الهوائيات الموزعة في المشاريع داخل المملكة، أبرزها: مشروع التوسعة الثالثة للحرم، ومشروع النقل العام بمترو الرياض، والصالة الخامسة لمطار الملك خالد الدولي بالرياض. كما فازت بعقد تطوير وإدارة وصيانة البنية التحتية للاتصالات اللاسلكية (خدمات الهاتف المحمول) في الصالتين الثالثة والرابعة بمطار الملك خالد الدولي في الرياض، بالإضافة إلى مشروع "مسار" المدخل الحديث لمنطقة الحرم.

أُسس البنية التحتية الرقمية القوية في المملكة

ربما كانت الحكومات والشركات في السابق تنظر إلى السحابة والتخزين وأدوات الاتصال باعتبارها عناصر منفصلة، لكن المفهوم الرقمي الجديد يقدم نظرة أكثر شمولية للبنية التحتية، تضع عوامل السرعة والأمان والخبرة والتكامل بين الموارد في الاعتبار لتحقيق التطور والتميز على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.

لذلك ركزت السعودية في رحلة التحول الرقمي على محورين أساسيين لوضع أساس متين لتمكين القطاعات المختلفة من خلال محورين أساسين:

  1. توفير إنترنت عالية الجودة متاحة لجميع قطاعات المجتمع وشرائحه في جميع أنحاء المملكة وبأسعار معقولة، وتأمين شبكات الاتصالات من الأضرار والأعطال، وإدارة حالات الطوارئ والكوارث على نحو استباقي. تبلغ نسبة انتشار الإنترنت في المملكة نحو 99% مع معدل استهلاك بيانات الإنترنت المتنقل للفرد مقدر بـ 44 جيجا شهريا، ما يجعل المملكة ضمن أفضل 10 دول على مستوى العالم من حيث سرعة الإنترنت، أي أنّ سرعة الإنترنت عبر الهاتف المحمول في المملكة زادت لتصل الآن إلى 181 ميغا بت في الثانية، وهو ضعف المتوسط العالمي.
  2. دعم البحث والتطوير والابتكار في مجال البيانات والتقنية لاختبار الأعمال المبتكرة في بيئة آمنة، وتسهيل إطلاق المنتجات والخدمات بعد تقييم أثرها من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والتقنية. إذ يشكّل قطاع البحث والتطوير والابتكار عنصراً أساسياً لتأسيس بنية تحتية رقمية قادرة على خلق الحلول لمواجهة التحديات وتحليل التوجهات المستقبلية.

لذا تتركز جهود هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار في السعودية على دعم هذا القطاع المهم من أجل خلق تجربة تحول رقمي ناجحة، وذلك من خلال اقتراح السياسات والتشريعات والتنظيمات وتقديم التمويل المتعلق بالقطاع البحث والتطوير والابتكار، وتنسيق الجهود بين المؤسسات ومراكز البحوث العلمية لتطوير القطاع، وهو ما يفسر المكانة المتقدمة التي وصلت إليها السعودية اليوم في مؤشر الابتكار العالمي، حيث قفزت من المرتبة 66 عام 2021 إلى المرتبة 48 في عام 2023. ولم يكن إحراز هذا التقدم في عالم تنافسي بالمسألة البسيطة، بل كان نتاج تفاعل جميع الأطراف الفاعلة في بيئة الابتكار من صنّاع القرار وراسمي السياسات، والباحثين الأكاديميين، ورواد الأعمال المبتكرين. دفعت قوة قطاع البحث والتطوير والابتكار بسوق الاتصالات والتقنية في السعودية قُدماً، إذ شهدت نمواً متسارعاً مع ضخ استثمارات بقيمة 93 مليار ريال على مدى الأعوام الستة الماضية لتطوير البنية التحتية الرقمية. وقد ساعدت البنية التحتية الرقمية المحسّنة في السعودية على توفير خدمات أفضل جودة للعملاء، وبحسب تقرير إنترنت السعودية الصادر عن هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية، فقد وصلت تغطية شبكة الجيل الخامس (5G) في المملكة إلى 53%. وكانت المملكة أسرع سوق للبنية التحتية الرقمية وأكبرها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويقدّر حجمها بنحو 154 مليار ريال اعتباراً من عام 2022.

الاتجاهات المستقبلية للبنية التحتية الرقمية

مع تحول العالم إلى الرقمنة على نحو متزايد، فإن البنية التحتية الرقمية يجب أن تتطور بوتيرة سريعة لمواكبة التغييرات في أنماط الحياة والعمل، وتتوقع شركة غارتنر أن ينمو الإنفاق العالمي على تكنولوجيا المعلومات بنسبة 8% في عام 2024 ليصل إلى 5.1 تريليونات دولار، وترجح أيضاً نمو الإنفاق على الخدمات السحابية العامة بنسبة 20.4%. وفي السعودية، ترجح وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات نمو الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة 6.7% ليصل إلى 42.6 مليار دولار بحلول عام 2025.

يمكن أن تسهم شبكات الجيل الخامس (5G) والحوسبة الطرفية في تقليل زمن الوصول وزيادة سرعة الاتصال ونقل البيانات بما يحسّن تجربة المستخدم. وتعمل الحوسبة الطرفية على تعزيز شبكات الجيل الخامس من خلال معالجة البيانات وتحليلها في الوقت الفعلي من خلال تقريب قوة الحوسبة من مصدر البيانات. ومن المتوقع أن تنمو سوق الحوسبة الطرفية وشبكات الجيل الخامس بنسبة 49.8% في الفترة من 2023 إلى 2030.

ويمهد التطور الرقمي المتسارع إلى انتشار واسع للأتمتة والتحليل المعتمد على التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، وعليه قد تنمو سوق الذكاء الاصطناعي لتصل إلى 407 مليارات دولار بحلول عام 2027. ويخلق هذا السوق فرصاً اقتصادية واعدة في المملكة، إذ توقع تقرير صادر عن شركة إكسنتشر (Accenture) أن يضيف الذكاء الاصطناعي والحلول المستندة إليه نحو 215 مليار دولار إلى اقتصاد المملكة بحلول عام 2035، ليمثّل ذلك زيادةً  في قيمة الناتج المحلي بنسبة 12.5%.

في حين أن الذكاء الاصطناعي يوفر المزيد من الفرص للابتكار والأتمتة وتحليل البيانات، فإنه يخلق مخاوف جديدة بشأن قضايا الأمن السيبراني وخصوصية البيانات. ووفقاً لشركة غارتنر، يخطط 80% من مدراء تكنولوجيا المعلومات لزيادة الإنفاق على الأمن السيبراني وأمن المعلومات في عام 2024، وستكون الحلول الأمنية المتقدمة وأنظمة إدارة الهوية والوصول (IAM) وتقنيات تشفير البيانات من ضمن الاستثمارات الرئيسية.

تعكس هذه الاتجاهات المستقبلية حجم الفرص التي يمكن أن تقدمها البنية التحتية الرقمية لتعزيز نماذج الأعمال الجديدة وتحفيز الابتكار والكفاءة في تقديم المنتجات والخدمات من خلال ربط المؤسسات والشركات بالعملاء والعالم الخارجي، وزيادة التعاون والتواصل بين التطبيقات المختلفة من مختلف البلدان.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي