ثبت جلياً منذ أمد بعيد أن الأداء المالي للشركات يرتبط بالتنمية الاقتصادية للشركات المستدامة، وكلما كشفت الشركات عن التزامها بالاستدامة، تعززت مساءلتها وشفافيتها في عملياتها، بل وساعدت المستثمرين على تقييمها بشكل صحيح عند الحديث عن الاستدامة في البنوك.
وفي الاقتصادات الناشئة بمنطقة الخليج، تكشف عدة دراسات بحثية حول الاستدامة المؤسسية ورافدها، المسؤولية الاجتماعية، عن أن الكثيرين من الإداريين يرغبون في الحصول على معلومات حول المسؤولية الاجتماعية في تقارير الشركات السنوية ولكنها لا توفرها لهم.
كما يقوم رؤساء الشركات بسرد مبادراتهم في تقاريرهم دون التطرق إلى مسائل الطاقة والبيئة في أعمالهم، وهي عناصر هامة في مبادرات المسؤولية الاجتماعية وتطبيق الاستدامة.
تأثير الإفصاح عن الاستدامة على الأداء المصرفي للبنوك الإماراتية
وبينما تكشف نتائج دراسة، أعدها مكتب "كاتسيولودز آند برودكورب" (Katsioloudes and Brodtkorb) عام 2007 حول الإمارات تحديداً عن امتثال معظم الشركات العاملة وفقاً للقوانين البيئية الإماراتية، إلا أننا نتساءل عما هو أبعد من ذلك، إذ هل يؤثر الإفصاح عن الاستدامة على الأداء المصرفي لكل من البنوك التقليدية والإسلامية في الدولة؟ وهل تختلف درجة الإفصاح عنها في كل منهما؟
مع دراسة البيانات المالية المدققة للبنوك المدرجة بالأسواق المالية الإماراتية بين الأعوام 2003 حتى 2013، تُشير النتائج الوصفية والتقديرية لمستويات الإفصاح عن الاستدامة في جميع المصارف الإماراتية إلى متوسط قدره 2.6% مقابل 3.04% عن الإفصاح البيئي، و1.6% للإفصاح عن الطاقة. وقد عرّف الباحثان كورنر وماجنان في عام 2003 الإفصاح البيئي بأنه مجموعة بنود المعلومات التي تتعلق بأداء و أنشطة الإدارة البيئية للمنشأة والاثار المترتبة عليها في الماضي والحاضر والمستقبل. أما الإفصاح عن الطاقة فإنه يمثل مجموعة بنود المعلومات التي تتعلق باستهلاك و توفير الطاقة في المنشأة.
وفي البنوك التقليدية تحديداً، يُقدّر مؤشر الاستدامة الكامل بنسبة 3.0%، ومستوى الإفصاح البيئي بنسبة 3.8%، و 2.0% للإفصاح عن الطاقة.
أما في حالة البنوك الإسلامية، فيبلغ الإفصاح العام عن الاستدامة ما نسبته 1.5%، في حين يصل الإفصاح البيئي وعن الطاقة إلى 2.4% و0.7 على التوالي.
وتدل هذه النتائج القياسية على انخفاض نسبة الإفصاح عن الاستدامة في البنوك الإماراتية بشكل عام، كما ينخفض مستواها في المصارف الإسلامية عن التقليدية.
ونستطيع أن نستخلص من هذه النتائج أن الضغط على البنوك الإسلامية للإفصاح عن الاستدامة يقل عن التقليدية بسبب افتراض المشرعين امتثالها للمبادئ والأخلاق الإسلامية، وذلك لأن الشريعة الإسلامية في قواعها العامة تحث على المحافظة على البيئة والاقتصاد في استخدام الموارد الطبيعية وحمايته، بينما تواجه التقليدية قيوداً مالية أعلى وأكثر من الإسلامية.
كما تدعم نتائج اختبار "تي" الفردي الذي تم استخدامه لاستبيان الفروقات في المستوى العام للإفصاح عن الاستدامة بين المصارف التقليدية والإسلامية، النتائج الوصفية التقديرية المذكورة سابقاً، حيث أظهر الاختبار ارتفاع متوسط الإفصاح العام عن الاستدامة في البنوك التقليدية عن نظيراتها الإسلامية بنسبة 90%، وانخفاضاً كبيراً وهاماً إحصائياً في مؤشر الإبلاغ العام عن الاستدامة في جميع البنوك عن المتوسط المقدّر بنسبة 50%.
وإلى جانب ذلك، أوضحت نتائج تطبيق "جي إم إم" للبيانات الذي يُقدّر درجة الإبلاغ عن الاستدامة وعلاقته بنمو الودائع في كافة البنوك، تأثيراً إيجابياً على نموها في البنوك التقليدية، وتأثيراً هامشياً وسلبياً على نموها في البنوك الإسلامية، ما يؤكد على أنه يتعين على جميع البنوك الإماراتية زيادة درجة الإفصاح عن الاستدامة لتحسين ودائعها بالفعل.
وتؤثر درجة الإفصاح عن الاستدامة في تحسين ودائع المصارف، للإفصاح عن الاستدامة البيئية والطاقة ما يمثل أهمية قصوى أيضاً، ولهذا قمنا في دراستنا هذه بتضمين الإفصاح عنهما في مؤشرنا الخاص بالإفصاح عن الاستدامة في البنوك.
يعود هذا التضمين إلى عاملين هامين، أولهما يتعلق بمطالبات أصحاب المصالح والمحللين الماليين خلال الأعوام الماضية، التي تنادي بضرورة الإعلان عنهما بشفافية في ظل التغيرات المناخية وظاهرة الاحتباس الحراري، وثانيهما يتعلق بتركيز الإمارات المتزايد على مواجهة تحديات التغيرات المناخية وتبني الاقتصاد الأخضر من خلال تطبيق عدة مبادرات لتنويع مصادر الطاقة ولدمج الأبعاد البيئية والإيكولوجية.
في هذا السياق، نتساءل هل تمكّن بالفعل قطاع البنوك الإماراتي الذي يتسم بالحيوية من مواكبة مبادرات الحكومة الإماراتية؟ وهل كشف عن معلوماته البيئية وعن الطاقة في تقاريره السنوية؟
تُبين دراستنا أن البنوك التقليدية تستجيب بشكل أكبر من نظيراتها الإسلامية لمتطلبات الحكومة وأصحاب المصالح الخاصة بالإفصاح البيئي. وفي حقيقة الأمر، لا يهتم أصحاب المصالح والحكومات فقط بإدارة المخاطر بل أيضاً بالابتكار وبالاعتبارات الأخلاقية من خلال تطبيق سياسات وإجراءات بيئية تكافح التغييرات المناخية.
فكلما امتثلت البنوك لتطبيق أفضل الممارسات في مجال الإفصاح عن الاستدامة ولإدراج سياساتها الإيكولوجية والبيئية في تقاريرها السنوية، تمكنت من التأكيد على شفافيتها، وتوضيح المعلومات بشكل أكبر، والكشف عن التكاليف الخاصة بتمويل الديون.
وبشكل عام، تريد الحكومة الإماراتية من خلال مبادراتها تحقيق النمو والتنمية المستدامة، ومراعاة الحفاظ على البيئة، وتحقيق توازن مثالي بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويتمثل ذلك برؤية الاقتصاد الأخضر للتنمية المستدامة 2021.
"مجموعة أبوظبي للاستدامة"
من هنا، تم تأسيس مجموعة أبوظبي للاستدامة في عام 2008، والتي تتمثل مهمتها في زيادة الوعي بالاستدامة وتعزيز الشفافية وتشجيع الشركات على الإبلاغ عن مدى استدامتها باستخدام أفضل الممارسات الدولية.
سنوياً تصدر المجموعة تقريراً لمراجعة كيفية معالجة إدارات الشركات لقضايا الاستدامة، ويُقدم أيضاً توصيات تُعنى بضرورة الاهتمام بجودة إعداد تقارير الاستدامة في المستقبل.
ومن بين توصياتها الهامة في تقرير عام 2010، أشارت المجموعة إلى ضرورة تحسين جودة تقارير الاستدامة، ومن هذا المنطلق قامت بعض الشركات بتحسين جودة وعمق تقاريرها بالفعل بينما قامت أخرى بإعدادها للمرة الأولى.
دعت المجموعة أيضاً إلى تنسيق طرق جمع وقياس البيانات المجمعة، على أن تتفق الشركات على اتباع المعايير العشرة في هذا الصدد والمعدة من قبل مبادرة الإفصاح العالمية "جي آر آي" غير الحكومية، الأكثر انتشاراً دولياً للكشف عن الاستدامة وتزويد المساهمين بتقارير حولها.
كما أوصت المجموعة بسد فجوات الإبلاغ عن الاستدامة من خلال استكمال البيانات بشكل صحيح، حيث يتعين على الشركات الإبلاغ عن ثلاثة معايير رئيسة تتعلق بانبعاثات الغازات الدفيئة، ومنابع استخدام المياه، وإحصاءات الصحة والسلامة للموظفين.
وشددت المجموعة أيضاً على تحقيق الالتزام التام بتقارير الاستدامة، ولا سيما الاستدامة في البنوك، وعدم استخدامها كأداة تسويقية فقط من قبل الشركات.