ملخص: بدأت 3 أنواع من التكنولوجيا إحراز تقدم كبير في إدارة سلاسل التوريد، وهي البلوك تشين وإنترنت الأشياء والتحليلات المحوسبة. فهي تسهّل تحسين تلبية طلبات الزبائن وتحقيق أهداف الربحية وزيادة قدرة سلاسل التوريد على التحمل وجعلها مستدامة أكثر فيما يتعلق بالبيئة والتعامل مع أصحاب المصلحة. يتحدث هذا المقال عن أحدث مستجدات القدرات اللازمة لاستثمار هذه التكنولوجيا ويقدم نصيحة حول بنائها.
يجب أن تلبي سلاسل التوريد عدة أهداف، مثل رفع سوية تلبية طلبات الزبائن وتحقيق أهداف الربحية والقدرة على تحمل الاضطرابات. وبدأت الشركات بإعداد سلاسل التوريد لديها لمستقبل تحمل فيه مسؤولية أكبر عن طريق ضمان أن تكون أنظمة الإنتاج والنقل آمنة وتراعي البيئة، وأن يتم الحصول على المواد الخام من مصادر مستدامة وأن ينال العمال أجوراً منصفة. حتى وقت ليس ببعيد، كانت كلفة تحقيق جميع هذه الأهداف باهظة، ما يجبر الشركات على إجراء المفاضلات. لكن جمع تكنولوجيا التحليلات المحوسبة مع إنترنت الأشياء والبلوك تشين يساعد على جعل هذه الأهداف قابلة للتحقيق بسرعة.
يبين بحثي أن البلوك تشين أدت إلى تحسين أداء سلاسل التوريد، لكن يستدعي تحقيق إمكاناتها للقيام بذلك استخدام تكنولوجيا بلوك تشين جديدة مخوّلة (أي البلوك تشين التي تكون المشاركة فيها محدودة بشركاء سلسلة التوريد المعروفين) ومعايير البيانات وقواعد الحوكمة.
القدرات التي يجب تطويرها
يجب أن تتخذ الشركات 4 خطوات لتقوية سلاسل التوريد، ولكن يجب أن تكون صبورة، فتنفيذ هذه الخطوات وتحقيق المكاسب يحتاج إلى الوقت.
1. أضف إنترنت الأشياء ووظيفة التتبّع. يجب أن تزود المؤسسات سلاسل التوريد لديها بقدرة إنترنت الأشياء الوظيفية والقدرة على تتبّع وحدات المكونات الفردية ومخزون البضائع التامة الصنع. ببساطة، يشير تعبير "إنترنت الأشياء" إلى قدرة الآلات على استخدام أجهزة الاستشعار من أجل جمع البيانات بصورة آلية كدرجة الحرارة والضغط وموقع نظام تحديد المواقع ومسح الرمز الشريطي (الباركود)، ورفع هذه البيانات تلقائياً إلى خادم سحابي عن طريق الإنترنت.
تتيح إنترنت الأشياء للمؤسسات جمع أنواع جديدة من البيانات من مختلف مراحل سلاسل التوريد. مثلاً، يمكن لهذه الأجهزة تتبّع إنتاج سلعة غذائية معبأة بدءاً من الحصول على المكونات من مصادرها مروراً بالإنتاج والشحن وصولاً إلى بيعها في المتجر، وذلك يشمل شروط التخزين والعمل في منشآت التصنيع والخدمات اللوجستية.
في بعض القطاعات ستفرِض بعض القوانين واللوائح على الشركات تتبّع حركة منتجاتها والاحتفاظ بسجلات هذه الحركة من أجل تقديم دليل لإثبات الهوية وقياس الأثر البيئي للأنشطة على طول سلسلة التوريد، ومن الأمثلة على هذه القوانين "قانون تحديث سلامة الأغذية" لعام (2011) و"قانون أمن سلسلة توريد الأدوية" لعام (2013) في الولايات المتحدة، و"التوجيهات الخاصة بالأدوية المغشوشة" لعام (2013) و"الصفقة الخضراء الأوروبية" في أوروبا. جمع البيانات هو أول خطوة أساسية نحو تحقيق هذه الأهداف.
2. تسجيل بيانات المعاملات التجارية. يجب أن تسجل المؤسسات بيانات المعاملات التجارية التي تجمعها أجهزة إنترنت الأشياء على البلوك تشين التي تتمتع بالقدرة على جمع بيانات لا مركزية مفصلة جداً يمكن استخدامها في التحقق من مصداقية سجلات المعاملات التجارية هذه. يمكن للشركة استخدام هذه البيانات من أجل ضمان التعامل مع مصادر مستدامة وتحسين تنفيذ عقود سلسلة التوريد والحصول على تمويل أفضل.
بما أنه من الممكن تطبيق نظام قائم على البلوك تشين بأسلوب تدريجي لا مركزي، فهو لا يحتاج إلى استثمارات كبيرة في أنظمة تكنولوجيا المعلومات أو الاستعانة بطرف ثالث من المتخصصين الباهظي التكلفة.
3. وضع المعايير ومحاذاة البيانات المأخوذة من مصادر مختلفة. هذه الخطوة ضرورية من أجل استخدام البيانات المجموعة من أجهزة إنترنت الأشياء في سلسلة التوريد.
فلنفترض أن شركة ما تستخدم أجهزة لقياس درجة الحرارة في مركز تلبية الطلبات من أجل تسجيل درجة حرارة المخزون كل ساعة، وأجهزة مسح المخزون لتتبّع حركة البضائع الداخلة إلى المركز والخارجة منه. يجب أن تعمل الشركة على محاذاة جداول البيانات هذه كي تعرف وحدات البضائع التي تم تخزينها ودرجة حرارة التخزين ومدته.
إليكم مثالاً آخر: عندما تستخدم شركة لإنتاج السلع الاستهلاكية تكنولوجيا البلوك تشين من أجل الحصول على زيت النخيل من الزراعة المستدامة التي لا تسهم في إزالة الغابات، تتغير وحدة جمع البيانات عبر سلسلة التوريد من ثمار النخيل إلى الزيت إلى المنتجات المشتقة إلى السلع الاستهلاكية التامة الصنع. يتم دمج بيانات كل مرحلة مع فاتورة المواد من أجل ضمان التتبّع الكامل للمواد الداخلة في كل حزمة من المنتجات التامة الصنع. ويحتاج القيام بذلك إلى قدرات في تخزين البيانات واستكمال القيم المفقودة والتحليلات المحوسبة الوصفية.
4. تطوير التحليلات المحوسبة التنبؤية والتوجيهية. مثلاً، يمكن استخدام بيانات درجة الحرارة المأخوذة من مراكز تلبية الطلبات في التنبؤ بموعد نضج المنتج الغذائي أو فساده، وبالتالي يمكن استخدام هذا النموذج التنبؤي في توجيه تخطيط المخزون وتصميم الترويج للمنتجات الغذائية التي ستفسد قريباً، وسيؤدي ذلك إلى تحسين الربحية وتقليل هدر الطعام.
خذ مثلاً مؤسسة "رايب.آي أو" (Ripe.io) للتكنولوجيا الزراعية، فهي تستخدم بيانات قابلية التتبّع من إنتاج الطماطم من أجل ربط نكهة ثمار الطماطم الناضجة بشروط زراعتها. مكنت التحليلات التنبؤية الشركة من زراعة أنواع مختلفة من الطماطم وفقاً لاحتياجات شرائح الزبائن المختلفة.
مثال آخر، مؤسسة "ديبيز" (Dibiz)، هي منصة قائمة على البلوك تشين للتوريد المستدام لزيت النخيل، وقد اكتشفت أن هذه البيانات المتعلقة بصغار المزارعين التي أتاحتها منصتها لجميع أعضاء سلسلة التوريد لديها سمحت للتجار والمطاحن بتحسين مسارات جمع الثمار بناء على وقت حصادها الحقيقي، وبذلك تمكنت من خفض تكاليف الخدمات اللوجستية وحققت الفائدة للمزارعين والمطاحن. بالإضافة إلى أنها حسنت جودة الثمار التي تصل إلى المطاحن ما أدى إلى ارتفاع معدل استخراج الزيوت (من حيث الكمية) وانخفاض خطورة إزالة الغابات وتوليد عائدات أعلى للمزارعين. (إفصاح: أنا أعمل ضمن المجلس الاستشاري في شركة "ديبيز" وأملك كمية صغيرة من خيارات الأسهم).
من أين نبدأ؟
ليس من الضروري أن تقوم المؤسسة بتطوير القدرات الأربعة في وقت واحد، ويمكنها تطويرها وفق أي ترتيب وبأي حجم.
مثلاً، يمكن أن تبدأ الشركة بتسجيل بيانات المعاملات الحالية على منظومة بلوك تشين واستخدامها في تتبّع حركة الوحدات قبل أن تستثمر في أجهزة إنترنت الأشياء من أجل جمع بيانات جديدة، أو يمكن للشركة البدء باستخدام أجهزة إنترنت الأشياء والتحليلات المحوسبة قبل شراء تكنولوجيا البلوك تشين. في الواقع، هذه القدرات تكميلية، فكل واحدة منها تجعل تطوير القدرات الأخرى ملائماً ومثمراً، ولذلك ستعود الاستثمارات ولو كانت صغيرة في تكنولوجيا إنترنت الأشياء والبلوك تشين والتحليلات المحوسبة بمكاسب هائلة على المدى الطويل.
طرق قياس النجاح
يمكن اعتبار المكاسب التي تجنيها الشركة من استخدام تكنولوجيا البلوك تشين وأجهزة إنترنت الأشياء والتحليلات المحوسبة ذات ترتيب هرمي.
على مستوى القاعدة، يكون مصدر توليد القيمة الأسرع هو تخفيض أخطاء التنفيذ وتحسين الإنتاجية عن طريق توضيح مهام سلسلة التوريد وتتبّعها وأتمتتها. هذه الميزة مفيدة بشكل خاص في الصناعات الدوائية والغذائية والشحن، ويمكن تحقيقها بسرعة كبيرة لأنه من الممكن الحصول عليها ببساطة عن طريق جمع البيانات التي كانت مخفية في السابق وتسجيلها، وهي لا تحتاج إلى مزيد من التحليلات المحوسبة. مثلاً، استخدمت شركتا "وول مارت كندا" و"دي إل تي لابز" (DLT Labs) بيانات إنترنت الأشياء والبلوك تشين من أجل تحسين دقة إعداد الفواتير للطرف الثالث المتمثل في مزودي خدمات النقل بالشاحنات، فتمكنتا من خفض نسبة النزاعات على الفواتير من 70% إلى أقلّ من 5% ما أدى إلى توفير تكاليف هائلة وزيادة سرعة صرف المدفوعات.
يقوم المستوى التالي من المكاسب على التحليلات التنبؤية والتحسينات المطبقة على البيانات التي تم جمعها. يستغرق تطوير هذه التطبيقات وقتاً أطول ولكنه ينطوي على قيمة عظيمة، وتقع شركتا "رايب.آي أو" و"ديبيز" المذكورتان آنفاً ضمن هذه الفئة.
كما أنه بالإمكان استخدام هذا النوع من التطبيقات في مجالات مثل سلاسل التوريد ذات الحلقة المغلقة حيث يكون المصنّع مسؤولاً عن جمع المنتجات المستخدمة من المستهلكين وإعادة تدويرها أو إصلاحها بطرق آمنة لا تضرّ بالبيئة، وتتبّع غازات الدفيئة (أو غازات الاحتباس الحراري) المستخدمة في كل نقطة ضمن سلسلة التوريد والحدّ من هدر الطعام. مثلاً، يكون من المستحيل عادة تمييز مجموعات المنتجات الغذائية القابلة للتلف ضمن مخزون البضائع في مركز تلبية الطلبات، لكن إذا تم تتبّع كل حزمة على حدة فسيكون من الممكن احتساب مدة صلاحيتها، ويمكن استخدام هذه البيانات في تصميم خوارزمية جديدة لتوزيع البضائع على المتاجر ومراكز إطعام المحتاجين.
أهم مصدر محتمل للربح هو استخدام البيانات والتحليلات المحوسبة في إنشاء منتجات وخدمات جديدة مثل بناء أسواق جديدة تستخدم بيانات البلوك تشين لمطابقة المشترين مع البائعين وكتابة عقود ذات فاعلية أكبر تستفيد من نظام قائم على قدرة البلوك تشين على قياس الجهد والأداء بسهولة أكبر والاستفادة من إمكانية رؤية الأنشطة في طبقات سلسلة التوريد المختلفة من أجل إنشاء منتجات مخصصة.
نتيجة لهذا التقدم، قد تتمكن سلاسل التوريد في نهاية المطاف من مراعاة البيئة بدرجة أكبر وتقديم أجور أفضل وزيادة الحماية من التلوث ورفع مستوى الشفافية أمام جميع أعضاء سلسلة التوريد والمستهلكين.