يسافر الملايين من الأشخاص في موسم العطلات لقضاء إجازاتهم التي يستحقونها بعد أشهر طويلة من العمل، إلا أن الكثير منهم يصطحبون أعمالهم معهم على الرغم من ابتعادهم عن مكاتبهم. وأصبح ذلك سهلاً لأننا نحمل حياة العمل بأكملها في جيوبنا. إذ تنادينا هواتفنا المحمولة وأجهزتنا الذكية وتستدعي انتباهنا حيثما كنا وفي أي وقت. لكن ذلك يتعارض مع هدف العطلة الأساسي. لأنك إذا نقلت عملك من مكتبك الواقع في برج ما إلى شاطئ البحر المشمس فأنت لست في إجازة على الإطلاق.
يتعين علينا إعادة التوازن إلى علاقتنا مع التكنولوجيا. لأجل ذلك أنشأت شركتنا "ثرايف غلوبال" (Thrive Global)، برنامج "ثرايف أواي" (Thrive Away)، المخصص للبريد الإلكتروني في الإجازات. ويعمل هذا البرنامج ببساطة، إذ يحذف في أثناء عطلتك الرسائل الواردة إلى بريدك الإلكتروني بعد الرد على المرسل برسالة تُعلمه بموعد عودتك. وإذا كانت الرسالة الواردة مهمة يمكن للمرسل إرسالها لك مجدداً، أما إذا لم تكن مهمة فلن تكون بانتظارك عند عودتك، والأفضل من ذلك هو أنك لن تشعر بتلك الرغبة في قراءتها أثناء إجازتك.
وبذلك، لا تكمن أهمية هذا البرنامج في وضع حاجز بينك وبين بريدك الإلكتروني فقط، بل يحررك من تزايد الهاجس داخلك بأن هناك الكثير من الرسائل التي تتراكم في صندوق الوارد وتنتظر عودتك. إذ يوّلد هذا الهاجس توتراً يقلل الفوائد المرجوة من فترة ابتعادك عن العمل.
في جميع الأحوال، يشكل وجود الهاتف المحمول حتى إذا لم تستخدمه ضغطاً عليك. وأكدت دراسة نُشرت في مجلة "رابطة بحوث المستهلك" (Journal of the Association for Consumer Research)، قوة تأثير أجهزتنا علينا حتى عندما تكون صامتة بجانبنا. ويمكنك استخلاص فحوى الدراسة من عنوانها: "إرهاق الدماغ: مجرد وجود هواتفنا الذكية يقلل قدراتنا الإدراكية المتاحة". يقول أدريان وورد، الأستاذ في جامعة "تكساس"، وأحد مؤلفي هذه الدراسة لمجلة "أتلانتيك" (the Atlantic): "إننا نولي هواتفنا الذكية مساحة اهتمام كبيرة. لذلك، يزداد احتمال أن تكون مرتبطاً بما يمثله هاتفك لك، مهما كان، أكثر من ارتباطك بالأمور الأُخرى التي تدور حولك، مهما كانت". وهذا يشكل مشكلة عندما تكون الأمور الأُخرى التي تدور حولنا هي التي ينبغي أن نهتم بها، إذ تُعتبر هذه الاستراحة فرصة لإعادة شحننا بالطاقة والنشاط.
منذ عدة سنوات حاولت اختبار نسخة أولية من برنامج "ثرايف أواي"، الذي كنا نطوره في ذلك الوقت لصالح موقع "هافبوست" (HuffPost)، وأثناء إجازتي الصيفية التي كنت أقضيها على جزيرة أنتيباروس اليونانية مع أطفالي وزوجي السابق (فنحن نقضي كل عطلاتنا سوية، وكما قالت صديقتي نورا إيفرون: "يأتي الزواج وينقضي لكن الطلاق يبقى للأبد"). منحتني القدرة على التعايش مع كل تفاصيل العطلة شعوراً رائعاً، وذلك، بالاستمتاع بتفاصيل الوجبات والمحادثات والنزهات وكل الأشياء المفرحة التي لا تحدث إلا عندما نرفع أعيننا عن شاشات أجهزتنا. وبذلك لم تتمكن أكوام الرسائل المتراكمة في صندوق بريدي الإلكتروني من استهلاك كل الطاقة التي اكتسبتها أثناء تلك الإجازة في صباح أول يوم عدت فيه للعمل بعدها.
ومن المعروف أن الخوف من أكوام الرسائل المتراكمة عند العودة إلى العمل بعد الإجازة يؤثر علينا بشدة. وبحسب دراسة حديثة أجرتها "رابطة السفر الأميركي" لمشروعها "الإجازة" (Time Off) ، فإن 54% من الأميركيين لم يأخذوا إجازاتهم العام الماضي، والتي تراكمت ووصلت إلى 662 مليون يوم كان يمكن الاستفادة منها لتخفيف الضغط عنهم وزيادة إنتاجيتهم. وأهم سبب لذلك هو الخوف من العودة إلى العمل المتراكم بحسب ما صرّح به 43% من الأشخاص الذين ازدادوا عن نسبة 37% في العام الذي سبقه. كما وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يأخذون إجازات من العمل تزداد احتمالات حصولهم على ترقية أو علاوة. لذلك علينا أن نهتم بالإجازات أكثر.
إذاً، يمكننا القول إن أداء عملنا بصورة أفضل يعني أن نكون أفضل في قضاء أوقات إجازاتنا. وللقادة دور مهم في تحقيق ذلك. بحسب الدراسة ذاتها، حيث يعتقد نصف كبار القادة أن ثقافات شركاتهم تشجع على أخذ الإجازات، بمقابل نسبة 3% فقط من غير الإداريين الذين يعتقدون ذلك. ووجدت الدراسة أن نسبة ترك الإجازات لدى كبار القادة تبلغ 61%، أما ما يخص الموظفون في المراتب الأدنى فلديهم نسبة أقل وتبلغ 52%.
يجب أن يوضح كبار القادة والمدراء الذين يهتمون بأداء شركاتهم ونجاحها على المدى الطويل أنهم يشجعون على أخذ الإجازات الحقيقية، وأن يكونوا قدوة ومثالاً يحتذي به بقية الموظفين. إذ يمكنهم البدء بتوضيح أنهم لن يكونوا متوفرين أثناء إجازاتهم، وأنهم لن يستلموا الرسائل الإلكترونية ولن يدعوا الرسائل تتراكم في صناديق بريدهم الإلكتروني كذلك. وأنا أتمنى حقاً ألا يكون أي منهم يقرأ مقالي هذا أثناء وجوده على الشاطئ.