عندما كان البريد الإلكتروني حديث العهد قبل 20 عاماً، بدأ المدراء يسألوننا وقتها عما إذا كان يمكن استخدام البريد الإلكتروني في المحادثات الحساسة، مثل المشكلات المتعلقة بالأداء أو التفاوض على الراتب. لسنوات طويلة، كنا نجيب: "لا. لا يجوز استعمال البريد الإلكتروني لهذه الأغراض إطلاقاً". ولكن نظراً لأن العمل أصبح افتراضياً أكثر فأكثر، وأصبح حجم العمل المنجز عبر الإنترنت أكبر بكثير، فإن السؤال تغيّر. لم يعد الناس يسألوننا "هل بوسعنا استعماله لهذه الأغراض؟". بدلاً من ذلك، يطلبون منا أن نشرح لهم "كيف يمكننا استعماله لهذه الأغراض؟". فهل يمكن استخدام الإيميل للنقاش في العمل بطريقة صحيحة؟
إن موقفنا من هذه القضية تغيّر أيضاً، ومردّ هذا التغيير إلى حد كبير هو أننا اكتشفنا أناساً بدوا قادرين على طرح مواضيع محفوفة بالمخاطر بطرق مذهلة بفعاليتها من خلال البريد الإلكتروني.
صحيح أنه يجب عليكم الحد من استعماله للاتصالات الحساسة، إلا أن هناك ممارسات أفضل تتيح لكم الاستفادة من فعالية البريد الإلكتروني دون المعاناة كثيراً من عوائقه وقيوده. ولكن قبل أن تُقدِموا على هذه الخطوة، اطرحوا على أنفسكم السؤال التالي: "هل يمكنني إنجاز هذه المهمة قدر الإمكان دون رؤية وجه الموظف - ودون أن يرى وجهي؟".
والسبب في ذلك هو أن النظر إلى وجه الإنسان يعتبر مهماً. لا بل هو في غاية الأهمية. فوجوه الناس هي الأداة الأساسية التي نستعملها لاستكشاف نوايا الأشخاص الذين من حولنا. وجدت سوزان فيسكي، عالمة النفس في جامعة "برينستون"، أن برمجتنا البدائية كبشر تحثنا على إجراء تقييم لأي كائن يدخل المنطقة التي يقع بصرنا عليها. وثمّة سؤالان لا إراديان نطرحهما على أنفسنا: هل ينوي هذا الشخص إيذائي؟ وهل يستطيع تنفيذ عملية الإيذاء هذه؟ ونحن نطلق هذه الأحكام إلى حد كبير من خلال قراءة التفاصيل الصغيرة والتعابير في وجوه هؤلاء الناس.
أيضاً، نحن لا نكتفي باستعمال الوجوه بغية جمع المعلومات، بل إن النظر في عيون الآخرين يجعلنا نتصرف بطريقة أكثر أخلاقية وحزماً. فعندما يكون شخص ما بعيداً عن أنظارنا، فإنه يكون أكثر بعداً عن أذهاننا أيضاً. هل سبق لكم وأن انفعلتم تجاه شخص وسط الزحام المروري ثم اضطررتم إلى إدارة عنقكم في حركة يائسة لتتجنبوا النظر إلى عيون ضحيتكم تلك عندما اكتشفتم بأنها وقفت إلى جانبكم على إشارة المرور التالية؟ وهل سبق وعانيتم من الخزي نتيجة قول أمر سلبي بحق إحدى الزميلات لتكتشفوا أنها تقف خلفكم تماماً؟ وهل سبق لكم أن قلتم شيئاً كتابياً لم تكونوا لتقولوه شخصياً قط؟
بالتأكيد، لدي بعض الأشخاص الذين تربطني بهم علاقة تسمح لي بإرسال أي نص إليهم أي نص مهما كان والنجاة بفعلتي تلك، حتى لو كتبت لهم شيئاً موجزاً من قبيل: "تقريرك الماضي كان خالياً من الحقائق". أستطيع فعل ذلك لأنه في تلك اللحظات النادرة، إذا امتقعت وجوههم، فإنهم سيخبرونني. فهم يعرفونني بما يكفي ليتخيلوا كيف كان شكل وجهي عندما كتبت العبارة (كان وجهي ينمّ عن الفضول، لكنني لم أكن غاضباً)، وإذا كانت تساورهم الشكوك بخصوص الصورة الذهنية التي يمكنهم رسمها عني، فإنهم سيسألونني.
لكن هذا النوع من العلاقات نادر لأننا نميل إلى الثقة بالمعلومات البصرية أكثر من المعلومات اللفظية. فإذا قال أحدهم: "لا، أنا لست غاضباً منك"، بينما شفتاه ترتجفان وهو يقولها، فإننا نصدّق الشفتين وليس الكلمات التي تنبس بها.
وهذا أمر إشكالي في محادثات البريد الإلكتروني الافتراضية لأن الموارد الذهنية الهائلة التي عادة ما تكون مشغولة بمسح تفاصيل وجه الشخص المقابل لن تكون قادرة على رؤية شيء، لذلك فإننا نخترعه. فقد نقرأ الكلمات التالية: "تقريرك الماضي كان خالياً من الحقائق" ونتخيّل وجهك مليئاً بالازدراء ونتخيل شفتيك وقد عضضت عليهما.
كيفية استخدام الإيميل للنقاش في العمل بطريقة صحيحة
وفي غياب الثقة والمساءلة اللتين توفرهما لكم رؤية وجه شخص ما، فإنكم يجب أن تكونوا حذرين جداً. وإليكم 4 قواعد يجب ألا تغيب عن بالكم:
طابقوا بين تاريخ علاقتكم مع الشخص وما هو مطلوب للتعامل معه حالياً:
فإذا كان يجمعكم مع الشخص المعني ما يكفي من التاريخ الذي يسمح لكم بتوقع ردّ فعله على التواصل بدقة، فإن بوسعكم إجراء المحادثة معه عبر البريد الإلكتروني. ولكن إذا لم تكن معرفتكم بهذا الإنسان قوية، فإن اللقاء به شخصياً قد يكون هو الخيار الأفضل. قد يكون التواصل البصري مع هذا الشخص من خلال مكالمة الفيديو أو السكايب كافياً لمنحكم ما تحتاجونه من معلومات بصرية.
عبّروا عن نواياكم قبل التعبير عن المحتوى الذي تريدون إيصاله:
يمكنكم غالباً تجنب ردود الأفعال الدفاعية من الشخص الآخر من خلال البدء بعبارات تعبّر بوضوح عن نواياكم الحسنة – أو حتى من خلال التعبير عن خشيتكم من احتمال أن يسيء هذا الزميل فهم نواياكم. على سبيل المثال، بوسعكم القول: "لدي مخاوف أود التعبير عنها تجاه فريق بنغالور. وأود أن أصف لك هذه المخاوف – غير أنني أخشى أن تعتقد أنني أحاول نقل العمل إلى دبلن. وأنا لن أفعل ذلك بالتأكيد. وإنما كل ما أريده هو أن يحصل زبوننا على أفضل ما يمكننا تقديمه له. فهلا سمحت لي أن أعدد لك مخاوفي؟".
اكتبوا رسالتكم الإلكترونية مرتين من أجل إدارة استخدام الإيميل للنقاش في العمل بطريقة صحيحة:
في المرة الأولى، اكتبوا المحتوى الذين تريدون إيصاله وحاولوا صياغة تلك الرسالة بصدق وأمانة. ثم أقرؤوا تلك الرسالة ببطء، محاولين تخيّل شكل وجه الشخص الآخر. فهذا الأمر سيضفي على ذلك الشخص طابعاً إنسانياً بالنسبة لكم وسيساعدكم على تقليل الاحتمال القوي إلى أدنى حد بأن هذا الشخص سيستنتج أشياء أخرى غير تلك التي كنتم تنوون قولها فعلاً. حاولوا أن تضعوا أنفسكم مكان الشخص الآخر، وحاولوا أن تتخيّلوا كيف سيكون شعوره عقب قراءة كل نقطة من نقاط الرسالة. ثم أعيدوا كتابة الرسالة بشيء من راحة البال. لا تحاولوا التنازل عن المحتوى الأصلي من خلال تغليفه بالعبارات الجميلة والمنمّقة أو من خلال تمييعه. وإنما لاحظوا المواضع التي قد تجعل الطرف الآخر يسيئ قراءة نواياكم، وحاولوا توضيح الأشياء التي تودّون منه سماعها أو عدم سماعها منكم (أو رؤيتها أو عدم رؤيتها على وجوهكم). على سبيل المثال، ربما تكونون قد كتبتم في البداية: "في آخر ثلاثة إصدارات للبرنامج الحاسوبي، لم يتمكن فريق الاختبار في بنغالور من اكتشاف 71 خطأ". وبعد أن تتخيلوا كيف سيكون منظر وجوههم عندما يقرؤون العبارة، تضيفون العبارة التالية: "لا يساورني أي شك بخصوص رغبة فريق بنغالور بتقديم أرفع مستوى ممكن من الأداء.." وفي حالات أقل رسمية من هذه، رأينا أشخاصاً من البارعين في التواصل يصفون حتى تعابير وجههم وهم يكتبون شيئاً يهدف إلى المساعدة في التحكم بتفسيرات مستلمي الرسالة للكلام.
إذا شعرتم بالاستفزاز (أو إذا بدوا وأنهم قد استفزوا)، حاولوا التواصل معهم مباشر:
في اللحظة التي تقرؤون فيها الانفعال في جوابهم، أو إذا أحسستم أنتم بالانفعال، فحاولوا تغيير وسيلة التواصل معهم. فحتى المكالمات الهاتفية تسمح لكم بسماع الفروقات الصغيرة في النبرة، وفي حالات الصمت، وغير ذلك من المعلومات التي تساعدكم في التعامل مع العواطف والانفعالات. كما أن استعمال السكايب أو المؤتمر الهاتفي يمكن أن يمنحكم المزيد من المعلومات. فعندما تلتهب المشاعر، يشعر المرء بإغراء يشدّه نحو الرد عبر البريد الإلكتروني الذي يمنح شعوراً خادعاً بالأمان. لكن لا تخدعوا أنفسكم. إذا لم تكن الأمور تسير على ما يُرام من خلال البريد الإلكتروني، فإنها لن تتحسن مطلقاً من خلال الاستمرار في التواصل بهذه الطريقة.
وفي نهاية الحديث عن استخدام الإيميل للنقاش في العمل بطريقة صحيحة، من الممكن التعامل مع المواضيع الحساسة دون أن تكون لدى المرء ميزة رؤية الوجوه، طالما أنه قادر على تخيّل هذه الوجوه بدقة، وضمان انضباطه الذاتي ليرد على هذه التعابير الوجهية المتخيّلة. وعندما يتضح لكم أن خيالكم أو إجراءاتكم غير كافية، حاولوا التواصل مع الشخص المعني بصرياً في أسرع وقت ممكن.
اقرأ أيضاً: